ماوجه تعلق النظر في كيف أوجد الله الخلق ابتداء بالسير في الأرض ؟

إنضم
18/05/2011
المشاركات
1,237
مستوى التفاعل
1
النقاط
38
قال الله تعالى :
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
 
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على خاتم الأ نبياء و المرسلين محمد ابن عبد الله المبعوث رحمة للعالمين ، وصل اللهم وسلم على آله وصحبه الأخيار الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يو م الدين، وبعد:
قد يبدو للمتأمل في ظاهر القول أنه من السهل البث في المسألة وتعليق (كيف) بجهة من جهات عمل الفعل ويكون الأمر قد حسم، غير أنه -و بالعودة إلى قيرنة المقام الذي نزلت فيه الآيات- سيجد أن الكلام خطاب موجه من المنزل وهو الله عز وجل إلى المنزل إليه وهو محمد صى الله عليه وسلم بتوجيه الأمر بالقول وفيه (أقصد القول) ما فيه من تثبيت لفؤاده وتقوية لعزمه وتصحيح لكلامه صلى الله عليه وسلم إيذانا بحسم الجزاء المترتب عن القيام بالعمل المقول ونتيجته المقررة متمثلة في اطلاع الكفار على عذاب محتمل يصيبهم إذا استمروا في العناد كان قد أصاب من كفر قبلهم ، ومثل هذا المعنى وارد في كتب التفسير فالأمر بالنظر واقع على مساكن الذين أبيدوا بكفرهم ،لا استجماما وتمتيعا للبصر بجميل عمارة الأقدمين كما يفعل الآثاريون في عصرنا، وإنما اعتبارا بما أصابهم من العذاب فأهلكوا وذهبت ريحهم .
ومما تقدم يترتب أن يكون النظر في العذاب بدلا من النظر في الأطلال ليكون تعلق (كيف) بما قبلها من جهة البدل من المحذوف الذي دل عليه دليل من السياق المقامي الذي وردت فيه الآية، إذ كانت الدعوة إلى إعمال الأبصار لهداية البصائر.
والله المستعان.
 
الخطاب موجه لمنكري البعث - والله أعلم - وفيه حث للعقول وحث للهمم أيضا فيأمرهم الله عز وجل بإعمال العقل بالتدبر والتفكر في الشواهد والدلائل الدالة على البعث وحصوله ويأمرهم بالسير في الأرض والبحث والتقصي وعدم القعود والركون إلى ما اعتادوا عليه وورثوه من تصورات وقناعات كلها تخبط ولا صلة لها بالعلم والتقصي والبحث.
هذا والله أعلم بمراده.
 
قال صاحب الظلال رحمه الله:
ثم يدعوهم إلى السير في الأرض , وتتبع صنع الله وآياته في الخلق والإنشاء , في الجامد والحي سواء , ليدركوا أن الذي أنشأ يعيد بلا عناء: ( قل:سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ; ثم الله ينشىء النشأة الآخرة.
إن الله على كل شيء قدير)
.. والسير في الأرض يفتح العين والقلب على المشاهد الجديدة التي لم تألفها العين ولم يملها القلب.
وهي لفتة عميقة إلى حقيقة دقيقة.
وإن الإنسان ليعيش في المكان الذي ألفه فلا يكاد ينتبه إلى شيء من مشاهده أو عجائبه ; حتى إذا سافر وتنقل وساح استيقظ حسه وقلبه إلى كل مشهد , وإلى كل مظهر في الأرض الجديدة , مما كان يمر على مثله أو أروع منه في موطنه دون التفات ولا انتباه.
وربما عاد إلى موطنه بحس جديد وروح جديد ليبحث ويتأمل ويعجب بما لم يكن يهتم به قبل سفره وغيبته.
وعادت مشاهد موطنه وعجائبها تنطق له بعد ما كان غافلا عن حديثها ; أو كانت لا تفصح له بشى ء ولا تناجيه ! فسبحان منزل هذا القرآن , الخبير بمداخل القلوب وأسرار النفوس.
( قل:سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق) إن التعبير هنا بلفظ الماضي ( كيف بدأ الخلق)بعد الأمر بالسير في الأرض لينظروا كيف بدأ الخلق.
يثير في النفس خاطرا معينا .. ترى هنالك في الأرض ما يدل على نشأة الحياة الأولى , وكيفية بدء الخليقة فيها.
كالحفريات التي يتتبعها بعض العلماء اليوم ليعرفوا منها خط الحياة ; كيف نشأت وكيف انتشرت وكيف ارتقت
وإن كانوا لم يصلوا إلى شيء في معرفة سر الحياة:ما هي , ومن أين جاءت إلى الأرض وكيف وجد فيها أول كائن حي
ويكون ذلك توجيها من الله للبحث عن نشأة الحياة الأولى والاستدلال به عند معرفتها على النشأة الآخرة .. ويقوم بجانب هذا الخاطر خاطر آخر.
ذلك أن المخاطبين بهذه الآية أول مرة لم يكونوا مؤهلين لمثل هذا البحث العلمي الذي نشأ حديثا ; فلم يكونوا بمستطيعين يومئذ أن يصلوا من ورائه إلى الحقيقة المقصودة به
لو كان ذلك هو المقصود
فلا بد أن القرآن كان يطلب منهم أمرا آخر داخلا في مقدورهم , يحصلون منه على ما ييسر لهم تصور النشأة الآخرة.
ويكون المطلوب حينئذ أن ينظروا كيف تبدأ الحياة في النبات والحيوان والإنسان في كل مكان.
ويكون السير في الأرض كما أسلفنا لتنبيه الحواس والمشاعر برؤية المشاهد الجديدة , ودعوتها إلى التأمل والتدبر في آثار قدرة الله على إنشاء الحياة التي تبرز في كل لحظة من لحظات الليل والنهار.
وهناك احتمال أهم يتمشى مع طبيعة هذ القرآن ; وهو أنه يوجه توجيهاته التي تناسب حياة الناس في أجيالهم جميعا , ومستواياتهم جميعا , وملابسات حياتهم جميعا , ووسائلهم جميعا.
ليأخذ كل منها بما تؤهله له ظروف حياته ومقدراته.
ويبقى فيها امتداد يصلح لقيادة الحياة ونموها أبدا.
ومن ثم لا يكون هناك تعارض بين الخاطرين.
هذا أقرب وأولى.
والله أعلم.
 
قال ابن عاشور رحمه الله:
وإنما أمر بالسير في الأرض لأن السير يدني إلى الرائي مشاهدات جمّة من مختلف الأرضين بجبالها وأنهارها ومحوِيَّاتها ويمر به على منازل الأمم حاضرها وبائدها فيرى كثيراً من أشياء وأحوال لم يعتد رؤية أمثالها ، فإذا شاهد ذلك جال نظر فكره في تكوينها بعد العدم جَوَلاناً لم يكن يخطر له ببال حينما كان يشاهد أمثال تلك المخلوقات في ديار قومه ، لأنه لما نشأ فيها من زمن الطفولة فما بعده قبل حدوث التفكير في عقله اعتاد أن يمر ببصره عليها دون استنتاج من دلائلها حتى إذا شاهد أمثالها مما كان غائباً عن بصره جالت في نفسه فكرة الاستدلال ، فالسيرُ في الأرض وسيلة جامعة لمختلف الدلائل فلذلك كان الأمر به لهذا الغرض من جوامع الحكمة.
وجيء في جانب بدء الخلق بالفعل الماضي لأن السائر ليس له من قرار في طريقه فندر أن يشهد حدوث بدء مخلوقات ، ولكنه يشهد مخلوقات مبدوءة من قبل فيفطن إلى أن الذي أوجدها إنما أوجدها بعد أن لم تكن وأنه قادر على إيجاد أمثالها فهو بالأحرى قادر على إعادتها بعد عدمها.
والاستدلال بالأفعال التي مضت أمكن لأن للشيء المتقرر تحققاً محسوساً.
وجيء في هذا الاستدلال بفعل النظر لأن إدراك ما خلقه الله حاصل بطريق البصر وهو بفعل النظر أولى وأشهر لينتقل منه إلى إدراك أنه ينشىء النشأة الآخرة.
ولذلك أعقب بجملة { ثم الله ينشىء النشأة الآخرة } فهي جملة مستقلة.
 
عودة
أعلى