ما السر في قوله تعالى (الم نجعل الأرض مهاداً)

وليد الغشم

New member
إنضم
25/03/2025
المشاركات
15
مستوى التفاعل
1
النقاط
3
الإقامة
صنعاء
مرت الأرض بعمليات معقدة وفترة طويله الى أن أصبحت مكان صالح لسكن وعيش الانسان، وعلى سبيل ضرب المثال لا الحصر (تكون القشرة الأرضية والقارات، خروج المياه محيطات وبحار وباختلاف درجة ملوحتها، تكون الجبال، ظهور حيوانات عملاقة مثل الديناصورات ونباتات عملاقة مهدت الأرض للإنسان، تكون الغلاف الجوي، توفر الاوكسجين، تكون الامطار والانهار، تسخير الشمس والقمر، تكون الجبال، تكون القطب الشمالي والجنوبي، الفصول الأربعة .. الخ) ويقول الله سبحانه وتعالى في محكم آياته (وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14)، سورة المدثر) وهذه الآية تدل على العناية الكبيرة التي أولها الله في تمهيد الأرض لتصبح ملائمة لعيش وسكن الانسان.
وفي كثير من قواميس اللغة تعني كلمة المهد البساط او الفراش، ولفهم معنى الكلمة بشكل محسوس نضرب مثل على ذلك بمهد الطفل او سرير الطفل الذي يقوم الانسان بأعداده بعناية لكي يستقبل الطفل الجنين ليتناسب مع ضعف وكيان هذا الجنين، حيث يؤخذ في الاعتبار مكان وضع المهد في الغرفة ونوع القماش الناعم وان يكون مصنوع من المواد الغير مؤذية او الحادة للطفل .. الخ
ويقول الله سبحانه وتعالى أيضا عن تمهيد الأرض (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53))، سورة طه)وقال تعالى (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10)، سورة الزخرف) وقال تعالى (وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48)، سورة الذاريات) هذه الآيات بحسب سياقها يستشف وستنبط القارئ بان الأرض أصبحت ممهدة وصالحة لعيش وسكن الانسان، وبإضافة قولة تعالى (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6)، سورة النبأ) مع إضافة عنصر الزمن سيتضح ان عملية التمهيد لم تتوقف وما زالت مستمرة ومتواصلة، ويتضح ذلك من قوله تعالى (الأرض مهادا) ومهاداً هنا أصبحت صفة توضح حال الأرض التي تم تمهيدها وما تزال تحافظ على هذا التمهيد الذي يجعل من الأرض ذلك السرير والفراش الذي يكون صالح لحياة البشر.
هذه الحقيقة تحدث عنها كثير من العلماء حيث لاحظوا بان الأرض دائمة التمهيد والتجدد بما تحافظ على بقاء الانسان، على سبيل المثال تجدد الاكسجين، دورات الحياه التي تمر بها الكائنات الحية، سقوط الامطار، تكون البراكين لتخفيف ضغط، الاحزمة النارية، تشكل الجزر بفعل البراكين الخ، لا يقتصر الامر على ذلك ولكن الامر يمتد الى قيام الأرض بمعالجة وشفاء نفسها وتصحيح ما يعبث به الانسان للمحافظة على استقرار الانسان، فنجد تكون الأعاصير الناتج عن ارتفاع حرارة الأرض وهي احد عوامل شفائها، وكل ذلك طبعا احد نعم الله التي لا تحصى ولا تعد.
ونظراً لتمادي الانسان في استغلال موارد الأرض وبشكل غير عقلاني لا يراعي سلامة البيئة المحيطة او المهد الذي يحتضنه، اصبح من الصعب على الأرض القيام بعمليات شفاء نفسها، ذلك لان درجة العبث في استغلال هذه الموارد وصل الى الحد الذي يفوق قدرة الأرض على شفاء نفسها، ويعلم معظم العلماء ان الأرض تحتاج الى زمن كبير للتعافي, ولذلك ظهرت هناك عدد من المشكلات مثل ظاهرة الاحتباس الحراري، وذوبان الثلج، وتهديد ارتفاع منسوب مياه البحار في العالم، التلوث بالمواد الغير قابله للتحلل، وفي خضم ذلك يقول الله سبحانه وتعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)، سورة الروم) وهذه الآية تشير بشكل صريح الى ظهور الفساد بالبر والبحر بما كسبت ايدي الناس وهي تعني ظهور الملوثات نتيجة للإسراف والاستخدام المفرط والغير مسئول للموارد الموجودة في الأرض، نتيجة لذلك سيتجرع الانسان عواقب ذلك، ولا سبيل للنحاة الى بالرجوع عن الممارسات الخاطئة التي تستهلك موارد الأرض بصورة عشوائية ولا تحافظ على هذا المهد، ورغم ذلك لا يتوقع ان ترجع البشرية عن الممارسات الخاطئة في استغلال هذه الموارد ونجد ان الله سبحانه وتعالى أشار الى ذلك في قوله تعالى (لعلهم يرجعون) وهو عالم الغيب ولكن استخدام لعل تفيد الترجي فنقول اطعم المريض هذا الدواء لعله يصح، ومن ناحية أخرى تفيد التبري من الله لما كسب الناس بأعمال أيديهم من الفساد.
هذا الفساد سيودي في نهاية المطاف الى الضغط على قدرة استيعاب الشفاء للأرض، مما سيؤدي مستقبلا الى حدوث اضطرابات ينتج عنها حدوث الزلازل وزيادة البراكين وهي النقطة التي سيوحي الله للأرض بالقيام بذلك لقوله تعالى (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)، سورة الزلزلة).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أ/ وليد الغشم
 
عودة
أعلى