مامعنى قوله تعالى : ( أعظم درجة عند الله )

إنضم
18/05/2011
المشاركات
1,237
مستوى التفاعل
1
النقاط
38
ما معنى أفعل التفضيل في الآية ؟
ليس مؤداه أنهم على درجة عظيمة لكن من آمن وهاجر وجاهد على درجة أعظم - والله أعلم بمراده - وذلك لأنهم مشركون ، حيث سماهم الله تعالى القوم الظالمين!
إذا ماهو مؤدى أفعل التفضيل هنا ؟
( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللهِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ )
 
قال ابن عاشور - رحمه الله -:
والمفضل عليه محذوف لظهوره: أي أعظم درجة عند الله من أصحاب السقاية والعمارة الذين آمنوا ولم يهاجروا ولم يجاهدوا الجهاد الكثير الذي جاهده المسلمون أيام بقاء أولئك في الكفر، والمقصود تفضيل خصالهم.
انتهى .
لكن أليست الآية السابقة والمتعلقة بها في المشركين ؟
 
قال الألوسي - رحمه الله -:
وقوله سبحانه: { الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَـٰهَدُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِ } استئناف لبيان مراتب فضلهم زيادة في الرد وتكميلاً له، وزيادة الهجرة وتفصيل نوعي الجهاد للإيذان بأن ذلك من لوازم الجهاد لا أنه اعتبر بطريق التدارك أمر لم يعتبر فيما سلف، والظاهر من السياق أن المفضل عليه أهل السقاية والعمارة من المشركين، وقد أشرنا إلى ماله وما عليه حسبما ذكره بعض الفضلاء. وأنا أقول: إذا أريد من ـ أفعل ـ المبالغة في الفضل وعلو المرتبة والمنزلة فالأمر هين وإذا أريد به حقيقته فهناك احتمالان الأول: أن يقال: حذف المفضل عليه إيذاناً بالعموم، أي إن هؤلاء المتصفين بهذه الصفات أعلى رتبة وأكثر كرامة ممن لم يتصف بها كائناً من كان ويدخل فيه أهل السقاية والعمارة، ويكفي في تحقق حقيقة أفعل / وجود أصل الفعل في بعض الأفراد المندرجة تحت العموم كما يقال: فلان أعلم الخلق مع أن منهم من لا يتصف بشيء من العلم بل لا يمكن أن يتصف به أصلاً، وهذا مما لا ينبغي أن يشك فيه سوى أنه يعكر علينا أن المقصود بالمفضل عليه في المثال من له مشاركة في أصل الفعل ولا كذلك ما نحن فيه، فإن لم يضر هذا فالأمر ذاك وإلا فهو كما ترى. الثاني: أن يقال: ما أفهمته الصيغة من أن للسقاة والعمار من المشركين درجة جاء على زعم المشركين وحسن ذلك وقوع مثله في كلامهم مع المؤمنين فإنهم قالوا كما دل عليه بعض الأخبار السابقة: السقاية والعمارة خير من الإيمان والجهاد ولا شك أن ما يشعر به ـ خير ـ من أن في الإيمان والجهاد خيراً إنما جاء على زعم المؤمنين فما في الآية خارج مخرج المشاكلة مع ما في كلامهم وإن اختلف اللفظ، وما قيل: من أن جعل معنى التفضيل بالنسبة إلى زعم الكفرة ليس فيه كثير نفع، ليس فيه كثير ضرر كما لا يخفى على من ذاق طعم البلاغة ولو بطرف اللسان، ويشعر كلام بعضهم أن التفضيل مبني على ما تقدم من قطع النظر وإغماض العين أي المتصفون بهذه الأوصاف الجليلة أعلى رتبة ممن خلا منها وإن حاز جميع ما عداها مما هو كمال في حد ذاته كالسقاية والعمارة، والمراد بسبيل الله هنا الإخلاص أو نحوه لا الجهاد فالمعنى جاهدوا مخلصين.
انتهى

 
قال الشعراوي - رحمه الله -:
قال تعالى :
{ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ }

وفي سورة الأنفال تصنيف آخر في قوله تعالى:
{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }
[الأنفال: 74].

وفي هذه الآية الكريمة من سورة الأنفال كان تصنيف المؤمنين بعد الهجرة مباشرة، وانتهت الهجرة؛ وأصبح الجميع سواء، فجاء التصنيف الجامع في آية التوبة.

لقد أوضح المولى سبحانه وتعالى أن هذه الأعمال لم تكن مقبولة من المشركين، أما إن قام بها المؤمنون فلهم درجة عند الله. وفي هذه الآية الكريمة يصفهم الحق بأنهم { أَعْظَمُ دَرَجَةً } ، { أَعْظَمُ } صيغة أفعل التفضيل، وهي تعطي قدراً زائداً عن الأصل المعترف به، فيقال: فلان أعلم من فلان. وبهذا يكون الشخص الثاني عالما، ولكن الشخص الأول أعلم منه. ويقال: فلان أكرم من فلان، أي أن الموصوف الثاني كريم، والموصوف الأول أكرم منه. والله سبحانه وتعالى أراد أن يبين لنا الفوز عنده، فقال:

{ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ } [التوبة: 20].
انتهى​
 
{ أَجَعَلْتُمْ } (سورة التوبة 19) الخطاب موجه للمؤمنين ، سورة التوبه ، مدنيه
والايه كقوله تعالى ({ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) } (سورة البقرة )

والله أعلم
 
قال الطبري -رحمه الله -:
وهذا قضاء من الله بين فِرَق المفتخرين الذين افتخر أحدهم بالسقاية، والآخر بالسدانة، والآخر بالإيمان بالله والجهاد في سبيله. يقول تعالى ذكره: الذين آمنوا بالله: صدقوا بتوحيده من المشركين، وهاجروا دور قومهم، وجاهدوا المشركين في دين الله بأموالهم وأنفسهم، أعظم درجة عند الله وأرفع منزلة عنده من سقاة الحاجّ وعمار المسجد الحرام وهم بالله مشركون. { وَأُولِئكَ } يقول: وهؤلاء الذين وصفنا صفتهم أنهم آمنوا وهاجروا وجاهدوا { هُمُ الفَائِزُونَ } بالجنة الناجون من النار.
انتهى

 
قال ابن كثير -رحمه الله-:
(ومن طريق أخرى) قال الوليد بن مسلم: حدثني معاوية بن سلام عن جده أبي سلام الأسود عن النعمان بن بشير الأنصاري قال: كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه، فقال رجل منهم: ما أبالي أن لا أعمل لله عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج، وقال آخر: بل عمارة المسجد الحرام، وقال آخر: بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم، فزجرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك يوم الجمعة، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته فيما اختلفتم فيه، قال: ففعل، فأنزل الله عز وجل: { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ وَجَـٰهَدَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } ورواه مسلم في صحيحه، وأبو داود، وابن جرير، وهذا لفظه، وابن مردويه وابن أبي حاتم في تفاسيرهم، وابن حبان في صحيحه.
 
وجاء في تفسير ابن كثير -رحمه الله- :
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الآية قال: قد نزلت في العباس بن عبد المطلب حين أسر ببدر، قال: لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد، لقد كنا نعمر المسجد الحرام، ونسقي، ونفك العاني، قال الله عز وجل: { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ وَجَـٰهَدَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } يعني: أن ذلك كله كان في الشرك، ولا أقبل ما كان في الشرك، وقال الضحاك بن مزاحم: أقبل المسلمون على العباس وأصحابه الذين أسروا يوم بدر يعيرونهم بالشرك، فقال العباس: أما والله لقد كنا نعمر المسجد الحرام، ونفك العاني، ونحجب البيت، ونسقي الحاج، فأنزل الله: { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ } الآية.
 
أن الله تعالى سماهم بالقوم الظالمين !
نعم فهمت مرادك ، نحتاج الظاهر ، لمزيد من التدبر ومراجعة أقوال المفسرين مره أخرى


والله أعلم
 
قال الشوكاني - رحمه الله -:
والاستفهام في { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } للإنكار، والسقاية والعمارة مصدران كالسعاية والحماية، وفي الكلام حذف، والتقدير: أجعلتم أصحاب سقاية الحاج وعمارة المسجد، أو أهلهما { كَمَنْ ءامَنَ } حتى يتفق الموضوع والمحمول أو يكون التقدير في الخبر: أي جعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، كعمل من آمن أو كإيمان من آمن. وقرأ ابن أبي وجرة السعدي، وابن الزبير، وسعيد بن جبير: " أجعلتم سقاة الحاج، وعمرة المسجد الحرام " جمع ساق وعامر. وعلى هذه القراءة لا يحتاج إلى تقدير محذوف، والمعنى: أن الله أنكر عليهم التسوية بين ما كان تعمله الجاهلية من الأعمال التي صورتها صورة الخير، وإن لم ينتفعوا بها وبين إيمان المؤمنين وجهادهم في سبيل الله، وقد كان المشركون يفتخرون بالسقاية والعمارة، ويفضلونهما على عمل المسلمين. فأنكر الله عليهم ذلك، ثم صرّح سبحانه بالمفاضلة بين الفريقين وتفاوتهم وعدم استوائهم فقال: { لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ } أي: لا تساوي تلك الطائفة الكافرة الساقية للحجيج العامرة للمسجد الحرام هذه الطائفة المؤمنة بالله واليوم الآخر المجاهدة في سبيله، ودلّ سبحانه بنفي الاستواء على نفي الفضيلة، التي يدّعيها المشركون، أي إذا لم تبلغ أعمال الكفار إلى أن تكون مساوية لأعمال المسلمين، فكيف تكون فاضلة عليها كما يزعمون، ثم حكم عليهم بالظلم وأنهم مع ظلمهم بما هم فيه من الشرك لا يستحقون الهداية من الله سبحانه، وفي هذا إشارة إلى الفريق المفضول. ثم صرّح بالفريق الفاضل فقال: { ٱلَّذِينَ آمنوا } إلى آخره: أي الجامعون بين الإيمان والهجرة والجهاد بالأموال والأنفس { أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِ } وأحق بما لديه من الخير من تلك الطائفة المشركة المفتخرة بأعمالها المحيطة الباطلة. وفي قوله: { عَندَ ٱللَّهِ } تشريف عظيم للمؤمنين، والإشارة بقوله: { أُوْلَـٰئِكَ } إلى المتصفين بالصفات المذكورة { هُمُ ٱلْفَائِزُونَ } أي: المختصون بالفوز عند الله، ثم فسر الفوز بقوله: { يُبَشّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مّنْهُ وَرِضْوٰنٍ وَجَنَّـٰتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ } والتنكير في الرحمة والرضوان والجنات للتعظيم، والمعنى: أنها فوق وصف الواصفين وتصوّر المتصوّرين.
 
يخرج التفضيل هنا على وجوه
الاول مذهب ابي عبيدة: من ان افعل قد تخرج عن معنى التفضيل الى معنى فاعل وفعيل ولا يلحظ فيها معنى التفضيل.
او على مذهب ابي العباس المبرد: الذي لا يشترط الاشتراك بين الصفتين في التفضيل.
اما على مذهب سيبويه فقد ذكرت تحميلات هي حفظ لمذهبه
منها :انه اذا جاءت افعل التفضيل بين شيئين لا شركة بينهما قيقال في نظير اسلوب هذه الاية في: اصحاب الجنة خير مستقرا؛ بانهما لما اشتركا في ان الجنة مستقر والنار مستقر فضل الاستقرار الواحد، وهو للزجاج، ومثله هنا التفضيل باعظم في صفة الدرجة لما اشتركا في المستقر والمثوى ونحوه.
وعند ابن عطية: ان الالفاظ التي فيها عموم ما يتوجه حكمهما من جهات شتى، نحو قولك احب واحسن وخير وشر يسوغ ان يجاء بها بين شيئين لاشركة بينهما كقولك السعد في الدنيا احب الي من الشقاء، واذا كانت افعل في معنى بين شيئين لا حظ له فيه بوجه كقولك الماء ابرد من النار كان فاسدا.
 
قال أبوالسعود - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى :
{ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } أي في الفضيلة وعلوِّ الدرجة { كَمَنْ ءامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ وَجَـٰهَدَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } السقايةُ والعِمارةُ مصدران لا يتصور تشبـيهُهما بالأعيان فلا بد من تقدير مضافٍ في أحد الجانبـين أي أجعلتم أهلَهما كمن آمن بالله الخ، ويؤيده قراءةُ من قرأ سُقاةَ الحاجِّ وعُمرةَ المسجد الحرام أو أجعلتموهما كإيمان من آمن الخ، وعلى التقديرين فالخطابُ إما للمشركين على طريقة الالتفاتِ وهو المتبادر من تخصيص ذكرِ الإيمانِ بجانب المشبَّهِ به، وإما لبعض المؤمنين المؤثِرين للسقاية والعِمارةِ ونحوِهما على الهجرة والجهادِ ونظائرِهما وهو المناسبُ للاكتفاء في الرد عليهم ببـيان عدمِ مساواتِهم عند الله للفريق الثاني وبـيانِ أعظميةِ درجتِهم عند الله تعالى على وجه يُشعر بعدم حِرمانِ الأوّلين بالكلية، وجعلُ معنى التفضيلِ بالنسبة إلى زعم الكفرةِ لا يُجدي كثيرَ نفعٍ لأنه إن لم يُشعِرْ بعدم الحِرمانِ فليس بمُشعر بالحِرمان أيضاً أما على الأول فهو توبـيخٌ للمشركين ومدارُه على إنكار تشبـيهِ أنفسِهم من حيث اتصافُهم بوصفيهم المذكورين مع قطع النظرِ عما هم عليه من الشرك بالمؤمنين من حيث اتصافُهم بالإيمان والجهاد، أو على إنكار تشبـيهِ وصفيهم المذكورين في حد ذاتِهما مع الإغماض عن مقارنتهما للشرك بالإيمان والجهادِ، وأما اعتبارُ مقارنتِهما له كما قيل فيأباه المقامُ، كيف لا وقد بـيِّن آنفاً حبوطُ أعمالِهم بذلك الاعتبارِ بالمرة وكونُها بمنزلة العدم، فتوبـيخُهم بعد ذلك على تشبـيههما بالإيمان والجهادِ ثم رَدُّ ذلك بما يُشعر بعدم حِرمانِهم عن أصل الفضيلة بالكلية كما أشير إليه، مما لا يساعده النظمُ التنزيليُّ ولو اعتُبر ذلك لما احتيج إلى تقرير إنكارِ التشبـيهِ وتأكيدِه بشيء آخرَ إذ لا شيءَ أظهرُ بطلاناً من تشبـيه المعدومِ بالموجود، فالمعنى أجعلتم أهلَ السقايةِ والعمارةِ في الفضيلة كمن آمن بالله واليومِ الآخرِ وجاهد في سبـيله أو أجعلتموهما في ذلك كالإيمان والجهادِ وشتانَ بـينهما فإن السقايةَ والعمارةَ وإن كانتا في أنفسِهما من أعمال البرِّ والخيرِ لكنهما ـ وإن خَلَتا عن القوادح ـ بمعزل عن صلاحيةِ أن يُشبَّه أهلُهما بأهل الإيمان والجهادِ أو يُشَّبهَ أنفسُهما بنفس الإيمان والجهادِ، وذلك قوله عز وجل: { لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ } أي لا يساوي الفريقُ الأول الثانيَ من حيث اتصافُ كلَ منهما بوصفيهما ومن ضرورته عدمُ التساوي بـين الوصفَين الأولين وبـين الآخَرَين لأنه المدارَ في التفاوت بـين الموصوفَين، وإسنادُ عدمِ الاستواءِ إلى الموصوفين، لأن الأهمَّ بـيانُ تفاوتِهم، وتوجيهُ النفي هٰهنا والإنكارُ فيما سلف إلى الاستواء والتشبـيهِ مع أن دعوى المفتخِرين بالسقاية والعمارةِ من المشركين والمؤمنين إنما هي الأفضليةُ دون التساوي والتشابه ـ للمبالغة في الرد عليهم فإن نفيَ التساوي والتشابهِ نفيٌ للأفضلية بالطريق الأولى، والجملةُ استئنافٌ لتقرير الإنكارِ المذكورِ وتأكيدِه، أو حال من مفعولي الجَعل، والرابطُ هو الضميرُ كأنه قيل: أسوَّيتم بـينهم حال كونِهم متفاوتين عنده تعالى وقوله تعالى: { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } حُكمٌ عليهم بأنهم مع ظلمهم بالإشراك ومعاداةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم ضالون في هذا الجعلِ غيرُ مهتدين إلى طريق معرفةِ الحقِّ وتميـيزِ الراجحِ من المرجوح، وظالمون بوضع كلَ منهما موضعَ الآخَر وفيه زيادةُ تقريرٍ لعدم التساوي بـينهم.
 
أقصد يا شيخ مخلص أن الحاجة إلى التخريج تأتي بعد حمل المعنى على مراد أولا ، فإن قلنا بأن المراد هم المشركون فماذا نقول فيما أورده بعض المفسرين من رواية سببا لنزول الآية وأنها في المؤمنين ؟
وكيف تكون في المؤمنين والله تعالى سماهم (القوم الظالمين ) وكيف تكون في المؤمنين وقد قال تعالى ( كمن آمن بالله ) ؟
أرأيت أين موضع الإشكال عندي ياشيخ
بعد هذا ننتقل إلى التخريج عند أهل البلاغة ، والله أعلم .
 
يخرج التفضيل هنا على وجوه
الاول مذهب ابي عبيدة: من ان افعل قد تخرج عن معنى التفضيل الى معنى فاعل وفعيل ولا يلحظ فيها معنى التفضيل.
او على مذهب ابي العباس المبرد: الذي لا يشترط الاشتراك بين الصفتين في التفضيل.
اما على مذهب سيبويه فقد ذكرت تحميلات هي حفظ لمذهبه
منها :انه اذا جاءت افعل التفضيل بين شيئين لا شركة بينهما قيقال في نظير اسلوب هذه الاية في: اصحاب الجنة خير مستقرا؛ بانهما لما اشتركا في ان الجنة مستقر والنار مستقر فضل الاستقرار الواحد، وهو للزجاج، ومثله هنا التفضيل باعظم في صفة الدرجة لما اشتركا في المستقر والمثوى ونحوه.
وعند ابن عطية: ان الالفاظ التي فيها عموم ما يتوجه حكمهما من جهات شتى، نحو قولك احب واحسن وخير وشر يسوغ ان يجاء بها بين شيئين لاشركة بينهما كقولك السعد في الدنيا احب الي من الشقاء، واذا كانت افعل في معنى بين شيئين لا حظ له فيه بوجه كقولك الماء ابرد من النار كان فاسدا.

اتفق تماما مع هذا التوجيه ،وله شواهد كثيرة منها :
ءالله خير أما يشركون ؟ ، ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم ،. . .

ويبقى استفسار الأستاذ الفاضل محمد عبد الله آل الأشرف :
[ هل يحمل المعنى على أنه في المشركين مقابل المؤمنين ؟]

أقول وبالله التوفيق :
إن ذكر من آمن بالله ... لا يلزم منه أن الفريق الأول مشرك ، ولذلك جاء بالمصدر ، السقاية والعمارة ، أى من أى أحد كائنا من كان ، فيشمل المشرك والمؤمن .
أما قوله تعالى : { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ }:فليس بالضرورة صفة لأهل السقاية والعمارة ، وإنما هو حكم عام ، يبين أن من يسوون بين الفريقين أو يفضلون أصحاب السقاية والعمارة هم القوم الظالمون الذين لا يهديهم الله . والله أعلم .
 
وجاء في تفسير المنار :
فإن قيل: إن هذا التفسير يدل على أن ما يفتخر به المشركون على المؤمنين من السقاية والعمارة له درجة عند الله تعالى ولكن درجة الإيمان مع الهجرة والجهاد أعظم - وقد سبق في الآيتين اللتين قبل هذه الآية خلاف ذلك (قلنا) لا مراء في كون هذين العملين من أعمال البر التي يكون لصاحبها درجة عند الله تعالى إذا فعلا كما يرضى الله، ولذلك أقرهما الإسلام دون غيرهما من وظائف الجاهلية، ولكن الشرك بالله تعالى يحبطهما ويحبط غيرهما من أعمال البر التي كانوا يفعلونها كما تقدم.
 
بسم1
اخي الفاضل
اما الجواب فكان بحسب السؤال في الاصل: ما معنى افعل التفضيل في الاية؟
اما عن النزول والاختلاف فيه؟
فيتوجه: بان يكون الخطاب للمومنين ويراد المشركون بالظلم، وبه تجتمع الروايات.
وان رجحت رواية عمررضي الله عنه فيتوجه الكلام:
بان: الخطاب للمومنين وتاتي جملة الظلم مستانفة.
او: بتخريج الظلم على معناه اللغوي من انه وضع الشيء في غير موضعه، فيتوجه الانكار عليهم في التسوية، وهو ظاهر كلام الالوسي.
او بالقول: بتخصيص الظلم، وهو توجيه لابن عطيه مطرد في تفسيره ان الله لايهدي القوم الظالمين بانه: اما ان يراد به الخصوص فيمن سبق في علم الله انه لايؤمن، واما ان يراد به تخصيص مدة الظلم والتلبس بفعله فان الظالم من حيث هو ظالم ليس بمهدي في ظلمه، فينفصل بهذا عن الاعتراض في المومنين والمشركين،على ان ما ذكره فيه نظر من جهة الكلام والاصول.
 
[COLOR=rgba(0, 0, 0, 0.701961)]وحيث أن سقف هذا النقاش هو التدارس ومن جانبي التعلم ، أقول والله المستعان :[/COLOR]
[COLOR=rgba(0, 0, 0, 0.701961)]ألا ينتفي الإشكال - شيخنا مخلص والأخوة الأفاضل- لو أن المعنى حمل على هذا الوجه :[/COLOR]
[COLOR=rgba(0, 0, 0, 0.701961)]أجعلتم سقاية المشركين الحاج وعمارتهم المسجد الحرام في البر كإيمان من آمن وجهاد من جاهد في سبيل الله ؟! [/COLOR]
[COLOR=rgba(0, 0, 0, 0.701961)]لايستوي العملان بالعملين ، والله لا يهدي القوم الظالمين أنفسهم بالشرك إلى أعمال البر المتقبلة .[/COLOR]
[COLOR=rgba(0, 0, 0, 0.701961)]الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم أعظم رتبة في رتب أعمال البر ، وأولائك هم الفائزون في الآخرة لأنهم بنوا أعمالهم على الإيمان بالله ورسوله .[/COLOR]
[COLOR=rgba(0, 0, 0, 0.701961)]هذا والله تعالى أعلم بمراده[/COLOR]
[COLOR=rgba(0, 0, 0, 0.701961)]فإن كان هذا الوجه يتفق مع قواعد اللغة العربية وتصريف الكلمات فيها ولا تعارضه آية من قرآن ولا حديث من سنة ولا يصادم قولا لأحد من السلف الصالح ولا يسقط أصلا معتبرا عند أهل الأصول ، فيظهر لي أنه لا يرد على هذا الوجه ماورد على غيره .[/COLOR]
[COLOR=rgba(0, 0, 0, 0.701961)]والله أعلم .[/COLOR]
 
عودة
أعلى