مآسي زيارة داغستان (1)

إنضم
10/08/2010
المشاركات
295
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
مآسي زيارة داغستان (1)
(وقائع حصلت معي نشرتها على شبكات التواصل الاجتماعي تباعا)
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة على رسول الله
لم أنشر شيئا على شبكات التواصل الاجتماعي منذ وقتٍ طويل – أكثر من سنة على وجه التحديد – لأنّ دروس المساجد، ورسالة الدكتوراه، ومشاريعي العلمية، والدعوية، والتزاماتي الأسرية، والمعشية... لم تترك لي وقتا – كافيا - للتواصل عبر هذه الأجهزة الرقمية، لكن اليوم وأنا على ضفاف بحر قزوين في مدينة محج قلعة (MAKHACKALA) وبسبب هذا الأرق الذي يلازمني منذ وطأت قدماي هذه المدينة؛ عدتُ مرة أخرى لأداعب بأناملي لوحة المفاتيح لعلي أستعجل بها لا أقول الصباح فقط ولكن أستعجل بها عودتي إلى بلدي وأسرتي....
ليست هذه أوّل مرة أزور فيها الجمهوريات الإسلامية في منطقة القوقاز وشرق آسيا... لقد زرت حتى الآن حاولي سبع جمهوريات وكنتُ أسعدُ بهذه الزيارات وأفرح بلقاء الإخوة في الله، والتجوال في بلاد الإسلام، وأخذ الصور التذكارية التي أفتخر بها أمام الأهل والأصحاب عند عودتي للجزائر... لكن هذه المرة كلّ شيء تغيّر... حتى الجوّ والمناخ - لا أدري لماذا- الحرارة هنا بلغت سبعا وثلاثين درجة كأنّك في الشلف أو غليزان... الرطوبة لا تقاس... لم أعد أرى تلك المناظر الطبيعية الجميلة الخلابة التي اعتدت رؤيتها في هذه البلاد.... والغريب أنّني صرتُ لا ألاحظ إلاّ الوديان الجافة... والسهول القاحلة... زحمة المرور... هيجان البحر... صديقي يقول إنّني أعاني من مرض نفسي - وهو صاحب تخصص - . مرض يجعلني لا ألاحظ إلاّ الجانب السلبي في الأشياء... وأنّ أصْلَ هذا المرض - زعم – صدمةٌ نفسية، وواقعةٌ عنيفة أثّرت فيّ... ويردف كلامه كالمتأكّد "ولعلّ هذه الصدمة هي المضايقات الأمنية الطويلة والمريرة والمتكررة... ابتداء من مطار موسكو إلى غاية قرية خسافروت الصغيرة المجاورة لمحج قلعة ...."
صديقي يجهل ... أنّني معتاد على مثل هذه المضايقات... وأنّها لا تخيفني ولا تؤثر في قيد أنملة ...وقد كنت – لا أقول أتوقعها - بل مستعدا لها بما حضّرته من وثائق إدارية وأكاديمية ومجموعة من ترجمات "جوجل" لأجوبة أمنية جاهزة......... لكن بشيء من التأمّل أعتقد أنّ كلامه فيه شيء من الحقيقة والصواب...
أقول شيئا من الصواب وليس كلّ الصواب؛ لأنّني لا أرى كما يعتقد سلبيات الأشياء فقط... بل إنّ كثيرا من إيجابيات هذه البلاد لا زلت أراها، بل لقد زادت بعضها في هذه البلاد –داغستان- أكثر من غيرها، أهمّها هذا الشعب المسلم المتعطّش للإسلام لا أجد العبارات التي يمكنني وصف كرمه وحبّه للإسلام، ولكي أعطيكم نبذة وفكرة وجيزة، أقول:... منذ وصلت لهذه المدينة لا أدخل مقهى لأشرب قهوة – وأنا مدمن عليها - إلاّ رفض صاحبها أخذ أجرتها قائلا: أخي صدقة صدقة... وإذا ركبت سيارة أجرة - ووجهتي دائما المساجد والمعاهد – يقول السائق: أخي صدقة صدقة... ما جعلني أقتصد في نفقاتي من جهة وأتحرج من العودة إلى المكان الذي مررت به من جهة أخرى... ولكن حتى هذا التحرّج لا ينفع مع كرم هذا الشعب، فبالقرب من الفندق الذي أقيم فيه مطعم، كلما خرجت من الفندق في كلّ صباح ولمدة عشرة أيام يأتي عمال المطعم رجالا ونساء يسألون عن وجهتي عن حاجتي لأجل مساعدتي إذا كان المشوار قريبا كلّفوا أحد أصدقائهم بخدمتي فيغيب عن العمل مدة ساعة أو نصف ساعة من أجلي... وإذا كان المشوار طويلا والمسعى بعيدا استدعوا سيارة أجرة على حسابهم... حاولت التخفي قدر الاستطاعة لكن دون جدوى...ولما أعود في المساء عند مدخل الفندق يأتي عمال المطعم يتركون زبائنهم ويستقبلونني كأنّني ضيف حلّ بهم الآن فقط... لم أجد ما أكافئ به صنيعهم هذا سوى الدعاء لهم وشيئا من تمر الجزائر أهديته لهم وقد أعجبوا به أيّما إعجاب ... لولا القوانين الأمنية التي تلزمني تحديد مكان مبيتي كلّ ليلة لاستجبت لعشرات الدعوات للإقامة عند كلّ من التقيت به منهم، ولكن خوفي عليهم من المسائلة الأمنية جعلني اقتصر على المبيت في الفندق...
لمـَـا أمشي في شوارع مدينة محج قلعة بلباسي الجزائري التقليدي (الجندورة البيضاء أو الجلابة الحمراء أو العباءة الصفراء) الجميع ينظر إليّ تأتيك تحية الإسلام من كل جهة وصوب، الابتسامات من الجميع حتى ممّن يحرجك بها (.....) ، الصور حدّث ولا حرج... إذا سألتَ أحدهم عن شيء صدقوني يجيبك كأنّه عبد يخدمك فرح مسرور يمضي معك الوقت كلّه حتى يتمّ الخدمة... سائق الطاكسي جاء بي من المطار، دخل معي إلى الفندق، هو من تكلم مع المستقبلة، هو من تفاوض معها على الثمن، هو من اختار الغرفة، هو من حمل حقيبتي للغرفة، هو من راقب وعاين غرفتي واطمأن على أنّها صالحة للعيش المريح والمبيت الكريم... وبعدها ودعني طالبا مني الدعاء ورافضا أخذ الأجرة ... إلاّ أنّني أرغمته على أخذها بالقوة الجزائرية (الصياح)...
الإيجابيات كثيرة لا أستطيع عدّها وتتبعها في هذه القصة إن صحّ تسميتها كذلك... وليست هي المراد منها ، بل المراد هو الوقوف على هذه الواقعة أو الظاهرة التي صدمتني وجعلتني أتمنى مغادرة هذه البلاد، وقد كنت من قبل أحبّها وأتشوّق إليها، وجعلتني أبيت الليل سهران، وقد كنت من قبل لا أتمّ أذكار الليل حتى أشرع في أذكار الاستيقاظ من النوم.
إنّ الذي آلمني.... وتسبّب في هذا التفكير المضني والأرق المزري، هو كون هذا الشعب المسلم الودود لم يجد من الجماعات المحسوبة على الإسلام من يكافئ ويوازي طيبته وكرمه وحبّه لدينه وتعطّشه لتعلّمه والتزامه والانتساب إليه...
في هذه البلاد تياران إسلاميان، الصوفية وهي التيار الأكثر انتشارا وتمكّنا والسلفية وهي أقلّ منها تواجدا وتأثيراً...كلّ واحدٍ منهما يدّعي أنّه هو الإسلام الحقّ وما سواه ليس إسلاما بل خطرا داهما وعدوا غاشما ينبغي تقديم محاربته ومواجهته على كلّ فرائض الدين واجباته ومستحباته ومحرماته ومكروهاته... وسأترك بقية الحديث لما بعد صلاة الصبح... وإن تمكّنت من النوم فسأتركها لهذا المساء وليله الطويل...
 
الشلف وغليزان مدن جزائرية معروفة بحرها الشديد صيفا وبردها الشديد شتاء.
 
عودة
أعلى