مالمراد بقوله تعالى ( حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ )؟!

إنضم
05/10/2009
المشاركات
62
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
{ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } .


قال الطبري :
(لذين أرسلناهم إليهم منهم أن يؤمنوا بالله، ويصدِّقوهم فيما أتوهم به من عند الله وظن الذين أرسلناهم إليهم من الأمم المكذِّبة أن الرسل الذين أرسلناهم قد كذبوهم فيما كانوا أخبروهم عن الله، من وَعده إياهم نصرَهم عليهم جاءهم نصرنا ).

فهمت كلام الطبري رحمه الله لكن في تفسير السعدي :
(يخبر تعالى: أنه يرسل الرسل الكرام، فيكذبهم القوم المجرمون اللئام، وأن الله تعالى يمهلهم ليرجعوا إلى الحق، ولا يزال الله يمهلهم حتى إنه تصل الحال إلى غاية الشدة منهم على الرسل.
حتى إن الرسل - على كمال يقينهم، وشدة تصديقهم بوعد الله ووعيده - ربما أنه يخطر بقلوبهم نوع من الإياس، ونوع من ضعف العلم والتصديق، فإذا بلغ الأمر هذه الحال { جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ } وهم الرسل وأتباعهم، { وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } أي: ولا يرد عذابنا، عمن اجترم، وتجرأ على الله { فما له من قوة ولا ناصر }.

أشكل عندي (الكلام الذي باللون الأحمر ) إذ أنه لايمكن أن يقع اليأس من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، فهل من يبين لي معنى كلام السعدي جزاكم الله خيرًا .
 
{ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } .


قال الطبري :
(لذين أرسلناهم إليهم منهم أن يؤمنوا بالله، ويصدِّقوهم فيما أتوهم به من عند الله وظن الذين أرسلناهم إليهم من الأمم المكذِّبة أن الرسل الذين أرسلناهم قد كذبوهم فيما كانوا أخبروهم عن الله، من وَعده إياهم نصرَهم عليهم جاءهم نصرنا ).

فهمت كلام الطبري رحمه الله لكن في تفسير السعدي :
(يخبر تعالى: أنه يرسل الرسل الكرام، فيكذبهم القوم المجرمون اللئام، وأن الله تعالى يمهلهم ليرجعوا إلى الحق، ولا يزال الله يمهلهم حتى إنه تصل الحال إلى غاية الشدة منهم على الرسل.
حتى إن الرسل - على كمال يقينهم، وشدة تصديقهم بوعد الله ووعيده - ربما أنه يخطر بقلوبهم نوع من الإياس، ونوع من ضعف العلم والتصديق، فإذا بلغ الأمر هذه الحال { جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ } وهم الرسل وأتباعهم، { وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } أي: ولا يرد عذابنا، عمن اجترم، وتجرأ على الله { فما له من قوة ولا ناصر }.

أشكل عندي (الكلام الذي باللون الأحمر ) إذ أنه لايمكن أن يقع اليأس من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، فهل من يبين لي معنى كلام السعدي جزاكم الله خيرًا .

أختنا الفاضلة
لا غبار على كلام الشيخ أختنا الكريمة ، فالخواطر لا يسلم منها قلب حتى قلوب الرسل مع ثقتهم بالله ويقينهم بوعده ، ولكن طبيعة الابتلاء تحتم مثل هذا ، ويوضح لك المسألة قول الله تعالى:
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) سورة البقرة(214)
 
أختنا الفاضلة أم عبد الله
إليك كلام الحافظ بن حجر في فتح الباري حول هذه الآية مع ملاحظة أن جميع الأقوال يمكن أن يرد عليها بعض الإيرادات :

- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لَهُ وَهُوَ يَسْأَلُهَا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :{ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ }

قَالَ قُلْتُ أَكُذِبُوا أَمْ كُذِّبُوا ؟
قَالَتْ عَائِشَةُ كُذِّبُوا.
قُلْتُ فَقَدْ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ فَمَا هُوَ بِالظَّنِّ ؟
قَالَتْ أَجَلْ لَعَمْرِي لَقَدْ اسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ.
فَقُلْتُ لَهَا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا.
قَالَتْ مَعَاذَ اللَّهِ لَمْ تَكُنْ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذَلِكَ بِرَبِّهَا.
قُلْتُ فَمَا هَذِهِ الْآيَةُ ؟
قَالَتْ هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الْبَلَاءُ وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُمْ النَّصْرُ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ وَظَنَّتْ الرُّسُلُ أَنَّ أَتْبَاعَهُمْ قَدْ كَذَّبُوهُمْ جَاءَهُمْ نَصْرُ اللَّهِ عِنْدَ ذَلِكَ.

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ فَقُلْتُ لَعَلَّهَا كُذِبُوا مُخَفَّفَةً قَالَتْ مَعَاذَ اللَّهِ نَحْوَهُ


قَوْله : ( قُلْت كُذِّبُوا أَمْ كُذِبُوا )
أَيْ مُثَقَّلَة أَوْ مُخَفَّفَة ؟ وَوَقَعَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق صَالِح اِبْن كَيْسَانَ هَذِهِ .

قَوْله : ( قَالَتْ عَائِشَة كُذِّبُوا ) أَيْ بِالتَّثْقِيلِ فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ مُثَقَّلَة .

قَوْله : ( فَمَا هُوَ بِالظَّنِّ ؟ قَالَتْ أَجَلْ )
زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيّ " قُلْت فَهِيَ مُخَفَّفَة ، قَالَتْ مَعَاذ اللَّه " وَهَذَا ظَاهِر فِي أَنَّهَا أَنْكَرَتْ الْقِرَاءَة بِالتَّخْفِيفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضَّمِير لِلرُّسُلِ ، وَلَيْسَ الضَّمِير لِلرُّسُلِ عَلَى مَا بَيَّنْته وَلَا لِإِنْكَارِ الْقِرَاءَة بِذَلِكَ مَعْنًى بَعْدَ ثُبُوتهَا . وَلَعَلَّهَا لَمْ يَبْلُغهَا مِمَّنْ يُرْجَع إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ . وَقَدْ قَرَأَهَا بِالتَّخْفِيفِ أَئِمَّة الْكُوفَة مِنْ الْقُرَّاء عَاصِم وَيَحْيَى بْن وَثَّاب وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ ، وَوَافَقَهُمْ مِنْ الْحِجَازِيِّينَ أَبُو جَعْفَر بْن الْقَعْقَاع ، وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَأَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيِّ وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَمُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيِّ فِي آخَرِينَ .

وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ : لَمْ تُنْكِر عَائِشَة الْقِرَاءَة ، وَإِنَّمَا أَنْكَرَتْ تَأْوِيل اِبْن عَبَّاس . كَذَا قَالَ ، وَهُوَ خِلَاف الظَّاهِر ، وَظَاهِر السِّيَاق أَنَّ عُرْوَة كَانَ يُوَافِق اِبْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَسْأَل عَائِشَة ، ثُمَّ لَا يَدْرِي رَجَعَ إِلَيْهَا أَمْ لَا .
رَوَى اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ طَرِيق يَحْيَى بْن سَعِيد الْأَنْصَارِيّ قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى الْقَاسِم بْن مُحَمَّد فَقَالَ لَهُ إِنَّ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ يَقْرَأ ( كُذِبُوا ) بِالتَّخْفِيفِ فَقَالَ : أَخْبِرْهُ عَنِّي أَنِّي سَمِعْت عَائِشَة تَقُول ( كُذِّبُوا ) مُثَقَّلَة أَيْ كَذَّبَتْهُمْ أَتْبَاعهمْ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِير الْبَقَرَة مِنْ طَرِيق اِبْن أَبِي مُلَيْكَة قَالَ " قَالَ اِبْن عَبَّاس ( حَتَّى إِذَا اِسْتَيْأَسَ الرُّسُل وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ) خَفِيفَة قَالَ ذَهَبَ بِهَا هُنَالِكَ " وَفِي رِوَايَة الْأَصِيلِيِّ " بِمَا هُنَالِكَ " بِمِيمٍ بَدَلَ الْهَاء وَهُوَ تَصْحِيف . وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْه بِلَفْظِ " ذَهَب هَاهُنَا - وَأَشَارَ إِلَى السَّمَاء - وَتَلَا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُول وَاَلَّذِينَ مَعَهُ مَتَى نَصْر اللَّه أَلَا إِنَّ نَصْر اللَّه قَرِيب " وَزَادَ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي رِوَايَته " ثُمَّ قَالَ اِبْن عَبَّاس كَانُوا بَشَرًا ضَعُفُوا وَأَيِسُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا " وَهَذَا ظَاهِره أَنَّ اِبْن عَبَّاس كَانَ يَذْهَب إِلَى أَنَّ قَوْله مَتَى نَصْر اللَّه مَقُول الرَّسُول ، وَإِلَيْهِ ذَهَب طَائِفَة .
ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فَقِيلَ الْجَمِيع مَقُول الْجَمِيع ، وَقِيلَ الْجُمْلَة الْأُولَى مَقُول الْجَمِيع وَالْأَخِيرَة مِنْ كَلَام اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ الْجُمْلَة الْأُولَى وَهِيَ ( مَتَى نَصْر اللَّه ) مَقُول الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ . وَالْجُمْلَة الْأَخِيرَة وَهِيَ ( أَلَا إِنَّ نَصْر اللَّه قَرِيب ) مَقُول الرَّسُول ، وَقُدِّمَ الرَّسُول فِي الذِّكْر لِشَرَفِهِ وَهَذَا أَوْلَى ، وَعَلَى الْأَوَّل فَلَيْسَ قَوْل الرَّسُول ( مَتَى نَصْر اللَّه ) شَكًّا بَلْ اِسْتِبْطَاء لِلنَّصْرِ وَطَلَبًا لَهُ ، وَهُوَ مِثْل قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ " اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتنِي " قَالَ الْخَطَّابِيُّ : لَا شَكَّ أَنَّ اِبْن عَبَّاس لَا يُجِيز عَلَى الرُّسُل أَنَّهَا تُكَذِّب بِالْوَحْيِ ، وَلَا يُشَكّ فِي صِدْق الْمُخْبِر ، فَيُحْمَل كَلَامه عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُمَا لِطُولِ الْبَلَاء عَلَيْهِمْ وَإِبْطَاء النَّصْر وَشِدَّة اِسْتِنْجَاز مَنْ وَعَدُوهُ بِهِ تَوَهَّمُوا أَنَّ الَّذِي جَاءَهُمْ مِنْ الْوَحْي كَانَ حُسْبَانًا مِنْ أَنْفُسهمْ ، وَظَنُّوا عَلَيْهَا الْغَلَط فِي تَلَقِّي مَا وَرَدَ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ ، فَيَكُون الَّذِي بُنِيَ لَهُ الْفِعْل أَنْفُسهمْ لَا الْآتِي بِالْوَحْيِ ، وَالْمُرَاد بِالْكَذِبِ الْغَلَط لَا حَقِيقَة الْكَذِب كَمَا يَقُول الْقَائِل كَذَبَتْك نَفْسك .
قُلْت : وَيُؤَيِّدهُ قِرَاءَة مُجَاهِد ( وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كَذَبُوا ) بِفَتْحِ أَوَّله مَعَ التَّخْفِيف أَيْ غَلِطُوا ، وَيَكُون فَاعِل ( وَظَنُّوا ) الرُّسُل ، وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون أَتْبَاعهمْ . وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ بِأَسَانِيدَ مُتَنَوِّعَةٍ مِنْ طَرِيق عِمْرَانَ بْن الْحَارِث وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَأَبِي الضُّحَى وَعَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة وَالْعَوْفِيّ كُلّهمْ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة قَالَ : أَيِسَ الرُّسُل مِنْ إِيمَان قَوْمهمْ ، وَظَنَّ قَوْمهمْ أَنَّ الرُّسُل كَذَبُوا .
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ : إِنْ صَحَّ هَذَا عَنْ اِبْن عَبَّاس فَقَدْ أَرَادَ بِالظَّنِّ مَا يَخْطِر بِالْبَالِ وَيَهْجِس فِي النَّفْس مِنْ الْوَسْوَسَة وَحَدِيث النَّفْس عَلَى مَا عَلَيْهِ الْبَشَرِيَّة ، وَأَمَّا الظَّنّ وَهُوَ تَرْجِيح أَحَد الطَّرَفَيْنِ فَلَا يُظَنّ بِالْمُسْلِمِ فَضْلًا عَنْ الرَّسُول .

وَقَالَ أَبُو نَصْر الْقُشَيْرِيُّ وَلَا يَبْعُد أَنَّ الْمُرَاد خَطَرَ بِقَلْبِ الرُّسُل فَصَرَفُوهُ عَنْ أَنْفُسهمْ ، أَوْ الْمَعْنَى قَرَّبُوا مِنْ الظَّنّ كَمَا يُقَال بَلَغْت الْمَنْزِل إِذَا قَرُبَتْ مِنْهُ .

وَقَالَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم : وَجْهه أَنَّ الرُّسُل كَانَتْ تَخَاف بَعْدَ أَنْ وَعَدَهُمْ اللَّه النَّصْر أَنْ يَتَخَلَّف النَّصْر ، لَا مِنْ تُهْمَة بِوَعْدِ اللَّه بَلْ لِتُهْمَةِ النُّفُوس أَنْ تَكُون قَدْ أَحْدَثَتْ حَدَثًا يَنْقُض ذَلِكَ الشَّرْط ، فَكَانَ الْأَمْر إِذَا طَالَ وَاشْتَدَّ الْبَلَاء عَلَيْهِمْ دَخَلَهُمْ الظَّنّ مِنْ هَذِهِ الْجِهَة .

قُلْت : وَلَا يُظَنّ بِابْنِ عَبَّاس أَنَّهُ يُجَوِّز عَلَى الرَّسُول أَنَّ نَفْسَهُ تُحَدِّثُهُ بِأَنَّ اللَّه يُخْلِف وَعْدَهُ ، بَلْ الَّذِي يُظَنّ بِابْنِ عَبَّاس أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " كَانُوا بَشَرًا " إِلَى آخِر كَلَامه مَنْ آمَنَ مِنْ أَتْبَاع الرُّسُل لَا نَفْس الرُّسُل ، وَقَوْل الرَّاوِي عَنْهُ " ذَهَب بِهَا هُنَاكَ " أَيْ إِلَى السَّمَاء مَعْنَاهُ أَنَّ أَتْبَاع الرُّسُل ظَنُّوا أَنَّ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ الرُّسُل عَلَى لِسَان الْمَلِك تَخَلَّفَ ، وَلَا مَانِع أَنْ يَقَع ذَلِكَ فِي خَوَاطِر بَعْض الْأَتْبَاع .
وَعَجَب لِابْنِ الْأَنْبَارِيّ فِي جَزْمه بِأَنَّهُ لَا يَصِحّ . ثُمَّ الزَّمَخْشَرِيّ فِي تَوَقُّفه عَنْ صِحَّة ذَلِكَ عَنْ اِبْن عَبَّاس ، فَإِنَّهُ صَحَّ عَنْهُ ، لَكِنْ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ التَّصْرِيح بِأَنَّ الرُّسُل هُمْ الَّذِينَ ظَنُّوا ذَلِكَ ، وَلَا يَلْزَم ذَلِكَ مِنْ قِرَاءَة التَّخْفِيف ، بَلْ الضَّمِير فِي " وَظَنُّوا " عَائِد عَلَى الْمُرْسَل إِلَيْهِمْ ، وَفِي " وَكُذِبُوا " عَائِد عَلَى الرُّسُل أَيْ وَظَنَّ الْمُرْسَل إِلَيْهِمْ أَنَّ الرُّسُل كُذِبُوا ، أَوْ الضَّمَائِر لِلرُّسُلِ وَالْمَعْنَى يَئِسَ الرُّسُل مِنْ النَّصْر وَتَوَهَّمُوا أَنَّ أَنْفُسهمْ كَذَبَتْهُمْ حِينَ حَدَّثَتْهُمْ بِقُرْبِ النَّصْر ، أَوْ كَذَبَهُمْ رَجَاؤُهُمْ . أَوْ الضَّمَائِر كُلّهَا لِلْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ أَيْ يَئِسَ الرُّسُل مِنْ إِيمَان مَنْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِ ، وَظَنَّ الْمُرْسَل إِلَيْهِمْ أَنَّ الرُّسُل كَذَّبُوهُمْ فِي جَمِيع مَا اِدَّعُوهُ مِنْ النُّبُوَّة وَالْوَعْد بِالنَّصْرِ لِمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْوَعِيد بِالْعَذَابِ لِمَنْ لَمْ يُجِبْهُمْ ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُحْتَمَلًا وَجَبَ تَنْزِيه اِبْن عَبَّاس عَنْ تَجْوِيزه ذَلِكَ عَلَى الرُّسُل ، وَيُحْمَل إِنْكَار عَائِشَة عَلَى ظَاهِر مَسَاقهمْ مِنْ إِطْلَاق الْمَنْقُول عَنْهُ .

وَقَدْ رَوَى الطَّبَرِيُّ أَنَّ سَعِيد اِبْن جُبَيْر سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَة فَقَالَ : يَئِسَ الرُّسُل مِنْ قَوْمهمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُمْ ، وَظَنَّ الْمُرْسَل إِلَيْهِمْ أَنَّ الرُّسُل كَذَبُوا . فَقَالَ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم لَمَّا سَمِعَهُ : لَوْ رَحَلْت إِلَى الْيَمَن فِي هَذِهِ الْكَلِمَة لَكَانَ قَلِيلًا . فَهَذَا سَعِيد بْن جُبَيْر وَهُوَ مِنْ أَكَابِر أَصْحَاب اِبْن عَبَّاس الْعَارِفِينَ بِكَلَامِهِ حَمَلَ الْآيَة عَلَى الِاحْتِمَال الْأَخِير الَّذِي ذَكَرْته .

وَعَنْ مُسْلِم بْن يَسَار أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيد بْن جُبَيْر فَقَالَ لَهُ : آيَة بَلَغَتْ مِنِّي كُلَّ مَبْلَغ ، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة بِالتَّخْفِيفِ ، قَالَ فِي هَذَا أَلَوْت أَنْ تَظُنّ الرُّسُل ذَلِكَ ، فَأَجَابَهُ بِنَحْوِ ذَلِكَ ، فَقَالَ : فَرَّجْت عَنِّي فَرَّجَ اللَّه عَنْك ، وَقَامَ إِلَيْهِ فَاعْتَنَقَهُ . وَجَاءَ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَة سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس نَفْسه ، فَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق أُخْرَى عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي

قَوْله : ( قَدْ كُذِبُوا )
قَالَ : اِسْتَيْأَسَ الرُّسُل مِنْ إِيمَان قَوْمهمْ ، وَظَنَّ قَوْمهمْ أَنَّ الرُّسُل قَدْ كَذَبُوهُمْ . وَإِسْنَاده حَسَن . فَلْيَكُنْ هُوَ الْمُعْتَمَد فِي تَأْوِيل مَا جَاءَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ أَعْلَم بِمُرَادِ نَفْسه مِنْ غَيْره . وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق اِبْن جُرَيْجٍ فِي قَوْله : ( قَدْ كُذِبُوا ) خَفِيفَة أَيْ أَخْلَفُوا ، أَلَا إِنَّا إِذَا قَرَّرْنَا أَنَّ الضَّمِير لِلْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ لَمْ يَضُرّ تَفْسِير كُذِبُوا بِأَخْلَفُوا ، أَيْ ظَنَّ الْمُرْسَل إِلَيْهِمْ أَنَّ الرُّسُل أَخْلَفُوا مَا وَعَدُوا بِهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَم .

وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق تَمِيم بْن حَذْلَمٍ . سَمِعْت اِبْن مَسْعُود يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : اِسْتَيْأَسَ الرُّسُل مِنْ إِيمَان قَوْمهمْ ، وَظَنَّ قَوْمهمْ حِينَ أَبْطَأَ الْأَمْر أَنَّ الرُّسُل كَذَبُوهُمْ . وَمِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث : اِسْتَيْأَسَ الرُّسُل مِنْ إِيمَان قَوْمهمْ ، وَظَنَّ الْقَوْم أَنَّهُمْ قَدْ كَذَبُوا فِيمَا جَاءُوهُمْ بِهِ .

وَقَدْ جَاءَ عَنْ اِبْن مَسْعُود شَيْء مُوهِم كَمَا جَاءَ عَنْ اِبْن عَبَّاس ، فَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق صَحِيح عَنْ مَسْرُوق عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ قَرَأَ ( حَتَّى إِذَا اِسْتَيْأَسَ الرُّسُل وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ) مُخَفَّفَة قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه : هُوَ الَّذِي يُكْرَه . وَلَيْسَ فِي هَذَا أَيْضًا مَا يُقْطَع بِهِ عَلَى أَنَّ اِبْن مَسْعُود أَرَادَ أَنَّ الضَّمِير لِلرُّسُلِ ، بَلْ يُحْتَمَل أَنْ يَكُون الضَّمِير عِنْدَهُ لِمَنْ آمَنَ مِنْ أَتْبَاع الرُّسُل ، فَإِنَّ صُدُور ذَلِكَ مِمَّنْ آمَنَ مِمَّا يُكْرَه سَمَاعه ، فَلَمْ يَتَعَيَّن أَنَّهُ أَرَادَ الرُّسُل .

قَالَ الطَّبَرِيُّ : لَوْ جَازَ أَنْ يَرْتَاب الرُّسُل بِوَعْدِ اللَّه وَيَشُكُّوا فِي حَقِيقَة خَبَره لَكَانَ الْمُرْسَل إِلَيْهِمْ أَوْلَى بِجَوَازِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ . وَقَدْ اِخْتَارَ الطَّبَرِيُّ قِرَاءَة التَّخْفِيف وَوَجَّهَهَا بِمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ : وَإِنَّمَا اِخْتَرْت هَذَا لِأَنَّ الْآيَة وَقَعَتْ عَقِبَ قَوْله : ( فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) فَكَانَ فِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ يَأْس الرُّسُل كَانَ مِنْ إِيمَان قَوْمهمْ الَّذِينَ كَذَّبُوهُمْ فَهَلَكُوا ، أَوْ أَنَّ الْمُضْمَر فِي قَوْله : ( وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ) إِنَّمَا هُوَ لِلَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ مِنْ الْأُمَم الْهَالِكَة .
وَيَزِيد ذَلِكَ وُضُوحًا أَنَّ فِي بَقِيَّة الْآيَة الْخَبَر عَنْ الرُّسُل وَمَنْ آمَنَ بِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( فَنُنَجِّي مَنْ نَشَاء ) أَيْ الَّذِينَ هَلَكُوا هُمْ الَّذِينَ ظَنُّوا أَنَّ الرُّسُل قَدْ كُذِبُوا فَكَذَّبُوهُمْ ، وَالرُّسُل وَمَنْ اِتَّبَعَهُمْ هُمْ الَّذِينَ نَجَوْا ، اِنْتَهَى كَلَامه ، وَلَا يَخْلُو مِنْ نَظَر .

قَوْله : ( قَالَتْ أَجَلْ ) أَيْ نَعَمْ . وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عَقِيل فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء فِي هَذَا الْمَوْضِع " فَقَالَتْ يَا عُرَيَّة " وَهُوَ بِالتَّصْغِيرِ وَأَصْله عُرَيْوَة فَاجْتَمَعَ حَرْفَا عِلَّة فَأُبْدِلَتْ الْوَاو يَاء ثُمَّ أُدْغِمَتْ فِي الْأُخْرَى .

قَوْله : ( لَعَمْرِي لَقَدْ اِسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ )
فِيهِ إِشْعَار بِحَمْلِ عُرْوَة الظَّنّ عَلَى حَقِيقَته وَهُوَ رُجْحَان أَحَد الطَّرَفَيْنِ ، وَوَافَقَتْهُ عَائِشَة . لَكِنْ رَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق سَعِيد عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ الْمُرَاد بِالظَّنِّ هُنَا الْيَقِين . وَنَقَلَهُ نَفْطَوَيْةِ هُنَا عَنْ أَكْثَر أَهْل اللُّغَة وَقَالَ : هُوَ كَقَوْلِهِ فِي آيَة أُخْرَى ( وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأ مِنْ اللَّه إِلَّا إِلَيْهِ ) وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ وَقَالَ : إِنَّ الظَّنّ لَا تَسْتَعْمِلُهُ الْعَرَب فِي مَوْضِع الْعِلْم إِلَّا فِيمَا كَانَ طَرِيقه غَيْر الْمُعَايَنَة ، فَأَمَّا مَا كَانَ طَرِيقه الْمُشَاهَدَة فَلَا ، فَإِنَّهَا لَا تَقُول أَظُنُّنِي إِنْسَانًا وَلَا أَظُنُّنِي حَيًّا بِمَعْنَى إِنْسَانًا أَوْ حَيًّا . قَوْله فِي الطَّرِيق الثَّانِيَة عَنْ الزُّهْرِيّ ( أَخْبَرَنِي عُرْوَة فَقُلْت لَعَلَّهَا كُذِبُوا مُخَفَّفَة قَالَتْ مَعَاذ اللَّه . نَحْوه ) هَكَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا ، وَقَدْ سَاقَهُ أَبُو نُعَيْم فِي " الْمُسْتَخْرَج " بِتَمَامِهِ وَلَفْظه عَنْ عُرْوَة أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَة فَذَكَرَ نَحْو حَدِيث صَالِح بْن كَيْسَانَ .

انتهى كلامه رحمه الله تعالى
 
قال بعض أهل العلم إنَّ الظَّـنَّ في غالب كلام الشَّـارعِ لا يُـرادُ منهُ اعتقادُ القلبِ الجازمُ , بل هو أمرٌ مرجوحٌ في نفسِ الظَّـانِّ وإن خطـر على قلبه وتحدثت به نفسهُ , فيكفيه براءةً أن توقف لسانه وجوارحُـهُ عن تصديق ذلك الظنِّ فلم يتكلم ولم يعمل , وعليه يحملُ معنى هذه الآيـة , قال ابنُ حزمٍ رحمه الله في كتاب الفصل في الملل والنحل عند كلامه عن سليمان عليه السلام:

(وليس هذا على ما ظنه الجهال , وإنما معناه أن الرسل عليهم السلام ظنوا بمن وعدهم النصر من قومهم أنهم كذَبوا فيما وعدوهم من نصرهم , ومن المحال البيِّـن أن يدخل في عقل من له أدنى رمق أن الله تعالى يكذِبُ فكيف بصفوة الله تعالى من خلقه وأتمهم علما وأعرفهم بالله عز و جل .؟
ومن نسب هذا إلى نبي فقد نسب إليه الكفر , ومن أجاز إلى نبي الكفر فهو الكافر المرتد بلا شك, والذي قلنا هو ظاهر الآية وليس فيها أن الله تعالى كذَبَهم حاشا لله من هذا
) .
 
بارك الله فيكما وفيما نقلتما وجعله الله في ميزان حسناتكما .
 
قال بعض أهل العلم إنَّ الظَّـنَّ في غالب كلام الشَّـارعِ لا يُـرادُ منهُ اعتقادُ القلبِ الجازمُ ,ا [/color]) .

الأستاذ الفاضل /

حين تمر علينا آيات فيها لفظ الظن مثل :


{الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ }البقرة46

{قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ }البقرة249

{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ }البقرة78

{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ }الجاثية24


كيف يمكنني التفريق في معنى الظن حسب سياق الآيات ، هل يُفهم ذلك من كلام المفسر مباشرة أم من سياق الآيات أم أن هناك طريقة أخرى ؟

أرجو توضيح ذلك لاحرمكم الأجر والمثوبة .
 
الأستاذ الفاضل /

حين تمر علينا آيات فيها لفظ الظن مثل :


{الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ }البقرة46

{قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ }البقرة249

{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ }البقرة78

{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ }الجاثية24


كيف يمكنني التفريق في معنى الظن حسب سياق الآيات ، هل يُفهم ذلك من كلام المفسر مباشرة أم من سياق الآيات أم أن هناك طريقة أخرى ؟

أرجو توضيح ذلك لاحرمكم الأجر والمثوبة .

المرجع في ذلك إلى سياق الآية والنظر في معناها , فمن الآيات ما لا يُـمكنُ حملُ (الظنّ) فيها على الاعتقاد المرجوح كقول الله تعالى (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) فالآيةُ في سياق الثناء على الخاشعين ولا يصحُّ أن يكونَ اعتقادهم في لقاء الله والوقوف بين يديه أمراً غير جازم في نفوسهم فيُـحملُ اللفظُ هنا على اليقين الجازم بلا تردد.

وفي بعض الآيات - وهي الأكثرُ - لا مجالَ لتفسير الظن بغير اعتقاد القلب المرجوح أي غير الجازم ويتضحُ ذلك من سياقها كقول الله تعالى {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ } فالسياقُ فيه ادعاءُ المشركين أن لا بعثَ ولا نُشورَ , ثم فيه نسبة الإهلاك إلى الدهر , ثم نفيُ الله العلمَ الصحيحَ عنهم بأمور البعث والإماتة , وجاء بعد كل ذلك قوله (إن هم إلا يظنون) إشـارة إلى أن ما في نفوسهم من اعتقاد تكلمت به ألسنتُـهم ما هو إلا اعتقادٌ مرجوحٌ كاذب.

والله أعلم.
 
عودة
أعلى