د محمد الجبالي
Well-known member
ما الذي كان يمنع فرعون من قتل موسى؟
قال الله عز وجل: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}(غافر26)
مِن المعلوم عن فرعون أنه ما كان يَتَوَرَّع عن القتل، حتى أنه كان يقتل الذكور من مواليد اليهود ويدع الإناث لرؤيا رآها، لقد كان شديد الرغبة في قتل موسى، فلماذا لم يقتله مباشرة؟! لماذا تردد في قتل موسى؟! ولماذا كانت حاشيته تعارضه وتمانعه في قتل موسى؟!
والجواب عندي:
إنه الخوف الذي تَلَبَّسَ بقلوبهم، بقلب فرعون، وقلوب حاشيته، فقد هَزَمَ موسى السحرةَ على الْمَلأ، الجميع شَاهَدَ وعَايَنَ، وقد خَرَّ السحرة مؤمنين ساجدين، قال الله عز وجل: {فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} (الشعراء).
وقد تَتَابَعَت على فرعون وقومه الآيات آية بعد أخرى، وقد شهد الناس تلك الآيات، وعاشوا مَرارَها وعذابها، اسمع لربك: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ}، لقد عَلِمَ فرعون، وعَلِمَت حاشيته أن موسى نبي مرسل من الله عز وجل، فكانوا يخافون إنْ هم قتلوه فيأتيهم العذاب والهلاك، فامتنع فرعون خوفا ورَهَبا وفَزَعا، لكنه الكِبْر قد تَـمَلَّكَ فرعون وحاشيته بل وقومه؛ فرغم علمهم بأن موسى رسول من الله حق، لم يؤمنوا، بل عاندوا عِنادا، وتتابعت عليهم الآيات وما عقلوا وما اهْتَدَوْا.
فلم يعد أمام فرعون وحاشيته إلا الاستسلام والإقرار بموسى ورسالته، أو الوقوع في العجز والانكسار والخزي، فما كان من فرعون إلا أن أَلْقَى اللائمة على الحاشية، وأنهم يمنعونه عن قتل موسى.
ولو نظرتم في كتب المفسرين قديما وحديثا فلن تجدوا في تأويل امتناع موسى وحاشيته عن قتل فرعون شيئا، لكن يمكنكم أن تجدوا الشفاء لدى أبي السعود، وقد أخذ العديد مِن المفسرين تأويل أبي السعود بلفظه، منهم الزمخشري، وابن عجيبة، والألوسي، وأبو حيان في البحر، وسيد طنطاوي في الوسيط. وإنه فضل الله يُؤْتِيه مَنْ يشاء، قال رحمه الله: " كان مَلؤُه إذا هَمَّ بقتلِه عليه الصَّلاة والسلام كَفُّوه بقولهم ليس هذا بالذي تخافه فإنَّه أقَلُّ من ذاك وأضعفُ، وما هُو إلا بعضُ السَّحَرَة، وبقولِهم إذا قتلتَهُ أدءخَلْتَ على النَّاسِ شُبْهَةً، واعتقدُوا أنك عَجَزْتَ عن مَعارَضَتِه بالحجَّة، وعَدَلْتَ إلى الْمُقارعة بالسيف، والظاهرُ من دَهاء اللعين ونَكارَته أنَّه كان قد استيقنَ أنَّه نبيٌّ، وأنَّ ما جاء به آياتٌ باهرةٌ، وما هو بِسِحر، ولكنْ كان يخاف إنْ هَمَّ بقتله أنْ يُعاجَلَ بالهلاك، وكان قولُه هذا تَـمْويها على قومه، وإيهاما أنَّهم هم الكافُّون له عن قتله، ولولاهُم لَقَتَلَه، وما كانَ الذي يَكُفُّهُ إلا ما في نفسِه من الفزع الهائل"
وزاد سيد قطب رحمه الله لَفْتَةً قَيِّمَة، قال في أسباب امتناعهم عن قتل موسى: "إن قتل موسى لا يُنْهِي الإشكال، فقد يُوحِي هذا للجماهير بتقديسه واعتباره شهيداً، والحماسة الشعورية له وللدين الذي جاء به، وبخاصة بعد إيمان السَّحَرَة في مَشْهَدٍ شعبي جامع".
والله أعلم
د. محمد الجبالي
قال الله عز وجل: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}(غافر26)
مِن المعلوم عن فرعون أنه ما كان يَتَوَرَّع عن القتل، حتى أنه كان يقتل الذكور من مواليد اليهود ويدع الإناث لرؤيا رآها، لقد كان شديد الرغبة في قتل موسى، فلماذا لم يقتله مباشرة؟! لماذا تردد في قتل موسى؟! ولماذا كانت حاشيته تعارضه وتمانعه في قتل موسى؟!
والجواب عندي:
إنه الخوف الذي تَلَبَّسَ بقلوبهم، بقلب فرعون، وقلوب حاشيته، فقد هَزَمَ موسى السحرةَ على الْمَلأ، الجميع شَاهَدَ وعَايَنَ، وقد خَرَّ السحرة مؤمنين ساجدين، قال الله عز وجل: {فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} (الشعراء).
وقد تَتَابَعَت على فرعون وقومه الآيات آية بعد أخرى، وقد شهد الناس تلك الآيات، وعاشوا مَرارَها وعذابها، اسمع لربك: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ}، لقد عَلِمَ فرعون، وعَلِمَت حاشيته أن موسى نبي مرسل من الله عز وجل، فكانوا يخافون إنْ هم قتلوه فيأتيهم العذاب والهلاك، فامتنع فرعون خوفا ورَهَبا وفَزَعا، لكنه الكِبْر قد تَـمَلَّكَ فرعون وحاشيته بل وقومه؛ فرغم علمهم بأن موسى رسول من الله حق، لم يؤمنوا، بل عاندوا عِنادا، وتتابعت عليهم الآيات وما عقلوا وما اهْتَدَوْا.
فلم يعد أمام فرعون وحاشيته إلا الاستسلام والإقرار بموسى ورسالته، أو الوقوع في العجز والانكسار والخزي، فما كان من فرعون إلا أن أَلْقَى اللائمة على الحاشية، وأنهم يمنعونه عن قتل موسى.
ولو نظرتم في كتب المفسرين قديما وحديثا فلن تجدوا في تأويل امتناع موسى وحاشيته عن قتل فرعون شيئا، لكن يمكنكم أن تجدوا الشفاء لدى أبي السعود، وقد أخذ العديد مِن المفسرين تأويل أبي السعود بلفظه، منهم الزمخشري، وابن عجيبة، والألوسي، وأبو حيان في البحر، وسيد طنطاوي في الوسيط. وإنه فضل الله يُؤْتِيه مَنْ يشاء، قال رحمه الله: " كان مَلؤُه إذا هَمَّ بقتلِه عليه الصَّلاة والسلام كَفُّوه بقولهم ليس هذا بالذي تخافه فإنَّه أقَلُّ من ذاك وأضعفُ، وما هُو إلا بعضُ السَّحَرَة، وبقولِهم إذا قتلتَهُ أدءخَلْتَ على النَّاسِ شُبْهَةً، واعتقدُوا أنك عَجَزْتَ عن مَعارَضَتِه بالحجَّة، وعَدَلْتَ إلى الْمُقارعة بالسيف، والظاهرُ من دَهاء اللعين ونَكارَته أنَّه كان قد استيقنَ أنَّه نبيٌّ، وأنَّ ما جاء به آياتٌ باهرةٌ، وما هو بِسِحر، ولكنْ كان يخاف إنْ هَمَّ بقتله أنْ يُعاجَلَ بالهلاك، وكان قولُه هذا تَـمْويها على قومه، وإيهاما أنَّهم هم الكافُّون له عن قتله، ولولاهُم لَقَتَلَه، وما كانَ الذي يَكُفُّهُ إلا ما في نفسِه من الفزع الهائل"
وزاد سيد قطب رحمه الله لَفْتَةً قَيِّمَة، قال في أسباب امتناعهم عن قتل موسى: "إن قتل موسى لا يُنْهِي الإشكال، فقد يُوحِي هذا للجماهير بتقديسه واعتباره شهيداً، والحماسة الشعورية له وللدين الذي جاء به، وبخاصة بعد إيمان السَّحَرَة في مَشْهَدٍ شعبي جامع".
والله أعلم
د. محمد الجبالي