مآل الإسلام في القراءات العلمانية

أحمد الطعان

مستشار
إنضم
15/12/2005
المشاركات
452
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
سوريا - دمشق
[align=center]مآل الإسلام في القراءات العلمانية

د . أحمد إدريس الطعان
كلية الشريعة – جامعة دمشق

بريد إلكتروني : [email protected][/align]

تمهيد :
تتناول المشاريع العلمانية المختلفة الإسلام بحسب خلفياتها الفكرية والأيديولوجية تناولاً مختلفاً ولكنها تتفق جميعاً على أمرين : الأول : أنهم جميعاً يتكلمون وكأنهم مختصون بتفسير الإسلام ومتبحرون في دراسة نصوصه دون اعتبار لكونه ديناً له رؤيته ومصادره التي تحتاج إلى تخصص ودراية وهي غير متوفرة لدى أصحاب هذه المشاريع . والأمر الثاني : أن هذه القراءات جميعها تتفق على طمس الإسلام الحقيقي الذي يدين به المسلمون جميعا ، واعتباره ديناً طواه التاريخ ، وعفى عليه الزمن ، وأصبح مجرد ذكرى ، ومن ثم تسعى لابتكار إسلام جديد لا يمت إلى الأول بأي صلة حتى الاسم لا يراد له أن يستمر لكي لا يفهم الآخرون أننا دوغمائيون ومتخلفون .
وقد تتبعت المقولات المتصلة بالإسلام في هذه القراءات وحاولت أن أعرض نصوصها بشكل موجزٍ ثم أحلت القارئ الذي يرغب بالتوسع أو التوثق إلى مصادر هذه النصوص ليراجعها في سياقاتها وإطاراتها الكاملة . كما أنني لم أُعن في هذا البحث بمناقشة هذه الأطروحات لأسباب ثلاثة :

الأول : أنها دعاوى مجردة عن الاستدلال فهي مزاعم كبيرة جداً بدون أي محاولة للبرهنة .
[align=center]والدعاوى إذا لم يقيموا ** عليها بينات أصحابها أدعياء[/align]

والثاني : أن أي مسلم بل أي عاقل لديه إلمام بالإسلام ومصادره وتاريخه يجد أن ما يطرحه هؤلاء العلمانيون لا يمت إلى الإسلام، وإنما هو تخرصات من وحي الفلسفة الغربية وحداثتها، تريد أن تتقمص شخصية الإسلام .

الثالث : الهدف من هذا البحث هو وضع القارئ أمام التصور العلماني للإسلام ، والمآل الحقيقي الذي ينتهي إليه ، وفضح هذه المشاريع العلمانية وكشف الأقنعة التي تتستر بها ، وتعريتها أمام الباحثين عن الحقيقة . ذلك أن الخطاب العلماني يدرس الإسلام وهو يستظهر الإيمان به كمقدس موحى به ، ولكن التنقيب والاستقصاء يكشف أن المستبطن المولِّد يناقض ما هو معلن عنه نظرياً ، وهكذا يكشف لنا البحث بالدرجة الأولى التناقض بين الظاهر والباطن في بنية المنظومة العلمانية ، وهو ما يتنكر له الخطاب العلماني إذا ما جوبه به ويعتبره اتهاماً وبحثاً عن النوايا وتفتيشاً عن الضمائر . باختصار : البحث يريد أن يقول للناس: انظروا ماذا يقول العلمانيون عن الإسلام ، وكيف يتعاملون معه علماً أنهم يزعمون الانتماء إليه ؟!

وقد اعتمدت في هذا البحث على المصادر الأساسية والمباشرة للخطاب العلماني – إلا في حالات نادرة – وحرصت على أن أترك النصوص هي التي تتكلم ، وأن يكون منهجي هو المنهج الوصفي الكشفي التركيبي حتى لا أُتَّهم بالتجني والتحامل .

وها هنا ملاحظة مهمة أود أن ألفت النظر إليها لعلها تجنبني الكثير من النقد وسوء الفهم وهي أنني في هذه الدراسة لم أتعامل مع الخطاب العلماني كأشخاص وأفراد متمايزين مختلفين ، وإنما تعاملت معه كمنظومة فلسفية تنتهي إلى جذور واحدة وتستند على أسس متقاربة ، ولذلك تجنبت ذكر الأسماء غالباً في متن الدراسة ، وأحلت إليها في الهوامش ، ولذلك أيضاً كنت أنتقل من نص إلى نص دون اعتبار لقائله ما دام يتكامل مع غيره في داخل السياج الأيديولوجي العلماني .

لقد أراد البحث إذن أن يكشف عن الوحدة المتخفية وراء التنوع والاختلاف في المنظومة العلمانية ، وأن يصل إلى الجذور الكامنة وراء الأغصان والفروع ، فالتيارات والمدارس العلمانية الليبرالية والماركسية والحداثية والعدمية على الرغم من اختلافها إلا أنها تتفق إلى حد كبير كلما حاولنا الحفر في الأعماق للوصول إلى الجذور المادية والدنيوية التي تغذيها ، ويكون الاتفاق أكثر وضوحاً حين يتعلق الأمر بالدراسات الإسلامية عموماً ، وذلك بسبب التضاد المطلق بين هدف الرسالة الإسلامية وهدف العلمانية الغربية في التعامل مع أسئلة الإنسان الكبرى وقضاياه المصيرية .

وقد جاء هذا البحث في ثلاثة مطالب ومطلب ختامي :
المطلب الأول : تكريس تاريخية الإسلام القرآني .
المطلب الثاني : ترويج الإسلام العلماني الجديد .
المطلب الثالث : المرجعية النقدية للمسخة النقدية العلمانية .
المطلب الختامي : النتائج .
[line]
[align=center]المطلب الأول
تكريس تاريخية الإسلام القرآني [/align]

أولاً - التورخة من منظور حداثي :
إن الموقف العلماني من الإسلام عموماً ليس مستغرباً إلا لكونه يصدر من أناسٍ يقولون إنهم مسلمون، ولكن إسلامهم ليس استثناءً بين الأديان ، فهو ليس إلا مجموعة أساطير مخلوطة من أساطير الشعوب القديمة البابلية، والسومرية، والآشورية، والفرعونية ([1]) ، وما هو إلا امتداد للأساطير والوثنيات السابقة كعبادة الإله بعل إله القمر، لذلك جاءت العبادة العروبية عبادة قمرية، وتحتفظ إلى اليوم بقدسية القمر، فالشهور قمرية، والتاريخ قمري، والصيام قمري، والزمن العربي كله قمري ([2]) .

واحتفظ الإسلام ببعض الشعائر والطقوس من الجاهلية وأديان الشرق الأوسط القديم جداً مثل الحج، والاعتقاد بالجن، وتقديس الحجر الأسود، والختان وعذاب القبر وبعض التصورات الأسطورية الأخرى، واستخدمها من أجل إعادة توظيف نتف متبعثرة من خطاب اجتماعي قديم، بغية بناء قصر إيديولوجي جديد ([3]) .

وهكذا يقرر الخطاب العلماني بناءً على ذلك أن الرسالة المحمدية لم تكن أحسن حظاً من سابقاتها ([4])، و الإسلام "" بالرغم من ادعاء الإسلاميين والمراقبين الذين ينسخون خطاباتهم دون أن يفككوا بناءها لا يفلت من قواعد التحليل التاريخي والسوسيولوجي، والأنتربولوجي والفلسفي بكل تأكيد "" ( [5]) .

وهو أي الإسلام كظاهرة دينية لا يختلف عن بقية الأديان وهو ما يتعارض مع الموقف الإيماني العقائدي الموروث ([6])، ويعني أركون بأن الإسلام كبقية الأديان في الخضوع للتاريخية بعكس ما يُنظِّر الفكر الدوغمائي الإيماني ([7])، وهو سيخضع لمناهج التحليل التاريخي التي خضعت لها المسيحية إذ أن الإسلام لا يختلف عن المسيحية في كونه يقع ضمن الإطار المعرفي للقرون الوسطى ([8])، وسيصبح الإسلام بفعل تيار العولمة الذي لا يقاوم وبفعل الحداثة المكتسحة "" شيئاً بالياً لا معنى له "" وسوف يتبخر ويذهب مع الريح ( [9])، وسينهار الإسلام المثالي، ويبقى الإسلام التاريخي للذكرى والدراسة فقط كما حصل للمسيحية ([10])، ولكن يبقى منه أنه تجربة تاريخية علينا الاستفادة منها ([11]). لأنه ظاهرة تاريخية طرأت على المجتمعات البشرية، وهو مثل الظاهرة الاقتصادية، أو الظاهرة السياسية، أو كغيره من الظواهر الاجتماعية لا يجب أن ننظر إليه على أنه ظاهرة فريدة من الأديان ([12]). كما ينبغي أن نعلم - بنظر أركون - أن الإسلام كأي عقيدة دينية أو غير دينية ما هو إلا نتاج القوى المحسوسة التي تشكله عقائدياً وأيديولوجياً ( [13]). "" إنه نتاج الممارسة التاريخية للبشر، وبالتالي فهو يتطور ويتغير، إنه يخضع للتاريخية مثله مثل أي شيء على وجه الأرض، إنه ناتج عن الممارسة التاريخية لفاعلين اجتماعيين شديدي التنوع … كما أنه ناتج عن فعل الشروط التاريخية الشديدة التعقيد عبر الزمان والمكان "" ([14]) .

وعلى ذلك فمن الخطأ أن نؤقنم قيم الإسلام فننظر إليها على أنها حقائق مطلقة، ومن الخطأ أن ننتزعها من مشروطيتها التاريخية ([15])، لأن الإسلام رسالة موجهة إلى أناس بأعيانهم في القرن السابع الميلادي، ولذلك نجد فيها ظواهر ميثية تتناسب مع ثقافة ذلك العصر كالجنة وإبليس والشياطين والملائكة والطوفان وعمر نوح وغير ذلك، وهي اليوم بعيدة عن التصورات الحديثة، وليست لها الدلالات ذاتها التي كانت موجودة في ذلك العصر ([16])

وهو ما يعني أن الارتباط بالدين مشروط بالحالة التاريخية التي يعيشها المجتمع أو الفرد، فالمثقف المسيحي كان يؤدي كل طقوس دينه حتى القرن التاسع عشر، ثم تحرر منها بعد الثورة التنويرية والثورة الصناعية، وهذا ما يتعرض له المسلم اليوم ( [17]) .

وهنا يرى أركون ومترجمه هاشم صالح أن تحقيق الإسلام لمهمته الروحية قد يحصل دون أن تؤدى الطقوس والشعائر بالضرورة ([18])، ولذلك يجب تحرير الناس من العقلية الشعائرية ([19]) ، "" فليس من الضروري أن يحتشد الناس جماعات في مسجد لإقامة الصلاة، ذلك أن الصلاة مسألة شخصية في الإسلام كما في الديانات الأخرى "" ([20]) .

ولكي يتحقق ذلك لابد أن نخرج من الدائرة العقائدية والمعيارية للإسلام الأرثوذكسي ([21])، وإعادة تحديد الإسلام بصفته عملية اجتماعية وتاريخية من جملة عمليات وسيرورات أخرى، وبيان الأصل التاريخي للتصرفات والمعطيات والحوادث التي تُقدَّم وكأنها تتجاوز كل زمان ومكان وتستعصي على التاريخ ([22]) . وهذه مهمة التاريخية وهي أن تقوم بالكشف عن السياق الاجتماعي والثقافي الذي يتولد عنه التراث وأسباب ذلك وأبعاده ([23])، وإعادة تفسيره طبقاً لحاجات العصر ([24]) . وهذا الأمر يحتاج إلى جرأة في طرح الأسئلة على التراث، وجرأة في الإجابة عليها، مع الحذر من تأثير الإجابات الجاهزة ([25])، لأن ما حفظ لنا من التراث هو التراث الرجعي ([26]) .

وكل ما لدينا هو تقليدي الصورة مثل: تشكل المصحف، والشريعة، وشخصيات الصحابة والنبي [صلى الله عليه وسلم ]، ونريد الصورة التاريخية أي الحقيقية ، العقلانية "" كما فعل الغربيون بالنسبة للمسيحية الأولى "" ([27]) .

إن الإسلام الشائع اليوم بنظر أركون هو الإسلام السني الأرثوذكسي وهو ليس إلا تـنظيراً دوغمائياً جاء نتيجة سلسلة من الأعمال المنجزة تاريخياً ([28])، ونفس الشيء يقال عن الإسلام الشيعي ([29])، فلا يوجد إذن إسلام حقيقي "" لقد خُرِّب تاريخ الإسلام الأولي وأُفسد إلى الأبد "" ([30])، وما قُدّم إلينا ما هو إلا الإسلام الرسمي السلطوي ([31]) .

و "" تغيرت معالم الإسلام الأساسية، وملامحه المحددة، وسماته الذاتية، وصفاته الخاصة، وحلت بدلاً منها معالم أخرى مخالفة تماماً، ومناقضة كلية، ومضادة على الإطلاق، واستُبدلت بالمعالم الأساسية للإسلام معالم أخرى خاطئة وفاسدة ودخيلة "" ([32]) "" وانزلق الإسلام إلى مهوىً خطير، وانحدرت الشريعة إلى مسقط عسير "" ([33]) .

ثانياً – التورخة من منظور ماركسي :
أما بنظر الاتجاه الماركسي العربي فقد كان الإسـلام "" ثورة تعمل على تغيير المجتمع وتطويره اقتصادياً وطبقياً وسياسياً ودينياً طبقاً لأنظمة وعلاقـات ومبادئ وعقائد جاءت بها حلاً للتناقضات الحادة التي كانت تعتمل في كيان المجتمع العـربي بخاصة والإنسانية بعامة "" ([34]) .

والقرآن كتاب الثورة الإسلامية الكبرى والمعبر عنها ومصدر المعرفة الأول لنظرية هذه الثورة ([35])، والقراء المستنيرون أمثال مصعب بن عمير انضموا إلى الثورة، وتخلوا عن طبقاتهم المترفة، ولم يجد النبي r أكفأ من القراء يمثلونه وينوبون عنه في ممارسة ذلك العمل الخطير، الذي لم يكن شيئاً سوى إعادة بناء شخصية الفرد العربي وإعادة تخطيط المجتمع العربي في وقت واحد ([36]) . ولتأمين الثورة ضد المؤامرات الرجعية والوثنية انتقل مركز الثورة ومقر قيادتها من مكة إلى المدينة ([37])، ثم كان عمر القائد التالي للثورة ([38]) . وبذلك يكون الإسلام ثورة عربية خاصة بالعرب ومن الخطأ أن نعممه ([39])، وليس الإسلام إلا فرعاً للعروبة، وليس هو إلا طوراً من أطوار المسيرة العربية ( [40]) . والله عز وجل معبود عربي، وأول بيت بني له بأرض العرب من قبل أن يكون الإسلام، وهكذا نستطيع أن نذهب إلى عروبة المُرسِل للرسالة التي تعرف باسم الإسلام ( [41]). فا "" الإسلام ليس إلا النظام الديني للأمة العربية أولاً وقبل كل شيء، النظام الذي نزل من السماء ليكون البديل عن الأنظمة الأخرى التي كانت الأمة العربية تمارس حياتها على أساس منها "". "" والعرب في كل مكان يرون الإسلام ديناً قومياً لهم، قبل أن يكون ديناً عالميـاً لكل الناس "" . "" والله حاضر في ذهن الإنسان العربي قبل أن يكون الإسـلام، فالعـروبة هي الأصل والإسـلام هو الفرع "" ([42]) .

وهكذا وطبقاً للتحليل الماركسي يوصف الإسلام بأنه حركة محمدية ([43])أو ثورة ([44]) يقارن بينها وبين الثورة البلشفية والثورة الفرنسية ( [45]) وأن محمداً r تجسدت في داخله أحلام الجماعة البشرية التي ينتمي إليها، فهو إنسان لا يمثل ذاتاً مستقلة منفصلة عن حركة الواقع، بل إنسان تجسدت في أعماقه أشواق الواقع، وأحلام المستقبل ( [46]) .

وبما أن التوحيد نتيجة للتطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي فإن التوحيد اليهودي الذي ظهر في جزيرة العرب غير ممكن لأنهم متخلفون، أما توحيد أخناتون فقد كان بسبب وجود بنية تحتية متقدمة ([47]) .

ولكن أوضاع الجزيرة العربية الاقتصادية والاجتماعية وبخاصة مكة، دخلت مرحلة متسارعة من التغيرات الكيفية الناتجة عن تغيرات عديدة متراكمة، ومرتبطة بظروف أدت إليها، مما هيأ مكة للتحول من كونها مجرد استراحة ومنتدى وثني دنيوي على الطريق التجاري، للقيام بدور تاريخي حتَّمتْه مجموعة من الظروف التطورية في الواقع العربي والعالمي، وكان ذلك الدور هو توحيد عرب الجزيرة في وحدة سياسية مركزية كبرى ([48]) .

فكان الأحناف تجسيداً لنزوع ما لاتجاه جديد في رؤية العالم في هذه الثقافة، وكان محمد صلى الله عليه وسلم جزءاً من هذا الاتجاه ( [49]). ولم يكن متشدداً مثل زيد بن عمرو بن نفيل فكان يتقبل الأكل مما ذبح على النصب لأنه كان ينتمي إلى ثقافة وواقع ومجتمع ( [50]).

وتهيأت مكة لقبول فكرة الإله الواحد، ومن هنا يكون توحيد الأديان في إله واحد قد جاء عند الرواد الحنيفيين كناتج طبيعي لهدير الواقع، وقد حتمت الظروف، وتضافـرت الأحـداث بحيث صبت الأقـدار في يد قريش، وفي البـيت الهاشمي الذي أخـذ على عاتقه تحقيق هذا الأمـر العظيم ( [51]).

"" ولم يجد الآخرون [ يقصد أقارب النبي صلى الله عليه وسلم ] سوى الاهتداء إلى أنه لا حل سوى أن يكون منشئ الدولة المرتقبة نبياً مثل داوود"" ( [52])."" واتبع محمد صلى الله عليه وسلم خطا جده كما اتبع خطواته من قبل إلى غار حراء، وأعلن أنه نبي الفطرة "" ([53]) "" وعندما بلغ الأربعين حسم الأمر بإعلانه أنه نبي الأمة "" ([54]) .

وهـكذا يبـدو الإسـلام في - المنظور العلماني – ليس إلا حلماً سياسياً راود عبد المطلب ثم حققه الحفيد محمـد صلى الله عليه وسلم "" أي جدي ها أنذا أحقق حلمك "" وقد حققه ( [55]) .

وهكذا استبدل الإسلام بالآلهة إلهاً واحداً ، وانتسب إلى دين إبراهيم لاستيعاب اليهودية والنصرانية ([56])، وبحثاً عن الهوية القومية للعرب ([57]) لأنه "" … أصبح تعدد الأرباب عائقاً دائماً ومستمراً في سبيل المحاولات التي قامت من أجل خلق كيانات سياسية في جزيرة العـرب "" ( [58]) .

وحتى القرآن ما هو إلا مجرد تراكيب لغوية اقتبسها النبي صلى الله عليه وسلم من شعر أمية بن أبي الصلت وخصوصاً ما يتعلق بوصف القيامة والبعث والجنة والنار ( [59])، وحتى تسمية ديننا بالإسلام ما هي إلا من بقايا زيد بن عمر بن نفيل حيث كان هذا يسمي حنيفيته بالإسلام ( [60]).

ثالثاً - التورخة التشطيرية :
يحرص الخطاب العلماني على الحديث عن إسلامات متعددة ، وذلك ليمزق الإسلام تمزيقاً شديداً، لكي تسهل عملية تصفيته وتذريته في الرياح، ويُحمَّل الإسلام لتحقيق ذلك كل التجليات التاريخية للحياة الاجتماعية والسياسية التي مرت بها وتمر بها الأمة الإسلامية، فتُحُدِّث عن الإسلام الرسمي المرتكز على سلطة الدولة المركزية والذي مارس بنظر العلمانيين دوره في التحريف والتزييف ([61])، ويقصد أركون بالإسلام الرسمي أنه " نتاج الخيار السياسي الذي اتخذته الدولة أو النظام الحاكم الذي راح يصفي معارضيه جسدياً " ([62]) ،وهو مصطلح استعاره الخطاب العلماني من نيكلسون كما هو واضح ([63])

وهذا الإسلام السلطوي يسميه محمد أركون أحياناً الإسلام الأرثوذكسي ([64]) ، وأحياناً الإسلام الكلاسيكي التقليدي ([65])، وأحياناً الإسلام الأقنومي ويعني به أن المسلمين حولوا الإسلام إلى أقنوم ضخم ومضخم، قادر على كل شيء، ويؤثر في كل شيء، دون أن يتأثر بشيء، في حين أنه هو يريد الإسلام المعاصر الذي يخضع للتاريخية مثله مثل أي شيء على وجه الأرض ( [66]) . وأحياناً الإسلام الملاذ، أي إسلام الهروب من مواجهة المشاكل الملحة، إسلام التعذر والتعلل، إسلام الملاذ من الفشل، الإسلام الذي يبدو وحده كتعاليم إلهية قادراً على الحفاظ على التماسك الاجتماعي ([67]). وليس هو السلامة المعرفية والصحة الأبستمولوجية ( [68]). هذه الإسلامات المتعددة تقابل الإسلام المعاصر كما أشرنا أو الإسلام الدين ولكنه إسلام أركوني جديد ([69]) .

والخـلاصة الأركونية أن "" الإسلام فرض نفسه كدين مدعوماً بواسطة نجاح سياسي ، إذن فهو حدث تاريخي بشكل كامل "" ([70]) ، وتشكل منه إسلام مثالي متعال وفوق تاريخي هو الدين الصحيح [ بنظر أصحابه طبعاً] يُبطل ويلغي كل الإسلامات الأخرى، ولا يمكن هو نفسه أن يُلغى أو يُبطَل ([71])، ولذا فإن "" إدخال البعد التاريخي في التحليل سوف يضطرنا إلى التفريق بين الإسلام المثالي هذا، وبين الإسلام التاريخي "" ( [72]).

وهكذا فإن أركون يعتبر الإسلام الذي فهمته الأمة عبر تاريخها وتقبله الناس، وآمن به السواد الأعظم من البشر إسلاماً مثالياً خيالياً يختلف عن الإسلام الحقيقي [ وليس هناك إسلام حقيقي في المنظور العلماني عموماً ] ولذا فإن أركون يأخذ على عاتقه أن يكشف عن الإسلام بمفهوميه : الإسلام المعاش ،وهو غير مطابق وغير صحيح، والإسلام غير المعاش وغير المفهوم وهو الخاضع للتحليل ([73]) [ الأركوني طبعاً ] .

ومن الإسلامات العلمانية الأخرى : الإسلام الشعبي([74]) الذي يقوم على الثقافة غير العالمة([75])، لأنه إسلام جمهور المسلمين وعامتهم ([76])، وهذا النوع من الإسلام لا يتفق مع الإسلام المحمدي – بنظر الخطاب العلماني - إلا في الاسم، لأن لكل شعب مسلم عاداته وتقاليده وإسلامه الخاص ([77])، وفيه مظاهر وثنية ([78]) .

والإسلام النظري وهو النسق الفكري المتشعب والمتشظي الذي أنجزه جمع من المفكرين، ويستمد إمكاناته من الوضعية الاجتماعية المشخصة " الواقع "، وتشخص في بعض المنظومات المهمة مثل الاجتهاد والتأويل والقياس والتفسير والإجماع ( [79]) .

والإسلام الشخصي الفردي، ويسميه أركون الإسلام الثالث أو الفردي ([80])، وهو قائم على الضمير الشخصي الحر، والممارسة الشخصية للإسلام ([81]) . وتجلى في الممارسات الصوفية التي أفصحت عن نفسها في الطموح إلى العيش في علاقة مع الله [عز وجل] على نحو يلبي الحاجات الروحية المطلقة، وقد حاول الإجماع الذي هو في حقيقة الأمر إجماع فقهي نخبوي أن يحد من هذه الحرية الفردية ([82]) .

والإسلام الإتني ([83]) وهو- كما يبدو لي - إسلام الشعوب المختلفة غير العربية الذي امتزج بعناصر من حضاراتها السابقة وعاداتها المختلفة ([84])، وهو ما يعبر عنه آخرون بإضافة الإسلام إلى بلدانه، أو مذاهبه المختلفة لتكريس التجزئة ، فيقال مثلاً: الإسلام الأندونيسي، والإسلام الباكستاني والإسلام العربي أو الإيراني والإسـلام العـراقي أو الشامي ([85]). والإسلام السني أو الشيعي ([86]). والإسلام الأشعري الرجعي المسيطر، بينما الإسلام الاعتزالي التقدمي مهمش ([87]) . والإسلام التقدمي بنظر جاك بيرك هو الغاية والمطلب لأنه إسلام الديمومة ( [88])، ومعيار ذلك أن يتخلى الإسلام عن مفاهيمه وتصوراته ومبادئه، ويعتنق الرؤية الغربية لكي يصبح إسلاماً تقدمياً ، فالشرط الجوهري للتقدم هو الإسلام أو الاستسلام ، ولكن ليس لله عز وجل وإنما للغرب المهمين، أو النظام العالمي - أقصد الأمريكي- الجديد ، للقطب الواحد ([89]) .

رابعاً - التورخة النسبية :
لقد قُطِّع الإسلام- كما رأينا- في دوامة المجزرة العلمانية إلى إسلامات كثيرة، ولا بد هنا من السؤال : هل يطرح العلمانيون مفهوماً جديداً للإسلام يضاف إلى الإسلامات التي رأيناها ؟ أم يرتضون مفهوماً من بين تلك المفاهيم ؟ أم أن هناك خياراً آخر ؟

إذا كان الإسلام بنظر أحد الباحثين فكرة مجردة ([90])، وإذا كان الإسلام جاء وذهب بنظر باحث آخر ([91])، ولا يمكن إعادته في بكارته النبوية الأولى عقيدة وتشريعاً وفقهاً ([92]). وكان في أساسه قاصراً على الأخلاق والقيم، ولم يكن فيه أي نظام سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي ( [93])، وكان رخواً مرناً جداً في التعامل مع الشعوب المفتوحة، فلم يطلب أكثر من إعلان الشهادة فقط، وليمارسوا عاداتهم ومعتقداتهم كما يريدون ([94]) فإن هذا يتيح لنا – أقصد للخطاب العلماني – أن نبحث عن إسلامٍ عصري مستنير مساير لروح العصر ([95]) فالإسلام لا يكون صحيحاً إلا إذا طرح بالمفهوم البرغسوني وذلك بجعله ديناً منفتحاً ([96])، والتخلص من الفهم الحرفي للدين ([97])، ولن يتم ذلك إلا إذا تمت إعادة النظر في الإسلام كلية من منظور تاريخي بحيث يصبح من الضروري أن نوفق بين الإسلام والفكر اللاديني ([98])، وبحيث يمكن أن يصبح الإلحاد إيماناً، والإيمان إلحاداً، "" فالإلحاد هو التجديد، وهو المعنى الأصلي للإيمان "" ([99]) .

وهذا يقتضي التخلص من المفاهيم السائدة عن الإسلام بأنه دين الحق، أو الحقيقة المطلقة، أو الدين القويم وأنه النسخة الأخيرة من الدين المقبول عند الله عز وجل ( [100]) .

كمـا أنه لم يعـد يكفي لتعريف الإسلام أن نقول عنه : إنه ""الدين الذي أتى به محمد"" ( [101])صلى الله عليه وسلم ، لأن الإسلام ليس إلا "" أحد التجليات التاريخية للظاهرة الدينية "" ( [102]) و ""حقيقة الإسلام وهويته ليست شيئاً جاهزاً يُكتسب بصورة نهائية ، وإنما هي مُركب يجري تشكيله وإعادة إنتاجه باستمرار، وهي تتنوع أو تتغير بتغير الظروف والشروط والمعطيات "" ( [103]) .

فـ "" لا يوجد إذن إسـلام " ما هوي " قـائم في ذاته بصرف النظر عن أنماط تحققه في الـ " هنا و " الآن "، لا يـوجـد إسـلام جـوهري حقيـقي نموذجي، وإنما الإسلام هو ما طُبِّق في التاريخ "" ( [104])، وهو ما يعني أنه "" لا يوجد إسلام في ذاته، وإنما لكل واحد تصوره المختلف للإسلام، وطريقته الخاصة في أدائه وممارسته "" ([105]) "" لا يوجد إسلام أصولي صحيح يمكن استعادته وتطبيقه التطبيق الأفضل "" ( [106]). "" ولأن التطبيق خيانة فإنه لا وجود لإسلام حقيقي أصولي يمكن العودة إليه، فالإسلام الحقيقي لم يوجد ولم يطبق لا في هذا الزمان ولا في صدر الإسلام، لأن حقيقة الإسلام هي محصلة تواريخه"" ( [107]).

ولأننا لا يمكننـا اليوم أن نحدد ما هو الإسلام الصحيح ولا يوجد أي معيار لتحديد ذلك ( [108]) فإن مفهوم الإسلام يجب أن يبقى منفتحاً مستعصياً على الإغلاق لكي يقبل الخضوع للتغير المستمر الذي يفرضه التاريخ، فالإسلام لا يكتمل أبداً، بل ينبغي إعادة تحديده وتعريفه داخل كل سياق اجتماعي ثقافي، وفي كل مرحلة تاريخية معينة ([109]) .

وهذا هو معنى القراءة العلمانية للإسلام "" أن لا نسلم بالمسلم به "" ([110])، وأن نطرح مفهوماً موضوعياً للإسلام يتجاوز الأطروحات الأيديولوجية ([111])، ويخرج من الدائرة العقائدية المعيارية للإسلام الأرثوذكسي ([112]) .

ولكن هـذا لا يعني بنظـر أركـون - متفضلاً !!- أن نحـذف كل إشارة إلى الإسلام ( [113])، وإن كان حسن حنفي يبخل علينا بهذا الفضل !! فيرفض حتى كلمة إسلام ويستبـدلها بكلمة التحـرر، لأن هذا اللفظ الأخـير ""يعبر عن مضمون الإسلام أكثر من اللفظ القديم ""( [114]) .

خامساً – التورخة الهدمية الاجتثاثية :
كيف يتم الوصول إلى هذا التجديد العلماني بشكل جذري وثوري ؟

النقد الإيديولوجي هو وسيلتنا للتخلص من فكر العصور الوسطى لكي "" نودع نهائياً المطلقات جميعاً، ونكف عن الاعتقاد أن النموذج الإنساني وراءنا لا أمامنا "" ([115]) . من أجل ذلك لا بد أولاً من انزياح هذه الأنظمة الكبرى المتمثلة في الأديان من دائرة التقديس والغيب، باتجاه الركائز والدعامات التي لا زال العلم الحديث يواصل اكتشافها ( [116]) .

وانزياح المقدس يعني أن نخترق المحرمات وننتهك الممنوعات السائدة أمس واليوم ونتمرد على الرقابة الاجتماعية ([117]) ونخترق أسوار اللامفكر فيه وندخل إلى المناطق المحرمة( [118])، ونسعى إلى خلخلة الاعتقادات، وزحزحة القناعات، وزعزعة اليقينيات، والخروج من الأصول العقائدية ( [119])، وإعادة النظر في جميع العقائد الدينية عن طريق إعادة القراءة لما قدمه الخطاب الديني عامة ([120])، ومراجعة كل المسلمات التراثية ([121])، وطرد التاريخ التقليدي من منظومتنا الثقافية لأنه بناء عتيق تهاوت منه جوانب كثيرة، فوجب كنس الأنقاض قبل الشروع في البناء ( [122]) .

وتكريس القطيعة مع الماضي - كما فعل الغربيون - هو الحل وليس الإصلاح "" لا أحد يتكلم أبداً عن التجديد بمعنى القطيعة والاستئناف، بل الجميع يدعو إلى الإصلاح والإحياء والعودة إلى حالة ماضية "" ([123]) في حين المطلوب هو "" اجتثـاث الفكر السلفي من محيطنـا الثـقافي "" ( [124]) لأنه كـان وسيبـقى سبب التخـلف ([125]) لأنـه قـائم على ثقـافة مـاضوية، لفظية، عقيمـة اجتـرارية، انتهـازية، نفعيـة، محافظة، رجعيـة، تقليدية ... الخ ( [126]) . ولا يمكن أن تنهض الحياة العربية ويبدع الإنسان العربي إذا لم تنهدم البنية التقليدية للـذهن العربي، وتتغير كيفية النظر والفهـم التي وجهت الذهـن العربي ومـا تزال توجهه ( [127]) .

والوسيلة المجدية لذلك هي"" هدم الأصل بالأصل نفسه "" وإذا كان التغير يفترض هدماً للبنية التقليدية القديمة، فإن هذا الهدم لا يجوز أن يكون بآلة من خارج التراث العربي، وإنما يجب أن يكون بآلة من داخله، وإن هدم الأصل يجب أن يمارس بالأصل ذاته ( [128]). هذه الآلة ما هي إلا التأويل الباطني الغنوصي الذي ينفي النبوة الإسلامية ويقيم على أنقاضها دين العقل( [129]) 0
[line]
[align=center]المطلب الثاني
ترويج الإسلام العلماني الجديد [/align]أولاً : الإسلام العلماني الجديد :

لا أعتقد أننا بحاجة إلى التذكير بأن ما يتحكم بالموقف العلماني الذي عرضناه آنفاً بشكل مكثف هو معيار مادي فلسفي غربي اعترف العلمانيون بذلك أم لم يعترفوا، وأن الخلفية الإلحادية أو الشكية أو اللاأدرية هي التي يستبطنها أغلب العلمانيين في تناولهم للإسلام ، وأنه حتى الذين لم يصرحوا برفض الإسلام، ولم يجاهروا بإلحادهم وتحدثوا عن إمكانية وجود ما للإسلام، فإن الإسلام الذي يتحدثون عنه، ليس هو الإسلام الذي أنزله الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم وقال عنه )إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ ( ([130]) . )وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ( ([131]) .

وإنما إسلام جديد يخترعونه منفتح - كما رأينا - وغير مغلق، وغير مكتمل، بعكس ما أراده الباري عز وجل: ) اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا ( ([132]). إنه امتداد لما سمي بدين العقل أو الدين الطبيعي كما طرحه فلاسفة النهضة الأوربيين واستعاضوا به عن المسيحية، وهكذا يسلك العلمانيون العرب درب أساتذتهم فيما يخص علاقتهم بالإسلام، فالإسلام الجديد العصري المستنير ليس من الضروري أن يقوم على خمسة أركان هي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً "

فالشهادتان في الدين العلماني الجديد ليس لهما مدلول إيماني لأنه "" في حقيقة الأمر وطبقاً لمقتضيات العصر لا تعني الشهادة التلفظ بهما أو كتابتهما، إنما تعني الشهادة على العصر ... ليست الشهادتان إذن إعلاناً لفظياً عن الألوهية والنبوة، بل الشهادة النظرية والشهادة العملية على قضايا العصر وحوادث التاريخ "" ([133]) .

أما الجزء الثاني من الشهادة فليس من الإسلام لأنه أضيف إلى الأذان فيما بعد إذ كان الإسلام في البداية دعوة إلى لقاء لكل الأديان ([134]) .

- والصلاة مسألة شخصية ([135])، وليست واجبة ([136])، وفرضت أصلاً لتليين عريكة العربي، وتعويده على الطاعة للقائد ([137])، وتغني عنها رياضة اليوغا وهو ما غفل عنه الفقهاء ([138]).

- والزكاة أيضاً ليست واجبة وإنما هي اختيارية ( [139])، كما أنها لا تؤدي الغرض لأنها تراعي معهود العرب في حياتهم التي كانوا عليها "" فهي تمس الثروات الصغيرة والمتوسطة أكثر مما تمس الثروات الضخمة ... ولم توضع للحد من الثروات الكبيرة القائمة على الربح المرتفع ، فهذه لم تكن معهود العرب زمن النبوة ... ولذلك فالزكاة وحدها لا يمكن أن تنال شيئاً من الفوارق الطبقية الكبيرة لأنها وضعت أصلاً لمجتمع ليس فيه مثل هذه الفوارق الطبقية الكبيرة "" ([140]). إن الزكاة مقدمة يحثنا فيها الإسلام على الوصول إلى الشيوعية المطلقة ([141]).

- والصوم كذلك ليس فرضاً وإنما هو للتخيير ([142])، وهو مفروض على العربي فقط، لأنه مشروط بالبيئـة العربية ولذلك فالصوم بالنسبة للمسلم غير العربي مـجرد دلالـة وعبرة دينية ( ([143]. بل إن الصوم يحرم على المسلمين في العصر الحاضر لأنه يقلل الإنتاج ([144]).

- أما الحج كذلك فهو من الطقوس الوثنية الميثية العربية القديمة التي أقرها الإسلام مراعاة لحال العرب ([145])وما هو إلا تعبير عن الحنين إلى أسطورة العود الأبدي ([146])، وإعادة إحياء لتلك التجربة الجنسية الدينية المقدسة التي تمت بين آدم وحواء، والحج العربي العاري في الجاهلية يؤكد المشاركة في الجنس بين الألوهية والبشر ([147]). كما أن تحويل القبلة والحج تعبير عن الرغبة في تعريب الإسلام وتأكيد عروبيته ( [148]). وليس من الضروري أن يقام بطقوسه المعروفة إذ يغني عنه الحج العقلي أو الحج الروحي ([149]) .

وهكذا تُميَّع كل الشعائر الإسلامية وتعتبر طقوساً وثنية تحدرت إلى القرآن من البيئات والأمم السابقة والجاهلية ([150])، وقد مارس الفقهاء دورهم في تقنينها ([151]) بعكس الرسالة التي تميزت في هذا الشأن بمرونة ولكن الفقهاء ألغو هذه المرونة ([152]). إن تحقيق الإسلام لمهمته الروحية قد يحصل دون أن تؤدى الطقوس والشعائر بالضرورة ([153]) فقد أصبحت المساجـد أوكـار الإرهـاب ([154])، وبرزت معالم التخلف ومظاهره في تنامي التدين الشخصي كما هو واضح في صفوف المصلين، والحجاب واللحى ([155]) .

إن علامات الاستسلام تتجلى في ممارسة الشخص للصلاة والزكاة وهما عملان يقدمهما القرآن على أساس أنهما محض دينيين، ولكن لا يغيب عن أنظارنا أن لهما وظيفة حاسمة من حيث الدمج الاجتماعي والسياسي للفرد، ولهما وظيفة في كسر العصبيات والتضامنات التقليدية([156])، ونحن اليوم مدعوون لإعادة النظر في الفرائض والعبادات وسؤال أهل الخبرة والاختصاص عن فوائد الصيام وأضراره اقتصادياً وصحياً ([157]) .

وهكذا يُطمس الإسلام الرباني الذي أُرسل به محمد صلى الله عليه وسلم، ويبرز الإسلام العلمـاني المخترع بأركانه الجديدة العصرية المفتوحة، والقابلة لكل الأفهام والتأويلات ، والتي لم تتوقف عند هذا الحد، لأنه لا حدود يمكن الوقوف عندها في الخطاب العلماني .

ثانياً : الإيمان العلماني الجديد :
والإيمان أيضاً ليس هو الإيمان المحمدي الذي يقوم على ستة أركان " الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره " وإنما "" هناك تغيُّر جذري في المفهوم الإيماني نفسه، وفي وسائل تحققه اليقينية، ليست القضية الآن في السجود لصنم أو اتخاذ أرباب أو ممارسة علاقات فلكية أو أبراجية معينة … المشكلة الإيمانية الآن في توجه الإنسان كلياُ نحو الاتحاد بالطبيعة عبر منهجية العلم بديلاً عن التوجه إلى الله كونياً عبر منهجية الخلق … فالإيمان في عصرنا يعني الانتقال إلى إدراك عميق لمنهجية الخلق والتكوين كما يوضحها الله في القرآن، وهي مرحلة إيمانية لم يصلها من قبل إلا من الذين اصطفاهم الله "" ( [158]) .

وأصبحت الحداثة تفرق بين إيمان جديد وإيمان تقليدي فالإيمان الحديث "" يقبل إعادة النظر حتى في الأصول الأولى من أجل انتهاكها وإعادتها إلى المشروطيات المشتركة للجدلية الاجتماعية، وهو ما ندعوه بأرخنة الأصول الأولى للأديان التوحيدية، أي الكشف عن تاريخيتها المحجوبة أو المغطاة بستار كثيف من التقديس والتعالي "" ([159]) .

إن الإيمان بالمعنى الحديث يقبل حتى فكرة موت الله وغياب الله عن العالم، وإن كانت هذه الفكرة تصدم الشرائح الكبيرة المؤمنة بالمعنى التقليدي ([160]). وبناءً على هذا المفهوم الجديد للإيمان الأركوني فإن كل الذين اعتُبروا ملحدين في التاريخ الإسلامي أو الغربي يمكن اعتبارهم مؤمنين لأنهم لهم إيمانهم الخاص، وهم لا يمكن أن يخرجوا عن الإسلام وإنما عن فهم ضيق قسري له، وقد كانت لهم طقوسهم وشعائرهم الخاصة ([161]) .

ومن هنا يكفي أن يتحقـق في الإيمان المعـاصر عند طائفة من العلمانيين ركنان فقط همـا الإيمـان بالله واليوم الآخر ( [162])، وعند آخرين " الإيمان بالله والاستقامة ([163])، والقصد من ذلك هو إدخال النصارى واليهود في مفهوم الإيمان والإسلام، واعتبارهم ناجين يوم القيامة، ويُستدل لذلك بقوله تعالى: ) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ( ([164]) ([165]) .

وعند طائفة ثالثة يُفتح المجال للكونفوشيوسية، والبوذية وكل الأديان الوضعية للدخول في سفينة النجاة العلمانية ( [166])، لأنه يعسر على المؤمن في عالم اليوم أن يهمل التحديات التي تمثلها الأديان الأخرى المخالفة لدينه الموروث، فليس من الحكمة الإلهية أن أحكم أنا المسلم على ثلاثة أرباع البشرية من معاصري غير المسلمين بالذهاب إلى الجحيم، وبالتالي أليست الحقيقة التي أؤمن بها نسبية ؟! ([167]) .

وهكذا بالتوازي مع تغير مفهوم الإيمان يتغير معه مفهوم الإلحاد أو الشرك فكما أصبح الإلحاد عند نيتشة وماركس وفيورباخ نظرية للتحرير ([168]) يصبح كذلك عند المفكرين العرب "" الإلحاد هو التجديد لأنه يطابق الواقع ووعي بالحاضر ودرء للأخطار ومرونة في الفكر … إن الإلحاد هو المعنى الأصلي للإيمان لا المعنى المضاد، والإيمان هو المعنى الذي توارده العرف حتى أصبح بعيداً للغاية عن المعنى الأصلي، إن لم يكن فقداً له … لأن الإيمان تغطية وتعمية عن شيءٍ آخر مخالف لمضمون الإيمان، والإلحاد هو كشف القناع وفضح النفاق "" ([169]) . والشرك بالله عز وجل لم يعد هو التوجه بالعبادة إلى غير الله عز وجل، وإنما أصبح يعني الثبات في هذا الكون المتحرك، وعدم التطور بما يتناسب مع الشروط الموضوعية المتطورة دائماً، فالتخلف شرك والتقدم توحيد ([170]) .

إن التوحيد هو توحيد الأمة والفكر وليس توحيد الآلهة } أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ { ([171]) ([172]) .

ولكن لا يجب أن نفهم أن الله عز وجل في الإيمان الجديد هو الله الذي يؤمن به المسلمون والموصوف في القرآن الكريم بكل صفات الكمال وإنما الله يعني الإنسان، وصفاته جميعها حتى صفة الوجود تعني الوجود الإنساني ([173]). الله الجديد [ سبحانه وتعالى ] هو: الدافع الحيوي، التقدم، الحرية، الطبيعة، الخبز، الحب ( [174]) أو هو الأمل بالعدالة والحرية والمساواة ([175]) .

كذلك لا يجب أن نفهم أن اليوم الآخر في الدين العلماني الجديد هو نفسه الذي تؤمن به الأمة فإن الغيبيات عموماً كالعرش والكرسي والملائكة والجن والشياطين والصراط والسجلات وغير ذلك ليست إلا تصورات أسطورية ([176]). وإن فكرة اليوم الآخر في أساسها نشأت في منظور بعض العلمانيين مع عبادة الشمس لدى المصريين، ونشأت فكرة الخلود مع الدين الرسمي أو دين الدولة ([177]) أي أن العالم الآخر أسطورة ولدها الكهنة ليسيطروا على الناس ويحكموهم ([178]) .

والكتب المقدسة بما فيها القرآن تنكر العالم الغيبي لأن الغيب في القرآن هو المستقبل فهو الوحيد الغائب، وأصبح من الممكن أن يُوصَل إليه بقليل من المنطق والحساب ( [179]) . إن عالم الغيب الجديد لم يعد رهناً بما يقوله الكهنة، ولم يعد خارجاً عن سنن الطبيعة، وصار قابلاً للتفسير العلمي ([180]) . إن البعث ليس في السماء، إنه في المستقبل على الأرض، ولا يحتاج إلى دليل مشاهد ملموس، إن الدين لا يتحدث عن الموتى ولا يُكلم الناس الحاضرين عن عالم غير حاضر ( [181]).

البعث الذي يريده القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم ليس هو البعث بعد الموت، وإنما هو البعث من عالم الطفولة والتخلف إلى عالم التقدم والوعي، البعث من الحياة الغريزية الطفولية الغائبة في ظلام الوعي إلى عالم العقل الحاضر في ضوء الصحوة واليقين . إن العرب أساءوا الفهم فحولوا الجدال إلى عالم الأموات، وتحدوا الرسول لكي يحيي أمامهم رجلاً ميتاً، ولو كان الرسول r يريد من العرب أن يؤمنوا بالبعث بعد الموت فقط لقبل هذا التحدي وسكت، لكن الرسول كان يدعو العرب إلى الإيمان بالبعث في هذه الحياة، بإعادة الوعي إلى جيل غائب عن عالم الوعي ( [182]) .

إن المرء لكي يكون مسلماً لا يحتاج إلى الإيمان بالجن والملائكة، فالإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل ([183]). ولا يحتاج للفرائض الشعائرية أو القبـول الساذج للحياة الآخرة ([184]) .

"" قد لا يكون البعث واقعة مادية تتحرك فيها الجبال وتخرج لها الأجساد بل يكون البعث هو بعث الحزب وبعث الأمة وبعث الروح فهو واقعة شعورية تمثل لحظة اليقظة في الحياة في مقابل لحظة الموت والسكون "" ([185]) "" إن أمور المعاد في نهاية الأمر ما هي إلا عالم بالتمني عندما يعجز الإنسان عن عيشه بالفعل في عالم يحكمه القانون ويسوده العدل، لذلك تظهر باستمرار في فترات الاضطهاد وفي لحظات العجز وحين يسود الظلم ويعم القهر كتعويض عن عالم مثالي يأخذ فيه الإنسان حقه ... أمور المعاد في أحسن الأحوال تصوير فني يقوم به الخيال تعويضاً عن حرمان في الخبز أو الحرية، في القوت أو الكرامة.""([186])

إن "" الجنة والنار هما النعيم والعذاب في هذه الدنيا وليس في عالم آخر يحشر فيه الإنسان بعد الموت، الدنيا هي الأرض، والعالم الآخر هو الأرض، الجنة ما يصيب الإنسان من خير في الدنيا، والنار ما يصيب الإنسان من شر فيها ""([187])، "" أمور المعاد هي الدراسات المستقبلية بلغة العصر والكشف عن نتائج المستقبل ابتداء من حسابات الحاضر
"" ([188]). أما الحور العين والملذات فهي تعبير عن الفن والحياة بدون قلق ([189]) وأما الوطء فهو تعبير عن عقلية ذكورية جامحة إلى السيطرة ([190]) .
[line]
[align=center]المطلب الثالث
المرجعية النقدية للمسخة العلمانية[/align]
إن ما قرأناه من نصوص للخطاب العلماني حول الإسلام ليست أكثر من محاولة لتمرير المشاريع النهضوية والتنويرية الغربية إلى الفضاء الإسلامي متجاهلين الفروق الحضارية والتاريخية والثقافية بين الأمتين الأوربية والإسلامية .

ولعل أبرز ما يمكننا رصده من هذه الاتجاهات التي حاول العلمانيون سحبها إلى فضائنا الإسلامي تتمثل بما يلي :

1 – فلسفة الرشديين الذين سيطروا على العقل الأوريي لمدة طويلة ، وكانت فكرة الحقيقة المزدوجة أو الحقيقة ذات الوجهين من أبرز الأفكار التي ذاعت وتداولها هؤلاء المفكرون ويعنون بها أن الشيء يمكن أن يكون صادقاً فلسفياً خاطئاً لاهوتياً أو العكس ، وبذلك يصبح الفيلسوف حراً في المجاهرة بآرائه ونتائجه في مجال الفلسفة بحجة أنه فيلسوف يعتبر موضوعات الإيمان تتجاوز الفهم البشري وإن كانت نتائجه الفلسفية تتعارض مع هذه الموضوعات . ( [191])

فهي فكرة –إذن - يراد منها استرضاء الكنيسة دون خسائر علمية أو فلسفية ، وعقد نوع من المهادنة بين الكنيسة والفلاسفة . ولقد عبر بترارك عن سخطه من هؤلاء الذين يفصلون بين الدين والفلسفة ولم يقبل هذه المهادنة ، لأنه يعلم أنها بداية النهاية بالنسبة لسلطان الكنيسة ، فالرشديون - كما يتحدث - إذا جاهروا بمجادلاتهم احتجوا بأنهم يتكلمون مع قطع النظر عن الدين ، إنهم يبحثون عن الحقيقة بنبذهم الحقيقة ، وإنهم يبحثون عن النور بإدارة ظهورهم نحو الشمس ، ولكنهم في السر لا يتركون مغالطة أو تجديفاً . ([192])

أليس هذا هو ما يردده أولئك الذين يتحدثون - في عصرنا – عن أنهم رجال علم لا علاقة لهم بالدين ، ولذلك فهم يبيحون لأنفسهم باسم العلم أن يقرروا ما يشاءون من القضايا التي يرفضها الدين، فالدين بنظرهم له مجاله والعقل له مجاله ولا يتدخل أحدهما في شؤون الآخر([193]) لأن العناصر الغيبية في الوحي ليست معقولة . ([194])

ويبدو أنه بقدر ما أصبح للرشديين من سلطان على العقول أخذت هذه الفكرة تتمدد في الأوساط الثقافية فظهر من هؤلاء يونبوناتزي 1462 – 1525م وهو من أشهر أساتذة بادوفا في ذلك العصر ، وكانت جامعتها رشدية خالصة وقد تبنى هذا فكرة الحقيقة المزدوجة فأصدر كتاباً أنكر فيه خلود النفس ، ثم أعلن خضوعه لتعاليم الدين في الخلود ، وكاد أن يُعدم حرقاً ولكنه نجا بحماية أحد الكرادلة له([195]) .

ويؤكد يونبوناتزي أن الجمهور الذي يفعل الخير طلباً للثواب الأخروي والنعيم ، ويتجنب الشر هرباً من الجحيم لا يزال في طور الطفولة ، وبذلك فهو بحاجة إلى الوعد والوعيد ، وأما الفيلسوف فيصدر عن المبادئ والبراهين فقط ، إن المشرعين بنظره هم الذين ابتكروا الخلود لا عناية منهم بالحقيقة ، بل حرصاً على الخير العام ، ومن هنا لا يمكن بنظره التوفيق بين العناية الإلهية والحرية الإنسانية ، فالأولى ثابتة بالإيمان ، والثانية ثابتة بالتجربة ( [196]) .

ظهر بعد ذلك فرنسيس بيكون 1561 – 1626 كمحام عن نظرية الحقيقة المزدوجة وهي تعني عنده أن ما يثبت بالعقل لا علاقة للإيمان به ، الإيمان طريق الوحي ، والعلم طريق العقل . ([197]) وعلى ذلك فالكتاب المقدس شيء ، وكتاب الطبيعة شيء آخر ([198]) ، والدراسة الفلسفية عنده لا تساند أي استدلال على وجود الله [عز وجل] أو العناية الإلهية ، وكل ما يمكن أن نصل إليه من دراسة كتاب الطبيعة هو إثبات وجود إله قادر وحكيم ([199]) .

ولذلك أوصى بيكون في تقرير رفعه إلى الملك جيمس الأول لإصلاح التعليم أن تتم المحافظة على هوة عميقة بين العلوم الطبيعية من ناحية ، وبين الدين واللاهوت المقدس من ناحية أخرى ، ذلك أن الانسجام الاجتماعي والتكامل العلمي يتطلبان بنظره فصلاً صارماً بين هذين الجانبين ، فالفيلسوف الذي ينغمس في اللاهوت يخلق مذهباً خرافياً جامحاً ، في حين أن اللاهوتي الذي يهتم اهتماماً بالغاً بالفروق الفلسفية والكشوف العلمية ينتهي إلى الزندقة ، والمسلك الوحيد المنقذ - بنظره - هو إقامة ثنائية حادة بين العلوم الطبيعية والوحي الإلهي( [200]) .

ولم يكن غاليلو 1564 – 1642م المعاصر لبيكون بعيداً عن هذه النظرية فقد كان يستشهد بالكاردينال بارونيوس عندما قال : "" غاية الروح القدس أن يعلمنا كيف نذهب إلى السماء ، لا كيف تسير السماوات "" .([201]) وكتب لصديق له : "" أعتقد أنه يجب أن لا نبتدئ في مناقشة المسائل الطبية بالاستشهاد بأقوال من الكتب المقدسة ، ولكن بالتجارب الحسية والبراهين الضرورية ""([202]).

أما سبينوزا 1632 – 1677 م فقد استمات في الدفاع عن الحقيقة المزدوجة ليجد لنفسه منفذاً يقول من خلاله ما يشاء دون أن يخشى بطش اليهود فهو يرفض أن يكون العقل خادماً للكتاب ، كما يرفض أن يكون بينهما أي تناقض لأن لكل ميدانه الخاص ويمكنهما أن يعيشا في وئام ([203]) "" فاللاهوت ليس خادماً للعقل ، والعقل ليس خادماً للاهوت ، بل لكلٍ مملكته الخاصة ، للعقل مملكة الحقيقة والحكمة ، وللاهوت مملكة التقوى والخضوع "" ([204]) فإذا وجد تناقض في الكتاب مع العقل فلا خوف لأنه ليس في مملكة العقل ، ويستطيع عندئذ كل فرد أن يفكر كما يشاء دون أي خوف ([205]) ويمكننا أن نبرر قبولنا للعقائد الموحى بها عن طريق اليقين الأخلاقي فقط ولا نملك أكثر من ذلك ([206]) .

2 – فلسفة التنوير :
ويعد القرن الثامن عشر لدى غالبية المؤرخين هو القرن الذي شاعت فيه هذه الفلسفة ومن أبرز هؤلاء التنويريين فولتير 1694 – 1778 م وجان جاك روسو 1712 – 1778م وكانط 1724 -1804 م ودينس ديدرو 1713 – 1784 م وهولباخ أو دولباك 1723 – 1789م ودي لامتري 1709 – 1751م ومونتسكيو 1689 – 1755 م وغيرهم وقد كان الاتجاه العام لفلسفة التنوير يقوم على اعتبار الأديان ظواهر تاريخية وضعية خضعت للتطوير والتحوير بحسب تنامي الوعي الإنساني وتطور العقل البشري ، ولم تكن فلسفة التنوير ناجمة عن فراغ أو طفرة بل كانت امتداداً للتيارات الرشدية والنهضوية التي بدأت تتفاقم في أوربا منذ القرن الخامس عشر فقد رأى توماس هوبز 1588 – 1679 م أن جوهر الدين لا يقوم على الحقائق ، وإنما على خوف الفرد من القوة المجهولة أو الخوف من الموت ، وما الصفات التي نخلعها على الإله إلا أسماء تعبر عن عجزنا عن معرفته ، وعن رغبتنا في وصفه بعبارات تمجيدية من شأنها إرضاء قوة مجهولة ([207]) . هذا الرأي الذي يزعمه هوبز لا يختلف عما نادى به قبله بأكثر من ألفي سنة الفيلسوف اليوناني ديمقريطس 470 – 361 ق . م كما أنه يتبنى رأيه في فناء كل شيء إلا الذوات والفراغ ([208]) .

ومن هؤلاء أيضاً جون لوك 1632 – 1704 م الذي لم يستطع أن يجاهر بعدائه للمسيحية ، ولم يخف على المقربين منه ازدراءه لها فقد كتب لصديقه " ليبنتز " أنت وأنا لدينا الكفاية من هذا العبث " يقصد الميتافيزيقا ( [209]) وقال أيضاً : " لم تبق حاجة أو نفع للوحي ، طالما أن الله أعطـانا وسائـل طبعيـة أكثر يقينـاً لنتـوصل بهـا إلى المعرفة "( [210]) . والخير والشر عنده كما هما عند هوبز وأبيقور مرتبطان باللذة والألم ، فالخير ما يجلب اللذة ، والشر ما يجلب الألم ( [211]) . ودعا إلى الفصل بين الدولة والكنيسة ، وأصدر كتابين أحدهما " لا ضرورة لمفسر معصوم للكتب المقدسة " والثاني " معقولية المسيحية " غلّب فيهما الجانب العقلي في المسيحية ، ودعا إلى عقلنتها لكي تقبل ( [212]) .

كذلك كان ديفيد هيوم 1711 – 1776 م يتبنى النزعة الطبيعية التي نادى بها بيكون وهوبز ولكن مع تطعيم هذه النزعة بمقولات الشُّكاك الأوائل مثل بيرون وشيشرون وكان ينعت نفسه بـ " الشاك " وغرضه أن يعزل الدين أو ما يسميه " الخرافة المستقرة " عن أي سيطرة فعالة في الحياة الأخلاقية للفرد والإنسان الاجتماعي ([213]) .

و لا محل في فلسفة هيوم للحديث عن وجود الله [عز وجل] أو النفس ( [214]) ، فهو يرفض أية براهين عن ذلك ([215]) ويقول : "" لو وجد لأمكن البرهنة على وجوده "" ([216]) وعلل الاعتقاد بوجود الله عز وجل بالحاجة النفسية ، فعواطفنا هي التي ترغمنا على ذلك ، وإن كان التحليل الفلسفي يفتقر إلى البرهان ( [217]) ولم يكن هذا رأيه في الميتافيزيقا فقط ، بل إنه يرفض جميع الجواهر ( [218]) وينكر الروح والمادة ، ولا يُبقي إلا على المدرَكات الذاتية نفسها ([219]) ، ولا يعترف بأية حقـائق ضرورية ، والعلـوم الطبيعية نسبية ترجع إلى تصديقات ذاتية يولدها تكرار التجربة ([220]) .

3 – الدين الطبيعي :
لقد تبنى عدد من فلاسفة التنوير ما سمي بدين العقل أو الدين الطبيعي ([221])وهي مسميات لفكرة قديمة ، تقوم على الإيمان بالله عز وجل ، ورفض النبوة والوحي والكنيسة ([222]) .
وكانت ديانة العقل هذه متضَمّنةً في المذهب الديكارتي ، وتقوم على الإقرار بوجود الله عز وجـل ، ذلك أن ديكارت وإن كان يصرح باعترافه بالمسيحية إلا أنه لم يهتم كثيراً بأسرارها ([223]) ، بل هناك من يعتبر أن إيمانه كان مداهنة لرجال الدين ومهادنة للكنيسة ، ولأغراض السياسية ([224]) .

وقال جون لوك 1632 – 1704م معبراً عن هذا المذهب:" لم تبق حاجة أو نفع للوحي، طالمـا أن الله [ عز وجل ] أعطـانا وسائل طبيعية أكثـر يقيناً لنتوصل بها إلى المعرفة " ( [225]) .

وكانت جمعية لندن للمراسلات تحتضن المذهب التأليهي ، وتنشر كل ما يزري بالمسيحية وينصر التأليهيين ، فبالإضافة إلى نشرها لكتاب " عصر العقل " لتوماس بين نشرت كتابين آخرين لا يقلان زراية بالدين المسيحي هما " نظام الطبيعة " لـ ميربودو ، و " حطام الامبراطوريات " لـ فولني ، كما نشرت أبحاث فولتير التي تسخر بالدين المسيحي ، ونشرت كذلك من الكتب المعادية للمسيحية " جمال المذهب التأليهي " و " المعجم الأخلاقي " و " جوليان ضد المسيحية " و " الأفكار الطبيعية في مواجهة الأفكار الخارقة للطبيعة ". ومن الواضح هنا من خلال العناوين السابقة كيف كان الدين الطبيعي يكسب أنصاره بكثرة ( [226]) .

وفي ألمانيا كان لسنج 1729 – 1781م يقول : بأن الكتاب المقدس ليس ضرورياً للإيمان بالمسيحية ، لأن هذه – أي المسيحية - أسبق في وجودها من قبول الكنيسة للعهد الجديد بصورته الراهنة ، كما أن الدليل على صحة جوهر المسيحية يكمن في ملاءمتها لحاجات الطبيعة البشرية ومتطلباتها وليس في معجزاتها ، وأن روح الدين لا تتأثر بأية أفكار مهما بلغت من جرأة وجسارة ، وأعلن أنه لا يؤمن بسائر الأديان ، وأن كل دين يمثل كلمة الحق الأخيرة ، وأن أي هجوم عليه لا يضيره ، وأن كل الأديان لها فضل على الإنسانية باشتراكها في تطوير حياتها الروحية ، ولا يوجد دين يمتلك احتكار الحقيقة ( [227]) .

وفي أمريكا كان من أشهر التأليهيين بنيامين فرانكلين 1706 – 1790 أنكر ألوهية المسيح ، وتقبل الأخلاق الدينية بطريقة نفعية براجماتية ، وكان يسمي نفسه " التأليهي " واستحدث صلاة خاصة بمذهبـه تخالف صلاة المسيحيين كان يتـوجه بها إلى الله [عز وجل ] كل يوم ([228]) .

أما في فرنسا فقد كان دنيس ديدرو 1713 – 1784 م قد تأثر بالتأليهيين الإنجليز مثل شافتسبري وجون لوك وفرنسيس بيكون ، ورفض الأخلاق النابعة من الدين المنزل ، وآمن بالأخلاق النابعة من فيض القلب بعيداً عن المواضعات الاجتماعية ( [229]) ، وكان مثله مثل فولتير يريد أن يرى آخر ملك مشنوقاً بأمعاء آخر قسيس([230]) ، وأدلته على وجود الله عز وجل نفس أدلة المؤلهة الطبيعيين( [231]) ، وكان يقول "" أكاد أجن من كوني مقتنعاً بفلسفة شيطانية لا يملك عقلي إلا تصديقها ، ولا يملك قلبي إلا رفضها "" ([232]) .

وفي كتابه " إميل " يدافع روسو عن مبادئ الدين الطبيعي ، ويرفض الأخلاق القائمة على الوحي ، وقد أغضب بذلك الكاثوليك والبروتستانت معاً عندما قال : "" لست أخمن بوجود قواعد للسلوك ، ولكنني أجد هذه القواعد منحوتة في أعماق قلبي ، وقد سطرتها الطبيعة بحروف لا تمحى "" ([233])، وهذا يعني أن اعتقاده في الله عز وجل قائم على أساس شخصي ذاتي لا يمد أي شخص آخر بأسس لهذا الاعتقاد ( [234]) .

وأما فولتير فقد اعتُبر الممثل الرئيس لدين العقل في باريس وفي أوربا ، وهو وإن لم يعاصر الثورة الفرنسية إلا أن كتاباته الأدبية المؤثرة دفعت سكان باريس في عهد الثورة إلى تمجيد العقل إلى درجة دفعتهم إلى عبادة " إلهة العقل " المجسمة في شكل امرأة حسناء من نساء باريس ([235]) .

ويرى أن المؤمن الوحيد الذي يجب أن نعترف به هو المؤمن بالله [عز وجل ] ، والمنكر للوحي ، والإنجيل الوحيد الذي يجب أن نقرأه هو كتاب الطبيعة الكبير الذي كتبته يد الله [ عز وجل ] ، وختمته بخاتمها ، والديانة الوحيدة التي يجب التبشير بها هي عبادة الله والسعي للخير ( [236]) ، ويريد أن يرى آخر ملك مشنوقاً بأمعاء آخر قسيس وهو ما ردده بعده ديدرو كما أشرنا آنفاً ([237]) . ولم يتردد في إنكاره للأديان والوحي والتنزيل والمعجزات وعبر عن ذلك في كتابه " مبحث في الميتافيزيقا " ومقاله الذي نشره عام 1742م بعنوان " المذهب التأليهي " ([238]) .

2 – طوفان العلمانية / العلمانية الشاملة / :
كان من منجزات النهضة والتنوير هو " العلمانية الشاملة " أو " الترشيد " بحسب مصطلح ماكس فيبر وعلى أساس ذلك سادت النظرة المادية التي تدور في إطار المرجعية الكامنة والواحدية المادية التي ترى أن مركز العالم كامن فيه غير مفارق أو متجاوز له ، وأن العالم بأسره مكون من مادة واحدة خالية من القداسة ومجردة من الأسرار ، ويعني ذلك أن العالم المنظور يحوي بداخله ما يكفي لتفسيره والتعامل معه ، وعقل الإنسان قادر على استخلاص المنظومة المعرفية والأخلاقية اللازمة لإدارة حياته وكونه([239]) .

وتحاول هذه المنظومة بكل صرامة أن تحدد علاقة الدين والمطلقات والماورائيات بكل مجالات الحياة فإما أن تنكرها في أسوأ الأحوال أو تهمشها في أحسنه ، وكل ألأمور تؤول في النهاية إلى التاريخية الزمنية النسبية [240] .

3 – النقد العالي :
دفعت الصدمة العلمانية الشاملة العقل الأوربي إلى اقتحام كل المقدسات، وإعادة النظر في كل المعطيات الدينية السائدة وانعكس ذلك بشكل خاص على جانبين في الديانة المسيحية :
- الكتاب المقدس .
- الوظيفة الإنسانية للدين .
أما فيما يتعلق بالكتاب المقدس فقد كانت الدراسات النقدية تزيد يوماً بعد يوم في انهيار قداسة الكتاب، فالرشديون كانوا قد طعنوا في ذلك، ولكن ظلت طعناتهم على مستويات فردية لم تشكل تياراً جارفاً، ثم أظهر لوثر وزفنجلي وكالفن بأن تشكيل الكتابات المقدسة "العهد القديم" من عمل ابراهام بن عزرا، ونيقوليوس مليرا، وإليا هولوتيا ( [241]). ثم أعرب المثقفون اليسوعيون عن رأيهم بأن العهد القديم، قد أُقحمت فيه بعض الإضافات المتأخرة ووجدوا دعماً لهم في أقوال أندرياس مزيوس أحد المثقفين الهولنديين الذي تمكن من تحديد الزمن الذي رتبت فيه التوراة ( [242]).

وقبل ذلك تشكك الحبر الغرناطي إبراهيم بن عزرا ، وابن جرشون في صحة نسبة الأسفار الخمسة إلى موسى عليه السلام ، وفي صحة نسبة سفر يشوع إليه ( [243]) ، ثم جاء باروخ سبينوزا 1632 – 1677م فبنى على تشكيكات وألغاز بن عزرا بناءً نقدياً هائلاً ، وكشف أن ابن عزرا تيقن أن موسى لم يكتب الأسفار الخمسة ، ولكنه لم يجرؤ على الجهر بهذه الحقيقة خوفاً من بطش الفريسيين ، ولكنه عبر عنها بألغاز استطاع سبينوزا أن يحللها ، ويخلص إلى نتيجة أعلنها على الملأ وهي أن موسى لم يكتب الأسفار الخمسة ( [244]) لأن الأسفار تتحدث عن وقائع وحوادث وقعت بعد موسى بزمن طويل ، كما تروي نبأ وفاة موسى ودفنه ، وأن أحداً لا يعرف مكان قبره إلى اليوم ، وأنه أفضل من كـل الأنبياء الذين جاءوا بعده إذا ما قورن بهم ([245]). لقـد ضاعت مخطـوطات موسى الأصلية، والأسـفار التي بيـن أيدينـا لقيت نفس المصير( [246]) .

وفي العهد الجديد فإن كتابات الحواريين حتى وإن افترضنا أنهم أنبياء فإنهم لم يكتبوا لنا باعتبارهم كذلك ، ولا كتبوا لنا كتاباتهم على أنها وحي أو بتفويض إلهي ، وإنما كتبوا لنا كتاباتهم على أنها مجرد أحكام شخصية وذاتية لمؤلفيها وروايات تحكي قصة السيد المسيح عليه السلام ([247]) .

ويعتبرتشارلز بلاونت 1654 – 1693م أول تأليهي إنكليزي ينتقد الكتاب المقدس، ويتشكك في كونه كتاباً منزلاً، نشر بلاونت أول عمل له سنة 1679م أشار فيه إلى أن الأنبياء والكهنة جماعة من المحتالين والجشعين اختـرعـوا الجنة والنار ليحكمـوا سيطرتهم على العباد ([248]) . ونشر سنة 1693م كتابه " عرافات العقل " رفض فيه معجزات الكتاب المقدس ، وأحاديثه عن الخليقة ، ونهاية العالم أو بداية الخلق ، وسخر فيه من قصة حواء ، وقصة متوشالح الذي يقول الكتاب المقدس عنه إنه عمّر أكثر من تسعمائة سنة وقصة إيقاف يوشع لحركة الشمس ، وفكرة الخطيئة الأولى ، كما اعتبر أنه من السخف أن نصدق أن كوكبنا الصغير في هذا الكون الفسيح العريض هو المركز ( [249]) .

وفي سنة 1753م ظهر في بروكسل كتاب بالفرنسية مجهول المؤلف يحمل العنوان التالي : " خواطر حول المذكرات الأصلية التي يبدو أن موسى استخدمها في تأليف سفر التكوين " ([250]) ، كان مؤلف هذا الكتاب هو الطبيب الفرنسي جان أستروك أراد أن يثبت أنه إذا كان موسى هو الكاتب للتوراة – وهو ما يخالفه فيه أكثر النقاد في عصره – فإنه لم يكن شاهد عيان لكل قصصه ورواياته طالما أن موسى عاش زمن الوجود العبري في مصر ولم يكن معاصراً لعصور الآباء وما قبلها ، وإذا كان الأمر كذلك ، فكيف كتب موسى أقواله بشأن خلق العالم والطوفان وتاريخ الآباء حتى عصره ، أي كل ما ورد في سفر التكوين ، لذلك لا بد أنه كانت أمام موسى عليه السلام مصادر قديمة استمد منها آراءه وأقحمها داخل سفره ([251]) .

وبتحليله للنصوص استطاع أستروك أن يعزل في الكتاب المقدس بين روايتين إحداهمـا تـتحدث عن الـله [عز وجل ] باسم " ألـوهيم " و أخـرى تـتحـدث عنـه باسم " يهوه " ([252]) ، وهاتان الروايتان مختلفتان ، وكل واحـدة منهما تمثل رواية كاملة بذاتها ، فهي نتاج زمان ومكان مختلفين ([253]) ، ومن هنا قال ديورانت : "" إن العلماء مجمعون على أن أقدم ما كتب من أسفار التوراة هما القصتان المتشابهتان المنفصلة كلتاهما عن الأخرى في سفر التكوين فتتحدث إحداهما عن الخالق باسم " يهوا " على حين تتحدث الأخرى عنه باسم " إلوهيم " ولذلك يعتقد العلماء أن القصص الخاصة ب " يهوا " كتبت في يهوذا ، وأن القصص الخاصة بـ " إلوهيم " كتبت في أفرائيم " السامرة " وأن هذه وتلك قد امتزجتا في قصة واحدة بعد سقوط السامرة ، وفي هذه الشرائع عنصر ثالث يعرف بالتثنية أكبر الظن أن كاتبه أو كُتَّابه غير كتاب الأسفار السالفة الذكر ، وثمة عنصر رابع يتألف من فصول أضافها الكهنة فيما بعد ، والرأي الغالب أن هذه الأجزاء الأربعة قد اتخذت صورتها الحاضرة حوالي سنة 300 ق.م "" . ويضيف ديورانت : "" كيف كتبت هذه الأسفار ؟ ومتى كتبت ؟ ذلك سؤال بريء لا ضير منه ؟ ولكنه سؤال كُتب فيه خمسون ألف مجلد ، ويجب أن نفرغ منه هنا في فقرة واحدة ، نتركه بعدها من غير جواب "" ([254]) .

وترجع أهمية دراسة أستروك إلى أنه أول من اكتشف المنهج السليم لمعرفة مصادر السجلات القديمة عن طريق تحليل سماتها الأسلوبية ، ولهذا السبب وحده يطلق عليه الناقد الأول للكتاب المقدس ( [255]) .

بيد أن أبرز الاتجاهات النقدية للكتاب المقدس قد جاء عبر المدرسة التاريخية الألمانية متمثلاً بجهود كل من فلهاوزن وجراف وأتباعهم ([256]) فيما سمي بـ " النقد العالي " وقد اتجه هذا النقد إلى الحفر في داخل الكتاب المقدس، والمقارنة بين النصوص، والبحث عن المصادر التي تشكل منها ، والأزمنة والأمكنة التي كتبت فيها الأسفار، والتداخلات النصية التي يمكن الكشف عنها ([257]) .

وقد توصلت هذه الدراسات بعد بحوث مضنية ، وجهود شاقة ، وموازنات دقيقة إلى نتائج أجهضت قداسة الكتاب ، وأسقطت عنه الهالة الميتافيزيقة التي كانت حافة به إذ أصبحت الفكرة السائدة هي أن الكتاب المقدس رواية اختلطت فيها الحقائق بالأساطير المعبرة عن حياة الشعب الإسرائيلي وثقافته وتطوره ومعاناته ([258]).

4 – لاهوت التحرير :
وأما فيما يتعلق بالوظيفة الإنسانية للدين فقد بدأ من أمريكا اللاتينية تحت عنوان " لاهوت التحرير " وكان من العوامل الأساسية التي دفعت إلى انتشار هذا اللاهوت اهتمام العالم بقضايا الفقر والجوع فجاء هذا اللاهوت ليتحدث عن مسؤولية الدين تجاه هذه القضايا ، وموقفه من المحرومين والمقهورين من البشر .

لقد دفعت الحروب العالمية والمجاعات والكوارث الكونية، وتفاقم الفقر والمرض اللاهوتيين الكنسيين إلى التساؤل عن المهمة التي ينبغي أن يمارسها الدين بإزاء هذه القضايا وعُقد مؤتمران دفعا إلى ظهور علم اللاهوت التحرري :

الأول : مؤتمر أساقفة أمريكا اللاتينية الكاثوليك الذي اجتمع في ميدلين في كولومبيا عام 1974 م .

الثاني : مجلس أساقفة الكنيسة لأمريكا اللاتينية عام 1979 م
وقد ارتبط هذا اللاهوت منذ عام 1975 م بشكل أساسي بقضية تحرير السود ثم بقضية تحرير المرأة . وهو يعكس علم اللاهوت ففي حين يبدأ اللاهوت عادة من الوحي ويتجه إلى الواقع فإن لاهوت التحرير يبدأ من الواقع ويتجه إلى الوحي ، ولذلك فإننا نلاحظ أن الواقع الإفريقي المرير هو الذي أنتج لاهوت التحرير . وحيث أن لاهوت التحرير واقعي فهو يرتبط بالإنسان وبالإنسانية إنه " لاهوت الإنسانية " إنه لاهوت عمل في مواجهة الواقع الأليم للبشرية .

ويستند اللاهوت التحرري في ذلك على أقوال المسيح عليه السلام في محاربة الثراء الفاحش كقوله : "إن دخول جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله " لوقا 18 : 25 . كذلك كانت حياة المسيح عليه السلام مشاركة أصيلة للإنسانية المتألمة فقد شفى المرضى وطهر البرص ، وفتح أعين العميان وأقام الموتى، وعاش للإنسانية ودافع عنها ولذلك فإن لاهوت التحرير ينقل مفهوم الكنيسة من كونها تعمل لأجل الناس إلى كونها كنيسة الناس فتصبح الكنيسة من تحت وليست من فوق .

وبذلك يكون لاهوت التحرير هو إحياء الجانب الثوري في المسيحية الذي دُفن أكثر من ألف وتسعمائة سنة لحساب الرهبانية ، إنه إعادة تثوير للكنيسة للوقوف في وجه الطغيان كما قال المسيح عليه السلام : " لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً " متى 10 : 34 .

[align=center]تعقيب : [/align]
هذه الحركات التي قدمنا موجزاً عنها بالإضافة إلى الفلسفات البنيوية والتفكيكية هي أبرز المرجعيات التي يتغذى عليها الخطاب العلماني في قراءته للإسلام عموماً والقرآن الكريم خصوصاً، وعلى ضوء ما قرأناه آنفاً من نصوص غربية يمكننا أن نفهم النصوص العلمانية العربية التي مرت معنا كقولهم : " ولذلك لا مانع من انتهاك القيم السائدة والخروج عليها من أجل تقدم المعرفة ([259])، وذلك بهدم الأسوار والحصون التي شيدها الفكر المستقيل والمنغلق على ذاته بسياج دوغمائي مجمَّد( [260])ولن يتم ذلك إلا بتطبيق منهجية النقد التاريخي على التراث العربي والإسلامي، لا بد أن تسـير في نفس الطريق الذي سـارت فيه أوربا، ولا بد أن تَهـزَّ المسلمين، ولا بد أن يدفعـوا الثمن ([261]). فلا بـد لنا من إزالة كثير من العقبات الكأداء التي تصرفنا عن سبيل الرشاد سبيل الحداثة ([262])، ولن ينفعنا تحفظَّنا أو توهُّم مقاومة هذا التيار الحداثي انطلاقاً من مقولات مهترئة، وثوابت لا يصدقها العقل، وإن مالت إليها عاطفتنا الدينية ([263]).

وأحسب أنه قد آن لنا أن نقول : لقد قرأ الأوربيون كتابهم المقدس وواقعهم المُجهَض قراءة صحيحة واستطاعوا عبر مئات السنين أن يخلصوا إلى نتائج تتلاءم مع العالم المشهود المُعطَى للإنسان ، ودفعوا بعقولهم إلى أقصى ما يمكن لاكتناه حقيقة واستثمار منفعة هذا العالم . وأظن أن ما قاله كل من ديدرو وفولتير يلخص الحقيقة تلخيصاً كافياً ([264]).

والعلمانيون العرب يتطلعون إلى هذا المثال، ويحلمون بهذه الآمال، فهل سينعمون بالوصال ؟ !

في الحقيقة لم يوفق العلمانيون لإصابة الهدف لـ :
- اختلاف الزمان والمكان .
- اختلاف التاريخ والحضارة .
- اختلاف العنصر الديني والمرجعية القدسية .

فليست حضارتنا هي حضارة القرون الوسطى، وليس في ديننا كهنوت كالكهنوت الكنسي ، وليس قرآننا كالعهدين القديم والجديد في التأثر بالصدمات النقدية ، وليس في تاريخنا محاكم كمحاكم التفتيش، ولا إبادات عنصرية لشعوب وأمم بأكملها ، ولا نهب وامتصاص لخيرات القارات الضعيفة ورميها بين أنياب الجوع والفقر والمرض . ومهما حاول الخطاب العلماني أن يبحث عن روابط قروسطية في تاريخنا لتبرير مشروعاته فإن الحقائق تظل مشرقة لا يمكن حجبها أبداً .

إن أمتنا ليست بحاجة للنموذج الغربي للتنوير لأن القرآن الكريم همه الأول هو إخراج الناس من الظلمات إلى النور ] الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [ سورة إبراهيم : آية 1 .

] يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً . فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً [سورة النساء : آية 174 – 175 .

وأمتنا ليست بحاجة للنموذج الكنسي التحرري لأن ذلك جاء كردة فعل على نظام الرهبنة والمثالية المتطرفة والانفصام بين الإنسان والعالم الذي دعا إليه الكهنوت المسيحي ، وردة فعل على النظم القمعية والفاشية والرأسمالية التي عاثت في الكون فساداً وقمعاً وإبادة , وانتهكت إنسانية البشر .
ولذلك فإن ما يطرحه الخطاب العلماني ليس لاهوتاً للتحرير بل هو أقرب إلى كونه " ناسوتاً للتدمير " إنه محاولة يائسة لقلب الأخلاق ونسف القيم ، والتمرد على الفضيلة ، وتجفيف منابع الروح الملتاعة في كيان الإنسان ، لأنه إذا كان لاهوت التحرير الكنسي الذي يبدأ من الواقع ثم يعود إلى الوحي – إن كان هناك وحي بالمنظور الكنسي – يعد مخطئاً لأن الوحي لم يهمل الواقع أبداً ، فالوحي هدفه الأول إصلاح الإنسان ومن ثم الواقع، لأن الواقع لا يصلح إذا لم يصلح الإنسان ، فإن صيحة الخطاب العلماني التحريرية صيحة فاشلة لأنها إن صح أنها تبدأ من الواقع فهي لا تعود إلى الوحي أبداً . ولذلك فما يزعمه الخطاب العلماني من أن منهجه منهج صعودي بعكس الخطاب الديني الهبوطي([265]) غير صحيح لأن منهجه أيضاً منهج هابط ، وكذلك من الوحي إلى الواقع، ولكنه ليس الوحي الإلهي وإنما الوحي النفسي والعقلي وحي الثقافة الغربية . ]وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُون[ سورة الأنعام : آية 121 .

إن الدين لا يمكن فصله عن أساسه العقدي وتحويله إلى أيديولوجية ثورية فهذه مخاتلة للعقل الإنساني لأن الإيمان هو القاعدة المتينة للتثوير ، والعقيدة هي الجذوة الحية للتحرير ، و " تثوير القرآن " ([266]) لا يمكن أن يجدي مع حالة الانفصام بين العمق الإيماني الغيبي والممارسة الدينية الواقعية .

ومن هنا فإن أحلام العلمانيين العرب بأن يكونوا ممثلين لدور فلاسفة التنوير الأوربي في الفضاء الإسلامي من الصعب جداً أن تتحقق لأن الإسلام يملك الحصانة الكافية ضد هذا المشروع، ويحمل المناعة الذاتية التي تجعله يستعصي بشدة على العلمنة .

[align=center]
المطلب الختامي : النتائج[/align]
والآن بعد أن استعرضنا موقف المنظومة الفكرية العلمانية من الإسلام، واستنطقنا النصوص من مصادرها الأصلية، وتجنبنا التدخل فيها حتى لا نُتهم بالتجني والتحامل يمكننا أن نشير إلى الخلاصات الآتية التي آل إليها الإسلام في هذه المنظومة :

· الإسلام في المنظومة العلمانية لا يفلت من قواعد التحليل التاريخي والأنتربولوجي والفلسفي، ولذلك يمكن إحالة كثير من شعائره وطقوسه إلى كونها امتداداً للأساطير القديمة.

· كما يمكن بفعل تيار العولمة والحداثة أن ينهار الإسلام ويصبح شيئاً بالياً لا معنى له، ويتبخر مع الريح، ولكن يبقى أنه تجربة تاريخية علينا الاستفادة منها .

· والإسلام الشائع اليوم هو الإسلام السني الأرثوذكسي وهو ليس بالضرورة أن يكون الإسلام الحقيقي لأنه لا يوجد أصلاً إسلام حقيقي، وهو ليس إلا تنظيراً دوغمائياً جاء نتيجة سلسلة من الأعمال المنجزة تاريخياً، وليس لأن الله عز وجل تكفل بحفظه واستمراره واكتماله وظهوره .

· ولأن الإسلام لا يفلت من قواعد اللعبة التاريخية فقد جاء تلبية لحاجات الزمان والمكان والإنسان في الجزيرة العربية، وذلك حين تهيأت مكة لقبول فكرة التوحيد نتيجة لهدير الواقع، وحتمية الظروف .

· وهكذا لعبت الظروف فيما بعد بالإسلام، وجرفته التاريخية عبر حرتقاتها الاجتماعية والتطورية فمزقته شر ممزق إلى نتف عديدة فظهر الإسلام الرسمي الأرثوذكسي، والإسلام الكلاسيكي، والإسلام الأقنومي، والإسلام الشعبوي، والإسلام النظري، والإسلام الشخصي، والإسلام الإتني، والإسلام العراقي والمصري والشامي والباكستاني والشيعي والأشعري والمعتزلي وما إلى ذلك من إسلامات ضاع في ثناياها الإسلام الصافي الأول .

· وما دام قد حصل ما حصل من تمزق الإسلام فهذا يعني بالنسبة للخطاب العلماني قابلية الإسلام لأن يعني دون حواجز، وقابليته للانفتاح دون ضوابط، وبالتالي ضياع الحدود والمفاهيم واختلاطها، وعندئذ يصبح الإيمان والإلحاد والحق والباطل معاني فضفاضة تخرج من إطار التناقض والتضاد لتدخل في حيز التماهي، وبذلك لا يبقى معنى لوجود إسلام حقيقي جوهري نموذجي لأن الإسلام يصبح ما طُبِّق في التاريخ، وهو جوهر القراءة العلمانية الذي يتلخص في أن لا نسلم بالمسلَّم به .

· هذا الانفتاح العلماني في فهم الإسلام وتحريفه يتقبل حتى فكرة الاجتثاث المطلق للمنظومة السلفية، والوسيلة المجدية لذلك هي هدم الأصل بالأصل ذاته، واختراق المحرمات وانتهاك الممنوعات، وخلخلة المعتقدات، وطرد الماضي من ثقافتنا وكنسه من أدمغتنا لنبدأ الشروع في البناء من جديد .

· والبناء الجديد من الضروري أن يلبي حاجة كل الناس على اختلاف مشاربهم، المؤمنين منهم والملحدين، المستقيمين والمنحرفين، الأسوياء والشذاذ على حد سواء، وكل ذلك تحت مبدأ النسبية المطلقة، ومبدأ " كل شيء يجوز "، وإذا كان في الناس من يظل متطلعاً إلى التدين، ومتوهماً الحاجة إلى الروحانيات فليكن ذلك ولا بد من الاستجابة لمطالبه وذلك باختراع أسسس جديدة للإسلام والإيمان تكون أكثر انفتاحاً وتواؤماً مع العقلانيات الحداثية، وطرح مفاهيم عصرية للعبادة والطقوس والشعائر تكون مرنة بلا حدود، ومعقلنة بلا سدود غيبية أو ميتافيزيقية .

هكذا تكلم العلمانيون ... وهذه باختصار خلاصة القراءة العلمانية للإسلام فهل نحن بحاجة إلى نقد هذا الموقف العلماني ؟

أنا في الحقيقة أتبنى هنا موقف القاضي عبد الجبار ([267]) حين قرر أنه في كثير من الأحيان يغني عرض المذهب عن الرد عليه، وذلك لوضوح فساده وتناقضه إذا ما عُرض على الأسس والقواعد المعلومة من الدين بالضرورة . وخصوصاً إذا حاكمنا الموقف العلماني من خلال المآل الذي خلُص إليه في تزوير الصورة الجوهرية للإسلام، ومن خلال التركيبة المنهجية الملفقة والمناقضة في ذات الوقت لمقاصد الإسلام ومراميه .

إن الخطاب العلماني يدرك جيداً أن الأمة الإسلامية والعربية تنتمي إلى حضارة المقدس والإيمان بالمطلق، وأن أي محاولة للتجديد أو للنهوض محكوم عليها بالفشل إذا لم تنطلق من خلال هذين المحورين : الإيمان، والمقدس، إلا أن الصراع كان قد احتدم طوال القرنين الماضيين في بلادنا بين العلمانية الغازية التي تنتمي إلى حضارة المدنس والنسبية والمادية وبين حضارتنا وثقافتنا المتشبثة بمقدساتها ومرتكزاتها، ولأن الخطاب العلماني العربي قد تشبع بالحضارة المادية الغازية وشربها حتى الثمالة وهو في ذات الوقت يرغب أن يمسك بزمام المبادرة النهضوية أسوة بالنهضويين الغربيين ولكن هنا واجهته حضارة قدسية متقاطعة جداً مع المادية النسبية والعدمية، ولذلك فقد وقع في مأزق التصادم بين الانتماء الفكري والثقافي من جهة والانتماء الوطني والقومي من جهة أخرى، ولكي يتخلص الخطاب العلماني من هذا المأزق لجأ إلى محاولة التوفيق بين الثقافة التي استلبته، وبين الحضارة التي أنجبته، وكانت مقدسات هذه الحضارة وعلى رأسها الإسلام هي محور دراساته في العقود المنصرمة، إلا أن الخطاب العلماني العربي بسبب ضعفه في المواد التأسيسية الأصولية والتراثية اللازمة لقراءة الإسلام، وانبتات الصلة بينه وبين مكونات حضارته، وفي ذات الوقت ثراؤه بمكتسبات العلوم الحداثية والتفكيكية والألسنية فقد جاءت قراءاته للإسلام أقرب إلى التلفيق والتزوير منها إلى التوفيق والتنوير، والسبب هو أن الخلفية المادية الكامنة وراء القراءات العلمانية المختلفة للإسلام كانت غير متوائمة مع المادة المقروءة، في حين ظلت الأصول القريبة والملائمة للمادة المقروءة متهمة في بنية الخطاب العلماني بتكريس التخلف واللاوعي، ويُنظر إليها بتوجس وحذر وربما بازدراء .

وأخيراً : إذا كان العلمانيون حريصين فعلاً على نهضة الأمة وتقدمها ورقيها كما يعلنون وليس على مصالحهم الشخصية من شهرة ومجد ونجومية، فهل يعتقدون حقاً أن أطروحاتهم العجيبة والغريبة بشأن الإسلام والقرآن - كما رأينا - ستحقق هذه النهضة وهذا التقدم والرقي ؟ !

وهل وقف الإسلام في تاريخه عائقاً أمام ازدهار الأمة، وازدهار حضارتها وثقافتها ومجتمعاتها ؟ حتى يحتاج الإسلام إلى مسخ أو طمس أو تشويه ؟ أم أن الإنسان هو الذي يحتاج إلى إصلاح وتمثل حقيقي لدين الله عز وجل، وتفاعل حقيقي مع كلمات الله جل وعلا ؟ ألا يشعر العلمانيون أنهم يتلاعبون بالعقول ويعبثون بالفكر، وأن هذا التلاعب والعبث إذا انطلى على فئة من الناس أو جيل من الأجيال، فإن الزيف لا بد أن يظهر، والخداع لا بد أن ينكشف ؟

أي مسلم يمكنه أن يقبل هذا المسخ والتشويه للإسلام باسم الإسلام ؟! ، بل أي عاقل حتى ولو لم يكن مسلما يمكنه أن يقتنع بأن هذه الأفهام التي تُطرح، والأفكار التي تُعرض موصولة بالإسلام، ومستندةً على نصوصه ؟! إن الإسلام بطبيعته وتكوينه لا يقبل العبث، وهذا ما لاحظه المستشرقون لأنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم كمثل المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، إنه واضح ليس فيه غموض، ويسر ليس فيه عسر، ورحب ليس فيه حرج ، وهذا مكمن قوته، وسر خلوده، ومظهر عالميته وشموليته، وسبب انتشاره وإقبال الناس عليه .

إن تضييع الوقت في تأويل الإسلام وتحريفه لن يجدي شيئاً، وسوف يزيد من مآسي الأمة وتأخر نهضتها، وخيرٌ منه أن نتوجه إلى العمل الصالح والبناء المثمر، لأن أمتنا ليست بحاجة إلى هدم، فليس لدينا ما يهدم، إن لدينا قواعد متينة، وأعمدة راسخة، وحصون منيعة ، وتحتاج إلى بناء وبناءين، وأدوات وعاملين، أكثر من حاجتها إلى خطط ومشاريع ومهندسين .

إن مصيبة الأمة ومآسيها منذ قرون طويلة لا تتمثل في النصوص وإنما في اللصوص، إنهم الحكام الذين يحولون بينها وبين أي تقدم أو نهوض، لأن ذلك يُفوِّت عليهم كل ألوان الابتزاز والامتصاص والفرعنة التي يمارسونها، والاستبداد الذي يقارفونه .

لا يوجد من هؤلاء من يفكر بمستقبل الأمة أو بحاضرها، بل يوجد من يفكر بنفسه، وعرشه وولي عهده، لا يوجد من يفكر بتهيئة وسائل القوة والتمكن، ولا يوجد من يفكر بتهيئة وسائل العيش الكريم للناس، ولا يوجد من يفكر بالعلم والصناعة والاختراع والابتكار، ولا يوجد من يفكر بحراسة العدل والأمن والحق وتوفير ذلك لكل الناس، وحماية المجتمع من الفساد الخلقي والانحلال الاجتماعي والرشوة والظلم والفقر والمرض، ومن هنا فنحن لسنا بحاجة إلى المشاريع العلمانية التي تطمس الإسلام، لأنه لم يكن عقبة في وجه التقدم، بل إننا بحاجة إلى ثورة إسلامية تعيد الإسلام إلى مقر القيادة والفاعلية، وتزيح عن طريقة اللصوص والفراعنة والمنافقين، لي[1]مارس دوره في ازدهار الأمة وحضارتها كما فعل ذلك من قبل .

----الحواشي -----
([1]) حاول تركي علي الربيعو في كتابه " الإسلام وملحمة الخلق الأسطورة " أن يعقد مقارنات بين العقائد الإسلامية والأساطير القديمة زاعماً أن إسلامنا ما هو إلا امتداد لهذه الأساطير . وانظر : رشيد الخيون " جدل التنزيل " ص 74، 75 يقول الخيون : إن طه اسم إله عند الهنود الحمر، وعند السومريين اسم مسيح منتظر . قلت: إن طاهايو الذي ينتظره السومريين ما هو إلا بشارة بطه أي بمحمد صلى الله عليه وسلم .
([2]) انظر : سيد القمني " رب الزمان " ص 168 .
([3]) انظر لأركون " القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني " ص 108 و " نافذة على الإسلام " ص 114 و " تاريخية الفكر العربي الإسلامي " ص 231 وانظر : طيب تيزيني " النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة " ص 113 وانظر " عبد المجيد الشرفي " الإسلام بين الرسالة والتاريخ " ص 26 .
([4]) انظر : محمد شحرور " نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي " ص 348 .
([5]) أركون " نافذة على الإسلام " ص 171 .
([6]) انظر : أركون " قضايا في نقد العقل الديني " ص 326 .
([7]) انظر : أركون " أين هو الفكر الإسلامي المعاصر " ص 169 – دار الساقي لندن ط 1 / 1997 وانظر : إلياس قويسم " إشكالية قراءة النص القرآني في الفكر العربي المعاصر ، نصر حامد أبو زيد نموذجاً " بحث لنيل شهادة الدراسات المعمقة في الحضارة الإسلامية – جامعة الزيتونة – تونس 1420 هـ 1999 – 2000 م / ص 201 .
([8]) انظر : أركون " قضايا في تقد العقل الديني " ص 194 .
([9]) انظر : السابق ص 60 .
([10]) انظر : أركون " قضايا في نقد العقل الديني " ص 60 و ص 328 ، 318 .
([11]) انظر : نصر حامد ابو زيد " الخطاب والتأويل " ص 227 .
([12]) انظر : أركون " مجلة رسالة الجهاد " عدد 40 ، ص 59 ، 60 نقلاً عن عبد الرازق هوماس " القراءة الجديدة للقرآن الكريم في ضوء ضوابط التفسير " رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا – جامعة محمد الخامس – كلية الآداب والعلوم الإنسانية 1408 هـ 1987 – 1988 شعبة الدراسات الإسلامية .
([13]) انظر : أركون " قضايا في نقد العقل الديني " ص 175 وانظر : أبو زيد " مفهوم النص " ص 16.
([14]) أركون " قضايا في نقد العقل الديني " ص 174.
([15]) انظر : أركون " نافذة على الإسلام " ص 170 .
([16]) انظر : عبد المجيد الشرفي " الإسلام بين الرسالة والتاريخ " ص 45 .
([17]) انظر : أركون " قضايا في نقد العقل الديني " ص 28 .
([18]) انظر : السابق ص 36 .
([19]) انظر : السابق ص 329 .
([20]) نقلاً عن عبد الرزاق هوماس " القراءة الجديدة في ضوء ضوابط التفسير " " ص 169 ويحيل إلى مصدر لأركون باللغة الفرنسية .
([21]) انظر : أركون " تاريخية الفكر " ص 217 .
([22]) انظر : رمضان بن رمضان " خصائص التعامل مع التراث الإسلامي عند محمد أركون من خلال كتابه قراءات في القرآن " ص 15 ، 16 والباحث تلميذ لأركون ويحيل إلى كتابات لأركون باللغة الفرنسية – جامعة تونس الأولى بمنوبة – 1991 م تونس – شهادة الكفاءة في البحث – قسم اللغة العربية – إشراف د . عبد المجيد الشرفي .
([23]) انظر : رمضان بن رمضان " خصائص التعامل من التراث " ص 17 .
([24]) انظر : نصر حامد أبو زيد " مفهوم النص " ص 16 .
([25]) انظر : نصر حامد أبو زيد " مفهوم النص " ص 17 .
([26]) انظر : السابق ص 14 .
([27]) انظر : أركون " قضايا في نقد العقل الديني " ص 293 .
([28]) انظر : أركون " تاريخية الفكر العربي الإسلامي " ص 52 .
([29]) انظر : السابق ص 53 .
([30]) السابق ص 84 .
([31]) انظر : طيب تيزيني " النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة ص 167.
([32]) انظر : محمـد سعيـد العشماوي " معالم الإسلام " ص 8 طبعة القاهرة 1989 وانظر للدكتور محمد عمارة " سقوط الغلو العلماني " ص 12 .
([33]) انظر : العشماوي " معالم الإسلام " 132 وانظر : د . عمارة " سقوط الغلو العلماني " ص 17 .
([34]) د . عبد الله خورشيد البري " القرآن وعلومه في مصر " ص 112 دار المعارف بمصر 1969 م .
([35]) انظر : البري السابق ص 5 ، 108 ، 116 ، 117 . وانظر د . عمارة " الإسلام بين التزوير والتنوير " ص 202 .
([36]) انظر : السابق ص 112 ، 113 . وانظر : د . محمد عمارة " الإسلام بين التزوير والتنوير " ص 203 .
([37]) انظر : السابق 117 .
([38]) انظر : السابق ص 121 .
([39]) انظر : د. محمد أحمد خلف مقال في جريدة الأهرام 16 / 9 / 1987 صفحـة الحوار القومي نقلاً عن فهمي هويدي في " المفترون " ص 170 .
([40]) نقلاً عن فهمي هويدي " السابق " ص 174 ، 180 .
([41]) انظر : السابق ص 181 .
([42]) السابق ص 182 والنصوص لخلف الله ينقلها عنه فهمي هويدي .
([43]) انظر : د. طيب تيزيني " النص القرآني إما إشكالية البنية والقراءة " ص 113 .
([44]) انظر : د. محمد شحرور " الكتاب والقرآن – قراءة معاصرة " ص 555 فما بعد دار الأهالي – دمشق .
([45]) انظر : جمال البنا " تثوير القرآن " ص 10 ، 11 – د ، ط / د ، ت دار الفكر الإسلامي – القاهرة .
([46]) انظر : د. نصر حامد أبو زيد " مفهوم النص " ص 74 .
([47]) انظر : القمني " رب الزمان " : ص 187 .
([48]) انظر : السابق 206 .
([49]) انظر : نصر حامد " مفهوم النص " ص 72 .
([50]) انظر : " مفهوم النص " 71 .
([51]) انظر : القمني " رب الزمان " ص 206 .
([52]) القمني : " الحزب الهاشمي " ص 54 .
([53]) السابق ص 151 .
([54]) السابق ص 132 .
([55]) السابق ص 151 ، 153 .
([56]) انظر : د. نصر حامد أبو زيد " الخطاب والتأويل " ص 135 .
([57]) انظر : د. نصر حامد أبو زيد " مفهوم النص " ص 72 ، 74 وأنور خلوف " القرآن بين التفسير والتأويل والمنطق العقلي " ص 122 دار حوران – الطبعة الأولى – سوريا 1997 وانظر : القمني " الحزب الهاشمي ص 116 .
([58]) انظر : سيد القمني " الحزب الهاشمي " ص 66 .
([59]) انظر : " السابق " ص 122 ، 124 .
([60]) انظر : السابق ص 117 ، 118 .
([61]) انظر : د. طيب تيزيني " النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة " ص 163 ، 164 وانظر لأركون " تاريخية الفكر العربي الإسلامي " ص 146 ، 202 ، 206 و رمضان بن رمضان " خصائص التعامل مع التراث الإسلامي لدى محمد أركون من خلال كتابه " قراءات في القرآن " ص 17 .
([62]) انظر : د. أركون " الفكر الإسلامي نقد واجتهاد " ص 63 وانظر : " العواصم من قواصم العلمانية " ص 211 .
([63]) انظر : د. طيب تيزيني " النص القرآني " ص 344 .
([64]) : انظر : لأركون " القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني " ص 12 و " قضايا في نقد العقل الديني " ص 101 ولا حاجة للإحالة أكثر لأن هذه اللفظة تعتبر مصطلحاً يتميز به أركون عن غيره في كل كتاباته ، وقد لاحظ ذلك عابد الجابري واعتبر مفردة الأرثوذكسية تميز أركون عنه أما هو الجابري فما يميزه مصطلحي " اللفظ والمعنى" أو " الأصل والفرع " انظر : الجابري " التراث والحداثة " ص 321 . والأرثوذكسية في الأصل تعني الرأي المستقيم ولكن أركون لا يقصد بها أن هذا النوع من الإسلام هو الإسلام الصحيح، إذ لا يوجد عنده إسلام صحيح، وإنما يعني بالإسلام الأرثوذكسي وفي كل مكان ترد فيه مضافة إلى الإسلام أو الفكر الإسلامي يعني أنه إسلام مستقيم من وجهة نظر أصحابه ، ولذلك يضعها بين قوسين ، وهذا ما يوضحه مترجم أركون هاشم صالح انظر : " القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني " هامش المترجم ص 44 ويوضح هذا المعنى أيضاً تلميذ أركوني آخر بقوله : " مفهوم الأرثوذكسية الذي يعني في الاصطلاح ، الرأي الدوغمائي أو العقائدي المتصلب والمتزمت الذي فرض نفسه بالقوة ، بصفته الرأي الصيحيح أو المستقيم ، أي لم يفرض نفسه عن طريق الإقناع والمحاجة والمناقشة المسبقة كما يحاول أن يوهمنا وينجح بسبب مرور الزمن المتطاول " انظر : خالد السعيداني " إشكالية القراءة في الفكر العربي الإسلامي المعاصر " ص 231 . ويوضح أركون نفسه مراده بإطلاق الأرثوذكسية على الإسلام أو الفكر الإسلامي فهو يعني بها المبادئ والمسلمات والبديهيات المشكلة للاعتقاد الديني التي لا يمكن التمرد عليها دون عقوبة ، وبهذا المعنى فإن هناك أرثوذكسيات إسلامية تتفرع إلى أرثوذكسيات سنية أو شيعية فالسيادة الأرثوذكسية هي كل سلطة دينية تمنع كل محاولة نفاذ نقدية داخل الأطر المشكلة لمنظومتها الدينية ، نظراً لأن إعادة القراءة يهدد ثبات مكانتها ومصالحها . انظر " لأركون " العلمنة والدين " دار الساقي ط 2 / 1993 ص 14 وانظر : إلياس قويسم " إشكالية قراءة النص القرآني في الفكر العربي المعاصر . نصر حامد أبو زيد نموذجاً " ص 104 . وانظر: رمضان بن رمضان " خصائص التعامل مع التراث العربي الإسلامي لدى محمد أركون من خلال كتابه قراءات في القرآن " ص 35 .
([65]) انظر : لأركون " نافذة على الإسلام " ص 24 ، 172 و لعلي حرب " نقد النص " ص 127 .
([66]) انظر : لأركون " قضايا في نقد العقل الديني " ص 174 ، 175 .
([67]) انظر : لأركون " تاريخية الفكر العربي الإسلامي " ص 115 ، 116 وانظر : عبد الرزاق هوماس " القراءة الجديدة للقرآن الكريم في ضوء ضوابط التفسير " ص 286 .
([68]) انظر : نصر حامد أبو زيد " الخطاب والتأويل " ص 108 .
([69]) انظر : أركون " تاريخية الفكر " ص 115 ، 116 .
([70]) د. أركون " الفكر الإسلامي قراءة علمية " ص 115.
([71]) انظر : السابق ص 115 .
([72]) السابق : ص 115 .
([73]) انظر : السابق ص 116 .
([74]) انظر : د.طيب تيزيني " النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة " ص 147 وانظر : أركون " تاريخية الفكر " ص 180 ، 132، 202 وانظر : له " نافذة على الإسلام " ص 14 ، 106 وانظر : عبد المجيد الشرفي " لبنات " ص 77 .
([75]) انظر : د. طيب تيزيني " السابق " ص 162.
([76]) انظر : السابق ص 141 .
([77]) انظر : د. تيزيني " السابق " ص 158 ، 159 .
([78]) انظر :د. عبد المجيد الشرفي " لبنات " 77 .
([79]) انظر : د.طيب تيزيني " النص القرآني " ص 166 .
([80]) انظر : السابق ص 169
([81]) انظر : السابق ص 174 .
([82]) انظر : السابق ص 173 ، 174 .
([83]) انظر : د. تيزيني " السابق "ص 176 وانظر أركون " تاريخية الفكر " ص 180 حيث يستخدم مصطلح المجموعات الإتنية و الإثنية أو الإتنية : تأتي للدلالة على تصنيف عرقي ثقافي وهي مشتقة من الإثنولوجيا التي تعني علم الأجناس البشرية حيث يدرس هذا العلم القوانين العامة لتطور البشرية انظر : رابعة جلبي " ملحق من إعدادها تعرف فيه بعض المصطلحات " ملحق بكتاب " الإسلام والعصر " مشترك بين د . البوطي – تيزيني ص 239 .
([84]) انظر : د. تيزيني " السابق " 176 .
([85]) انظر : د. محمد أركون " قضايا في نقد العقل الديني " ص 230 وتلميذه خالد السعيداني " إشكالية القراءة في الفكر العربي الإسلامي المعاصر نتاج محمد أركون نموذجاً " ص 79 بحث لنيل شهادة الدراسات المعمقة في الحضارة الإسلامية – جامعة الزيتونة – تونس – المعهد العالى لأصول الدين 1428 هـ 1997 م إشـراف د . محمـد محجـوب وانظـر : حسين أحـمد أميـن " حول الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية " ص 27 ، 197 .
([86]) انظر :د.جورج طرابيشي " إشكاليات العقل العربي " ص 13 وأصحاب هذه التفرقة في الأصل هم المستشرقون كما يشير طرابيشي.
([87]) انظر : د. نصر حامد أبو زيد " النص السلطة الحقيقة " ص 14 .
([88]) انظر : جاك بيرك " القرآن وعلم القراءة " ص 131 ترجمة وتعليق منذر عياشي – دار التنوير – بيروت – مركز الإنماء الحضاري – حلب ط 1 / 1996 تقديم : د . محمود عكام .
([89]) انظر : المصدر السابق هوامش المترجم منذر عياشي ص 131 ، 132 .
([90]) انظر : د. زكي نجيب محمود " تجديد الفكر العربي " ص 68 يعني لا يمكن تحديد نموذج تطبيقي له في الواقع فيكون معياراً يرجع إليه.
([91]) انظر : " الصادق النيهوم " صوت الناس ، محنة ثقافة " ص 155 .
([92]) انظر : د. طيب تيزيني " الإسلام والعصر " ص 129 ، 130 .
([93]) انظر : د. طارق حجي " الثقافة أولاً وأخيراً " ص 20.
([94]) انظر : عبد الهادي عبد الرحمن " سلطة النص " ص 41 ، 42 .
([95]) انظر : حسين أحمد أمين " حول الدعوة إلى تطبيق الشريعة " ص 5 ونصر حامد أبو زيد " الخطاب والتأويل " ص 195 ، 197.
([96]) انظر : د. عبد المجيد الشرفي " لبنات " ص 50 وانظر له أيضاً " الإسلام بين الرسالة والتاريخ " ص 47 يفرق برجسون بين الدين المغلق والدين المفتوح والأخلاق المغلقة والأخلاق المفتوحة انظر : مراد وهبة " المذهب في فلسفة برجسون " ص 92 ص 140 ، 142 .
([97]) والمقصود بالفهم الحرفي هو الفهم المستقر بين الأمة للإسلام والذي يدين به مليار مسلم ودانت به الأمة منذ أربعة عشر قرناً . والفهم الحرفي والحرفيين كلمة تتكرر كثيراً لدى العلمانيين .
([98]) قال د. أركون ذلك في حوار مع إحدى المجلات الفرنسية انظر : عبد الرزاق هوماس " القراءة الجديدة للقرآن الكريم في ضوء ضوابط التفسير " ص 171 .
([99]) انظر : د. حسن حنفي " التراث والتجديد " ص 67 طبعة القاهرة 1980 وطبعة بيروت – دار التنوير 1980- ص 53 وانظر : د. محمد عمارة " الإسلام بين التنوير والتزوير ص 196 وانظر : جورج طرابيشي " المثقفون العرب والتراث " ص 212 وانظر " التأويل في مصر في الفكر المعاصر " ص 326 .
([100]) انظر : د. أركون " القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني " ص 69 إن مثل هذه المفاهيم بنظر أركون جاءت في سياق تاريخي لتحقيق سيادة المؤمنين على غيرهم من الفئات الأخرى كاليهود والنصارى ، لتأسيس مشروعية سلطوية للنبي والمؤمنين متميزة عن الفئات الأخرى ، فهي إذن مفاهيم تاريخية مهمتها تحقيق مصالح مباشرة لفاعلين اجتماعيين " أي للمؤمنيين " انظر : " أركون " القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني " ص 70 ، 71 .
([101]) انظر : د. أركون " الفكر الإسلامي قراءة علمية " ص 114 .
([102]) انظر : د. أركون " قضايا في نقد العقل الديني " ص 39 .
([103]) انظر : علي حرب " نقد النص " ص 155 .
([104]) انظر : علي حرب " نقد النص " ص 153 .
([105]) انظر : السابق ص 158 .
([106]) انظر " علي حرب " الممنوع الممتنع في نقد الذات المفكرة " ص 28 .
([107]) انظر : السابق ص 28 .
([108]) انظر لأركون " تاريخية الفكر العربي الإسلامي " ص 146 وانظر عبد الرزاق هوماس " القراءة الجديدة " ص 84 .
([109]) انظر : خالد السعيداني " إشكالية القراءة في الفكر العربي الإسلامي المعاصر ، نتاج محمد أركون نموذجاً " ص 56 ورمضان بن رمضان " خصائص التعامل مع التراث العربي الإسلامي لدى محمد أركون في كتابه قراءات في القرآن " ص 16 .
([110]) علي حرب " نقد الحقيقة " ص 58 .
([111]) انظر : د. نصر حامد أبو زيد " مفهوم النص " ص 20 .
([112]) انظر : لأركون " تاريخية الفكر " ص 217 .
([113]) انظر : السابق ص 217 .
([114]) انظر : د. حسن حنفي " التراث والتجديد " ص 99 .
([115]) د. عبد الله العروي " الإيديولوجيا العربية المعاصرة " ص 16 وانظر : مبروكة الشريف جبريل " الخطاب النقدي في المشروع النهضوي العربي العروي والجابري نموذجاً " ص 41 .
([116]) انظر : أركون " تاريخية الفكر " ص 26 .
([117]) انظر : خالد السعيداني " إشكالية القراءة " 125 .
([118]) انظر : د. نصر حامد أبو زيد " الخطاب والتأويل " ص 116 والحديث عند نصر حامد عن أركون وانظر ص 235 .
([119]) انظر : علي حرب " نقد النص " ص 72 ، 143 ، 144 .
([120]) انظر : د. أركون " القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني " ص 6 .
([121]) انظر : د. نصر حامد أبو زيد " الخطاب والتأويل " ص 228 .
([122]) انظر : د. عبد الله العروي " مجمل تاريخ المغرب " ص 25 نقلاً عن مبروكة الشريف " الخطاب النقدي " ص 133 .
([123]) د. العروي " الإيديولوجيا العربية المعاصرة " ص 104 وانظر : مبروكة الشريف " الخطاب النقدي " ص 115 .
([124]) د. العروي " العرب والفكر التاريخي " ص 225 وانظر" مبروكة الشريف ص 101 .
([125]) انظر : السابق ص 223 .
([126]) انظر : د. " مبروكة الشريف " الخطاب النقدي " ص 53 وهي كلمات متفرقة في خطاب عبد الله العروي تحصيها الباحثة .
([127]) انظر : أدونيس " علي أحمد سعيد " الثابت والتحول " 1 / 32 ، 33 دار العودة – بيروت 1974 .
([128]) انظر : السابق 1 / 33 وانظر نصر حامد " إشكالية القراءة " آليات التأويل " ص 232 .
([129]) انظر : أدونيس " الثابت والتحول " 2 / 209 - ط 4 / 1986 – دار العودة – بيروت .
([130]) سورة آل عمران آية 19 .
([131]) سورة آل عمران آية 85 .
([132]) سورة المائدة آية 3 .
([133]) انظر : د .حسن حنفي " من العقيدة إلى الثورة " 1 / 17 وانظر : أبو طالب حسنين " التأويل في مصر " ص 339 .
([134]) انظر : الصادق النيهوم " صوت الناس ، محنة ثقافة مزورة " ص 25 .
([135]) انظر : عبد الرزاق هوماس " القراءة الجديدة " ص 129 ، 169 ينقل عن أركون في مصدر أجنبي له .
([136]) انظر :د. عبد المجيد الشرفي " الإسلام بين الرسالة والتاريخ " ص 63 .
([137]) انظر : د. عبد الهادي عبد الرحمن " سلطة النص " ص 110 ، 111 .
([138]) انظر : الصادق النيهوم " الإسلام في الأسر " ص 127 ، 134 .
([139]) انظر:د.عبد المجيد الشرفي "الإسلام بين الرسالة والتاريخ " ص 63 وانظر : العشماوي "جوهر الإسلام " ص 7، 8،79،80.
([140]) د. الجابري " وجهة نظر " ص 150 – 151 .
([141]) انظر : محمد محمود طه " الرسالة الثانية " ص 155 ، 164 .
([142]) انظر : د. الشرفي " لبنات " ص 173 فما بعد وانظر للشرفي " الإسلام بين الرسالة والتاريخ " ص63 ، 64 .
([143]) انظر : د. عبد الهادي عبد الرحمن " سلطة النص " ص 109 .
([144]) هذا ما أعلنه الرئيس التونسي الأسبق " بورقيبة " وألزم به الشعب التونسي انظر " تونس الإسلام الجريح " لمحمد الهادي مصطفى الزمزمي ص 48 ، 49 نقلاً عن الدكتور القرضاوي " التطرف العلماني في مواجهة الإسلام " ص 144 .
([145]) انظر : د. الشرفي " الإسلام بين الرسالة والتاريخ " ص 65 وانظر : طيب تيزيني " النص القرآني " ص 154 ، 155 وانظر : تركي علي الربيعو " العنف والمقدس والجنس " ص 89 .
([146]) انظر : الربيعو " العنف والمقدس والجنس " ص 89 .
([147]) انظر: الربيعو " السابق " ص 89 وانظر : القمني " الأسطورة والتراث " ص 165 .
([148]) انظر : عبد الهادي عبد الرحمن " سلطة النص " ص 106 .
([149]) انظر : أركون " مجلة الكرمل " العدد 34 / 1989 جزء 1 ص 23 فصيلة تصدر عن الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين مؤسسة بيسان للصحافة والنشر والتوزيع – قبرص – وانظر : خالد السعيداني " إشكالية القراءة " ص 37 و انظر : رمضان بن رمضان " خصائص التراث " ص 108 ، 109 ، 124 يعتبر أركون الحج العقلي ينتمي إلى القرآن الكريم أو على حد تعبيره إلى " الحدث القرآني " أما الحج الشرعي فينتمي إلى تأطيرات الفقهاء المغلقة الأرثوذكسية أو ما يسميه " الحدث الإسلامي " وهو يستعير المصطلح من التوحيدي الذي ألف كتاباً بعنوان " الحج العقلي إذ ضاق الفضاء عن الحج الشرعي كما يذكر أركون نفسه . راجع " المصادر السابقة " .
([150]) انظر : طيب تيزيني " النص القرآني " ص 154 ، 155 .
([151]) انظر : أركون " تاريخية الفكر " ص 81 .
([152]) انظر : الشرفي " الإسلام بين الرسالة والتاريخ " ص 121 .
([153]) انظر : أركون " قضايا في نقد العقل الديني " 36 .
([154]) انظر : " الفاشيون والوطن " ص 200 .
([155]) انظر : العظمة " العلمانية تحت المجهر " ص 181 .
([156]) انظر : أركون " القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني " ص 17 .
([157]) انظر : حسين أحمد أمين " الاجتهاد في الإسلام " ص 23 نقلاً عن د . عمارة " الإسلام بين التزوير والتنوير ص 218 .
([158]) انظر : أبو القاسم حاج حمد " العالمية الإسلامية الثانية 2 / 497 ، 498 وانظر : " البعد الزماني والمكاني وأثرهما في التعامل مع النص البشري 116
([159]) انظر : أركون " من القرآن إلى التفسير الموروث " ص 83 ، 84 .
([160]) أركون " قضايا في نقد العقل الديني " ص 207 . يميز أركون أيضاً بين ثلاثة أنواع من الإيمان : الإيمان التقليدي البسيط والإيمان الواعي التاريخي ، والإيمان الأسطوري العاطفي ، أو الإيمان الحق والإيمان الباطل الزائف انظر : أركون " من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي " 50 – 51 .
([161]) انظر : أركون " مجلة الكرمل " ص 39 عدد 34 / 1989 م . . وانظر : " من فيصل التفرقة إلى فصل المقال " " ص 9 .
([162]) انظر : محمد شحرور " نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي " ص 31 والدكتور حامد طاهر يكرر ذلك كثيراً في كلية دار العلوم .
([163]) انظر : العشماوي " جوهر الإسلام " ص 109 ، 121 .
([164]) سورة البقرة آية 62 .
([165]) انظر : السابق ص 127 و وله : " أصول الشريعة " ص 100.
([166]) انظر: د. أركون " نافذة على الإسلام " ص 60 وله أيضاً " الفكر الإسلامي : نقد واجتهاد ص 84 .
([167]) انظر : د. عبد المجيد الشرفي " لبنات " ص 101 .
([168]) انظر : كوليز " الله في الفلسفة الحديثة " ص 333 ، 334 .
([169]) د . حسن حنفي " التراث التجديد " ص 54 .
([170]) انظر : د. شحرور " الكتاب والقرآن " ص 496 وانظر : الشيخ عبد الرحمن حنبكة الميداني و " التحريف المعاصر في الدين " ص 202 .
([171]) سورة ص آية 5 .
([172]) انظر : د . حسن حنفي " حوار المشرق والمغرب " ص 54 – 57 والاستشهاد بالآية منه طبعاً .
([173]) انظر : د . حسن حنفي " من العقيدة إلى الثورة " 2 / 92 – 93 ، 112 –113 . " الصفات في الإنسان على الحقيقة وفي الله على المجاز 2 / 602 وانظر 2 / 604 2 / 112 – 113 ، 114 ، 630 أما أن تكون الصفات في الله على الحقيقة وفي الإنسان على الحقيقة فهو مستحيل بنظر د . حنفي . انظر : السابق 2 / 601 وانظر : التأويل في مصر ص 347 فما بعد .
([174]) انظر : حسن حنفي " حوار المشرق والمغرب " ص 72 ،
([175]) انظر : أركون " قضايا في نقد العقل الديني " ص 282 وانظر : نوال السعداوي " المرأة والدين والأخلاق " ص 50 .
([176]) انظر : نصر حامد أبو زيد " النص ، السلطة ، الحقيقة " ص 135 .
([177]) انظر : مراد وهبة " ملاك الحقيقة " ص 299 .
([178]) انظر : الصادق النيهوم " الإسلام في الأسر " ص 82 .
([179]) انظر : السابق ص 81 .
([180]) انظر : السابق ص 82 .
([181]) انظر : السابق نفسه .
([182]) انظر : النيهوم " السابق " ص 106 ، 107 .
([183]) انظر : حنفي " في فكرنا المعاصر " ص 93 .
([184]) انظر : أركون ص 81 .
([185]) د . حنفي " من العقيدة إلى الثورة " 4 / 508 .وانظر أبو طالب حسنين " التأويل في مصر ص 374 .
([186]) د . حنفي " من العقيدة إلى الثورة " 4 / 600 .
([187]) د . حنفي " من العقيدة إلى الثورة " 4 / 601 .
([188]) د. حنفي " من العقيدة إلى الثورة " 4 / 605 .
([189]) انظر : تركي علي الربيعو " العنف والمقدس والجنس " ص 140 – 141 .
([190]) انظر : السابق ص 132 ، 138 .
([191]) انظر : وليم كلي رايت " تاريخ الفلسفة الحديثة ص40 .
([192]) انظر : إرنست رينان ص 343 .
([193]) انظر : زكي نجيب محمود " تجديد الفكر العربي ص 135 ، 136 دار الشروق – الطبعة التاسعة 1993 م .
([194]) انظر : علي حرب " نقد النص " – المركز الثقافي العربي ص 97 الطبعة الأولى 1993 – بيروت .
([195]) انظر : يوسف كرم " تاريخ الفلسفة الحديثة ص 14 ورمسيس عوض " الإلحاد في الغرب ص 39 .
([196]) انظر : السابق ص 15 و " الإلحاد في الغرب ص 39 .
([197]) انظر : برتراند رسل " تاريخ الفلسفة الغربية ص 81 .
([198]) انظر : جيمس كوليز " الله في الفلسفة الحديثة " ص 133 ترجمة : فؤاد كامل – مكتبة الغريب – القاهرة 1973 د .ط .
([199]) انظر : جيمس كوليز "السابق " ص 136 .
([200]) انظر : جيمس كوليز " السابق " ص 133 .
([201]) انظر : جون هرمان راندال " تكوين العقل الحديث " ص 368 .
([202]) انظر : ارندال " تكوين العقل الحديث " ص 368 .
([203]) انظر : سبينوزا " رسالة في اللاهوت والسياسة " ص 368 . ترجمة د. حسن حنفي .
([204]) السابق ص 370 – 371 .
([205]) انظر : السابق ص 371 .
([206]) انظر : السابق ص 372 .
([207]) انظر : جيمس كوليز " الله في الفلسفة الحديثة " ص 140 وانظر : روبرت أغروس " العلم في منطوره الجديد " ص 79 ، 80 ويوسف كرم " تاريخ الفلسفةالحديثة " ص 56 .
([208]) انظر : يوسف كرم " تاريخ الفلسفة اليونانية ص 40 وانظر : ول ديورانت " قصة الفلسفة " ص 317 وزكي نجيب وأحمد أمين " قصة الفلسفة اليونانية ص 76 .
([209]) انظر : برتراند رسل " تاريخ الفلسفة الغربية " ص 177 .
([210]) انظر : راندال " تكوين العقل الحديث "ص 440 .
([211]) انظر : برتراند رسل " تاريخ الفلسفة الغربية " ص 183 .
([212]) انظر : يوسف كرم " تاريخ الفلسفة الحديثة " ص 142 .
([213]) انظر : جيمس كوليز " الله في الفلسفة الحديثة " 164 ويوسف كرم " تاريخ الفلسفة الحديثة " ص 179 .
([214]) انظر : يوسف كرم " تاريخ الفلسفة الحديثة " ص 177 .
([215]) انظر : جيمس كوليز " الله في الفلسفة الحديثة "ص 167 ويوسف كرم " تاريخ الفلسفة الحديثة ص 178 ، 179 .
([216]) انظر : كوليز " السابق " ص 170 .
([217]) انظر : كوليز " السابق " ص 172 .
([218]) انظر : وليم كلي رايت " تاريخ الفلسفة الحديثة " ص 202
([219]) انظر : روبرت أغروس " العلم في منظوره الجديد " ص 104 .
([220]) انظر : يوسف كرم – تاريخ الفلسفة الحديثة ص 175
([221]) انظر جيمس كوليز " الله في الفلسفة الحديثة " ص 61 ورمسيس عوض " الإلحاد في الغرب " ص 121 .
وجون حرمان راندال " تكوين العقل الحديث " ص 435 ، 436 يمكن الاطلاع على فكرة الدين الطبيعي في جاكلين لاغريه " الدين الطبيعي " ترجمة منصور القاضي – المؤسسة الحامعية للدراسات والنشر والتوزيع ط 1 / 1431 هـ 1993 م .
([222]) : انظر : جيمس كوليز " الله في الفلسفة الحديث ص 61 نشير إلى أنه ظهر في التاريخ من ينكر النبوة والوحي ونسب ذلك إلى البراهمة وهم قبيلة آرية سيطرت على الهند منذ القرن الخامس عشر قبل الميلاد انظر : أبو زهرة : الديانات القديمة ص 19 وقد أشار إلى إنكار البراهمة للنبوات جل المؤرخين والمتكلمين المسلمين ومن هؤلاء : الباقلاني " انظر " التمهيد ص 96 والإنصاف له أيضاً ص 61 " والبغدادي " انظر له أصول الدين ص 154 " وابن حزم " انظر الفصل 1 / 137 " والاسفراييني " انظر التبصير في الدين ص 89 والجويني " انظر له الإرشاد ص 257 والنظامية ص 61 والغزالي " انظر له الاقتصاد ص 95 " والشهرستاني " نظر له الملل والنحل 250 / 2 ونهاية الإقدام له ص 495 ، وابن رشد " انظر له مناهج الأدلة ص 209 " والرازي انظر له المحصل ص 308 والآمدي انظر له غاية المرام ص 318 .وأهم من كل هؤلاء البيروني الذي قضى في الهند قرابة عشرين عاماً انظر له " تحقيق ماللهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة ص 75 " وفي تاريخنا الإسلامي تعلق ابن الراوندي وأبو بكر الرازي بشبهات البراهمة انظر " في الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيق لإبراهيم مدكور 1 / 87082 .
([223]) انظر : جون هرمان راندال " تكوين العقل الحديث " ص 438 .
([224]) انظـر : برتراند رسل " تاريخ الفـلسفة الغـربية " ص 106 ، 107 وانـظر " مـقدمة حسن حنـفي لرسـالة سبـينوزا " رسالة في اللاهوت والسياسة ص 11 .
([225]) انظر : راندال " تكوين العقل الحديث " ص 440 .
([226]) انظر : رمسيس عوض الإلحاد في الغرب " ص 161 – 162 . ومن أعلام الديانة العقلية في بريطانيا نجد : ماثيو تندال : 1653 – 1733م وهو من أشهر التأليهيين الإنجليز بعد اللورد هربرت تشربري ، كتب كتاباً تحت عنوان " مسيحية قديمة قدم الخليقة " أو " الكتاب المقدس إعادة لنشر دين الطبيعة " ، في لندن سنة 1730م وهو كتاب توالت طبعاته ، واعتبره التأليهيون كتابهم المقدس وأطلق تندال على نفسه " التأليهي المسيحي " اعتقاداً منه بعدم وجود تعارض بين المسيحية والمذهب التأليهي ، وبأن المسيحية تطابق دين الطبيعة الخالد . انظر : رمسيس عوض " الإلحاد في الغرب " ص 143 – 144 ووليم كلي رايت ص 220 . جون تولاند : 1670 – 1733م كتب كتاباً بعنوان : " مسيحية بدون أسرار " نشره سنة 1696م وهو متأثر بكتاب جون لوك " معقـولية الدين المسيحي " اتُهم الكتـاب بالهرطقة ، مما دفـع مؤلفـه إلى الهرب من إيرلندا إلى انكلترة واتُهم بإنكار التثليث وألوهية المسيح . انظر : رمسيس عوض " الإلحاد في الغرب " ص 145 – 146 ووليم كلي رايت " تاريخ الفلسفة الحديثة ص 220 . ويعتبر – هذا - أبرز من عبر عن الأفكار التأليهية في عصره ، فرفض العناية الإلهية والوحي ، والنفس ، والمعاد . انظر :رمسيس عوض " الإلحاد في الغرب " ص 151 ويوسف كرم " تاريخ الفلسفة الحديثة " ص 155 . شافتسبري : 1671 – 1713م الرأي عنده أن الهدف وراء الأخلاق هو الدفاع عما يمكن تسميته اللاهوت الطبيعي أو الدين الطبيعي ، وليس عن الأخلاق المستمدة من أية قوى غيبية أو خارجية ، فالدين الطبيعي يختلف عن الدين المنزل في أنه مبادئ تستند إلى قوانين الطبيعة ونواميسها انظر : رمسيس عوض " الإلحاد في الغرب " ص 152 ووليم كلي رايت " تاريخ الفلسفة الحديثة "ص 218 . واعتبر شافتسبري أن ارتباط فعل الخير بالثواب في الآخرة فيه نظرة نفعية تتنافى مع المسيحية الحقة ، ويسخر من دعاة الفضيلة الذين يؤسسون دعوتهم على أساس من الإيمان بالتنزيل ، والحق بنظره أن الأساس هو أن نظرة الإنسان السليمة تدفعه إلى فعل الخير . انظر : رمسيس عوض " الإلحاد في الغرب " ص 154 .ويرى أن الفكر الديني التقليدي من ألد أعداء الدين الحق ، والمقصود بالدين الحق في نظره هو الدين الطبيعي لأن الدين التقليدي يدعو إلى الإيمان بالمعجزات ، وانتهاك قوانين الطبيعة ، ونظام الكون في حين أن دين الطبيعة ينبني على أساس التجانس والتناغم والتوافق الموجود في الكون انظر : " السابق " ص 155 . ولعلنا هنا نتذكر سبينوزا . ومما يدل على نفوذ – هذا - في عصره أنه تأثر به فولتير ، ولسنج ، ومندلسون ، وهيردر ، إلى جانب كل من ليبنتـز وديدرو . انظر : السابق ص 153 . توماس بين 1737 – 1809م : ارتبط اسمه بالمذهب التأليهي ، وتتضح زرايته بالدين المسيحي في كتابه " عصر العقل " الذي ظهر أول جزء منه عام 1793م ، والرأي عنده أن العهد القديم مليء بقصص الفحش والتهتك ، والعهد الجديد مليء بالمتناقضات ، وقد بلغت حماسة المؤمنين بأفكار " بين " مبلغاً دفعهم إلى إطلاق اسم الكتاب المقدس الجديد على كتابه " عصر العقل " ويرون أن مجرد اقتنائه دليل على التحضر . انظر : السابق ص 158 – 161 ووليم كلي رايت " تاريخ الفلسفة الحديثة " ص 240 . يقول " بين " في كتابه عصر العقل : "" في جميع الأديان التي تم اختراعها لا يوجد دين أشد إهانة لله القدير ، ومدعاة لجهل الإنسان ، وأكثر عداوة للعقل وتناقضاً مع ذاته من ذلك الشيء المسمى بالمسيحية "" رمسيس عوض " الإلحاد في الغرب " ص 162 . ويلخص بين إيمانه بما يلي "" أؤمن بإله واحد ، وآمل في سعادة تتجاوز الحياة على الأرض ، وبالمساواة بين البشر ، كما أؤمن بأن واجبات الدين تتلخص في تثبيت العدل والمحبة والرحمة والسعي إلى إسعاد جميع زملائنا في الخليقة "" انظر : رمسيس عوض " السابق " ص 163 . ويمكن مراجعة أفكار الفلاسفة السابقين حول الدين الطبيعي في : جاكلين لاغريه " الدين الطبيعي " ص 119 فما بعد ترجمة : منصور القاضي – المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ط1 / 1993 .
([227]) انظر : السابق ص 186 ووليم كلي رايت " تاريخ الفلسفة الحديثة "ص 235.
([228]) انظر : رمسيس عوض " الإلحاد في الغرب "ص 187 .
([229]) انظر : السابق ص 178 ، 179 .
([230]) انظر : ول ديورانت " قصة الفلسفة " ص 289 .
([231]) انظر : وليم كلي رايت " تاريخ الفلسفة الحديثة " ص 233 .
([232]) انظر : جيمس كوليز " الله في الفلسفة الحديثة "ص 213 .
([233]) انظر : رمسيس عوض " الإلحاد في الغرب " ص 182 وبرتراند رسل " تاريخ الفلسفة الغربية ص 298 .
([234]) انظر : لبراتراند رسل " تاريخ الفلسفة الغربية " ص 297 وله أيضاً : حكمة الغرب 2 / 145 .تردجمة : فؤاد زكريا – سلسلة عالم المعرفة – العدد 72 مطابع الرسالة – الكويت وانظر : وليم كلي رايت " تاريخ الفلسفة الحديثة " ص 233 .
([235]) انظـر : ول ديورانت " قصة الفلسفة " ص 317 ترجمة : د . فتح الله محمد المشعشع – منشورات مكتبة المعارف – بيروت الطبعة السادسة د . ت .
([236]) انظر : جون هرمان راندال – تكوين العقل الحديث ص 446 .
([237]) انظر : السابق ص 462 . إن هـذه العبارة الأخيرة تؤكد لنا كم عانت أوربا من الاختناق بين فكي الكماشة : الملوك ، والكنيسة مما دفعها إلى ردة فعل قوية تجلت فيما نرى من مذاهب وتيارات فكرية تسير في طريق العلمانية على المستويين اللذين عانت منهما : السياسة والدين .
([238]) انظر : رمسيس عوض " الإلحاد في الغرب " ص 176 ، 172 – 173 .
([239]) انظر : د. عبد الوهاب المسيري " موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية " 1 / 354 – 355 .
[240]) ( انظر : السابق 1 / 209 – 210 .
([241]) انظر : زالمان شازار " تاريخ نقد العهد القديم " ص 88 ترجمة : أحمد محمد هويدي ، تقديم ومراجعة : محمد خليفة حسن ، المجلس الأعلى للثقافة 2000 م القاهرة د.ط .
([242]) انظر : زالمان شازار " السابق " ص 88 .
([243]) انظر : سبينوزا " في اللاهوت والسياسة " ص 266 و د . محمد عبد الله الشرقاوي " في مقارنة الأديان " ص 65 . دار الجيل بيروت – مكتبة الزهراء بحرم جامعة القاهرة –ط 2 / 1410 هـ 1990 م .
([244]) انظر : سبينوزا " رسالة في اللاهوت والسياسة " ص266 ، .
([245]) انظر : سبينوزا " رسالة في اللاهوت والسياسة " ص 269 – 271 .
([246]) انظر : السابق ص 341 .
([247]) انظر : السابق ص 330 – 344 يقول لوقا في بداية إنجيله " إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا ، كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة رأيت أنا أيضاً إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب إليك على التوالي أيها العزيز ثاوفيلس، ولتعرف صحة الكلام الذي علمت به" لوقا 1 –4 .
([248]) انظر : رمسيس عوض " الإلحاد في الغرب " ص 117 .
([249]) انظر : رمسيس عوض " السابق " ص 117 ، 118 .
([250]) انظر : رمسيس عوض " السابق " ص 118 وانظر : د . محمد خليفة حسن " اتجاهات نقد العهد القديم ص 94 .
([251]) انظر : زالمان شازار " تاريخ نقد العهد القديم " ص 105 ود . محمد خليفة حسن ود . أحمد محمود هويدي " إتجاهات نقد العهد القديم " ص 94 .
([252]) انظر : زالمان شازار " تاريخ نقد العهد القديم " ص 105 و د . رمسيس عوض " الإلحاد في الغرب " ص 118 ود . محمد خليفة حسن ود . أحمد محمود هويدي " اتجاهات نقد العهد القديم " ص 94 .
([253]) انظر : زالمان شازار " السابق " ص 105 ود . محمدخليفة حسن و د . أحمد محمود هويدي " السابق " ص 94 .
([254]) ول ديورانت " قصة الحضارة " 2 / 367 .
([255]) انظر : رمسيس عوض " الإلحاد في الغرب " 118 .
([256]) انظر : انظر : زالمان شازار " تاريخ نقد العهد القديم " ص 131 - 141 .
([257]) انظر : السابق ص 131 .
([258]) انظر : السابق ص 147 .
([259]) انظر : أركون " تاريخية الفكر " ص 218 .
([260]) انظر : السعيداني " إشكالية القراءة " ص 19.
([261]) انظر : أركون " قضايا في نقد العقل الديني " ص 182 .
([262]) انظر : فتحي القاسمي " العلمانية وانتشارها شرقاً وغرباً " ص 15 .
([263]) انظر : السابق ص 27 .
([264] ) أعني رغبتهم في أن يروا آخر ملك مشنوقاً بأمعاء آخر قسيس .
([265]). يقول أبو زيد : "" إن مثل هذا المنهج [ يقصد المنهج السلفي ] إن اكتملت له أدوات البحث المنهجي من الدقة والاستقصاء بمثابة ديالكتيك هابط ، في حين أن منهج هذه الدراسة [ يقصد دراسته هو ] بمثابة ديالكتيك صاعد "" انظر : نصر حامد أبو زيد " مفهوم النص " ص 29 .
([266]) عنوان كتاب لـ جمال البنا .
([267]) انظر : الهمداني . القاضي عبد الجبار / المغني 9 / 5 .
 
بحث ممتاز بارك الله فيك يا دكتور أحمد .
وقد قرأته قبل أسبوع أيضاً في العدد الأخير من مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية التي تصدر من جامعة الكويت .
عدد رقم 65
ننتظر مثل هذه البحوث القيمة التي تزيدنا علماً بمثل هذه المناهج .
 
أحمد الطعان قال:
[align=center]تعقيب : [/align]
هذه الحركات التي قدمنا موجزاً عنها بالإضافة إلى الفلسفات البنيوية والتفكيكية هي أبرز المرجعيات التي يتغذى عليها الخطاب العلماني في قراءته للإسلام عموماً والقرآن الكريم خصوصاً، وعلى ضوء ما قرأناه آنفاً من نصوص غربية يمكننا أن نفهم النصوص العلمانية العربية التي مرت معنا كقولهم : " ولذلك لا مانع من انتهاك القيم السائدة والخروج عليها من أجل تقدم المعرفة ([259])، وذلك بهدم الأسوار والحصون التي شيدها الفكر المستقيل والمنغلق على ذاته بسياج دوغمائي مجمَّد( [260])ولن يتم ذلك إلا بتطبيق منهجية النقد التاريخي على التراث العربي والإسلامي، لا بد أن تسـير في نفس الطريق الذي سـارت فيه أوربا، ولا بد أن تَهـزَّ المسلمين، ولا بد أن يدفعـوا الثمن ([261]). فلا بـد لنا من إزالة كثير من العقبات الكأداء التي تصرفنا عن سبيل الرشاد سبيل الحداثة ([262])، ولن ينفعنا تحفظَّنا أو توهُّم مقاومة هذا التيار الحداثي انطلاقاً من مقولات مهترئة، وثوابت لا يصدقها العقل، وإن مالت إليها عاطفتنا الدينية ([263]).
وأحسب أنه قد آن لنا أن نقول : لقد قرأ الأوربيون كتابهم المقدس وواقعهم المُجهَض قراءة صحيحة واستطاعوا عبر مئات السنين أن يخلصوا إلى نتائج تتلاءم مع العالم المشهود المُعطَى للإنسان ، ودفعوا بعقولهم إلى أقصى ما يمكن لاكتناه حقيقة واستثمار منفعة هذا العالم . وأظن أن ما قاله كل من ديدرو وفولتير يلخص الحقيقة تلخيصاً كافياً ([264]).
والعلمانيون العرب يتطلعون إلى هذا المثال، ويحلمون بهذه الآمال، فهل سينعمون بالوصال ؟ !

جزى الله أبا أسيد خير الجزاء على هذا البحث القيم ، الذي يعري مثل هذه الأهواء والاتجاهات التي هدمت كل ما يعتقده أهل الأديان السماوية ، وسخرت منه . وأسأل الله أن يعين الدكتور أحمد الطعان وإخوانه من علماء الإسلام وباحثيه في أنحاء العالم الإسلامي للتصدي لهذا السيل الجارف من الإلحاد والردة عن الدين ، والهدم لثوابت الإسلام بحجج التقدم والتنوير والحداثة . وما أجدرنا بالاتحاد والتضامن فيما بيينا عبر مختلف الوسائل الممكنة لتدارس مثل هذه القضايا والتحذير من هؤلاء المرتدين عن دين الأمة ، ورد طعونهم في القرآن الكريم ، وكشف زيف ما يدعون إليه وما يكتبونه مخفين نواياهم تحت عبارات ومصطلحات غامضة يظهر للدارس من أمثال الدكتور أحمد جذورها الغربية والوثنية .

نسأل الله أن يعين أهل الحق والعلم على الانتصار للإسلام والقرآن ، ورد الشبهات والكيد عنه ، فمَنْ عرف الحقَّ عزَّ عليه أن يراه مظلوماً .
 
بارك الله فيك يا دكتور أحمد .

بحث عظيم و مهم جدا جدا , لقد استفدت منه كثيرا , لاهتمامي بمثل هذه الأبحاث التي تعرّي هؤلاء القوم , خاصة و أن الشبكة الالكترونية أصبحت مجالا أرحب لنشر أباطيلهم فيها .

أرى أنه من الواجب علينا نشر مثل هذه الأبحاث في الشبكة و في مجالسنا فالمرحلة التي نمر بها حساسة جدا .

غفر الله لك يا دكتور و لوالديك و زادك علما نافعا و عملا صالحا .

واصل بارك الله فيك .
 
الحمد لله حمدا يوافي نعمه، ويكافيء مزيده.
والصلاة والسلام على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير صلوات ربي وسلامه عليه، وأما بعد:
بارك الله فيك يا فضيلة الدكتور:أحمد إدريس الطعان فبمثل هذه الأبحاث يكشف عوار هؤلاء.
[align=center]لا تدع قلمك يجف لحظة واحدة[/align]
 
أشكر الشيخ الطعان على هذه المشاركة ولي عدة ملاحظات تتلخص فيما يلي:
1-أظن أن الطريقة التي أنتهجها في ما كتبه غير مجدية حيث سيطر عليها العرض الطويل من غير نقد .
2-و أقول إن من الديانة أن يكون نسبة النقد البناء أعلى من العرض إذ يكفي عرض العلمانيين لهذه الأفكار في كتبهم فلماذا نأتي نعرضها لهم باسم الدفاع عن الدين من غير نقد؟
3-المشاريع الفكرية المطروحة في ساحتنا الثقافية كثيرة تتطلب نقدا علميا معمقا مع تجاوز الطريقة العرضية التي مع الأسف تشغل خطابنا الإسلامي المعاصر
4- نحن في حاجة إلى مشاريع فكرية مناقضة - لما يطرح في خضم تلك المشاريع من إشكاليات/شبهات - تتسم بتأصيل وحسن النقد تنتهج منهجية ابن تيمية في عرض الشبهة و نقدها نقدا علميا يأتي عليها من أصولها ثم يتم البناء لفكرة جديدة وضاءة يجد فيها قارئها علما جديدا ينتفع به لا بالطريقة الأكادمية المعاصرة التي تغرق في العرض فتكون محصلة البحث عرض للفكر المنحرف بلا نقد.
5- النقد أمر محتم يجب على من تصدا لهذه الأفكار(فإن جودة العلم لاتتكون إلا بجودة النقد.و لولا النقد لبطل كثير علم ، و لا ختلط الجهل بالعلم اختلاطا لا خلاص فيه... ) المتنبي ص/467 لمحمود محمد شاكر
 
الأخ الفاضل أبو زيد تحية طيبة وبعد :
لعلك قرأت شيئاً من البحث ولم تقرأه كله ولذلك لم تصل إلى النقد ...
كذلك ربما لم تقرأ المقدمة ...
أما أن يكون النقد حصراً بمنهجية ابن تيمية رحمه الله فهذا تحجير لواسع ...
جزاكم الله خيراً وشكراً على الاهتمام والمشاركة
 
الشيخ الطعان حفظكم الله لعلك استعجلت ولي هنا عدة نقاط: ( وهناك رد مفصل ينزل قريبا على هذا الموقع إن شاء الله)
1-لست أدري كيف علمت أني لم أقرأ البحث و الحقيقة أني فرأته كله من أوله إلى آخره غير القراءة المتكررة لبعض المقاطع منه كما أني قرأت كل الإحالات الواردة في آخر البحث.
2-أما المقدمة فقد قرأتها عدة مرات و لتي أبنت فيها المنهجية المتبعة في بحثك فأنت قلت: ( كما أنني لم أُعن في هذا البحث بمناقشة هذه الأطروحات لأسباب ثلاثة :

الأول : أنها دعاوى مجردة عن الاستدلال فهي مزاعم كبيرة جداً بدون أي محاولة للبرهنة .

والدعاوى إذا لم يقيموا ** عليها بينات أصحابها أدعياء ....)
ثم أردفت قائلا:( وأن يكون منهجي هو المنهج الوصفي الكشفي التركيبي حتى لا أُتَّهم بالتجني والتحامل . )
ثم قلت قريبا من نهاية بحثك: (أنا في الحقيقة أتبنى هنا موقف القاضي عبد الجبار ([267]) حين قرر أنه في كثير من الأحيان يغني عرض المذهب عن الرد عليه، وذلك لوضوح فساده وتناقضه إذا ما عُرض على الأسس والقواعد المعلومة من الدين بالضرورة . وخصوصاً إذا حاكمنا الموقف العلماني من خلال المآل الذي خلُص إليه في تزوير الصورة الجوهرية للإسلام، ومن خلال التركيبة المنهجية الملفقة والمناقضة في ذات الوقت لمقاصد الإسلام ومراميه.)
3- هذه المنهجية تتسم بالسلبية الفكرية و هي إعلان الإنسحاب مبكرا من المعركة الفكرية التي كان يجب أن تخاض بعد إكتمال العدة و الآليات المناسبة بدلا من حشر الشبهات و الإشكاليات حشرا لا يتوافق مع المنهجية التي رسها القرآن الكريم و السنة النبوية و هدي السلف الصالح.
3- أما منهجية ابن تيمية النقدية فلها حديث آخر.
و تقبلوا تحياتي.
 
الأخ الفاضل أبو زيد :
أشكر لك اهتمامك وقراءتكم للبحث بحد ذاتها تثلج صدري وتدل على الاهتمام ...
ولكن هناك نوعان من الر د : رد تفصيلي يتناول كل كلمة تفوه بها العلمانيون بخصوص الإسلام ، وهناك رد إجمالي
لا يعنى بالتفاصيل وإنما يركز على الجذور والأبعاد ... وفي هذا البحث ركزت على الرد الإجمالي المتمثل في كشف الأسس التي اعتمد عليها العلمانيون وكان ذلك في المبحث الثالث وعنوانه المرجعية النقدية للمسخة العلمانية وكذلك في التعقيب الأخير والخاتمة ... كذلك كان الهدف من البحث كما هو موضح في المقدمة هو بيان التناقض بين القول والفعل في الخطاب العلماني فما يقولونه لا يتفق مع ادعائهم أنهم مسلمون ، ثم يكشف البحث عن التلاعب والعبث الشديد بأصول الدين والتي لا يتوقع أحد أن العلمانيين يمكن أن يصلوا إلى هذا المستوى في العبث وقد صرح كثيرون ممن قرأوا البحث باندهاشهم لهذه الوقاحة التي يتحدث بها الخطاب العلماني وباسم الإسلام أيضاً ...
هذا فضلاً عن أن طريقة البحث هي طريقة تركيبية ولا أعني بذلك أنها تلفيقية بمعنى أن كل علماني هو جزء من صورة وبالتالي المشاهد لا يرى الصورة كاملة وإنما يرى جزءاً منها فقام البحث بوضع القطع مع بعضها واكتملت الصورة أمام القارئ ... فهو يشاهد المنظومة العلمانية كاملة أمامه ... بالإضافة إلى طريقة العرض التي تحتوي في تراكيبها على كلمات خاطفة لافتة للنظر وداعية إلى التأمل ...
أما بالنسبة لما قلته من أنني لم أعن بنقدها وكذلك استشهادي بقول القاضي عبد الجبار فهو جاء دفعاً للملام حول النقد التفصيلي الذي لا أرى أن المقولات العلمانية تستحقه لأنها مجرد ادعاءات بدون استدلال ...
وشكراً لكم وبارك فيكم وأنا بانتظار بحثكم بشوق وأرجو ان يقوم لي خطئي ويصوب لي زللي أو يكمل لي جهدي
والسلام عليكم ورحمة الله
 
الأخ الفاضل أبا زيد لقد وعدتَ برد مفصل على بحثي هذا ينزل على هذا الموقع قريباً .... ويبدو لي أن الوقت قد طال ، أنا بانتظار ما وعدتم به .
 
الأخ الفاضل الدكتور أحمد الطعان:
سبب تأخري في تنزيل الرد الذي وعدت به أوضاعي الصحية.
فأرجو الدعاء لي بلعفو والعافية فهذه الأوضاع تحول بيني وبين المواصلة أرجو الله عز وجل أن يمن علي وعليك وعلى رواد هذا الموقع بلعفو والعافية في الدنيا والأخرة.
آمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
 
عافاك الله أخي ومنّ عليك بالشفاء العاجل، وبارك فيك ووفقك لكل خير ... وأشكر لك اهتمامك ...
 
أكرمك الله أخي ومنّ عليك بالشفاء العاجل ، وبارك في عمرك ووقتك وجهدك ، وأشكر لك اهتمامك ...
 
[align=center]جزاكم الله خيراً أيها الذَّابون عن حياض الدين الحق
وكأنَّ لكلٍ مَنهجه في بيان وكشف زيف الدعاوى اللا دينية ( العلمانية ) فبعض الناس تكفيه المنهجية التي انتهجها الدكتور أحمد وأنعم بها من منهجية علمية لايحتاج أهل النظر إلى ما عداها
وبعض الناس قد يحتاج للطريقة الأخرى في بيان زيف تلك الدعاوى
وفي القرآن الكريم أمثلة لكلا الطريقتين ولا ينحصر الحق في إحداهما
وجزاكم الله جميعاً كل خير
ولقد عايشت في السبعينات مناظرة بين استاذنا الدكتور عبد اللطيف الصباغ الشيرازي وبين أحد أساطين الفكر العلماني ومنظريه وهو الدكتور الطيب تيزيني حول كتابه من التراث إلى الثورة في دمشق ...كشف عوارالفكر العلماني وزيفه إلا أننا كنا نفضل طريقة الدكتور الطعان مع هؤلاء فلعلها أكثر نجاعة
ونحن بانتظار المزيد من كل من يدحض باطلهم ويميط اللثام عنه[/align]
 
عودة
أعلى