[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
كتاب (ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظ من آي التنزيل) من أَجلِّ الكتب التي تناولت موضوع المتشابه اللفظي في القرآن الكريم وأنفعها لطالب العلم ، ومؤلفه العلامة أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي العاصمي الغرناطي (627-708هـ) إمام محقق ، وناقد مدقق ، شهد له العلماء بالتقدم في علوم كثيرة ، وفنون متعددة ، من أبرزها التفسير والقراءات ، والنحو وأصول الفقه.
وموضوع كتابه هذا هو كما حدده في مقدمته في (
توجيه ما تكرر من آيات الكتاب العزيز لفظاً ، أو اختلف بتقديم أو تأخير أو بعض زيادة في التعبير) [ص 1/145]
وقد وفى المؤلف بغاية كتابه ، وكان وفياًَ للضربين الذين بنى عليهما مقصود كتابه ، فتجده يورد من جهة الآيات المتشابهة لفظاً في السورة الواحدة أو في السور المختلفة ، ويبرز ما خفي وراء هذا التكرار من معانٍ وحكم آلهية سامية ، ويورد من جهة ثانية الآيات التي سيقت في الموضوع الواحد واختلفت فيما بينها بتقديم أو تأخير أو بعض زيادة في التعبير ، ويظهر الأسباب التي اقتضت هذا الاختلاف ، سواء منها ما رجع إلى المعنى أو رجع إلى النظم ، ويؤكد التناسب التام ، والتلاؤم الكامل بين الآي وما ورد فيها.
وكثيراً ما يشير المؤلف عند توجيهه للتشابه بين الآي إلى الضرب الذي يرجع إليه ، بل وينبه أحياناً إلى ما يخرج عن موضوع كتابه ، أو ما هو تتمة له.
وقد سبق إلى التصنيف في هذا الموضوع الخطيب الإسكافي أبو عبدالله محمد بن عبدالله الأصبهاني المتوفى سنة 420هـ في كتابه (درة التنزيل وغرة التأويل) الذي طبع قديماً بدون تحقيق ، وطبع حديثاً (1422هـ) في جامعة أم القرى ، بتحقيق الدكتور محمد مصطفى آيدين .
[align=center]
[/align]
فجاء أبو الزبير الغرناطي ، وبنى كتابه على كتاب الخطيب الإسكافي ، وقال في مقدمة كتابه وهو يذكر عزمه على تصنيف الكتاب وأهميته وعدم وجود مصنف سابق في الموضوع:«إلى أن ورد عليَّ كتابٌ لبعض المعتنين من جلة المشارقة نفعه الله ، سماه بكتاب (درة التنزيل وغرة التأويل) قرع به مغلق هذا الباب ، وأتى في هذا المقصد بصفو من التوجيهات لباب ، وعرف أنه باب لم يوجف عنه أحد قبله بخيل ولا ركاب ، ولا نطق ناطق قبل فيه ، بحرف مما فيه ، وصدق رحمه الله ، وأحسن فيما سلك وسن ، وحق لنا به لإحسانه أن نقتدي به ونستن...الخ) [1/146]
ثم ذكر أنه سار بسير الإسكافي ، غير أنه لا يطالع كلام الإسكافي إلا بعد أن يكتب ما يخطر بباله ، ويستنبطه بفكره في التوجيه للآيات ، ثم يضيف ما لم يخطر بباله من كتاب الإسكافي. وقد عقد محققُ كتاب الغرناطي - د.سعيد الفلاح - موازنة بين الكتابين ، ليتبين له ما زاد به الغرناطي على الإسكافي فقال:
«وبمقارنة بين محتوى (ملاك التأويل) ومحتوى كتاب (درة التنزيل) تبين أن مجموع الآيات التي تناولها الإسكافي في كتابه بلغ ثلاثاً وسبعين ومائتين آية (273) ، بينما بلغ ما تناوله ابن الزبير سبعاً وسبعين وثلاثمائة آية (377) ، فيكون بذلك عدد ما أغفله صاحب درة التنزيل وحظي بعناية صاحب ملاك التأويل مائة وأربع آيات (104 آيات) ، يضاف إليه عدد كبير من الآيات أوردها ابن الزبير في نطاق سرد الآيات المتشابهة ، أغفلها صاحب درة التنزيل ، فقد كان ابن الزبير أكثر استقراء وتتبعاً وتحرياً». [ملاك التأويل 1/113].
هذا من حيث الكم ، أما من حيث الكيف فإن ابن الزبير قد تميز في عمله بجملة من الخصائص ألخصها من كلام المحقق وهي :
- كان أكثر إحاطة بالموضوع أو أكثر تمكناً في الاستقراء.
- كان عموماً أكثر بسطاً وتحيليلاً للمسائل .
- أكثر استشهاداً بآراء العلماء من المفسرين وغيرهم.
- كان متميزاً بردوده على الفرق والملل ، وبمواقفه السنية من بعض المسائل الخلافية.
- من جهة الهدف فقد كان مقصود كل من الخطيب الإسكافي وابن الزبير الغرناطي خدمة الكتاب العزيز ، والقطع بذوي الإلحاد والتعطيل .
ولجلالة كتاب ملاك التأويل ، قال الزركشي وهو يذكر من صنف في موضوع المتشابه في القرآن :«وصنف فيه أبو جعفر بن الزبير وهو أبسطها في مجلدين».[البرهان في علوم القرآن1/112]
بقي أن أشير إلى أن الطبعة التي قام بتحقيقها الدكتور سعيد بن جمعة الفلاح وفقه الله وهو الأستاذ المشارك بقسم القرآن وعلومه بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض هي الطبعة التي يعول عليها الباحثون ، وهي المعتمدة ، وقد نشرتها دار الغرب الإسلامي عام 1403هـ .
[align=center]
[/align]
وهناك تحقيق آخر للكتاب للدكتور محمود كامل أحمد ، نشرته دار النهضة العربية في بيروت عام 1405هـ ، ولم أطلع عليه بعدُ.