مآسي داغستان (2)

إنضم
10/08/2010
المشاركات
295
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
أنشره بالتوازي (زمنيا) ما ما ينشر على الفيسبوك

مآسي زيارة داغستان (2)
قلت: في هذه البلاد تياران إسلاميان، كلّ واحدٍ منهما يدّعي أنّه هو الإسلام الحقّ وما سواه ليس إسلاما بل خطرا داهما وعدوا غاشما ينبغي تقديم محاربته ومواجهته على كلّ فرائض الدين واجباته ومستحباته...
أوّل ما نزلتُ في هذه المدينة، بحثت عن مسجدها الجامع، وشاء الله أن يكون ذلك اليوم جمعة، اغتسلتُ، تعطّرتُ، حضّرتُ مذكرتي، هاتفي المجهّز هذه المرة بكل ما يحتاجه "السِّلْفِي" [استطراد: على خلاف عادتي أنا هنا منذ حوالي عشرة أيام وإذا استثنيت المصاحف لم آخذ أيّ صورة تذكارية ... "المزاج" لم يعد يسمح بذلك، فلعلّ البوح بالهموم وكتابة هذه الأسطر يخفّف شيئا من ذلك...]...
قلتُ: اغتسلتُ للجمعة وتعطّرتُ و...و...، ثمّ أخذت سيارة أجرة –بلا أجرة- إلى أكبر مساجد محج قلعة، آية في الجمال، وفن راق في التصميم والتنظيم والتسيير... دامت شعائر صلاة الجمعة حوالي ساعتين، صدقوني لم أعرف من صلاة الجمعة - التي درست أحكامها في مختلف المذاهب الفقهية - سوى ذلك المنبر الذي بلغ ارتفاعه عنان السقف، ولا يمكنك تتبع الخطيب ببصرك إلاّ إذا تحمّلت كسر رقبتك... لن أطيل الحديث في وصف البدع الحقيقة والإضافية والعقدية والعملية والصغيرة والكبيرة والشركية والمكفّرة والمضلة والقبيحة والحسنة والمستحسنة... وغيرها من التسميات فجميعها موجودة؛ وذلك حتى لا يقال قد اتخذَ موقفا...وانحاز جانبا... خاصة وأنّه ليس موضوعي هذه البدع – مهما قيل في حكمها جوازا أو منعا- فهي من نتاج بقاء هذا الشعب أسير النظام الشيوعي باضطهاده وتجهيله ومحاربته للتّديّن جهارا نهارا لما يقارب القرن من الزمن وقبله - قريبا من قرن كذلك – تحت حكم النظام الأمبراطوري الروسي الذي كان همّه محاربة الخلافة...
بل إنّ أكثر ما آلمني وضرّني هو حديث صاحب الدرس بالروسية – ولا أفهم منها شيئا – لكن من فم هذا الخطيب – المفوّهُ - فهمتُ كلّ شيء... الوهابية، السلفية، الإرهاب، الجهل، التعصّب، الفتن... وختم بالدعاء لصاحب السمو بوتن وجماعته...
خرجتُ مستاء... ليس من أجل كلّ تلك البدع - التي لا أحبّها – ولكن من أجل ضياع قضية هذا الشعب الذي لا يعرف من دينه إلاّ اسمه، هذا الشعب الذي يحتاج إلى من يحقّق آماله في الالتزام بدينه، إلى من يثبّت هويته بإعادته لدينه، إلى من يتفرغ لتعليمه تعاليم دينه...
في المساء سألت عن مساجد التيار الثاني، تيار السلفية، ولأنّني أقول دائما: "أنا سلفي حتى نخاعَ نخاعُ نخاعِ عظمي" كنت متفائلا آملا أن أجد تيارا يفهم الإسلام حقّ الفهم، يميّز ابتداء بين عدوّه وصديقه، يفرّق بين الواقع المعاش والمأمول، يعرف حقيقة المعركة التي يخوضها ميدانها وسائلها أهدافها...
دخلتُ مسجدا صغيراً ، في حيّ متطرّفٍ [تماما كأغلب مساجد الصوفية عندنا في الجزائر]... وأوّل ما دخلتُه ابتدرني الشبابُ، وكلّهم شبابٌ، يسألونني عن بلدي، عن اتجاهي، عن حفظي، تعلمي ... وأنا أجيب بما يرضيهم – دون قصد -، ولكن لما جاء دوري للسؤال، وعند أوّل سؤال: كيف أحوال الأمة ؟ وقبل أن أتمّه... ابتدروني بالجواب... وكان جوابا معبأ بما يفجر قلب كلّ مسلم يخاف على هذه الأمة ويفكّر في هذه الأمة... دام الجواب من صلاة المغرب إلى العشاء لم ينقطع قطّ، ومن ألسنة عدّة وأفواه شتّى، ثمّ استمرّ بعدا العشاء إلى وقت متأخّر من الليل ولم ينقِص طولُ الحديث من حدّته وشدّة أصوات أصحابه... لا تسمع إلاّ الصوفية، المبتدعة، المشركين، العملاء، الزنادقة، الجهلة... لم يحدثني ولا واحد منهم عن عموم النّاس، عن نسبتهم للإسلام "الوهمية"، عن جهلهم الفظيع بهذا الدين... عن منهجية عملية أو مجرد مشروع لدعوة هذا الشعب أو تعليمه... لم أسمع شيئا من ذلك قطّ...
سكتُ وعدتُ أدراجي...
في الصباح توجّهتُ إلى مسجد آخر محسوب على الصوفية، وفي المساء مسجدا آخر محسوبا على أحد التيارين وهكذا... " أبحث عن نسخ لمصحف قزان أصورها لأنّها موضوع بحث أكاديمي أقوم به..." ولكن مهمتي الأولى - غير المعلنة - التي أحبّها وأجهد نفسي من أجلها هي الوقوف على أحوال أمة الإسلام... فأسأل السؤال نفسه. "ما أحوال أمة الإسلام في ثغركم هذا ؟" والجواب المؤرق في كلّ مرة تجاهل الشعب موضوع الدعوة، والالتفات للتيار الآخر يطعن فيه ويقدح، ويحملّه مصائب الدنيا كلّها...
هنا أصابني الأرق، وعُميت عنّي أنهار القوقاز الجارية وحدائقها الزاهية، وجمال مدنها الساحرة، ولم أعد أرى سوى وديانا يابسة لا تختلف عن ودياننا، ولا أدري كيف لم أعد أنتبه للحدائق المنتشرة في كلّ مكان، ولا لجمال البنيان وتنظيم الشوارع والأرصفة... وهنا أصابني الأرق الذي لولاه ما عدتُ للفيسبوك أبدا... غدا أتمّ القصة... وأحكي لكم كيف شاركتُ في هذه المعركة رغما عنّي... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في المرفقات صورة ليلية لأحد شوارع محج قلعة عاصمة داغستان (شارع لنينغراد من شرفة الفندق)
 
عودة
أعلى