لكن هل ذكر هذا الكلام أحد من علماء التفسير؟
سبب نزول هذه الآية وسياقها يدلان بوضوح على ما ذكرتُ أخي الفاضل، وإنما كان تعليقا أردت به استبانة مقصدك حفظك الله.
وللاستئناس أنقل ما جاء في تفسير المنار عند هذا الموضع:
" وَرَدَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ فِي الْإِذْنِ بِالْقِتَالِ لِلْمُحْرِمِينَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ إِذَا فُوجِئُوا بِالْقِتَالِ بَغْيًا وَعُدْوَانًا ، فَهِيَ مُتَّصِلَةٌ بِمَا قَبْلَهَا أَتَمَّ الِاتِّصَالِ ; لِأَنَّ الْآيَةَ السَّابِقَةَ بَيَّنَتْ أَنَّ الْأَهِلَّةَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ فِي عِبَادَاتِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ عَامَّةً وَفِي الْحَجِّ خَاصَّةً . وَهُوَ فِي أَشْهُرٍ هِلَالِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ كَانَ الْقِتَالُ فِيهَا مُحَرَّمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ . وَأَخْرَجَ الْوَاحِدِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صُدَّ عَنِ الْبَيْتِ ثُمَّ صَالَحَهُ الْمُشْرِكُونَ ، فَرَضِيَ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ عَامَهُ الْقَابِلَ وَيُخْلُوا لَهُ مَكَّةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَطُوفُ وَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْقَابِلُ ، تَجَهَّزَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ لِعُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَخَافُوا أَلَّا تَفِيَ لَهُمْ قُرَيْشٌ وَأَنْ يَصُدُّوهُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِالْقُوَّةِ وَيُقَاتِلُوهُمْ ، وَكَرِهَ أَصْحَابُهُ قِتَالَهُمْ فِي الْحَرَمِ وَالشَّهْرِ الْحَرَامِ ; فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ) يَقُولُ : أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ تَخَافُونَ أَنْ يَمْنَعَكُمْ مُشْرِكُو مَكَّةَ عَنْ زِيَارَةِ بَيْتِ اللهِ وَالِاعْتِمَارِ فِيهِ نَكَثًا مِنْهُمْ لِلْعَهْدِ وَفِتْنَةً لَكُمْ فِي الدِّينِ ، وَتَكْرَهُونَ أَنْ تُدَافِعُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ بِقِتَالِهِمْ فِي الْإِحْرَامِ وَالشَّهْرِ الْحَرَامِ ، إِنَّنِي أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الْقِتَالِ عَلَى أَنَّهُ دِفَاعٌ فِي سَبِيلِ اللهِ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ عِبَادَتِهِ فِي بَيْتِهِ وَتَرْبِيَةً لِمَنْ يَفْتِنُكُمْ عَنْ دِينِكُمْ وَيَنْكُثُ عَهْدَكُمْ ، لَا لِحُظُوظِ النَّفْسِ وَأَهْوَائِهَا ، وَالضَّرَاوَةِ بِحُبِّ التَّسَافُكِ ، فَقَاتِلُوا فِي هَذِهِ السَّبِيلِ الشَّرِيفَةِ مَنْ يُقَاتِلُكُمْ (وَلَا تَعْتَدُوا) بِالْقِتَالِ فَتَبْدَءُوهُمْ ، وَلَا فِي الْقِتَالِ فَتَقْتُلُوا مَنْ لَا يُقَاتِلُ كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالشُّيُوخِ وَالْمَرْضَى ، أَوْ مَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَكَفَّ عَنْ حَرْبِكُمْ ، وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الِاعْتِدَاءِ كَالتَّخْرِيبِ وَقَطْعِ الْأَشْجَارِ ، وَقَدْ قَالُوا : إِنَّ الْفِعْلَ الْمَنْفِيَّ يُفِيدُ الْعُمُومَ .
عَلَّلَ الْإِذْنَ بِأَنَّهُ مُدَافَعَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي الْآيَةِ التَّالِيَةِ ، وَعَلَّلَ النَّهْيَ بِقَوْلِهِ : (إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) أَيْ : إِنَّ الِاعْتِدَاءَ مِنَ السَّيِّئَاتِ الْمَكْرُوهَةِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى لِذَاتِهَا فَكَيْفَ إِذَا كَانَ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ ، وَفِي أَرْضِ الْحَرَمِ وَالشَّهْرِ الْحَرَامِ ؟"
ثم هل يصح أن أقول أن هذه الآية شرط وليست علة جمعاً
للآيات العامة كمثل الوارد ذكرها في سورة التوبة ؟
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يرى أن القيد في قوله تعالى: (الذين يقاتلونكم) إنما جاء للإغراء لأن الإنسان إذا قيل له: "قاتل من يقاتلك" اشتدت عزيمته، وقويت شكيمته؛ وعلى هذا فلا مفهوم لهذا القيد، ولا ينبني عليه حكم ولا علة.
وإن قلنا إنه قيد معتبر فنحن بين ثلاث خيارات:
- إما القول بأن الآية عامة دلت على قتال من بدأ بالقتال دون من سواه، فتكون على هذا منسوخة بآية براءة ونحوها.
- أو أنها عامة محكمة غير منسوخة دلت على عدم جواز قتال من لا يقاتل كالنساء والصبيان.
- أو القول بأنها خاصة بالحرم دلت على الإذن بقتال المشركين إن هم اعتدوا وبدؤا القتال فيه..
فعلى الأول تكون المقاتلة شرطا، وعلى الثاني وصفا كاشفا، وعلى الثالث علة متعلق بها الحكم، والله أعلم.
أما تفريقك الأخير بين القتل والقتال فلم أفهم وجهه، وفقك الله ونفع بك.