ما المراد بالوجوه والنظائر ؟ شارك في الإجابة ، وناقش شيخ الإسلام ..

إنضم
02/04/2003
المشاركات
1,760
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
السعودية
الموقع الالكتروني
www.tafsir.org
بسم الله

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سياق كلام له :

( والأسماء المشتركة فى اللفظ هى من المتشابه ، وبعض المتواطئة أيضا من المتشابه . ويسميها أهل التفسير : الوجوه والنظائر ، وصنفوا كتب الوجوه والنظائر ؛ فالوجوه فى الأسماء المشتركة والنظائر فى الأسماء المتواطئة .
وقد ظن بعض اصحابنا المصنفين فى ذلك أن الوجوه والنظائر جميعا فى الأسماء المشتركة ، فهى نظائر باعتبار اللفظ ووجوه باعتبار المعنى .وليس الأمر على ما قاله بل كلامهم صريح فيما قلناه لمن تأمله .) مجموع الفتاوي ج:13 ص:276

وفي البرهان للزركشي : ( فالوجوه اللفظ المشترك الذى يستعمل فى عدة معان كلفظ الأمة ، والنظائر كالألفاظ المتواطئة .
وقيل النظائر فى اللفظ والوجوه فى المعانى . وضعف لأنه لو أريد هذا لكان الجمع فى الألفاظ المشتركة وهم يذكرون فى تلك الكتب اللفظ الذى معناه واحد فى مواضع كثيرة فيجعلون الوجوه نوعا لأقسام والنظائر نوعا آخر كالأمثال .)


فما تعليق المشايخ الكرام ؟
 
فأجاب عبدالرحمن الشهري وفقه الله بقوله :

أورد الدكتور مساعد الطيار المعنى الذي فهمه لمصطلح الوجوه والنظائر في كتابه (التفسير اللغوي) 91-94 فقال ما نصه :(غلبَ هذا المصطلحُ على المؤلَّفات التي كُتِبَتْ في هذا العلمِ ، وقد اختلفَ العلماءُ في بيانِه، ولما لم يكنْ تحريرُ هذا الخلافِ من صلبِ البحثِ ، فإنِّي قد حَرَصْتُ على استقراءِ أوَّلِ كتابٍ فيه : كتابِ مقاتلِ بنِ سليمانَ البلخيِّ ( ت150) ، حتى أتبينَ منه المرادَ بهذا المصطلحِ ؛ لأنَّ من كتبَ بعده في هذا العلمِ عَالَةٌ عليه ، وإذا ظهرَ مرادُه بهذا المصطلحِ ، فإنه يُحتكمُ إليه ، ويُصحَّحُ ما خالفَه من التَّعريفاتِ التي ذكرها العلماءُ . وبعدَ استقراءِ كتاب مقاتلٍ ، ظهرَ لي مرادُه بعلمِ الوُجُوهِ والنَّظائرِ ، وإليك هذا المثال الذي يتبيَّنُ منه مرادُه بالوجوه والنَّظائرِ :
قال مقاتل: تفسيرُ الحسنى على ثلاثةِ أوجهٍ :
فوجهٌ منها : الحسنى ؛ يعني : الجنَّةَ ، فذلك قولُه في يونسَ :(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى)يونس : 26 ؛ يعني : الذين وَحَّدُوا لهم الحسنى ؛ يعني : الجنَّةَ ، (وَزِيَادَةٌ) ؛ يعني : النَّظرَ إلى وجهِ اللهِ .
ونَظِيرُها في النَّجمِ ، حيثُ يقولُ :(وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالحُسْنَى)النجم : 31 ؛ يعني : بالجنَّةِ ، وكقولِه في الرحمنِ :(هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إلاَّ الإحْسَانُ)الرحمن : 60 يقول : هلْ جزاءُ أهلِ التَّوحيدِ إلا الجنَّةُ .
الوجه الثاني : الحسنى ؛ أي : البنون ، فذلك قول الله تعالى في النَّحْلِ :(لَهُمُ الحُسْنَى)النحل : 62؛ أي : البنون .
والوجه الثالث : الحسنى ؛ يعني : الخيرَ ، فذلك قولُه في براءة :(إنْ أرَدْنَا إلاَّ الحُسْنَى)التوبة : 107 يقولُ : ما أردنا ببناءَ المسجدِ إلاَّ الخيرَ.
ونظيرها في النساءِ :(إنْ أرَدْنَا إلاَّ إحْسَاناً وَتَوفِيقًا)النساء : 62؛ يعني : الخير ) .

**تحليلُ هذا المثالِ **
1 ـ إنَّ مقاتلَ بنَ سليمان جعلَ لفظَ الحسنى في القرآن على ثلاثةِ وجوهٍ : ( الجنَّة ، والبنون ، والخير ) ، وهذه الوجوهُ معانٍ مختلفةٌ لهذه اللَّفظةِ .
2 ـ وإنه يكفي في الوجوه اتفاقها في المادَّةِ ، وإن لم تتفقْ في صورةِ اللَّفظِ ؛ كالحسنى والإحسانِ .
3 ـ وإنه في الوجه الأولِ فَسَّرَ الحسنى في آيةِ يونسَ بأنها الجنَّة ، ثمَّ جعل الحسنى في آيةَ سورةِ النَّجمِ نظيرةً لآيةِ سورةِ يونس .
وفسَّرَ الحسنى في آية سورة براءة بأنها الخير ، ثُمَّ جعلَ الحسنى في آية سورة النَّساء نظيرةً لها ، فهما موضعان مختلفان من القرآنِ ، لكنهما اتفقا في مدلولِ اللَّفظةِ ، وهذا يعني أنَّ تماثلَ المدلولِ في الآيتينِ هو النظائرُ.
4 ـ وإنه لم يذكر في الوجه الثاني نظيرًا للآيةِ ، وهذا يعني أنَّه لا يلزمُ أن يكونَ في كلِّ وجهٍ من الوجوهِ نظائرُ من الآياتِ .
ومن هذا الموضع المنقولِ عن مقاتلٍ ( ت : 150 ) يتحرَّرُ مصطلحُ الوجوهِ والنَّظائرِ ، ويكونُ كالآتي :

الوجوهُ : المعاني المختلفةُ لِلَّفظةِ القرآنيةِ في مواضعِها من القرآنِ .
والنَّظَائِرُ : المواضعُ القرآنيةُ المتعدِّدَةُ للوجهِ الواحدِ التي اتفقَ فيها معنى اللَّفظِ ، فيكون معنى اللَّفظ في هذه الآية نظيرَ (أي : شبيه ومثيل) معنى اللَّفظِ في الآيةِ الأخرى ، واللهُ أعلمُ ). أ.هـ.
فعلى هذا تكون (الوجوه) من باب المشترك اللفظي غالباً ، وأما النظائر فليست إلا مجرد أمثلة أخرى للوجه الواحد ، ولكن في مواضع أخرى ، ولا تعد حينئذٍ من المشترك ولا من المترادف.

------
وما نقله أخي أبومجاهد عن شيخ الإسلام ابن تيمية يتضح بعد شرح معنى مصطلحي: (الاشتراك) و (التواطؤ) في الألفاظ.

المشترك اللفظي : هواللفظ الواحد يكون له معانٍ متعددة ، تختلف بحسب السياق. مثل لفظة العين : فهي تدل على العين المبصرة ، والذهب ، وعين الماء ، والجاسوس ، والسحاب . وغيرها وقد جمعها ابن فارس في قصيدة له.

المتواطئ : هي الألفاظ المختلفة للمعنى الواحد ، كلفظة الأسد ، والليث ، والهزبر فهي تدل على معنى واحد. وهو ما يسميه بعضهم المترادف. وموضوع الترادف مختلف فيه لكن ليس هذا موضوعنا. ولعل الإخوة يزيدون شرح معنى الاشتراك اللغوي ، والفرق بين نظرة المتقدمين له ونظرة المتأخرين . فالوقت لا يسمح لي بأكثر من الإشارة هنا.

وقد أشار السيوطي إلى ما أشار إليه ابن تيمية في كلامه المنقول أعلاه. وقال عند حديثه عن المشترك :(وقد صنف في هذا النوع وفي عكسه – وهو ما اختلف لفظه واتحد معناه – كثير من المتقدمين والمتأخرين ، منهم ابن الجوزي ، وابن أبي المعافى ، وأبو الحسين محمد بن عبدالصمد المصري وابن فارس وآخرون). انظر: معترك الأقران 1/514 بتحقيق البجاوي.
ويفهم من كلام السيوطي أن العلماء في كتب الوجوه والنظائر صنفوا في المشترك وفي عكسه وهو المترادف أو المتواطئ هذه المصنفات المعروفة بالوجوه والنظائر. لكن الإشكال هو في عدم الإشارة للمترادفات في كتب الوجوه والنظائر ! مما يؤيد اعتراض ابن تيمية في كلامه على المصنفين في الوجوه والنظائر. وأظن شيخ الإسلام يشير إلى كتاب ابن الجوزي في الوجوه والنظائر المسمى (نزهة الأعين النواظر) .
والظاهر أن وجوه اللفظة القرآنية لم تكن دائماً من باب المشترك اللفظي ، وإنما تكون كذلك أحياناً. والذي جعل العلماء يدخلونها باب الوجوه هو استعمال القرآن لها في سياقات مختلفة مما جعلها تدل بناء على السياق على معاني متباينة.
ويبدو لي أن الوجوه المتعددة للفظة الواحدة تكون مرادفة لمعناها الخاص في كل سياق فهي تحمل في طيها ترادفاً مع ألفاظ أخرى هي التي تفسر بها.

فمثلاً لفظة اللسان : قالوا : إنها وردت لأربعة معانٍ : اللغة – الدعاء – الثناء الحسن – العضو المعروف في الفم.
فكون اللسان بمعنى اللغة ، يعني أن لفظة اللغة مرادفة للفظة اللسان في بعض سياقاتها الخاصة ، ولها مرادف آخر هو الثناء الحسن ، ومرادف آخر هو الدعاء. بمعنى أن هذه الألفاظ مختلفة المبنى ، متفقة المعنى مع اللفظة الأم.
فمعنى كلام ابن تيمية : أن لفظة اللسان لها وجوه باعتبار اللفظ الواحد وتعدد معانيه بحسب السياق . ولكنه في الوقت نفسه نظير لكل معنى من هذه المعاني المختلفة ، فهو مترادف ونظير للوجه الأول(اللغة) ، ونظير للثاني (الثناء الحسن) وهكذا.
وأن لفظ الولي مثلاً الذي جعل له العلماء عشرة وجوه هي (الولد – الصاحب – القريب- الرب – المولى الذي يعتق ...الخ) فإن هذه الألفاظ المختلفة نظائر للفظة (الولي) فلها ترادف مع الولد ، وترادف آخر مع الصاحب ، وترادف ثالث مع القريب وهكذا .
فيكون معنى الوجوه إذاً : المعاني المتعددة للفظ الواحد ، ويكون هذا من الاشتراك أحياناً.
ويكون معنى النظائر : تعدد الألفاظ واتحاد المعاني ، وهنا يكون الترادف أو التواطؤ.

ويكون معنى قول ابن تيمية :(فالوجوه فى الأسماء المشتركة) أي : اتحاد اللفظ واختلاف المعنى بحسب السياق ، وهو يعني بالأسماء الألفاظ لا قسيم الفعل والحرف.
ومعنى قوله :(والنظائر فى الأسماء المتواطئة) أي : تعدد الألفاظ واتحاد المعاني وهذا هو التواطؤ أو الترادف ، ويكون هذا بحسب دلالة السياق الخاصة.
وهذا هو الذي قدمه الزركشي في تعريفه في قوله :( فالوجوه اللفظ المشترك الذى يستعمل فى عدة معان كلفظ الأمة ، والنظائر كالألفاظ المتواطئة).
و حينئذٍ لايلزم من تعبير مقاتل بقوله :ونظير هذا قوله تعالى كذا... بعد ذكره لكل وجه ، أنه يعني بذلك معنى النظائر الاصطلاحي الذي عناه في كتابه ، بدليل عدم استخدامها بكثرة عنده وعند الدامغاني . وإنما يقول : كقوله ، أو ومثله كذا .. وإن كان قد يستخدمها كما فعل مقاتل كما في شرحه (الأعناق). وانظرتفسير مقاتل لكلمة (الحق) ص175 فقد ذكر لها أحد عشروجهاً ، وكل وجه له أمثلة كثيرة ، لم يعبر بلفظ النظير فيها إلا مرتين في الوجه الثامن ، والحاد عشر. وبقية المواضع يقول : كقوله ، ونحوه كثير.
ويبدو لي أن المؤلفين في الوجوه والنظائر قد توسعوا في دلالات الألفاظ وتشقيقها ، مع اتحاد الأصل اللغوي للمواد التي يذكرونها ، حتى بالغوا في ذلك ، وجعلوا لكل سياق معنى يخصه.
وخذ مثالاً قول الدامغاني :( تفسير التراب على خمسة أوجه : الرميم ، الأتراب : الأشكال ، الترائب : الضلوع ، التراب : البهائم ، الصعيد). 1/190 في حين قال ابن فارس :(ترب : أصلان صحيحان : أحدهما التراب وما يشتق منه ، والآخر تساوي الشيئين).
فدخل في الأصل الأول الرميم ، والصعيد. ودخل في الأصل الثاني : الأتراب ، والترائب. وأما البهائم فما أدري كيف أصنع بها ، والأفضل تركها ترد الماء وتأكل الكلأ ! فلا أدري لماذا أدخلها الدامغاني واستنبطها من قوله تعالى:(ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً). قال : أي يا ليتني كنت بهيمة، لأن البهائم ستكون تراباً يوم القيامة.
وقد كنت في بحثي عن ابن فارس أشرت إلى أن مما دعاه إلى تصنيف مقاييس اللغة فيما ظهر لي ما رآه من توسع العلماء في تفريع الأصول اللغوية للمفردات ذات الأصول الواحدة ، ولعله كان يعني كتب الوجوه والنظائر ، وأشرت إلى قيمة كتاب المقاييس في ضبط هذه المسألة لطالب العلم ، بحيث يجمع له المعاني الكثيرة في الأصول القليلة. وهذا موضوع جدير بإفراده بمقالة شافية ، ولا سيما أنه من مباحث اللغة والتفسير ، فقد بحثه اللغويون في دلالات الألفاظ ، والأضداد ، ومعاجم المعاني . وبحثه المفسرون في كتب الوجوه والنظائر ، والتفسير.
ودلالة السياق دلالة نافعة في فهم القرآن ، ولكن هذا لا يعني مفارقة اللفظة لأصل معناها اللغوي ، حتى لا يبقى بينه وبينها صلة كما يصنع بعض المصنفين في الوجوه والنظائر. ثم إن دلالة السياق عند علمائنا القدامى تختلف عن منهج اللغويين المعاصرين في دراسة السياق ، ومنهج علمائنا أولى وأدق ، ولا سيما أنهم راعوا في ذلك خصوصية القرآن الكريم.
وقد كتبت الأستاذة سلوى محمد العوا كتاباً جيداً بعنوان (الوجوه والنظائر في القرآن الكريم) وطبعته دار الشروق ، حاولت فيه تشخيص هذه المسألة ، ومحاولة دراسة دلالة السياق وتأثيرها في باب الوجوه والنظائر. غير أنها سلكت منهج المعاصرين في دراسة السياق ، وتأثرت كغيرها بالدراسات المترجمة عن اللغات الأخرى.
وإلى هنا يجب أن أقف ، وأترك لمن هو أولى مني التدقيق في المسألة ، والتعقيب على ما كتبته عفو الخاطر ، والله يغفر الزلل والخطأ ، ولعل الدكتور مساعد الطيار حفظه الله ينشط لنقاش المسألة هنا ، فله فيها وفي غيرها نظرات وعبرات ! وتصويب ما ذكرته فإني منه في شك. أسأل الله أن يفتح عليه وعلينا جميعاً من فضله العميم ، في فهم كتابه الكريم.
 
وعقب عادل الكلباني بهذا التعقيب :

الحمد لله وبعد ،،،
فالذي يظهر والله تعالى أعلم أن القول قول شيخ الإسلام ، قلت هذا استقراء ، وما ذكره الدكتور مساعد في كتابه التفسير اللغوي عن مقاتل بن سليمان يثبت هذا ولا يعكر عليه ، فقوله تعالى في الآية من سورة يونس عليه السلام : للذين أحسنوا الحسنى . بمعنى الجنة ، وكذلك في قوله في سورة النجم : ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى . وأما قوله في النحل : أن لهم الحسنى . فتفسيرها بالبنين ، وحده فيه نظر ، ولهذا اختيرت اللفظة لتجمع بين المعنيين ، وليختار أعلاهما ، بدليل قوله بعدها : لا جرم أن لهم النار . فلما زعموا أن لهم الجنة مع جعلهم لله ما يكرهون ، رد عليهم بأن هذا الزعم باطل . ويقال مثل ذلك في قوله تعالى في التوبة : إن أردنا إلا الحسنى . فتفسيرها بالجنة ، حيث هي الثواب أقرب من مجرد الخير ، وإن جعل الخير داخلا في أصل المعنى لا نصا عليه . بمعنى أردنا الخير الموصل للجنة .أو الثواب الموصل للجنة ، فيبقى المعنى على أصله . وهذا مضطرد .
وإليك مثالا آخر ، فمما يذكر في الوجوه والنظائر لفظ ( أمة ) على معان ، والقول صحيح في مجمله ، لا في تفصيله ، فمعنى قوله : وادكر بعد أمة . قالوا مدة من الزمن . وقال بعضهم : نسيان .وقوله : إن هذه أمتكم أمة : أي : ملة . وقوله : إن إبراهيم كان أمة . أي : إماما . وقوله : وجد عليه أمة . أي جماعة . وهو أصل معنى الأمة ، الجماعة . ولو تأملت معنى أمة في الآيات جميعا لوجدت اشتراكها في الجماعة . من الزمن ، أو الخصال ، أو التشريع ، أو الجنس . فإبراهيم عليه السلام لو قال الله تعالى إن إبراهيم كان إماما . لاحتمل أن يكون إماما في جزء ما أو خصلة ما أو شيء ما . فلما وصفة بأنه أمة ، صار إماما في كل خصلة من خصال الخير ، من الصبر والحلم والعلم والتضحية والتوحيد وغير ذلك ، فالتعبير بأمة أبلغ في إمامته ، فتفسيرها بإمام اقتطاع جزء كبير جدا من المعنى ، ينقص قدر الممدوح به . ومثل ذلك يقال في قوله بعد أمة ، أي بعد مدة طويلة من السنين التي لبثها يوسف ، فلبث في السجن بضع سنين ، لا يكفي في وصفها قولنا : مدة من الزمن ، فقد تقصر هذه المدة وقدج تطول ، ولفظ أمة ينبيء عن طول المدة وتتابع السنين عليها . وكذلك في قوله : أمة واحدة . لا يكفي تفسيرها بالملة . فالمراد اجتماع الكثير من الناس على هذه الملة ، وتتابع الزمن وكثرة الرسل على نفس هذه الملة . فإنه وإن كانت الملة واحدة فقد اجتمع أهل الحق عليها عبر الزمان والمكان وتعاقب القرون . فتبارك الله وصدق حين قال : قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
 
ثم كتب عبدالرحمن الشهري هذا التعقيب :

أشكر الشيخ عادل الكلباني على تعقيبه الموفق ، ولازلت أطح من فضيلته في توضيح قوله :(الذي يظهر والله تعالى أعلم أن القول قول شيخ الإسلام ، قلت هذا استقراء ، وما ذكره الدكتور مساعد في كتابه التفسير اللغوي عن مقاتل بن سليمان يثبت هذا ولا يعكر عليه ). فلا زال الأمر مشكلاً عليَّ.
كما أرجومن الشيخ مساعد الطيار أن يتفضل بإبداء رأيه مشكوراً إن أمكن .
حفظكم الله جميعاً وجزاكم خيراً .
 
قال ابن القيّم : ( فإن اللفظ في القرآن يكون له نظائر يعرف معناه باطراد ذلك المعنى في تلك الألفاظ النظائر ، وفيها صنفت كتب الوجوه والنظائر .

فالوجوه : الألفاظ المشتركة

والنظائر : الألفاظ المتواطئة .

الأول فيما اتفق لفظه واختلف معناه ، والثاني فيما اتفق لفظه ومعناه .) انتهى بلفظه من مختصر الصواعق المرسلة 4/1410 الطبعة الجديدة التي أصدرتها أضواء السلف .
 
[align=justify]المؤلفات في المشترك اللفظي في الميدان القرآني كثيرة ، والمشترك اللفظي بالنسبة للقرآن لم يرد بهذا المصطلح في كثير من المؤلفات التي تناولت هذه الظاهرة ، ولعل السبب في ذلك أن كلمة (اللفظ) لا تُقال في رحاب القرآن الكريم والبديل عنها هو (الكلمة) . لأنه لا يُطلق على كلمات القرآن ألفاظاً ، لأن الألفاظ يُرمى بها اللسان ، ويقذفها متى أراد ، والقرآن الكريم لجلاله وهيبته لا يُرمى ولا يُقذف ، ولكن يُقرأ ويُتلى .
ففي الإبانة لأبي حسن الأشعري : "فإن قال قائل : حدّثونا عن اللفظ بالقرآن كيف تقولون فيه ؟ قيل له : القرآن يُقرأ في الحقيقة ويُتلى ، ولا يجوز أن يُقال : يُلفظ به ، لأن القائل لا يجوز له أن يقول : إن كلام الله ملفوظ به ، لأن العرب إذا قال قائلهم : لفظت باللقمة من فمي فمعناه : رَمَيْتُ بها ، وكلام الله تعالى لا يقال : يُلففظ به ، وإنما يقال : يُقرأ ، ويُالى ، ويُكتب ، ويُحفظ " (كتاب الإبانة عن أصول الديانة، ص101) . ولعل هذا هو السبب الذي لأجله وُضعت عناوين أخرى تحمل معنى المشترك اللفظي ولكنها لا تحمل إسمه ، مثل الأشباه والنظائر ، أو الوجوه والنظائر ، أو التصاريف ...

أبومجاهدالعبيدي قال:
... وقد أشار السيوطي إلى ما أشار إليه ابن تيمية في كلامه المنقول أعلاه. وقال عند حديثه عن المشترك : "وقد صنف في هذا النوع وفي عكسه – وهو ما اختلف لفظه واتحد معناه – كثير من المتقدمين والمتأخرين ، منهم ابن الجوزي ، وابن أبي المعافى ، وأبو الحسين محمد بن عبدالصمد المصري وابن فارس وآخرون" . انظر: معترك الأقران 1/514 بتحقيق البجاوي.
ويفهم من كلام السيوطي أن العلماء في كتب الوجوه والنظائر صنفوا في المشترك وفي عكسه وهو المترادف أو المتواطئ هذه المصنفات المعروفة بالوجوه والنظائر . لكن الإشكال هو في عدم الإشارة للمترادفات في كتب الوجوه والنظائر ! مما يؤيد اعتراض ابن تيمية في كلامه على المصنفين في الوجوه والنظائر. وأظن شيخ الإسلام يشير إلى كتاب ابن الجوزي في الوجوه والنظائر المسمى (نزهة الأعين النواظر) .

إن كان في اعتراض شيخ الإسلام إشارة إلى كتاب ابن الجوزي ، والإنتصار لهذا الإعتراض بدليل عدم الإشارة للمترادفات في المؤلفات ، فأظن أن هذا ينبع عن إسقاط ابن الجوزي كتاباً للغوي متقدّم له شهرته ومكانته في عالم اللغة والأدب ، وإغفاله له كليا ، وهو المبرّد المتوفي سنة 285 هـ ، فله كتاب في هذا الفن ، وهو كتاب : (ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد) ، وقد أثبته له السيوطي في (البغية) .

وهذا الكتاب حقّقه الدكتور أحمد محمد سليمان أبو رعد . وعند النظر في هذا الكتاب نجد أن المبرّد ابتدأه بظاهرة الترادف التي عبّر عنها بقوله : "اختلاف اللفظين والمعنى واحد" . والدليل على أن المقصود هنا هو المترادفات ، قوله : "فأما اختلاف اللفظين والمعنى واحد فقولك : ظننت وحسبت ، وقعدت وجلست ، وذراع وساعد ، وأنف ومرسن " .

أما بالنسبة لمصطلح (الوجوه والنظائر) عند ابن الجوزي ، فهو يقول : "واعلم أن الوجوه والنظائر : أن تكون الكلمة واحدة ، ذُكرت في مواضع من القرآن على لفظ واحد ، وحركة واحدة ، وأريد بكل مكان معنىً غير الآخر . فلفظ كل كلمة ذُكرت في موضع نظير للفظ الكلمة المذكورة في الموضع الآخر . وتفسير كل كلمة بمعنى غير معنى الآخر هو الوجوه . فإذاً النظائر : إسم للألفاظ ، والوجوه : إسم للمعاني . فهذا الأصل في وضع كتب الوجوه والنظائر " (مقدمة نزهة الأعين النواظر ، ص83) .
[/align]
 
[align=justify]يقول سليمان بن بنين الدقيقي النحوي (614 هــ) : "فمن ذلك ما أخبرني به الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد بن مفرج بن غياث الأرتاحي ، قراءة عليه وأنا أسمع ، قال : أنبأني الشيخ أبو الحسن علي بن الحسين بن عمر الفراء الموصلي ، وقال : أخبرنا أبو إسحق إبراهيم بن سعيد بن عبد الله الحبال ، قال : أخبرنا أبو يعقوب يوسف بن إسماعيل بن خرذاد النجيرمي ، قال : أخبرنا أبو القاسم جعفر بن شاذلي القمي ، قال : أخبرنا أبو عمر محمد بن عبد الوهاب الزاهد ، قال : حدثنا أبو العباس بن يزيد المبرّد بجميع ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن ، قال أبو العباس : هذه حروف ألفناها من كتاب الله عزّ وجلّ ، متّفقة الألفاظ ، مختلفة المعاني ، متقاربة في القول ، مختلفة في الخبر على ما يوجد في كلام العرب لأن من كلامهم اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين ، واختلاف اللفظ والمعنى واحد ، واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين .

قال المبرد :

فأما اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين ، نحو : ذهب وجاء ، وقام وقعد ، ويد ورجل ، وفرس وحمار .

وأما اختلاف اللفظين والمعنى واحد ، فكقولك : ظننت وحسبت ، وقعدت وجلست ، وذراع وساعد ، وأنف ومرسن (جاء ذكرهما في المشاركة أعلاه) .

وأما اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين ، فنحو قولك : وجدت شيئاً إذا أردت وجدان الضالة ، ووجدت على الرجل من الموجدة ، ووجدت زيداً كريماً أي علمت .

ثم قال بعد ذلك : فمما اتفق لفظه واختلف معناه قول الله عزّ وجلّ ((إلا أمانيّ وإن هم إلا يظنّون)) (البقرة : 178) هذا لمن يشكّ . ثم قال : ((الذين يظنّون أنهم ملاقو ربهم)) (البقرة : 46) فهذا يقين "


المصدر :
اتفاق المباني وافتراق المعاني
لسليمان بن بنين الدقيقي النحوي
المتوفي سنة 614 هــ
تحقيق الدكتور يحيى عبد الرؤوف جبر


وقد وجدت تعريفاً آخر للأشباه والنظائر في كتاب (التطور الدلالي بين لغة الشعر ولغة القرآن) من تأليف الدكتور عودة خليل أبو عودة ، من شأنه أن يزيل للإشكال : يقول : " علم الأشباه والنظائر فرع من علوم التفسير . ويُقصد بالأشباه الألفاظ المشتركة التي تُستعمل في معان متعدّدة ، وهو ما سُمّي في الدراسات الحديثة بالمشترك اللفظي . كلفظ العين يُطلق على العين المبصرة والعين الجارية .. ويُقصد بالنظائر الألفاظ المتواطئة التي تُستعمل بمعنى واحد مثل جواد كريم . وهذا قريب من معنى الترادف في الدراسات اللغوية الحديثة " . ص38 .


إلا أن ما قد يشكل على المرء في ما نحن بصدد الحديث عنه ، هو ما نجده في المصنّفات التي عالجت قضية المتشابه من الآيات ، ولم تقتصر على (الكلمة) القرآنية وحدها .

انظر إلى قول الكرماني في مقدمة كتابه (البرهان في توجيه متشابه القرآن) ، فبعد حمد الله والثناء عليه ، يقول : " فإن هذا كتاب أذكر فيه الآيات المتشابهات التي تكرّرت في القرآن وألفاظها متّفقة ، ولكن وقع في بعضها زيادة أو نقصان ، او تقديم أو تأخير ، أو إبدال حرف مكان حرف ، أو غير ذلك مما يوجب اختلافاً بين الآيتين أو الآيات ... ولكني أفردت هذا الكتاب لبيان المتشابه ، فإن الأئمة رحمهم الله تعالى قد شرعوا في تصنيفه واقتصروا على ذكر الآية ونظيرتها ، ولم يشتغلوا بذكر وجوهها وعللها والفرق بين الآية ومثلها . وهو المشكل الذي لا يقوم بأعبائه إلا من وفّقه الله لأدائه " ص20 .

وفي (متشابهات القرآن) يقول الكسائي في مقدمته : " فإني إن شاء الله أذكر في هذا الكتاب ما تشابه من ألفاظ القرآن ، وتناظر من كلمات الفرقان .. " ص40 .



[/align]
 
ما زلنا نحتاج إلى مناقشة ما ذكرتم يا أبا مجاهد ، فما جديدك حول الموضوع بارك الله فيك ، فقد تقضى الزمانُ ، ولم نعد إلى هذا الموضوع .
 
الحمد لله ، وبعد ..

هناك بعض دراسات جيدة في الباب ، وعلى رأسها مقدمة الدكتورة هند شلبي في كتاب التصاريف ، فقد قدَّمت مقدمة نفيسه حقيقة ، بالإضافة إلى ما كُتِب في هذا الباب من بعدهم مثل ما كتبته سلوى العوا في دراستها عن الوجوه والنظائر ، وكذا ما ذكره محمد نور الدين المنجد في كتابه المشترك اللفظي فقد أفاد إفادات محصلها أن غالب ما ذكر من الوجوه هو راجع وجه واحد . وهذا سبقه إليه ابن الجوزي رحمه الله في طليعة كتابه (( نزهة الأعين النواظر )) وقد اعتذر عن تساهله فيه بعد ان رفض كثير مما ذكروه من قبل .

لذا أقول ليت هناك دراسة تعنى بجمع ما كتب في الوجوه والنظائر وتحرر لموضوعه وتأصل له بدراسة تأصيلية ، ومن ثم تعرج على مفرداته بدراسة تطبيقيه على منهج سديد وقوي صحيح . ( غير دراسة القرعاوي )

سؤال : وقفت على كتاب في الوجوه والنظائر لأبي هلال العسكري ، فهل تصح نسبته له ؟

والله أعلم
 
هناك دراسة تطبيقية جيدة بعنوان زوائد ابن الجوزي على كتاب مقاتل للدكتور فهد الضالع رسالة ماجستير في جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية .
 
الأخ أبا العالية
كتاب أبي هلال طُبع مؤخرًا ، والعجيب أنه معتزلي ، فقد ذكر اعتزالياته في بعض وجوه القرآن .
 
يسر الله لي كتابة حول هذا الموضوع في بحث تم تحكيمه وعنوانه : الوجوه والنظائر في القرآن دراسة تأصيلية , لعل الله ييسر طرحه هنا في قادم الأيام .
 
لدينا رسالة ما جستير نوقشت في الأزهر قريبا عن " النظائر القرآنية .." للأخ الباحث محمد فوزي المدرس المساعد بأصول الدين طنطا وسأدعوه للمشاركة بالرأي بإذن الله تعالى
 
نعم، القول قول شيخ الإسلام. وليس المراد بالتواطؤ الترادف أو الألفاظ المختلفة المتقاربة في المعنى كما نحى نحو هذا الفهم مشاركة بعض المشايخ الفضلاء في الأعلى، بل لم يقر شيخ الإسلام بوجود الترادف أصلا. وإنما المراد بالتواطؤ ما اتفق معناه أو تقارب مع الاتحاد في اللفظ والاشتقاق كما فسره ابن القيم، وهذا معروف من مصطلح الشيخ، بل من مصطلح أكثر العلماء المتكلمين بهذا المصطلح أو كلهم.

ومن الظاهر أن قول شيخ الإسلام (وقد ظن بعض اصحابنا المصنفين فى ذلك أن الوجوه والنظائر جميعا فى الأسماء المشتركة ، فهى نظائر باعتبار اللفظ ووجوه باعتبار المعنى) أراد به أمثال ابن الجوزي القائل: (النظائر إسم للألفاظ، والوجوه إسم للمعاني. فهذا الأصل في وضع كتب الوجوه والنظائر)، والله أعلم
 
عودة
أعلى