بنت اسكندراني
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد انتهت بحمد الله الفعاليات الحافلة لمؤتمر تطوير الدراسات القرآنية الأول , وتوالت بعده الأيام تلو الأيام , شُغلنا بحياتنا , لكن رغبة ملحة في تسطير جملة من المشاعر والذكريات فيه تتزايد يوما بعد يوم , تنتزعنا من مشاغلنا وترغمنا أن نقف وقفة شكر وتقدير واجبة لكل من بذل جهدا في إنجاح هذا المؤتمر المبارك الذي احتضننا برهة من الزمن.
لقد مرت أيام المؤتمر غير متمهلة , مرت كما الأحلام , فمنذ اليوم الأول التقينا في حفل الافتتاح بوجوه طيبة , تعارفنا وتجاذبنا أطراف الحديث على استحياء , لكن سرعان ما انسجمنا , بعض الوجوه نعرف أسمائها من عالمنا الافتراضي لكننا نجهل صور أصحابها , وهناك تطابقت الأسماء مع الصور في انسجام تعجبنا منه . كان معنا عدد من الأخوات الكريمات قادمات من المغرب العربي , ومن الكويت , ومن الأردن , ومن مصر , وبقية الأخوات قدمن من أنحاء مختلفة من المملكة العربية السعودية , هذا التنوع وهذا الاختلاف الجغرافي من الطبيعي أن يُحدث بيننا فجوة ثقافية أو على الأقل يجعلنا في مجموعات مختلفة , لكن العجيب أنه أحدث تمازجا منسجما , مزج بين الفكر والفكر الآخر , واختصر المسافات بين المشرق والمغرب , وانصهرت اللهجات في قالب اللغة الأم , فبقيت الفصحى وحدها لغة الحوار المثلى , وتلاقت الأرواح وتعارفت , حتى ألفنا بعضنا البعض , واستمتعنا بكل دقيقة قضيناها معا.
ثم توالت الأيام , سويا كنا نذهب كل صباح لنحضر جلسات المؤتمر في رحاب جامعة الملك سعود , تلك الجامعة العريقة التي تشمخ كصرح بارز بين جامعات المملكة العربية السعودية , وقد كانت أحداث المؤتمر تُنقل إلينا بثا مباشرا على الهواء في إحدى قاعاتها الحديثة , وقد سعدنا بوجودنا بين الطالبات الجادات الحريصات على حضور مثل هذا المؤتمر , وسعدنا أيضا بالتعرف على الكثيرات منهن خاصة بعض عضوات ملتقى أهل التفسير من الطالبات وأيضا من هيئة التدريس.
وحين تنتهي جلسات المؤتمر في كل يوم كنا نستمر هناك في مقر الجامعة لأجل حضور بعض الدورات التي نُظمت للنساء أو تم التنسيق لنقلها عبر الدوائر التلفزيونية إلينا من الرجال , وقرب المساء نعود إلى الفندق , ورغم شدة الإرهاق نعود ونحن نتسامر طوال الطريق , أحيانا نتحدث جماعيا , نعلق على أبرز الأحداث , نناقش إحدى القضايا , نلقي الضوء على زاوية ما , وأحيانا أخرى تأخذنا أحاديث جانبية للحظات ثم تدعنا لنعاود الحديث الجماعي ثانية, ونظل هكذا حتى نصل إلى الفندق , وعلى بابه كنا نتواصى على الاجتماع بعد ساعة أو ساعتين من وصولنا وكأن أجسادنا المنهكة هذه ليس لها حق ندرجه في جداولنا.
وعلى مائدة العشاء نتبادل الحديث في قضايا علمية واجتماعية وثقافية شتى , وبشكل عام كانت نقاشاتنا ذات فكر راق , فيها يقَارَع الفكر بالفكر , وفيها تبادلٌ للخبرات , وفيها اطلاع على شتى الثقافات .
لقد تحدثنا في جلساتنا تلك عن قضايا علمية كثيرة , وأبحرنا في ثقافاتنا ومشاربنا , ونقلنا صورا حقيقية لها غير تلك التي ينقلها الإعلام فيشوهها , تناقشنا كثيرا في قضية حرية المرأة وأين يمكن أن تجد نفسها؟, تحدثنا عن بعض صور عنصرية الرجل الشرقي تجاه المرأة المبدعة , تحدثنا في مواضيع شتى جلها تصب في مجال الدراسات القرآنية , تبادلنا معلومات علمية كثيرة في تخصص كل منا , بل كانت بعض الأخوات لا تضع القلم من يدها حتى لا يفوتها تدوين ملح وفوائد تلك الجلسات .
تحدثنا كثيرا وأنصتنا كثيرا , وحين كنا نصمت كان يأتينا صوت الرجال المشاركين معنا في المؤتمر من الموائد التي حولنا فنستمع إلى جانب من أحاديثهم التي تجعلنا نطل إطلالة (بانورامية) أوسع على قضايا أخرى تهم الباحثين في مجال الدراسات القرآنية على اختلاف رؤاهم ومشاربهم .
لقد سعدنا حين رأينا في ردهات الفندق وعبر الشاشات التي تنقل لنا أحداث جلسات المؤتمر عددا من الوجوه الطيبة من أعضاء ملتقانا الحبيب ملتقى أهل التفسير , فتظل الابتسامة ترتسم على شفاهنا ونحن نطابق الصور على الأسماء , إحدى الأخوات قالت مازحة : يبدو أنني لن أحاور أحدهم في أي قضية تطرح في الملتقى كما كنت أفعل , ففي كل يوم أشعر بهيبة كلما أكتشف أنني بين هامات تتسم بسمت المشايخ الوقور!!
وفي جامعة الملك سعود التقينا بالأخوات المنظمات للمؤتمر , ورأينا فيهن مثالا للأخلاق العالية , ورأينا منهن حسن الاستقبال وحسن إكرام الضيف , وعلى رأس الجميع تميزت د. وفاء الزعاقي التي أبدعت في التنظيم وكانت على قدر عال من المسئولية , وكذلك د. رانيا محمد و د.عبير النعيم وأخيرا د.أميرة الشواهنة التي سحرت الجميع بأحاديثها وأسلوبها المحبب , وهناك الكثيرات أسأل الله أن يوفقهن ويجزيهن خير الجزاء .
وقد تم ترتيب زيارات مختلفة لنا داخل جامعة الملك سعود , فانتقلنا داخل الجامعة بالسيارات المكشوفة إلى عمادة الدراسات العليا (وبالمناسبة هذه أول مرة أركب سيارة تقودها امرأة في المملكة ولا أخفيكم كنت أخشى أن تنقلب في أية منعطف لكن الفتيات كن ماهرات فعلا) وهناك في مبنى عمادة الدراسات العليا التقينا بالدكتورة سعداء العرف وكيلة العمادة لشؤون الطالبات والتي بدورها رافقتنا في جولة بين قاعات المناقشات العلمية (الماجستير والدكتوراه) , وكذلك قاعات الدراسة المزودة بشاشات وأجهزة حديثة , وشرحت للوفود القادمة من خارج المملكة كيف يلقى الرجال محاضراتهم للفتيات عبر هذه الشاشات دون الحاجة إلى وجودهم الفعلي في نفس القاعة , وفي مجلس د. سعداء أسعدها الله تبادلنا حديثا رائعا وددتُ من روعته لو أننا سجلناه , تحدثتْ فيه د. سارة الهاجري من الوفد الكويتي عن انبهارها حين دخلت جامعة الملك سعود ورأت الطالبات يعشن حرية حقيقية لا زيف فيها بعيدا عن الاختلاط , فشاركها الجميع الانبهار بما شاهدن , وتحدثنا عن محاولات تحرير المرأة السعودية التي تجري على قدم وساق , وعن إعلامنا الذي لا يمل من المساهمة بفاعلية في تشويه الحرية الحقيقية التي تحياها الفتاة والمرأة السعودية في المدارس والجامعات , وكيف أن أغلب الفتيات المحترمات في جامعات المشرق والمغرب يعانين من الاختلاط في جامعاتهن , مما يجعلهن ينزوين ويختبئن خلف حجاب ساتر يخفي أنوثتهن , ويبعدهن عن الزينة بكل أشكالها , ويقيد حريتهن في الدراسة , وفي التعامل وفي التنقل , وحتى في المزاح مع بعضهن البعض . وفي ختام جلستنا ومن بوتقة الانصهار الروحي التي كنا في قلبها دعونا الله لأمتنا الإسلامية جمعاء بأن يردها الله إلى دينها ردا جميلا .
وفي جولتنا هذه زرنا أيضا مكتبة الجامعة , وفيها تجولنا بين أرفف الكتب , وفي قاعات الاطلاع والقراءة , واستطاعت بعض ضيفات المؤتمر الاستفادة السريعة من بعض الكتب التي تبحث عنها وتحتاج إليها في بحوثها.
لقد كنا على مدار أيام المؤتمر الخمس في حالة سعادة لا توصف , أجسادنا كأنها تسبح في الهواء لا على الأرض تمشي , كنا نحوم في سماء أرضنا التي نعرف لكننا لا نطأها , شعور يخدر أجسادا حتى أنها صارت تعطي بلا كلل , نسهر ونواصل ليلنا بنهارنا دون أن يباغتنا الإرهاق أو ينغص علينا .
مرت بنا الكثير من المواقف الطريفة والمضحكة فأضحكتنا وأبهجتنا وأظننا لن ننساها بإذن الله , وأحب أن آتي على ذكر موقف طريف منها كان سببه اختلاف اللهجات بيننا , فإحدى الأخوات كانت تعرف البعض بالأخوات المغربيات فكانت تقدمهن وتقول: هذه الشيخة فلانة وهذه الشيخة فلانة ... وهكذا , بينما الأخوات في الوفد المغربي بالكاد يكتمن الضحكات ويتبادلن النظرات ووجوههن يعلوها حمرة حياء , وحين ركبن الباص انفجرن في الضحك وسط استغرابنا , وحين حققنا معهن في المسألة عرفنا السر واتضح أن مدلول لفظ شيخة لديهم لها معنى مخالف تماما عن معناها لدينا وأن الشيخة لديهم هي الراقصة!! فلا زالت هذه الكلمة كشفرة سحرية ما إن نتذكرها أو نتمازح بها معهن حتى تستجلب الكثير من المرح والسعادة حولنا .
وهكذا مرت تلك الأيام الهانئة سريعا لا يكدر صفوها إلا أننا ندرك أنها ستنتهي في غمضة عين , وقد أوحت لي تلك الأيام بشعور عجيب حكيته لإحدى الأخوات وهي الدكتورة المغربية الفاضلة د.فريدة زمرد ونحن عائدات لغرفنا ليلا في اليوم الأخير (وبالمناسبة هذه الأخت دخلت قلبي وأسرتني بسمو أخلاقها وتقواها لله , وقد أحببتها في الله محبة صادقة وأسأل الله أن يجمعني بها وبالبقية في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله) فقلت لها أتعلمين؟؟ نحن هنا متفرغون من مشاغلنا اليومية المعتادة ومن جداولنا المحتشدة بالأعمال والمهام .. فقط نستيقظ صباحا لنحضر دروسا نحبها ونسعد بالاستماع إليها, ونلتقي فيها بأناس نستظرفهم ونحب الجلوس إليهم , نأكل ونشرب ثم ننام !! أتدرين إن هذا ليجعلني أستنشق أريجا من أريج الجنة وجانبا من جوانب النعيم فيها , ففي الجنة لا نصب ولا وصب ولا هموم ولا آلام , يتسامر فيها أهلها فرحين على سرر متقابلين , فيا حبذا الجنة واقترابها ! لا حرمنا الله وإياكم نعيمها ولا حرمنا لذة النظر إلى وجهه الكريم .
أخيرا بقي أن أبدي شكري وتقديري وانبهاري ـ باعتباري إحدى المشاركات ـ بروعة تنظيم المؤتمر , وبحسن استقبال الإخوة المنظمين لجميع الضيوف والمشاركين , وحرصهم الصادق وتفانيهم المخلص في خدمة الجميع , وتوفير كل أسباب الراحة لهم , فحقا كنا في حيرة من أمرنا قبل أن نحلق عائدين إلى ديارنا كيف نوجه الشكر الجزيل لهؤلاء الشباب الذين سهروا على راحتنا , وهؤلاء الذين عملوا خلف الكواليس لإنجاح هذا المؤتمر الرائع بتفان يحسد عليه من اختارهم للعمل معه , فشكرا لكم فردا فردا , وجزاكم الله خيرا وبارك فيكم , والشكر مبدوء وموصول للدكتور عبدالرحمن الشهري الذي بذل من وقته وجهده ونفسه الكثير من أجل إنجاح المؤتمر , ورغم تفاني فريقه التنظيمي في أعمالهم إلا أنه كان هناك دائما بيننا في أروقة الفندق يسهر بنفسه على راحة ضيوفه , ويلاقيهم بأحسن وجه وأطيب ابتسامة , فجزاه الله خيرا وجعل عمله وجهده ومشاريعه من الأعمال الناجحة المكللة بالتوفيق والخالصة لوجهه الكريم .
هذا ما أحببت تسجيله من ذكريات وشكر في حق هذا المؤتمر المبارك! وقد قمتُ بهذه الخطوة بموافقةِ ومباركةِ أخواتي المشاركات خاصة من بداخل المملكة منهن لسهولة تواصلنا معا عبر الواتس , وهن بالمناسبة ينوين تسجيل شكرهن وتقديرهن وجملة من مشاعرهن بأقلامهن تحت هذا الموضوع بإذن الله , كما أنني أدعو أخواتي الحبيبات من المغرب ومن الأردن ومن الكويت بالمشاركة معنا إن أحببن ذلك .
فحياكن الله يا رفيقاتي وبارك فيكن
حفصة اسكندراني