مامعنى قوله تعالى:(كَأَنَّهُنَّ بَيۡضٞ مَّكۡنُونٞ )؟

مامعنى قوله تعالى:(كَأَنَّهُنَّ بَيۡضٞ مَّكۡنُونٞ )؟

مقدمة ١
الطائر (يكنّ) البيض بريش بدنه
حين يحضنه ليحميه وليدفئه فيفقس

مقدمة٢
تُصقل البيضة ويتغيّر لونها من الأبيض الناصع إلى الأبيض اللؤلؤي لكثرة احتكاك الريش بها.

مقدمة٣
العرب تمدح بياض بشرة المرأة المشوب بصفرة
( كاللؤلؤ)
وهذا اللون كانت تستحسنه العرب وتطلِق عليه تعبير ( الحُسن )

* النتيجة:
لون جلد الموصوفات في الآية الكريمة أبيض مشوب بالصفرة.

_____________

ومن الطريف ما ذكره أستاذي د. إبراهيم عوض، عندما نقد ترجمة القرآن الكريم التي قام بها المستشرق (اللوذعي) "إدوار مونتيه" الذي عمل أستاذًا للغاتِ الشرقيةِ، وعميدًا شرفيًّا لجامعةِ "جنيف"

قال د. إبراهيم حفظه الله:

أما قاصمة الظهرِ، فهي تفسيرُ المترجِم لقوله -تعالى-: ﴿ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ﴾ [الصافات: 49]، بأنه تشبيهٌ للعيونِ بالبَيْضِ "ص599 - هـ 1".

إن الآية لا تتحدَّث ألبتةَ عن العيونِ، بل عن الحُورِ العِين، فهن المشبَّهات إذًا بالبيضِ المكنونِ، الذي يفسِّره المترجِم: "بأنه "بَيضٌ من النوع الفاخر": "des oeufs de choix ".

ومع ذلك فلنغضَّ الطرفَ عن هذا، ولنركِّز القولَ على فسادِ الذوقِ الذي يرى أن العيونَ الجميلةَ يُمكِن تشبيهُها بالبَيضِ، فهل مَن يَستَطِيع أن يتخيَّل عينًا تشبهُ البَيضةَ، إلا أن تكون عينًا جاحظةً قد ذهبت حدقتُها ولم يبقَ إلا بياضُها؟ وهل هذه إلا عيونُ بعضِ العميانِ؟ وكأن هذا الخلطَ غيرُ كافٍ، فنَجِد المترجِم يؤكِّد أن تشبيهَ العيونِ بالبَيضِ موجودٌ في الشعرِ الشرقي.

نعم الشعر الشرقي، هكذا بإطلاق! يا لله لهذا الجهلِ الذي لا يَعرِف الحياءَ! تُرَى أين ذلك الشعرُ إلا في عقولِ المخبولينَ؟
 
حياكم الله شيخنا الدكتور عبدالرحيم
كلام مونتييه لا يلتفت له وهو لا يخرج عن سياق مجمل آراءه..
لكني تأملت الآية وتقدير وجه الشبه والمشبه به، فانتهيت إلى أن أولى الوجوه في تقدير وجه الشبه والمشبه به ما جاء في تفسير الطبري رحمه الله حيث قال:
وقوله ( كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ) اختلف أهل التأويل في الذي به شبهن من البيض بهذا القول، فقال بعضهم: شبهن ببطن البيض في البياض، وهو الذي داخل القِشْر، وذلك أن ذلك لم يمسه شيء.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جُبَير، في قوله ( كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ) قال: كأنهن بطن البيض.

حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي ( كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ) قال: البيض حين يُقْشر قبل أن تمسَّه الأيدي.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ) لم تمر به الأيدي ولم تمسه، يشبهن بياضه.
انتهى كلامه.
فاللون وجه بعيد عندي أن يكون وجها للشبه والخوض فيه واختلاف درجته مشكل، أما الحفظ من أن يمسسهن أحد قبل أزواجهن كالبيض فتلك درجة لم تلفت نظري في بيان شدة الحفظ .
وخلاصة قول الطبري أن المشبه به هو البياض المحفوظ في قشر البيض وجه قوي عندي لبيان وجه الشبه والمشبه به.
والله أعلم بمراده.
 
في تفسير ابن كثير رحمه الله :
وَقَوْلُهُ: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} وَصَفَهُنَّ بِتَرَافَةِ الْأَبْدَانِ بِأَحْسَنِ الْأَلْوَانِ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} يَقُولُ: اللُّؤْلُؤُ الْمَكْنُونُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} يَعْنِي: مَحْصُونٌ لَمْ تَمَسَّهُ الْأَيْدِي.
وفي المحرر الوجيز :
وأما قوله { كأنهن بيض مكنون } فاختلف الناس في الشيء المشبه به ما هو ، فقال السدي وابن جبير شبه ألوانهن بلون قشر البيضة من النعام وزهو بياض قد خالطته صفرة حسنة ، قالوا : و « البيض » نفسه في الأغلب هو المكنون بالريش ومتى شدت به حال فلم يكن مكنوناً خرج عن أن يشبه به ، وهذا قول الحسن وابن زيد ، ومنه قول امرىء القيس : [ الطويل ]
كبكر مقاناة البياض بصفرة ... غذاها نمير المال غير محلل
وهذه المعنى كثير في أشعار العرب ، وقال ابن عباس فيما حكى الطبري ، « البيض المكنون » أراد به الجوهر المصون .
قال القاضي أبو محمد : وهذا لا يصح عندي عن ابن عباس لأنه يرده اللفظ من الآية ، وقالت فرقة إنما شبههن تعالى ب « البيض المكنون » تشبيهاً عاماً جملة المرأة بجملة البيضة وأراد بذلك تناسب أجزاء المرأة وأن كل جزاء منها نسبته في الجودة إلى نوعه نسبة الآخر من أجزائه إلى نوعه فنسبة شعرها إلى عينها مستوية إذ هما غاية في نوعهما ، والبيضة أشد الأشياء تناسب أجزاء ، لأنك من حيث جئتها فالنظر فيها واحد .
 
مامعنى قوله تعالى:(كَأَنَّهُنَّ بَيۡضٞ مَّكۡنُونٞ )؟

فما رأيكم شيخنا؟

لا بأس من الجمع بين الآراء التي اختلفت في تعيين المشبه والمشبه به ووجه الشبه، بل إن الترجيح قد يُضعف من القوة الدلالية؛ فإن التوسع الدلالي للكلمة القرآنية يُعد من أروع جماليات بلاغة الكلمة القرآنية وأقوى الدلائل على عظمة نظم القرآن الكريم، وقد ذكر د. فاضل السامرائي الكثير من شواهده تحت عنوان (التوسع في المعنى).
ومن أوضح الشواهد التي ذكرها السامرائي: تفسيره لآخر آية من سورة التين، حيث أثبت أن الجمع بين أقوال العلماء في أصل كلمة (أحكم) وكلمة (الحاكمين) أولى من الترجيح.
هل (أحكم) من الحُكم أم من الحكمة؟
وهل (الحاكمين) من الحُكم أم من الحكمة؟
 
أو يجد الناس صفاء الأديم ونقاؤه وجدته ولمعانه في البيض يادكتور محمد؟
لعلي لم أفهم مرادك!
 
عودة
أعلى