ماوجه إعراب اللام في قوله تعالى : ( يدعوا لمن ضره أقرب من نفعه )

إنضم
18/05/2011
المشاركات
1,237
مستوى التفاعل
1
النقاط
38
قال تعالى :
( يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ).
فهل ذكر المفسرون والنحويون وجها لإعراب اللام في (لمن) خلاف القول بأنها زائدة ؟
 
قال الفراء :
فجاء التفسير : يدعو من ضره أقرب من نفعه . وقد حالت اللام بينهما . وكذلك هي في قراءة عبدالله ( يدعو من ضره ) ولم نجد العرب تقول ضربت لأخاك ولا رأيت لزيدا أفضل منك . وقد اجتمعت القراء على ذلك .فنرى أن جواز ذلك لأن من حرف لا يتبين فيه الإعراب ، فأجيز الاعتراض باللام دون الاسم ؛ إذ لم يتبين فيه الإعراب . وذكر عن العرب أنهم قالوا : عندي لما غيره خير منه ، حالوا باللام دون الرافع . وموقع اللام كان ينبغي أن يكون في (ضره ) وفي قولك : عندي مالغيره خير منه . هذا وجه القراءة للاتباع . وقد يكون قوله : ( ذلك هو الضلال البعيد يدعوا ) فتجعل (يدعوا ) من صلة ( الضلال البعيد)
وتضمر في ( يدعوا) الهاء ، ثم تستأنف الكلام باللام. فتقول ( لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى )
كقولك في مذهب الجزاء لما فعلت لهو خير لك .
وهو وجه قوي في العربية .
ولكلامه رحمه الله بقية تأتي إن شاء الله .
 
وجاء في الدر المصون :
قوله: { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ }: فيه عشرةُ أوجه، وذلك أنَّه: إمَّا بجَعْلِ " يَدْعُو " متسلِّطاً على الجملة مِنْ قولِه: { لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ } أو لا. فإنْ جَعَلْنَاه مُتَسَلِّطاً عليها كان في سبعةُ أوجه، أحدها: أنَّ " يَدْعُو " بمعنى يَقُوْل، واللامُ للابتداء، و " مَنْ " موصولةٌ في محلِّ رفعٍ بالابتدء. و " ضَرُّه " مبتدأ ثانٍ و " أقربُ " خبرُه. وهذه الجملةُ صلةٌ للموصول، وخبرُ الموصولِ محذوفٌ تقديرُه: يقول لَلَّذي ضَرُّه أقربُ من نَفْعِه إلهٌ أو إلهي أو نحوُ ذلك. والجملةُ كلُّها في محلٍّ نصبٍ بـ " يَدْعُو " لأنَّه بمعنى يَقُول، فهي محكيَّةٌ به. وهذا قولُ أبي الحسنِ. وعلى هذا فيكون قولُه: { لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ } مستأنفاً ليس داخلاً في المَحْكيِّ قبلَه؛ لأنَّ الكفار لا يقولون في أصنامِهم ذلك. وقد رَدَّ بعضُهم هذا القولَ بأنه فاسدُ المعنىٰ، والكافرُ لا يَعتقد في الأصنامِ أنَّ ضَرَّها أقربُ مِنْ نفعِها البتةَ.

الثاني: أنَّ " يَدْعُو " مُشَبَّهٌ بأفعالِ القلوب؛ لأنَّ الدعاءَ لا يَصْدُرُ إلاَّ عن اعتقادٍ، وأفعال القلوب تُعَلَّق، فـ " يَدْعُو " مُعَلَّقٌ أيضاً باللام. و " مَنْ " مبتدأٌ موصولٌ. والجملةُ بعده صلةٌ، وخبرُه محذوفٌ على ما مَرَّ في الوجهِ قبلَه.

والجملة في محلِّ نصبٍ، كما تكون كذلك بعد أفعالِ القلوب. الثالث: أَنْ يُضَمَّن يَدْعُو معنى يزعم، فيُعَلَّق كما يُعَلَّقُ، والكلامُ فيه كالكلامِ في الوجهِ الذي قبله. الرابع: أن الأفعالَ كلَّها يجوزُ أَنْ تُعَلَّق قلبيةً كانت أو غيرَها فاللامُ معلِّقَةٌ لـ " يَدْعوا " ، وهو مذهبُ يونسَ. فالجملةُ بعده الكلامُ فيها كما تقدَّم.

الخامس: أنَّ " يَدْعُوا " بمعنى يُسَمِّي، فتكونَ اللامُ مزيدةً في المفعولِ الأولِ وهو الموصولُ وصلتُه، ويكون المفعولُ الثاني محذوفاً تقديرُه: يُسَمِّي الذي ضَرُّه أقربُ مِنْ نفعِه إلهاً ومعبوداً ونحو ذلك. السادس: أنَّ اللامَ مُزالَةٌ/ مِنْ موضِعها. والأصلُ: يَدْعُو مَنْ لَضَرُّه أقربُ. فقُدِّمَتْ مِنْ تأخيرٍ. وهذا قولُ الفراء. وقد رَدُّوا هذا بأنَّ ما في صلةِ الموصولِ لا يتقدَّمُ على الموصولِ. السابع: أنَّ اللامَ زائدةٌ في المفعول به وهو " مَنْ ". والتقديرُ: يَدْعُو مَنْ ضَرُّه أقرب. فـ " مَنْ " موصولٌ، والجملةُ بعدَها صلتُها، والموصولُ هو المفعولُ بـ " يَدْعُو " زِيْدتْ فيه اللامُ كزيادتِها في قولِه
{ رَدِفَ لَكُم }
[النمل: 72] في أحدِ القولين. وقد رُدَّ هذا بأنَّ زيادةَ اللام إنما تكونُ إذا كان العاملُ فَرْعاً، أو بتقديم المعمول. وقرأ عبد الله " يَدْعُو مَنْ ضَرُّه " بعيرِ لامِ ابتداءٍ، وهي مؤيدةٌ لهذا الوجهِ.

وإنْ لم تجعَلْه متسلِّطاً على الجملةِ بعدَه كان فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أظهرُها: أنَّ " يَدْعُو " الثاني توكيدٌ لـ " يَدْعو " الأولِ فلا معمولَ له، كأنه قيل: يَدْعو يَدْعو مِنْ دونِ الله الذي لا يَضُرُّه ولا ينفعه.
وعلى هذا فتكونُ الجملةُ مِنْ قولِه { ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ } معترضةً بين المؤكَّدِ والتوكيدِ؛ لأنَّ فيها تَسْديداً وتأكيداً للكلام، ويكون قولُه { لَمَنْ ضَرُّهُ } كلاماً مستأنفاً. فتكونُ اللامُ للابتداء و " مَنْ " موصولةٌ، و " ضَرُّه " مبتدأ و " أقربُ " خبرُه. والجملةُ صلةٌ، و " لَبِئْسَ " جوابٌ قسمٍ مقدر. وهذا القسمُ المقدرُ وجوابُه خبرُ المبتدأ الذي هو الموصول.

الثاني: أن يُجْعَلَ " ذلك " موصولاً بمعنى الذي. و " هو " مبتدأ، و " الضلالُ " خبره والجملةُ صلةٌ. وهذا الموصولُ مع صلتِه في محلِّ نصبٍ مفعولاً بـ " يَدْعو " أي: يدعو الذي هو الضلالُ. وهذا منقولٌ عن أبي علي الفارسي، وليس هذا بماشٍ على رأي البصريين؛ إذ لا يكونُ عندهم من أسماءِ الإِشارةِ موصولٌ إلاَّ " ذا " بشروطٍ ذكرْتُها فيما تقدَّم. وأمَّا الكوفيون فيُجيزون في أسماءِ الإِشارة مطلقاً أن تكونَ موصولةً، وعلى هذا فيكونُ " لَمَنْ ضَرُّه أَقْرَبُ " مستأنفاً، على ما تقدَّم تقريرُه.

والثالث: أن يُجْعَلَ " ذلك " مبتدأ. و " هو ": جوَّزوا فيه أن يكونَ بدلاً أو فَصْلاً أو مبتدأً، و " الضلالُ " خبرُ " ذلك " أو خبرُ " هو " على حَسَبِ الخلافِ في " هو " و " يَدْعُو " حالٌ، والعائدُ منه محذوفٌ تقديرُه: يَدْعوه، وقدَّروا هذا الفعلَ الواقعَ موقعَ الحال بـ " مَدْعُوَّاً " قال أبو البقاء: " وهو ضعيفٌ " ، ولم يُبَيِّنْ وجه ضَعْفِه. وكأنَّ وجهَه أنَّ " يَدْعُو " مبنيٌّ للفاعلِ فلا يناسِبُ أن تُقَدَّرَ الحالُ الواقعةُ موقعَه اسمَ مفعولٍ، بل المناسِبُ أن تُقَدَّرَ اسمَ فاعل، فكان ينبغي أَنْ يُقَدِّروه: داعياً ولو كان التركيبُ " يُدْعَىٰ " مبنياً للمفعول لَحَسُن تقديرُهم مَدْعُوَّاً. ألا ترىٰ أنَّك إذا قلتَ: " جاء زيدٌ يضربُ " كيف تُقَدِّره بـ " ضارب " لا بـ مَضْروب.

والمخصوصُ بالذمِّ محذوفٌ، وتقديرُه: لبِئْسَ المولى ولبئس العشيرُ ذلك المَدْعُوُّ.
 
وقال ابن عطية :
واختلف الناس في قوله تعالى: { يدعو لمن ضره } فقالت فرقة من الكوفيين اللام مقدمة على موضعها وإنما التقدير " يدعو من لضره " ، ويؤيد هذا التأويل أن عبدالله بن مسعود قرأ " يدعو من ضره " وقال الأخفش { يدعو } بمعنى يقول، و { من } مبتدأ و { ضره } مبتدأ، و { أقرب } خبره، والجملة صلة، وخبر { من } محذوف والتقدير يقول لمن ضره أقرب منه نفعه إله وشبه هذا، يقول عنترة: " يدعون عنتر والرماح كأنها " ع وهذا القول فيه نظر فتأمل إفساده للمعنى إذ لم يعتقد الكافر قط أن ضر الأوثان أقرب من نفعها واعتذار أبي علي هنا مموه، وأيضاً فهو لا يشبه البيت الذي استشهد به، وقيل المعنى في { يدعو } يسمى، وهذا كالقول الذي قبله، إلا أن المحذوف آخراً مفعول تقديره إلهاً، وقال الزجاج يجوز أن يكون { يدعو } في موضع الحال وفيه هاء محذوفة والتقدير ذلك هوالضلال البعيد يدعو أو يدعوه، فيوقف على هذا، قال أبو علي ويحسن أن يكون ذلك بمعنى الذي، أي الذي هو الضلال البعيد { يدعو } فيكون قوله ذلك موصلاً بقوله { ذلك هو الضلال البعيد } ويكون { يدعو } عاملاً في قوله { ذلك } ع كون { ذلك } بمعنى الذي غير سهل وشبهه المهدوي بقوله تعالى:
{ وما تلك بيمينك يا موسى }
[طه: 17] وقد يظهر في الآية أن يكون قوله { يدعو } متصلاً بما قبله، ويكون فيه معنى التوبيخ كأنه قال { يدعو } من لا يضر ولا ينفع. ثم كرر { يدعو } على جهة التوبيخ غير معدى إذ عدي أول الكلام ثم ابتدأ الإخبار بقوله { لمن ضره } واللام مؤذنة بمجيء القسم والثانية التي في { لبئس } لام القسم وإن كان أبو علي مال إلى أنها لام الابتداء والثانية لام اليمين، ويظهر أيضاً في الآية أن يكون المراد يدعو من ضره ثم علق الفعل باللام وصح أن يقدر هذا الفعل من الأفعال التي تعلق وهي أفعال النفس كظننت وخشيت، وأشار أبو علي إلى هذا ورد عليه، و { العشير } القريب المعاشر في الأمور، وذهب الطبري إلى أن المراد بالمولى والعشير هو الإنسان الذي يعبد الله على حرف ويدعو الأصنام، والظاهر أن المراد بـ { المولى } و { العشير } هو الوثن الذي ضره أقرب من نفعه، وهو قول مجاهد، والله أعلم.
 
ومن غريب ما وقفت عليه بقية كلام الفراء حيث قال :
ووجه آخر لم يقرأ به ، وذلك أن تكسر اللام في (لمن)
وتريد يدعو إلى من ضره أقرب من نفعه ، فتكون اللام بمنزلة إلى كما قال تعالى ( الحمد لله الذي هدانا لهذا ) وإلى هذا وأنت قائل في الكلام : دعوت إلى فلان ودعوت لفلان بمعنى واحد . ولولا كراهية خلاف الآثار والاجتماع لكان وجها جيدا من القراءة .
ويكون قوله (يدعو) التي بعد (البعيد) مكرورة على قوله : ( يدعوا من دون الله ) يدعو مكررة ، كما تقول يدعو يدعو دائبا ، فهذا قوة لمن نصب اللام ولم يوقع (يدعوا) على (من) والضلال البعيد الطويل .
انتهى كلامه رحمه الله .
 
عودة
أعلى