موقع الدكتور عمر المقبل
New member
مات المغرّد الصالح
[align=justify]في زحمة المغردين في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) لم يكن يخطر ببالي وأنا أدخل هذا العالم أن يقوم مغرّد بعمل إعلامي فيه جهدٌ كبير، ثم يهديه لك! ولا يتوقف عند مشروع واحد، بل ينتقل من مشروع إلى مشروع بنفس الحجم والجهد الذي سبقه، ثم يهديه لك!
ويزداد عجبك، وتطول دهشتك حين تعلم أنك لستَ وحدك! بل أنت واحد من مجموعة خدمهم بنفس المستوى، دون مقابل وبطيب نفس!
أما المشروع الأول فهو "بودكاست قواعد قرآنية"([1])، والمشروع الثاني فهو "بودكاست قواعد نبوية"([2]).
وهو في طور البشارة لي بالمشروع الثاني جرت بيني وبينه محادثة على "الخاص" في تويتر، وقلتُ له ـ بالحرف الواحد ـ: أخي ناصر، أقترح أن أربطك مع مدير الموقع لتعطيه الرقم السري للبودكاست الأول (قواعد قرآنية) ولهذا البودكاست الجديد (قواعد نبوية)، خوفاً من أي عوارض لا قدر الله، وكان هذا الحديث يوم الثلاثاء، وإذا بخبر وفاته يفجأني بعد هذه المحادثة بأربعة أيام فقط بسكتة قلبية رحمه الله.
ظننتُ أن هذا الشاب المبادر قد ركّز جهده على هذا الجهد، وهو تحويل بعض البرامج الإعلامية لعدد من الدعاة وطلاب العلم، فإذا بسيرته التي تكشفت لي بعد موته تقول غير ذلك! فلقد كان متعاوناً مع عدد من مكاتب الدعوة، في مناطق مختلفة، وهو من قام بجمع المقاطع الشهيرة لسلسلة "في ظلال السيرة" التي يلقيها أ.حمد الدريهم ـ وفقه الله ـ، وأنشأ قناة دعوية على اليوتيوب.
وأما الجانب الاجتماعي، فقد حدثني بعض أقاربه، أنه لم يبق بيت من أسرته محتاجاً إلا وساعده بنفسه أو بغيره، رغم حالته المادية الضعيفة، فهو لم يتوظف.
بقي أن تعلم أنه يفعل ذلك كلّه، وهو مريض منذ طفولته، وكان يراجع المستشفى التخصصي ـ في مركز الأبحاث ـ لندرة حالته، وكان صبوراً ذا جلدٍ عجيب!
وقبل أيام لما حدّثت بعض الإخوة بقصة ناصر وموته بعد انتهائه من المشروع الثاني، ما كان من أحدهم إلا أن بادر بالتبرع عنه بمبلغ من المال في وقف لخدمة القرآن، وتبعه آخر فوراً بوقف عشرة مصاحف له، وثالث تبرع بمبلغ (1000)ريال وجعلها في وقف خيري!
هنا تساءلت ـ كما تساءل عدد من الإخوة الذين حدّثتهم بما سبق ـ ما السر الذي كان بين ناصر وبين ربّه؟ حتى أحيا الله ذكره بعد سنة تقريباً من وفاته، ليُجْرَي اللهُ له حسناتٍ من غير جهده، بل بفعل آخرين لا يعرفونه ألبتة، ولا رأوا صورته؟!
لقد عاش ناصر بصمت، ومات بصمت، ورحل دون ضجيج، يوم السبت 3/ 6 / 1434هـ، بعد صلاة الظهر! بعد ستة وعشرين عاماً قضاها في خدمة دينه، والدعوة إليه. وإني لأحسبه من الشباب الموفقين الصادقين، وقد ظهر لي التوفيق في عمله من خلال أمرين جليلين:
الأول: الروح المبادرة، وهي من أبرز صفات العظماء، فهو الذي خاطبني وخاطب غيري من طلاب العلم؛ ليساهم في نشر بعض إنتاجهم.
الثاني: العمل بصمت، وعدم انتظار الثناء والتكريم، أو الإشهار الإعلامي! وهذه أحسبها علامة صدق وإخلاص، وما أحوجنا لتعاهد هذا من نفوسنا.
لقد رحل أخي ناصر بن سعد بن ناصر بن سفران القحطاني ـ صاحب المعرّف (@qahtany) ـ وقدّم من خلال سيرته العملية نموذجاً حيّا للشاب المبادر، وقدوة في علوّ الهمّة، واستثمارِ علمه بالتقنية في النافع المفيد، وبقي معرّفُه يغرّد بالخير، ونشر القرآن والسنة، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
إن في شبابنا من يملك ما كان يملكه ناصر من العلم بدقائق التقنية، ولكن تفاوتت الهمم، واختلفت المشارب، والسعيدُ من ترك خلفه عملاً يجد أثره في قبره نوراً، وفي أرض المحشر سروراً، وفي جنة الخلد حبوراً.
إن في موت أخينا ناصر فجأة، رسالةً لأولئك المغردين الذين تمتلئ حساباتهم بما لا يسرُّ المؤمن أن يلقى الله به إذا لقيه، وبما يستحون أن يجدوه في صحائف أعمالهم، فليبادروا بتنظيفها قبل أن يقال للإنسان: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾[الإسراء: 14].
ختاماً.. أحسب أن أخانا ناصر عاش لدينه - ولا أزكيه على الله -، واجتهد في خدمته بما يقدر، فأسال الله أن يقيض الله له من ينشر أعماله، وأن يبارك في سيرته هذه ما شاء الله أن يبارك، فيعلي بها همما، ويهدي بها نفوسا. وهو خليق بالتكريم والاحتفاء، ولو بحفل مصغّر، وعسى أن يكون ذلك قريبا.
اللهم اغفر لعبدك ناصر، وارفع درجته في المهديين، واسلكه في عبادك المحسنين، وضاعف حسناته، وتجاوز عن سيئاته، واجمعنا به في دار النعيم.
ـــــــــــــــــــــــــ
([1]) والذي يتكون من خمسين حلقةً صوتية، سبق أن بُثّت عبر أثير إذاعة القرآن الكريم عام 1430هـ، وقد أنزله في متجر البرامج "آب ستور".
([2]) ويتكون من خمسين حلقةً صوتية، سبق أن بثتها إذاعة القرآن الكريم عام 1432هـ.
[/align]
*رابط المقال على الموقع: http://almuqbil.com/play-4392.html