مآلات القول بخلق القرآن في الفكر المعاصر لـ د. ناصر الحنيني

إنضم
09/06/2005
المشاركات
1,295
مستوى التفاعل
1
النقاط
38
الإقامة
الطائف
[FONT=&quot]لقد كتب الدكتور الفاضل ناصر الحنيني بحثاً بعنوان (مآلات القول بخلق القرآن ) وهو منشور في مجلة التأصيل للدراسات الفكرية المعاصرة العدد الأول - السنة الأولى - ربيع الأول 1431هـ الموافق فبراير 2010 م .
وتناول فيه نشأة بدعة القول بخلق القرآن وحقيقتها ومن قال بها، ثم شرع في أصل بحثه بفصلين هما:
[/FONT]

[FONT=&quot]الفصل الأول : مآلات القول بخلق القرآن قديماً .[/FONT]
[FONT=&quot]الفصل الثاني : مآلات القول بخلق القرآن حديثاً . (في الفكر المعاصر)[/FONT]

[FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot]وقد تناول الدكتور في الفصل الثاني تأثر الفكر المعاصر مثل أركون والجابري وحسن حنفي ونصر أبو زيد بعقيدة المعتزلة في القول بخلق القرآن، ومآلات ذلك.[/FONT]
[FONT=&quot] وهذه المآلات باختصار هي : [/FONT]
[FONT=&quot] [/FONT]
- المآل الأول : القول بوجوب نقد القرآن وأنه كغيره من النصوص .
- المآل الثاني : أن البيئة هي التي أثرت في خطاب القرآن وهذا فيه إشارة إلى أنه ليس بوحي من عند الله
- المآل الثالث : نفي الإعجاز عن القرآن الكريم
- المآل الرابع : إسقاط مرجعية النص القرآني
- المآل الخامس : تجويز وقوع التحريف والزيادة والنقصان في القرآن
- المآل السادس : القول بتاريخية النص القرآني

[FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot]وقد قمت بنشر الفصل الثاني كاملاً من هذا البحث لتعلقه بملتقى الانتصار للقرآن. [/FONT]
[FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot]كتب الله أجر الدكتور ناصر وبارك في علمه وعمله .[/FONT]
[FONT=&quot] والآن ادعكم مع ما كتب :[/FONT]
[FONT=&quot]
[/FONT]

الفصل الثاني :مآلات القول بخلق القرآن في الفكر المعاصر :
تمهيد :

ظهر أثر القول بخلق القرآن جلياً في كتابات بعض المفكرين والأدباء والفلاسفة المعاصرين ،وخاصة الذين يدعون إلى العلمانية ونبذ الدين ، وكان هذ الرأي الفاسد :بغيتهم التي مهدت لهم في طروحاتهم في نقد القرآن والطعن فيه ، واستفادوا من طعونات المستشرقين ومن انحرافات القائلين بخلق القرآن سواء المعتزلة أو الأشاعرة القائلين بالكلام النفسي.

ولكن قبل أن نبدأ في سرد مآلات القول بخلق القرآن الخطيرة على أصل الإسلام ومصدر التشريع وهو القرآن الكريم لابد أن ننبه إلى أمور عدة :
1-أن الطوائف المنحرفة القديمة كالمعتزلة والأشاعرة ومن وافقهم في رأيهم في القرآن الكريم كانوا معظمين للشريعة وللدين وللقرآن ، ولم يكونوا يبوحون بهذا الكفر الصراح ،والزندقة المكشوفة ؛التي تبين مدى حقد وعداء بعض المتأخرين على الإسلام وأصوله الكبرى.
2-أن هؤلاء المنحرفين من المفكرين أناس غير موضوعيين ولا يريدون الوصول إلى الحقيقة؛ فهم ينتقون من تراث الأمة ما يوافق أهواءهم وضلالاتهم ،وما يكون سبباً في القدح والتشكيك في الدين الإسلامي ومصادر تشريعاته،فلا نراهم يمجدون إلا هذه الطوائف الغالية في البدع والتي تناقض أصل الإسلام ولا تمثل الإسلام الصحيح الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وكان عليه صحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.[1]
3-أن هؤلاء المتأخرين لا يناقشون القضايا التي يتبنونها ،أو ينظرون في أدلة المعارضين؛ بل ينقولونها ويشيدون بها دون ذكر الأدلة على ذلك، أو ذكر اعتراضات علماء أهل السنة عليها حتى يردوا عليها؛ بل ولا حتى الاستدلالات العقلية التي تبرر تبنيهم لهذه الآراء ،ولكن إتباع الهوى والعداء لهذا الدين أعمى أبصارهم فلا يشعرون بضعف كتاباتهم وتهافتها.
4-أن هدف هؤلاء من تبنيهم الآراء والاعتقادات المنحرفة لدى بعض الطوائف المنتسبة للإسلام هو ترسيخ ما يسعون إليه من نشر العلمانية كفكر وثقافة حتى يتقبلها المجتمع بغطاء إسلامي كما يزعمون ، وفي هذا الصدد يقول نصر أبو زيد :"وليست العلمانية في جوهرها سوى التأويل الحقيقي والفهم العلمي للدين ،وليست ما يروج له المبطلون من أنها الإلحاد الذي يفصل الدين عن المجتمع والحياة "أهـ[2].
5-صرح هؤلاء في أكثر من موضع من كتاباتهم التي سطروها وبكل جرأة بأنهم استفادوا وبنوا نظرياتهم في القدح في القرآن والشريعة على رأي المعتزلة في القرآن وأنه مخلوق وليس كلام الله حقيقة ،منهم من كان صريحاً وأشاد بالقول بخلق القرآن وبالمعتزلة ، ومنهم من كان غير صريح لكنه يشن هجوماً على اعتقاد السلف ولما يأتي مذهب المعتزلة والمذاهب الباطنية المنحرفة يعرضها على أنها من التراث دون استنكار لما تحويه من باطل[3] .وممن كان صريحاً د.نصر أبو زيد حيث قال :"وإذا كنا هنا نتبنى القول ببشرية النصوص الدينية ، فإن هذا الشيء لا يقوم على أساس أيدلوجي يواجه الفكر الديني السائد والمسيطر ، بل يقوم على أساس موضوعي يستند إلى حقائق التاريخ وإلى حقائق النصوص ذاتها ،وفي مثل هذا الطرح يكون الاستناد إلى الموقف الاعتزالي التراثي وما يطرحه من حدوث النص وخلقه، ليس استناداً تأسيسياً بمعنى أن الموقف الاعتزالي -رغم أهميته التاريخية-يظل موقفاً تراثياً لا يؤسس وحده وعينا العلمي بطبيعة النصوص، الموقف الاعتزالي شاهد تاريخي دال
على بواكير وإرهاصات ذات مغزى تقدمي علمي ، والمغزى لا الشاهد التاريخي هو الذي يهمنا لتأسيس الوعي بطبيعة النصوص الدينية"أهـ[4]،فنصر أبو زيد من خلال هذا النص وغيره من النصوص التي يكررها يؤكد ما يلي :
1-بشرية النصوص .
2-يستند في طروحاته هو وغيره من العلمانيين على رأي المعتزلة القائل بخلق القرآن .
3-أنهم لم يقفوا عند هذه البدعة وإنما استفادوا منها ليمرروا زندقتهم المكشوفة وإلا فرأيهم وحده لا يشفي عليلهم ولا يروي غليلهم .

ونرى أن أركون كان أكثر صراحة في تبني رأي المعتزلة والقدح في السلف الصالح وموقفهم من القرآن الكريم فيقول مبينا السبب بكل وضوح :"من أجل أن نفتح ثغرة في الجدار المسدود للتاريخ ...نعني بكل بساطة أن القرآن بحاجة إلى وساطة بشرية ، أن نقول بأن القرآن مخلوق فهذا يعني أنه متجسد في لغة بشرية هي هنا اللغة العربية "أ.هـ[5]، ويصم أركون قول أهل السنة بالقول المتشدد وهو القول بأن القرآن كلام الله وصفة من صفاته وأنه غير مخلوق فيقول :" " إن الموقف الأصولي المتشدد في الأديان يحيلنا إلى ذلك الخيار الفلسفي المتعلق بمنشأ المعنى من خلال التفاعل بين اللغة والفكر . فالفضاء الواسع والغني الذي فتح من قبل كلام الله الوحى من أجل (مفكر فيه ) متجدد باستمرار ، كان قد أغلق واختزل إلى ما ندعوه بـ( المستحيل التفكير فيه ) . وهذا ما حصل بالضبط مع المناقشة التي فتحها مفكرو المعتزلة"أ.هـ[6] ، فأركون يصرح بأن الذي فتح لهم الطريق ومهد لهم هو رأي المعتزلة في القرآن؛ حتى يقدحوا في القرآن بعد نزع القداسة عنه.
بل يرى أركون إن المسلمين لن يخرجوا من تخلفهم ولن يتقدموا إلا إذا تبنوا آراء المعتزلة.[7]،بل إن رؤوس المنظرين للحداثة كأدونيس وغيره نراهم يمجدون المعتزلة وخاصة قولهم بخلق القرآن .[8]
6-أن التيار العلماني استفاد من عقيدة الأشاعرة والمعتزلة في القرآن ، أما المعتزلة فقد تقدم ما يكفي أما الأشاعرة الذين يقررون أن المعنى من الله واللفظ من محمد أو جبريل ، فقد بنى عليه العلمانيون كثيراً من زندقتهم وطعنهم في الوحي ، وهو أمر أخذوه وتابعوا فيه المستشرقين[9]

المبحث الأول :المآل الأول:-القول بوجوب نقد القرآن وأنه كغيره من النصوص .

إن من يتأمل كتاباتهم ليتعجب كيف ينتسبون للإسلام أو يمكن أن يعدوا مؤمنين بهذه الشريعة وبهذا القرآن ، فكتاباتهم واضحة وصريحة في القدح في القرآن وأنه كلام رب العالمين .
يقول محمد أركون :"نحن نريد القرآن المتوسل إليه من كل جهة والمقروء والمشروح من قبل الفاعلين الاجتماعيين (المسلمين )،مهما يكن مستواهم الثقافي وكفاءتهم العقائدية ،أن يصبح موضوعاً للتساؤلات النقدية المتعلقة بمكانته اللغوية ، التاريخية...، ونطمع من جراء ذلك إلى إحداث نهضة ثقافية عقلية، وحتى إلى ثورة تصاحب الخطابات النضالية العديدة من أجل أن تفسر منشأها ووظائفها ودلالاتها ومن ثم من أجل السيطرة عليها "أ.هـ[10]،ويزيد الأمر وضوحاً فيقول :"إن مجموع هذه النصوص يتطلب معاملة مزدوجة :فأولاً ينبغي القيام بنقد تاريخي لتحديد أنواع الخلط والحذف والإضافة والمغالطات التاريخية التي أحدثتها الروايات القرآنية بالقياس إلى معطيات التاريخ الواقعي المحسوس ، وثانياً:ينبغي القيام بتحليل التبيين كيف أن القرآن ينجز أو يبلور (بنفس طريقة الفكر الأسطوري الذي يشتمل على أساطير قديمة متبعثرة )شكلاً ومعنى جديداً"أهـ.[11]
ويقول د.نصر أبو زيد :"إن النص القرآني وإن كان نصاً مقدساً إلا أنه لا يخرج عن كونه نصاً،فلذلك يجب أن يخضع لقواعد النقد الأدبي كغيره من النصوص الأدبية "أهـ[12].
وأنت تعجب من هذا التناقض كيف يكون نصاً مقدساً وهو أيضاً مثل غيره من النصوص الأدبية الأخرى .
وهؤلاء كانوا على مستوى من الصراحة والوقاحة في نقد كتاب الله جل وعلا ،ولكن بعضهم يصرح بموافقتهم إلا أنه يرى أن الوقت غير مناسب ولكن له وجهة نظر أخرى أن يكون النقد من داخل التراث، وهو يعنى إحياء الانحرافات القديمة للطوائف المنتسبة للإسلام ونسبتها إليهم حتى يخرج من التبعة ويحقق ما يريد من التشكيك والحط من قدر القرآن الكريم ومصادر التشريعة ، ومن هؤلاء المفكر المغربي د.محمد عابد الجابري حيث يقول :
"لا الوضعية الثقافية والبنية الفكرية العامة المهنية ، ولا درجة النضوج لدى المثقفين أنفسهم يسمح بهذا النوع من الممارسة الفولتيرية للنقد اللاهوتي ، ولا السياسة تسمح ، وبطبيعة الحال فالإنسان يجب أن يعيش داخل واقعه لا خارجه حتى يستطيع تغييره "،ثم يفصح الجابري عن خطته المغايرة لأركون وأبو زيد فيقول :"هناك من يرى أن من الواجب مهاجمة اللاعقلانية[13] في عقر دارها وهذا خطأ في رأيي ،لأن مهاجمة الفكر اللاعقلاني في مسلماته في فروضه في عقر داره يسفر في غالب الأحيان عن إيقاظ، تنبيه ،رد فعل، وبالتالي تعميم الحوار بين العقل واللاعقل ، والسيادة في النهاية ستكون خاضعة حتماً للاعقل ؛لأن الأرضية أرضيته والميدان ميدانه ،والمسألة مسألة تخطيط"[14]،فالمسألة كيد ومكر وتخطيط لتجاوز المسلمات والأصول التي تبنى عليها عقيدة المسلمين فالهدف واحد والطرق مختلفة والله المستعان.
ثم يستمر مبينا خطة الهجوم على أصول الإسلام الكبرى كالقرآن والسنة فيقترح أن يستفاد من انحرافات الطوائف التي خالفت أهل الإسلام كطوائف المتكلمين والفلاسفة فيقول :"يجب علينا أن ننقد مفاهيمنا الموروثة –يمكن أن نمارس النقد اللاهوتي من خلال القدماء –يعني نستطيع بشكل أو بآخر استغلال الحوار الذي دار في تاريخنا الثقافي ما بين المتكلمين بعضهم مع بعض ونوظف هذا الحوار ،لنا حرمات يجب أن نحترمها حتى تتطور الأمور ، المسألة مسألة تطور"أهـ[15].، فالمسألة عند الجابري مسألة وقت وتتطور وإلا فإن الحرمات هذه التي يتحدث عنها لا قيمة لها عنده ، وإلا لو كانت لها قيمة لما تغيرت الحرمات مع تقدم الوقت ومع التطور كما يزعم .

المبحث الثاني:المآل الثاني:-أن البيئة هي التي أثرت في خطاب القرآن وهذا فيه إشارة إلى أنه ليس بوحي من عند الله :


يقول نصر أبو زيد :"لقد كان ارتباط ظاهرتي " الشعر والكهانة " بالجن في العقل العربي ، وما ارتبط بهما من اعتقاد العربي بإمكانية الاتصال بين البشر والجن هو الأساس الثقافي لظاهرة الوحي الديني ذاتها . ولو تصورنا خلو الثقافة العربية قبل الإسلام من هذه التصورات لكان استيعاب ظاهرة الوحي أمراً مستحيلا من الواجهة الثقافية ، فكيف كان يمكن للعربي أن يتقبل فكرة نزول ملك من السماء على بشر مثله ما لم يكن لهذا التصور جذور في تكوينه العقلي والفكري. وهذا كله يؤكد أن ظاهرة الوحي القرآن لم تكن ظاهرة مفارقة للواقع أو تمثل وثباً عليه وتجاوزاً لقوانينه ، بل كانت جزءاً من مفاهيم الثقافة ونابعة من مواضعاتها وتصوراتها ".أ.هـ[16]
ويقول أيضاً:" لم يكن القرآن في صياغته للواقع الثقافي بمعزل عن هذه التصورات فقد ذكر الجن في مواضع كثيرة وخصص سورة كاملة تنبيء عن تحول في طبيعة الجن وإيمانهم بالإسلام والقرآن بعد أن استمعوا له . والسورة من ناحية أخرى تؤكد ما كان مستقرا في العقل العربي من اتصال الجن بالسماء ومن إمكانية اتصال بعض البشر بالجن "[17].فهذا الكلام فيه تصريح ببشرية القرآن وأنه يمكن أن يكون تلقاه من الجن ونحوهم ولا شك أنهم مهدوا لمثل هذه الزندقة بنزع القداسة والصفة الإلهية عن القرآن ومن ثم بنوا عليها مثل هذه الآراء .وهذا التقرير الذي يقررونه هو تكرار باللفظ والمعنى لما يردده المستشرقون الذين يشككون في الوحي .
ويكون نصر أبو زيد أكثر صراحة حيث يقول :"إن القول بإلهية النصوص والإصرار على طبيعتها الإلهية تلك يستلزم أن البشر عاجزون بمناهجهم عن فهمها مالم تتدخل العناية الإلهية ، بوهب بعض البشر طاقات خاصة تمكنهم من الفهم وهكذا تتحول النصوص الدينية إلى نصوص مستغلقة على فهم الإنسان –العادي – مقصد الوحي وغايته وتصبح شفرة إلهية لا تحلها إلا قوة إلهية خاصة وهكذا يبدو الله وكأنه يكلم نفسه ويناجي ذاته وتنفي عن النصوص الدينية صفات الرسالة، البلاغ ، الهداية "[18]،ويقول أيضاً"الواقع إذن هو الأصل ولا سبيل إلى إهداره ، ومن الواقع تكوّن النص ،ومن لغته وثقافته صيغت مفاهيمه ،ومن خلال حركته بفاعلية البشر تتجدد دلالاته ، فالواقع أولاً ، والواقع ثانياً ، والواقع أخيراً"أهـ[19]ويقول كلاماً خطيراً مصرحاً ببشرية القرآن: "ففي مرحلة تشكيل النص في الثقافة تكون الثقافة فاعلاً والنص منفعلاً"أهـ[20]،ففي هذا النقل يتبين أن النص القرآني بزعمهم نتاج الثقافة التي عاش فيها النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى أنه من عنده وليس من عند الله فالثقافة هي الفاعلة وهي المنتجة للنص والنص منفعل مخلوق محدث ومن نتاج هذه الثقافة .

المبحث الثالث:المآل الثالث:-نفي الإعجاز عن القرآن الكريم :


وهذه نتيجة طبيعية لتبنيهم القول ببشرية القرآن وأنه ليس وحياً إلهياً من عند الله ،وبعضهم حاول أن يبحث في التراث ويعمل بنصيحة الدكتور الجابري بأن ننتقي من داخل التراث ما يفيدنا في نقد التراث؛ ففكر وقدر فوجد بغيته في تبني قول النظام بالصرفة ونفي الإعجاز كما فعل الدكتور نصر أبو زيد حيث يقول :"" إذا توقفنا قليلا عند مفهوم "الصرفة" ، وهو المصطلح الذي شاع بعد ذلك وصفا لتفسير النظام ، قلنا إن النظام يجعل المعجزة أمرا واقعاً خارج النص ،ويرتبط بصفة من صفات قائل النص وهو الله . وانطلاقاً من مبدأ التوحيد الذي حرص المعتزلة على تأكيده حرصاً شديداً يمكن أن نقول أن تصور النظام والمعتزلة للنص بأنه كلام ، وبأنه فعل من أفعال الله التي ترتبط بوجود العالم ، وما ترتب على ذلك من قولهم بحدوثه ، كان من شأنه أن يؤدي إلى الفصل والتمييز بين الكلام الإلهي والكلام البشري ، لكن تصورهم للكلام ذاته جعل التمييز بين الكلامين من جهة المتكلمين لا من جهة الكلام ذاته ، ولذلك كان من الضروري أن تنتقل قضية الإعجاز من مجال العدل – مجال الأفعال- إلى مجال التوحيد ، ومفارقة الصفات الإلهية لصفات البشر من كل جانب . وإذا كانت قدرة الله تعالى لا تغالبها قدرة البشر ولا تستطيع الوقوف إزاءها ، فإن " العجز" الذي يشير إليه النص في تحديه للعرب أن يأتوا بمثله كان عجزاً ناتجاً عن تدخل القدرة الإلهية لمنع العرب من قبول التحدي ومن محاولته . وليس في هذا الرأي إنكار للإعجاز ، بل هو تفسير له خارج إطار علاقة النص بغيره من النصوص الأخرى . إنه " العجز" البشري الذي سببته قدرة الله وليس " الإعجاز" أو التفوق القائم في بنية النص من حيث مقارنته بالنصوص الأخرى "أ.هـ.[21]
،ومن هنا يتبين لنا لماذا حرص أبو زيد على تبني كلام النظام ليقرر بأنه لا فرق بين النص القرآني وبين أي نص، وأن الله هو الذي تدخل لمنع العرب أن يأتوا بمثله؛ فتكون النتيجة أنه يجوز لنا أن نتدخل لنقد القرآن لإمكان الناس أن يأتوا بمثله، وأنه ليس هنا تفوق للنص القرآني على غيره من النصوص لكونه نصاً بشرياً لا إلهياً.
ويقول أيضاً:"" لقد حاول المعتزلة جاهدين ربط النص بالفهم الإنساني وتقريب الوحي من قدرة الإنسان على الشرح والتحليل . ويبدو أن فكرة " الإعجاز" بما تتضمنه من معنى المعجزة الذي اشرنا إليه فيما سبق كان يمكن لو سلموا بوجودها في بناء النص اللغوي أن تؤدي إلى مفارقة الوحي- من حيث هو نص لغوي – لقدرة الإنسان ، وتؤدي من ثم إلى تحويل الوحي إلى نص " مغلق" مستعص على الفهم والتحليل . لقد كان التسليم بقدرة الإنسان على الفعل وعلى فهم الوحي معاً هو الدافع وراء محاولة تفسير " الإعجاز" من خلال مفهوم" التوحيد" ومن خلال صفتي " القدرة" و " العلم " بصفة خاصة . إن " عجز" البشر عن الإتيان بمثل الوحي نابع من تدخل إلهي سلبهم القدرة ، ونابع من " علم " بالماضي والمستقبل لا يتاح للإنسان.أ.هـ[22].
ويقرر أبو زيد وغيره بأن هناك شبها بين النص القرآني والشعر الجاهلي وأنه تشكل بناء على الثقافة المعاصرة للنبي صلى الله عليه وسلم .[23]
وبنى هؤلاء بعد نفي الإعجاز أن يكون الإعجاز يشمل آيات الأحكام وأنها ليست من القرآن المعجز المنزل من عند الله .[24]

المبحث الرابع :المآل الرابع:-إسقاط مرجعية النص القرآني :


يقول د.نصر أبو زيد :"آن أوان المراجعة والانتقال إلى مرحلة التحرر لا من سلطة النصوص وحدها ،بل من كل سلطة تعوق مسيرة الإنسان في عالمنا ،علينا أن نقوم بها الآن وفوراً قبل أن يجرفنا الطوفان"أهـ[25]،ويقول أيضاً:"إن حل كل مشكلات الواقع إذا ظل معتمداً على مرجعية النصوص الإسلامية يؤدي إلى تعقيد المشاكل "أهـ[26]،ونجد نصر أبوزيد أكثر صراحة حيث يقول :"إذا كان مبدأ تحكيم النصوص يؤدي إلى القضاء على استقلال العقل وتحويله إلى تابع يقتات بالنصوص ويلوذ بها ويحتمي ، فإن هذا ما حدث في تاريخ الثقافة العربية الإسلامية"أهـ[27]،فنصر أبو زيد يرى أن العقل لابد أن يتمرد على شريعة رب العالمين وأنه إذا جعل مرجعيته إلى النص القرآني فإنه يفقد استقلاله وفاعليته.
ويؤكد هذا المبدأ د.حسن حنفي حيث يقول :"مهمة التراث والتجديد التحرر من السلطة بكل أنواعها ، سلطة الماضي وسلطة الموروث ، فلا سلطان إلا للعقل ، ولا سلطة إلا لضرورة الواقع "أهـ[28].
ويعبر حنفي بشكل أكثر جرأة فيقول :"الألفاظ الشرعية عاجزة عن أداء مهمتها في التعبير عن المضامين المتجددة ؛لذا يجب التخلص منها"أهـ.[29]
وهذا الهدف هو الذي يريده التيار العلماني التخلص من مرجعية النصوص الشرعية والتي كانت عائقاً أمام مشروعهم التغريبي الذي يحاولون من خلاله مسخ الهوية الإسلامية في المجتمعات الإسلامية .

المبحث الخامس:المآل الخامس :-تجويز وقوع التحريف والزيادة والنقصان في القرآن
:

وهذا لأنه كلام بشر فلا مانع عقلا ً من دخول التحريف والزيادة والنقصان عليه . وكذلك أسسوا قاعدة فاسدة وهي :أن القرآن هو ما أخذ مشافهة وهذا لم يعد موجوداً، وأما ما كتب في المصاحف فإنه اجتهاد من الصحابة ودخله الزيادة والنقصان ،والدكتور الجابري من هؤلاء –بعد أن ساق كلام الطوائف في التحريف وكلام الشيعة- ختمها بقوله :"ومع أن لنا رأياً خاصاً في معنى "الآية" في بعض هذه الآيات ، فإن جملتها تؤكد حصول التغيير في القرآن وأن ذلك حدث بعلم الله ومشيئته "أهـ[30].،وقد صرحوا بأنهم اعتمدوا على القول بخلق القرآن الذي تبنته المعتزلة والأشاعرة كما تقدم معنا فمن ذلك يقول طيب تيزيني-مقرراً أن النص القرآني له قرآتان- :"القراءة الأولى :ترفض كل ما من شأنه المس بفكرة تمامية المتن القرآني حفاظاً على الوحدة الإسلامية ، القراءة الثانية :أن المتن المذكور تعرض-عفواً أوبنيّة سيئة –لتغيير معين ، إما بسبب نزاعات سلطوية أخضعت القرآن وظيفياً لاحتياجاتها –مثال عثمان وابن مسعود-وإما لأن الكلام القرآني ليس كلام الله –مثال المعتزلة والأشعري"أهـ[31]
وبعضهم كان أكثر جرأة وصراحة وهو د.شحرور حيث يقول :"وعلينا أن نعلم أن هذه الآيات (أم الكتاب)قابلة للتزوير وقابلة للتقليد ، ولا يوجد فيها أي إعجاز ، بل صيغت قمة الصياغة الأدبية العربية "أهـ[32].

المبحث السادس:المآل السادس :-القول بتاريخية النص القرآني
[33]

والمقصود بتاريخية النص القرآني :أن القرآن بما أنه نص بشري فهو جاء لمعالجة أحداث في زمان النزول للقرآن وصدوره من محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنه لا يصلح لهذا الزمان، ورتبوا عليه أشياء كثيرة وخطيرة .
وقد نص أركون على مراده ذلك بقوله :"أريد لقراءتي هذه أن تطرح مشكلة لم تطرح عملياً قط بهذا الشكل من قِبل الفكر الإسلامي ألا وهي :تاريخية القرآن ، وتاريخية ارتباطه بلحظه زمنية وتاريخية معينة"أهـ[34] ،وهي من أكثر القضايا التي رددها التيار العلماني لتقرير تاريخية النص استناداً على قول المعتزلة بخلق القرآن وهي من أوضح وأجلى مآلات هذه البدعة الخطيرة في الفكر العربي المعاصر والتي كانت باباً ولج منه العلمانيون للطعن في الدين ومصادر تشريعاته.
يقول نصر أبو زيد "أن مسألة خلق القرآن كما طرحها المعتزلة تعني بالتحليل الفلسفي أن الوحي واقعة تاريخية ترتبط أساساً بالبعد الإنساني ،من ثنائية الله والإنسان أو المطلق والمحدود ،الوحي في هذا الفهم تحقيق لمصالح الإنسان على الأرض لأنه خطاب للإنسان بلغته ،وإذا مضينا في التحليل الفلسفي إلى غايته التي ربما غابت عن المعتزلة نصل إلى أن الخطاب الإلهي خطاب تاريخي وبما هو تاريخي فإن معناه لا يتحقق إلا من خلال التأويل الإنساني أنه لا يتضمن معنى ً مفارقاً جوهرياً ثابتاً له إطلاقية المطلق ، وقداسة الإله"أهـ[35]
فكلام أبو زيد يبين أنه ما وصل إلى نتيجته التي يرمي إليها وهي نزع القداسة عن القرآن إلا بتبني قول المعتزلة بخلق القرآن الذين فتحوا لهم الباب على مصراعية.، وأن القول بتاريخية القرآن لن يكون إلا بعد إثبات خلقه .[36]،وينص على هذا بعضهم بكل صراحة دون مواربة ، يقول طيب تيزيني:"من هنا كانت الأهمية الملفتة لمحاولة التيار الاعتزالي في ذلك المجتمع النظر في الكلام (النص ) القرآني على أنه مخلوق ، ذلك لأن مثل هذا النظر يتيح للباحث والفقيه والمؤمن العادي جميعاً وكل من موقعه وفي ضوء إملاءاته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها أن يتصرفوا بالكلام المذكور بمثابة بنية تاريخية مفتوحة تخضع لاتجاهات التغير والتبدل التي تطرأ على تلك الوضعيات الاجتماعية المشخصة"أهـ[37]
ويقول أركون:" إن التاريخية ليست مجرد لعبة ابتكرها الغربيون من أجل الغربيين ، وإنما هي شيء يخص الشرط البشري منذ أن ظهر الجنس البشري على وجه الأرض . و لا توجد طريقة أخرى لتفسير أي نوع من أنواع ما ندعوه بالوحي أو أي مستوى من مستوياته خارج تاريخية انبثاقه ، وتطوره أو نموه عبر التاريخ ، ثم المتغيرات التي تطرأ عليه تحت ضغط التاريخ ... ينبغي أن أكرر هنا مرة أخرى ما يلي : إن التاريخية أصبحت " اللامفكر فيه " الأعظم بالنسبة للفكر الإسلامي لسبب تاريخي واضح جدا يتمثل في رد الفعل السني الذي حصل على يد المتوكل عام 848م ، أي قبل حوالي ألف ومائتي سنة . ثم تلاه ورسخه رد الفعل القادري ، وهو رد الفعل الذي أدى إلى تصفية الفلسفة التي تشتمل على علم الكلام المعتزلي وبخاصة ما يتعلق منه بالأطروحة القائلة بخلق القرآن . قد سارت على نهج المتوكل جميع الأنظمة السياسية التي تعاقبت على أرض الإسلام منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا".[38]
وهذا الكلام مستقى أيضاً من المستشرقين.[39]

والقول بتاريخية النص له آثار وخيمة ومآلات عظيمة يمكن تلخيصها في :
(1-نفي حقيقة الوحي .
2-جعل الوحي أسطورة من الأساطير.
3-التحرر من سلطة الوحي وأحكامه .
4-إلغاء أسبقية المعنى وهذا يعني القضاء على النص تماماً.
5-أنه لا حقيقة ثابتة للنص ، بل إن كان فيه حقيقة فهي نسبية زمنية .
6-نفي القداسة عن النص ، ونقله إلى حقل المناقشة والنقد الهادم .
7-القول ببشرية النص، وأنه ليس من وحي الله تعالى ، فلا عصمة له) .[40]
====================================================

[1]
تجد هؤلاء يمجدون الفلاسفة والمعتزلة وغلاة الصوفية كالقائلين بالحلول والاتحاد كابن عربي وابن سبعين لأنهم تمردوا على الشريعة ويلبسونهم الألقاب العظيمة كأصحاب الفكر التحرري أو المتنورون القدامى ونحوها من الالقاب.

[2]
نقد الخطاب الديني ص64.،وانظر :تقرير نفس المعنى :د.حسن حنفي في التراث والتجديدص64،وكذلك أركون في الفكر الإسلامي قراءة علمية ص11.

[3]
د.الجابري هو من نحى هذا المنحى فنجده لم يصرح بتبني القول بخلق القرآن ولكنه قرر امور كلها تؤدي الى هذه النتيجة :-فقد قرر أمرا مخالفاً لإجماع الأمة بأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس بـ(أمي) ،لقد قرر الجابري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ويكتب،وهذا مع مخالفته لما في القرآن والسنة وما عليه العلماء أيضاً؛ هو متابعة منه لما قرره المستشرقون حول هذه الفرية حتى يطعنوا في القرآن وأنه يمكن أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .انظر :المدخل لدراسة القرآن الكريم (للجابري):ص : 82، 84 ، 93 ، 214 . وانظر دراسة نفيسة بعنوان : (أباطيل و خرافات حول القرآن الكريم و النبي محمد- عليه الصلاة و السلام-دحض أباطيل عابد الجابري و خرافات هشام جعيط حول القرآن و نبي الإسلام- الدكتور خالد كبير علال).،وانظر :متابعة التيار العلماني لتقرير المستشرقين حول هذه القضية :كتاب الاتجاه العلماني المعاصر في علوم القرآن ،د.أحمد الفاضل ص171-174.
- وعندما عرض الجابري تعاريف الطوائف للقرآن لما ذكر تعريف أهل السنة والجماعة وهو تعريف الإمام الطحاوي –ولكنه لم يشر اليه –عقب عليه بقوله في المدخل ص18:"ومن أكثر التعريفات مذهبية وأبعدها عن الاعتراف بحق الاختلاف في الفهم قول القائل : "القرآن الكريم كلام الله منه بدأ ، بلا كيفية قولاً ، وأنزله على وسوله وحياً،وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً،وأيقنوا أنه كلام الله -تعالى –بالحقيقة ، ليس بمخلوق ككلام البرية ، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر "،لعل القاريء(الكلام للجابري الآن)قد انتبه إلى ما أضافه التعريف من جديد يتعلق الأمر أولاً بقوله (بلا كيفية قولاً)والمقصود كون القرآن "كلام الله "لا يترتب عليه أن يكون هذا الكلام ذا كيفية ككلام الواحد من البشر، وبالتالي فلا يجوز التساؤل عن حقيقة هذا الكلام :هل هو كلام بالألفاظ أم كلام نفسي ؟وهل هو صفة زائدة على الذات كما هو الحال في كلام البشر أم أنه عين الذات إلخ ، وأما العنصر الثاني الذي أضافه هذه التعريف فهو تكفير من قال بخلق القرآن ،أي بكونه غير قديم ، قدم ذات الله ، وهذه مسألة أثارت فتنة كبيرة في العصر العباسي زمن المأمون والمعتصم والواثق وعرفت ب"محنة خلق القرآن"أهـ.

[4]
نقد الخطاب الديني ص139.

[5]
قضايا في نقد العقل الديني ،د.أركون ص279

[6]
القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني ص24.وانظر :قضايا في نقد العقل الديني ص279.

[7]
الفكر الإسلامي قراءة علمية ص82.،وله نصوص كثيرة حول هذه القضية وهو يكثر من التأكيد عليها في مؤلفاته (أنظر :الانحراف العقدي في ادب الحداثة وفكرها ص1113-1128).،ويوافق أركون عدد من المنظرين للنهضة من منظور علماني انظر على سبيل المثال ما قرره سعيد طالب في كتاب الثقافة والتنمية المستقلة في عصر العولمة –التخلف العربي ثقافي أم تكنولوجي )والكتاب على هذا الرابط في الشبكة العنكبوتية (http://www.awu-dam.org/book/05/study05/354-m-s/book05-sd001.htm)
ومما جاء فيه :" فالحركة الثقافية الداعية لإحلال العقل والتجربة والملاحظة مكان النقل والتقليدوالرواية بالأسانيد وإعادة الاعتبار لفكر المعتزلة وللفلسفة والمنطق والعلم الطبيعيوالمقابسة والمثاقفة مع الآخر تشكل جوهر الفكر الحديث"أهـ.‏

[8]
الثابت والمتحول –القسم الثاني (تاصيل الإبداع أو التحول)ص94،وانظر اشادته للمعتزلة :ص63-96
يقول أدونيس بعد عرضه لمذهب المعتزلة وقولهم بخلق القرآن :"هكذا تتجلى أهمية التحول الذي نتج عن الاعتزال"أهـ .،وأدونيس والحداثيون عموماً يشيدون ليس بالمعتزلة فقط بل حتى بالزنادقة والمرتدين كابن الراوندي وابن عربي والحلاج وكل منحرف عن الاسلام بغية ان يجدوا شيئاً في تراث هؤلاء يخدم مشروعهم ، وممن أشار إلى هذا سيد ولد أباه في جريدة الشرق الأوسط عدد(9013)بتاريخ 4جمادىالثانية 1424هـ في مقال بعنوان(تماهي الروح «النضالية» المنحازة بروح «الباحث» الموضوعي أكبر مآزق المشاريعالبحثية الحديثة لقراءة التاريخ)ومما جاء فيه متحدثاً عن مشاريع العلمانيين لترسيخ ثقافتهم في المجتمعات المسلمة ما نصه "إن هذه المشاريع على اختلاف مشاربها اتسمت بالبحث عن موطئ قدم في الأرضية التراثية سواء من خلال إعادة الاعتبار لبعضنزعات واتجاهات الفكر العربي الوسيط (كالنزعة العقلانية المعتزلة أو الرشدية، وحركة الزنج...."أهـ.

[9]
انظر :مفهوم النص لأبي زيد ص42-45، حصاد العقل للعشماوي ص89،والانحراف العقدي في أدب الحدثة وفكرها ص961-963، والرد عليهم وبيان أصل الكلام للمستشرقين :انظر: الاتجاه العلماني المعاصر في علوم القرآن ص175-186.

[10]
بتصرف :الفكر العربي قراءة علمية ص246.

[11]
الفكر العربي قراءة علمية ص250.

[12]
مفهوم النص دراسة في علوم القرآن ص24.

[13]
يقصد به لمز المتمسكين بنصوص الكتاب والسنة وأنهم لا يعتنون بالاستدلال العقلي وهذه فرية كبرى تكذبها كتب السلف في الصدر الأول فضلا عمن أتى بعدهم من علماء أهل السنة والجماعة .

[14]
التراث والحداثه للجابري ص259.

[15]
المصدر السابق ص260.

[16]
مفهوم النص دراسة في علوم القرآن ص34.

[17]
المصدر السابق.

[18]
نقد الخطاب الديني ص206، وانظر نفس المعنى :مفهوم النص ص109،200.

[19]
نقد الخطاب الديني ص99.

[20]
مفهوم النص ص200.

[21]
مفهوم النص دراسة في علوم القرآن ص146.


[22]
المصدر السابق ص147.

[23]
انظر :الاتجاه العلماني المعاصر في علوم القرآن ص220.

[24]
قرر ذلك الدكتور محمد شحرور في كتابه الكتاب والقرآن ، أنظر :كلامه والرد عليه في :التيار العلماني الحديث وموقفه من تفسير القرآن الكريم لمنى الشافعي ص247.، وانظر تفصيلاً لموقف العلمانيين من الإعجاز في :الاتجاه العلماني المعاصر في علوم القرآن ص219-227.

[25]
الإمام الشافعي وتأسيس الإيدلوجية الوسطية لأبي زيد ص190.

[26]
النص السلطة الحقيقة لابي زيد ص144.

[27]
نقد الخطاب الديني ص27

[28]
التراث والتجديد ،د.حسن حنفي ص45.

[29]
المصدر السابق ص110.

[30]
مدخل إلى القرآن الكريم ،د.الجابري ص232.

[31]
النص القرآني ص412(نقلاً عن الاتجاه العلماني المعاصر ص436).

[32]
الكتاب والقرآن –قراءة معاصرة -،د.شحرور ص160.

[33]
هناك رسالة علمية قيمة حول هذا الموضوع بعنوان (العلمانيون والقرآن –تاريخية النص-)للباحث د.أحمد بن إدريس الطعان وهي جيدة في بابها وخاصة ما يتعلق بشبهات العلمانيين بالقول بتاريخية النص .وقد نقل عدد من تعريفات المفكرين المعاصرين للتاريخية وأخصر تعريف ما ذكره أركون حيث قال:"التحول والتغير أي تحول القيم وتغيرها بتغير العصور والأزمان"العلمانيون والقرآن ص297.وعقد الباحث فصلاً عن تاريخية القرآن عند هؤلاء المفكرين ص332، وانظر كذلك :الاتجاه العلماني المعاصر في علوم القرآن ص235فقد عقد فصلاً عن تاريخية النص القرآني التي يقول بها العلمانيون.،ويرجع بعض الباحثين فكرة تاريخية النص في الفكر الغربي إلى خمسة من فلاسفة الغرب وهم :1-سبينوزا اليهودي 2-ريشاد سيمون3-شتراوس4-رينان جوزيف أرنست5-بولتمان رودولف،أنظر:الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها –درسة نقدية شرعية –ص1064،د.سعيد الغامدي.

[34]
الفكر الإسلامي قراءة علمية ،أركون ص212.

[35]
النص ، السلطة ، الحقيقة ص33

[36]
انظر العلمانيون والقرآن ص443،و انظر :الاتجاه العلماني المعاصر ص347-348.

[37]
النص القرآني ص298-299.،وانظر :تقرير يحيى محمد في جدلية الخطاب والواقع ص22(الاتجاه العلماني المعاصر ص348).

[38]
القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني لأركون: ص41.،وهوأمريكاد يجمع عليه كل العلمانيين والحداثيين في العالم العربي ، انظر :مقالاً لأدونيس في جريدة المحرر اللندنية ، العدد :378،كانون الثاني ،2003.وما قرره :عزيز العظمة في ندوة بدار الساقي عقدت بعنوان الاسلام والحداثة ص259-263 وقرره حسن حنفي ص267(انظر:الانحر اف العقدي في أدب الحداثة وفكرها ص1087،1105).

[39]
انظر:الاتجاه العلماني المعاصر ص241-242.

[40]
الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها ص1098.
 
ساحاول التعقيب على البحث تباعا
لكن وصلت الى هذه النقطة الثمينة-وهي في مقدمة البحث- المكتوبة في كلمات قليلة لكن داخلها جهد كبير وخبرة عريضة ، وهذه النقطة قد تبدو للقارئ عادية لكني اكتشفتها ايضا في محمد اركون بعد قراءة كتاباته كلها مثل الفكر الاسلامي قراءة علمية وتاريخية الفكر العربي الاسلامي ومجموعة كتبه الاخري وماهي تلك النقطة اذا انها التي سطرها الباحث الدكتور ناصر الحنيني في خبرة يبدو عليها ملامح الجهد الذاتي في البحث انها
أن هؤلاء المتأخرين لا يناقشون القضايا التي يتبنونها ،أو ينظرون في أدلة المعارضين؛ بل ينقولونها ويشيدون بها دون ذكر الأدلة على ذلك،
فانا الان بصدد اعادة قراءة اركون مرة اخرى فوجدته يعرض نتيجة واتهام من دون ان يقدم دليل واحد على قوله مثل مثلا ان المسلمين حرفوا سيرة محمد هكذا قال او هم من وضع لنا المصحف هكذا بعد ان انتهوا من عمليات اقصاء وحجب او ان القرآن رمى في ظلمات الجاهلية كل المعارضة بعد ان انتهت عمليات تاريخية تم تقديس نصوصها فيما بعد!
ومع ذلك فقد امسكت بتلابيبه وانا اقوم بتتبع هذه المسائل بدقة وصبر فوجدته يقول انه لايستطيع ان يفحص الوقائع لانها انتهت ولااثر لوقائع تاريخية مفصلة كدليل على النتيجة التي يأخذنا اليها
ولتوثيق كلامي انظر ص 282 من كتابه تاريخية الفكر العربي
وفيه
من الصعب ان نعرف تاريخيا كيف حدثت الامور بالفعل
و
على الرغم من كل الذي قلناه فانه ينبغي ملاحظة ان هذه المرحلة الاساسية من التاريخ الاسلامي هي مرحلة تصعب كثيرا معرفتها بدقة
نفس المرجع ص 283
فشكرا للدكتور ناصر الحنيني على هذه الهدية الثمينة والتي ارى ان التوصل اليها امر يحتاج مشقة فكر وعناء بحث
وانا ايضا اقدم له وللقارئ هذه الهدية في الاطار حتى يعلم القارئ ان كلامنا مش انشاء كما يتهمنا العشماوي وغيره!
 
وبعضهم كان أكثر جرأة وصراحة وهو د.شحرور حيث يقول :"وعلينا أن نعلم أن هذه الآيات (أم الكتاب)قابلة للتزوير وقابلة للتقليد ، ولا يوجد فيها أي إعجاز ، بل صيغت قمة الصياغة الأدبية العربية "أهـ
اتذكر ان نصر ابو زيد قال ان النص القرآني نص ممتاز بالنسبة للثقافة وانه بعد ان اخذ منها اعطاها بامتياز
وهو مثل ماقال شحرور مع اني معرض الى الآن عن قراءة شحرور وربما من اسمه المقارب للشحرورة الشمطاء اياها!..اتمني ان لايكون في الملتقي هنا احد ينتمي لعائلة شحرور -ابتسامة
 
ويقول أركون:" إن التاريخية ليست مجرد لعبة ابتكرها الغربيون من أجل الغربيين ، وإنما هي شيء يخص الشرط البشري منذ أن ظهر الجنس البشري على وجه الأرض . و لا توجد طريقة أخرى لتفسير أي نوع من أنواع ما ندعوه بالوحي أو أي مستوى من مستوياته خارج تاريخية انبثاقه ، وتطوره أو نموه عبر التاريخ ، ثم المتغيرات التي تطرأ عليه تحت ضغط التاريخ ... ينبغي أن أكرر هنا مرة أخرى ما يلي : إن التاريخية أصبحت " اللامفكر فيه " الأعظم بالنسبة للفكر الإسلامي لسبب تاريخي واضح جدا يتمثل في رد الفعل السني الذي حصل على يد المتوكل عام 848م ، أي قبل حوالي ألف ومائتي سنة . ثم تلاه ورسخه رد الفعل القادري ، وهو رد الفعل الذي أدى إلى تصفية الفلسفة التي تشتمل على علم الكلام المعتزلي وبخاصة ما يتعلق منه بالأطروحة القائلة بخلق القرآن . قد سارت على نهج المتوكل جميع الأنظمة السياسية التي تعاقبت على أرض الإسلام منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا".

في هذا النص الذي اورد الدكتور الحبيبي مايؤكد ان اركون يحاول ان يبعد عن نفسه انه مقلد للفكر الغربي وناقل عنه
مع ان كل صفحة من كتبه مليئة بالاسماء الغربية ومن مصطلحاتهم
وماهو الا ناقل فاشل اخذ من اخطاء الاستشراق ورقع ومع ذلك تجده مرة يهجم على الاستشراق ومرة يستعمل نتائج بحوثهم
ونقده لهم يأخذ طريقين طريق يناقض نفسه فيه وهو انه ياخذ نتائجهم ثم يتهمهم في نفس الوقت بانهم يقفون عند حدود التكرار والترتيب والتبويب مع ان النتائج التي اخذها عنهم واضافها الى سلة اتهاماته انما هي زيادة على ماقال اي انهم لايجيدون غير الجمع والتبويب وغير ذلك فانها-نتائج ابحاثهم- تاويل وفرضيات كالتي يقوم بها هو نفسه اي من نفس النسق الا انه يعيب عليها انها لم تستخدم ادواته الجديدة وانما ادوات قديمة استخدم نتائجها واتهاماتها
وهذا هو الطريق الثاني فهو ينقدهم لانهم لم ياخذوا بالمذاهب الحديثة فقط خصوصا الفرنسية منها!
مع انها لاتختلف عن نتائج الاستشراق الا في اتهامات من نوع ملفوف بلفائف حديثة مثل مفهوم الرأسمال الرمزي وتطبيقه القسري على الاسلم والانغلاق على عقيدة ومثل مايدعوه بورديو بالحس العملي ومصطلحات اخرى لهدم الدين الحقيقي فهو يريد منهم ان ياخذوا نتائج المذاهب التي يستعملها ويطبقوها على الاسلام كما طبقوها على غيره فهو مستشرق اوسخ من المستشرق وعلماني اشد ضلالا من اي علماني!
 
محاولة لصبغ الأفكار لتتضح معالمها

محاولة لصبغ الأفكار لتتضح معالمها

في البدء أبرأ إلى الله تعالى من شُحرور ومن صادق جلال العظم ومن كل متجرئ على القول في القرآن "إنْ هذا إلا قول البشر" ، ولكن في تناول الأفكار لا يجوز ارتكاب أخطاء الأقدمين في التصنيف والتعميم،.
إن المرء ليأخذه الأسى حين يرى ألمانيا كيوسف فان إس يكتب عن الفكر الإسلامي في القرون الثلاثة الأولى ست مجلدات مما لا أزال أدعو الله أن ينسأ في أجلي لأتمكن من قراءتها على حين يشطب الواحد منا جهود مئات العلماء بجرة قلم بأن يضعهم في خانة مرفوضة من قبل فلان أو علان! فلا يوجد شيء اسمه المعتزلة أو على الأقل لا أعرف أنا العبد لله بعد ثلاثين سنة مع الكتب ماذا يقصد بالمعتزلة قديما ، فشتان بين واصل بن عطاء وبين أبي الهذيل العلاف مثلاً! يجب أن نتعامل مع كل مسلم فرد على أنه يمثل نفسه فقط. مثلما يمثل أي أستاذ في أي جامعة سعودية نفسه فقط فقد كان العلماء يمثل كل منهم نفسه فقط، وحتى إذا جعل أحدهم من نفسه ناطقا باسم تيار فلعلّ أهل ذلك التيار لا يسلّمون له ادعاءه مثلما لا يسلم علماء السلفية في السعودية لكل حاسب نفسه على تيارهم، فوجَب علما وإنصافا أن نعامل أبا الهذيل العلاف على أنه أبو الهذيل العلاف والقاضيَ عبدالجبار على أنه القاضي عبدالجبار وأحمدَ بن حنبل على أنه أحمد بن حنبل وابن كُلاب على أنه ابنُ كُلاب وأن لا نأخذ احدا بجريرة أحد فكل نفس بما كسبت رهينة، وينبغي أن نتوقف عن أن نقرأ آراء الناس من كتب خصومهم أو مخالفيهم أو حتى غيرهم فإذا أردنا فهم الشافعي فعلينا أن نقرأ كتبه التي رواها الناس عنه ولا نقرأ آراءه في كتب مخالفيه ولا موافقيه.
ولا أعرف ماذا يُقصد بالعلمانيين في العصر الحديث ولا بالعقلانيين، فبعض المتعالمين في السعودية وغيرها يسمي دعاة الإسلام الكبار كالشيخ الغزالي بالعقلاني على حين يمزج آخرون بين أدونيس وبين الأستاذ الجابري ، والحال أن الأستاذ الجابري ينتمي إلى أهل المغرب وهم أهل قاعدة ثقافية ناصعة من صميم الأمة أساسها المذهب المالكي وقراءة أهل المدينة والأدب الأندلسي فليس لديهم خرافات الشرق ولا عقد التيارات القائلة بالإمامة المستقلة عن الأمة المبغضة للعرب. فكيف تساوي بين منتميين إلى تراثين مختلفين ولكل منهما هدف وغرض مستقل لمجرد أنهما يستخدمان آليات العلوم العقلية الحديثة؟! والجابري قد قدم للأمة ما تستفيد منه فكشف المعوقات الثقافية للعقل العربي عن النهوض وأن مؤسس هذا العقل أو الفاعل الأكبر فيه هو محمد بن إدريس الشافعي إلى غيرها من الفتوحات التي جاء بها، وبرغم أنه جانف الصواب في بعض ماذهب إليه إلا أنه من الجهل المطبق أن يوضع هذا الرجل مع أدونيس في نفس الخانة! ما لكم كيف تحكمون!
إن الذين يساوون بين المفكرين ويسارعون في التصنيف إنما يكشفون عن نقص بضاعتهم هم أول ما يكشفون ويضيعون وقت الناس ويزيدون الأمور عماء وغموضا فهم كما قال الشافعي إياك ومصاحبة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك ويضرك.

وهذا المقال (آثار القول بخلق القرآن) هو من هذا القبيل إذ أنه يأخذ القرار الذي حصل نتيجة وهم في فهم القضية على أنه مسلَّمة مفروغ منها وعلى ان المعتزلة قالوا بخلق القرآن وأن أهل السنة قالوا بأنه غير مخلوق وما دام اسم أهل السنة مكوّنًا من كلمتين "أهل"و"سنة" وأن السنة هي سنة النبي صل1فهم إذن أهل الحق وأن ما يقولون به حتى إذا كان بلا سند من لغة ولا نص فهو من الدين الذي يتجنَّد العاطفيون للدفاع عنه شاعرين أنهم يحمون حمى الدين ويذودون عن رب العالمين!
على حين أن الصواب أن التاريخ قد صنف المسلمين إلى مذهبين فقط هما مذهب الأمة(المعتزلة، الزيدية، أهل السنة، الإباضية) وميزتهم أنهم يقصرون الاتصال بالملأ الأعلى على رسول اللهصل1. ومذاهب مستقلة عن الأمة وهم (مذهب الفرس الإمامية، الإسماعيلية، النصيرية، القاديانية) وميزتهم أنهم يزعمون أن الاتصال بالملأ الأعلى قد كان ويجوز أن يكون لغير الأنبياء مثلما قام الإمامية منذ القرن الرابع بحجز مقعد في الملأ الأعلى لكائن متخيل أسموه قائم آل محمد أو صاحب الزمان أو الحجة يجوز لكل إمامي أن يدعي اللقاء به لكنه لا يُصدَّق إلا إذا كان من كبارهم أو يسكن قريبا من أحد قبور العلويين! .
وأن أتباع مذهب الأمة لديهم مدارس وآراء وتيارات وأفراد ثقافية متنوعة. ولا يحتكر أحدُها الحقيقة كما يتوهم كلٌّ منها بل إن البحث عن الأفكار الحقيقية متروك للبحث العلمي والتاريخي الجاد.
وفي مسألة خلق القرآن حصل وهم في فهم هذا المصطلح بسبب غموضه وبعده التاريخي، وقد استطعت بتوفيق الله تعالى أن أزيل عنه الغموض وخلاصة ما بينته أن الصواب في المسألة أن كلمة "مخلوق" قد أسيء فهمها و أن "خلق القرآن" مصطلح حصل فيه سوء فهم كبير إذْ أن أحمد بن حنبل رضي الله عنهقد امتنع عن أن يقول مخلوق ، وأن بعض علماء القرن الثالث قد قالوا غير مخلوق يعنون بها (ولا يوصف بمخلوق) إنكارا منهم لبدعية اللفظ وهذا سبب امتناع أحمد بن حنبل أصلاً. فتوهّم كثير من الناس منذ القرن الثالث أنها تعني فعلا غير مخلوق! وهذا وهم قبيح لا يقول به صحيح الدين والعقل إلا عن سهو أو غفلة. فالقرآن كلام الله تعالى وهو نص لغوي لا يجوز أن يوصف بأنه مخلوق لأننا مأمورون أن نستخدم الصفة التي نحن في مأمن منها أن نقول على الله بغير علم والله تعالى قد نهى نبيه نوحا عليه السلام (((فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين)))، ومن وصف القرآن بأنه مخلوق فقد ابتدع في الوصف وإن كان معناه صحيحا بأنه محدث/ فمخلوق تعني محدث . ولكن لا يجوز استخدم الصفة مخلوق مع القرآن.كما لا يجوز القول إنه غير مخلوق على الحقيقة ومن قالها من العلماء المتقدمين فنحن نعتقد لجلالة أقدارهم أنهم يعنون ولا يوصف بمخلوق ، وهذا الذي نقرره هنا قد قرره شيخ الإسلام ابن تيمية بإثباته أن القرآن محدث وإن كان رفَض أن يوصف بمخلوق.
لكن الوهم وردَّ الفعل بعد الانقلاب السني على المعتزلة في عصر المتوكل قد بلغ أوجه في المئة الخامسة حين قرر الخليفة القادر عام 408 بأن من قال بخلق القرآن فهو حلال الدم.
وحين يصدر مثل هذا الأمر من الخليفة يكون على مستوى الأمة يؤدي إلى تعميم الضلال حتى يصل إلى عصرنا.
فما أزال أذكر أن والدي كان يدرّسنا في المسجد

وأن كلام الله بعض صفاته
وجلّت صفات الله أن تتحددا
ومن قال مخلوق كلام إلهنا . فذلك زنديق طغى وتمردا​

ثم بعد سنيَّات قام عبدالرحمن الحمين بتسجيل قراءة قصيدة لأحد حنابلة المئة الخامسة والسادسة اسمها (نونية القحطاني)
ولما كانت قصيدة رائعة تمجّد الله تعالى ودينه ونبيه صل1والصحابةرضي الله عنهم والاتِّباع ضمّنها أوهام الأمة بعد قرار القادر في هذه المسألة ومن ضمن ما جاء فيها

من قال مخلوق كلام إلهنا فقد استحلَّ عبادة الأوثان​

من قال مخلوق كلام إلاهنا فالعنه ثم اهجره كل أوان​

وهذه كلها من الأوهام الثقافية الكبرى التي أنتجها التعصب والتقوقع حول عبارات غامضة مثل عبارة (مخلوق)
ومن العجيب أن هذه المسألة التي هي على حدّ علمي وتقديري (أكبر وهم ثقافي امتص طاقات الأمة لألف سنة مما تعدون) ما تزال
تقدَّم للناس بنفس الطريقة على الرغم من أن سنيّا كبيرا كشيخ الإسلام ابن تيمية قد أثبت وقرر أن القرآن محدث، وهو أمر لا يُشكّ فيه أصلا، لأنه المعروف بالفطرة والمعروف من الدين والعقل بالضرورة.

فهذا البحث يظن أن هؤلاء الحداثيين كأركون وغيره إنما تجرأوا على نقد النص لأنهم يقولون بخلق القرآن.!!
متجاهلا أو جاهلا أن هؤلاء الحداثيين أصلا في معظمهم قد خرجوا من العقيدة أصلا وتبنَّوا آراء الفكر الغربي المعاصر في نسبية الحقيقة وانهم لا يصنفون داخل التراث.
لكن كاتب المقال يريد أن يوهم القارئ بأن موقف المعتزلة و"سائر المبتدعة" هو نفس الموقف وأن صحة مذهب أهل السنة تتجلى من جديد فيما ذهبوا إليه واستماتوا في تقريره منذ ألف سنة!! وهذه طرقة في التفكير تريد أن توهم الناس أن كل ما توارثوه صحيح وأن المعنى يجب أن يظل منغلقا، وهي طريقة يسعى لها أناس ورثوا من مجتمعهم المنغلق وجوب الانغلاق على ما توارثوه !
والصواب ان هذا البحث تكريس لوهم يجب كشفه وتحرير الناس منه لأن معنى مخلوق محدث، والقرآن محدث، لكنا نتورع أن نصفه بمخلوق لأن الوصف لا يجوز فاللغة لا تستخدم جزافا ولا بدون ضوابط.

ونبرأ إلى الله تعالى من البدعة المقابلة وهي أن نفهم غير مخلوق على ظاهرها كما توهم كثير من الناس
بل نقول إن القرآن كلام الله غير مخلوق ونعني بغير مخلوق (ولا يوصف بمخلوق) لا أنه غير محدث أو غير مخلوق حقيقة كما يكرر كثير من الناس كصاحب هذا البحث.
فإلى الأخ كاتب المقال وسواه من أساتذة العلوم الشرعية ممن يدافعون عن عموميات لا يدركون كنهها ويهاجمون شطر علماء الإسلام بأنهم معتزلة أو أشعرية أو حشوية أو حنابلة أو غير ذلك كفّوا عن هذه التعميمات الجارفة وردوا على كل فرد على أنه فرد وبحسب أقواله التي رواها لنا التاريخ،

يجب أن يتكاتف المسلمون من أتباع مذهب الأمة ويعودوا إلى الإسلام العظيم كما كان عليه المسلمون في عصر الخليفتين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وليس في الدين أن تقول عن كلام الله مخلوق أو غير مخلوق، وإلا لقاله الصحابة الأجلاء.

ورب قائل يقول ما الذي نستفيده من مخالفة كثير من أهل السنة فهو وإن كان وهماً فقد سال به حبر كثير؟
فالجواب أنه وهم يُهَدِّد التوحيد إلى القول بقديمين ، فالذي يقول إنه غير مخلوق هو أحد اثنين إما أنه لا يفهم ماذا يقول بل يردد ما لُقن َ مثلما كنت أنا- العبدَ لله- أردِّدُ ما لُقِّنْتُ حتى جاوزت الرابعة والعشرين من عمري ، وهذا نسأل الله أن يغفر له ولجميع المسلمين أو يعني بها ما كان يعنيه علماء القرن الثالث من أنها تعني (لا يوصف بمخلوق) وهذا عليه أن يكفّ عن قول عبارة موهمة ويقتصر على أن يقول القرآن كلام الله تعالى ولا يوصف بمخلوق، وإن كان يعني بها ما توهمه بعض الناس من أنه صفة أزلية لله تعالى وأنه غير مخلوق على الحقيقة فعليه أن يتوب إلى الله تعالى ويستغفره فليس الله تعالى بنص لغوي وعليه أن يعود إلى رشده ويعلم أن التمسك بعبارة غامضة دون إدراك معناها أقلُّ ما يقال فيه أنه قول على الله تعالى بغير علم والله تعالى قد نهى نبيه نوحاصل1أن يسأله ما ليس له به علم (((إني أعظك أن تكون من الجاهلين))) والخير أردت وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والله من وراء القصد
 
عودة
أعلى