{ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى } لا يصح نزولها في أهل قباء .

إنضم
25/04/2003
المشاركات
264
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
السعودية
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فهذا بحث قمت فيه بجمع الروايات الواردة في سبب نزول قوله تعالى : { لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } [ التوبة : 108 ] .
وخلاصته : أن الآية نزلت في رجال من الأنصار ، وأما كونها نزلت في أهل قباء خاصة فلا يصح ؛ لأن الطرق التي فيها ذكر « قباء » ضعيفة جداً ، ولا يصح اعتبارها ، والله تعالى أعلم .
========================================
وفيما يلي تفصيل ذلك :
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءَ { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } قَالَ : كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِمْ ».
أخرجه أبو داود في سننه ، في كتاب الطهارة ، حديث (44) ، والترمذي في سننه ، في كتاب التفسير ، حديث (3100) ، وابن ماجه في سننه، في كتاب الطهارة وسننها ، حديث (357) ، والبيهقي في السنن الكبرى (1/105) ، جميعهم من طريق يونس بن الحارث ، عن إبراهيم بن أبي ميمونة ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، به .
وهذا الإسناد فيه علتان :
الأولى : ضعف يونس بن الحارث ، كما في « تقريب التهذيب » (2/394) .
الثانية : جهالة إبراهيم بن أبي ميمونة ، قال ابن القطان : « مجهول الحال » ، تهذيب التهذيب (1/152) ، وقال الذهبي : « ما روى عنه سوى يونس بن الحارث » . ميزان الاعتدال (1/197).
وقد حكم على هذا الإسناد بالضعف : النووي في المجموع ( 2/116) ، والحافظ ابن كثير في تفسيره (2/403) ، والحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (1/112). وانظر : إرواء الغليل (1/84-85).
وقد ذكر الألباني في إرواء الغليل (1/84-85) أن الحديث صحيح باعتبار شواهده ، وسأذكر شواهده ثم أبين بعد ذلك درجة الحديث وحكم الاحتجاج به :
الشاهد الأول :
حديث ابن عباس رضي الله عنه قال : لما نزلت { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا } بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عويم بن ساعدة فقال :« ما هذا الطهور الذي أثنى الله به عليكم ؟ فقال : ما خرج رجل منا أو امرأة من الغائط إلا غسل دبره أو مقعده . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فهو هذا ».
أخرجه الطبراني في الكبير (11/67) ، وعمر بن شبة في « أخبار المدينة » (1/37) ، والحاكم في المستدرك (1/299) وقال « صحيح على شرط مسلم » ، ووافقه الذهبي ، والبيهقي في السنن الكبرى (1/105) ، جميعهم من طريق محمد بن إسحاق ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، به .
قال الهيثمي في « مجمع الزوائد » (1/212) : « رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن إلا أن ابن إسحاق مدلس وقد عنعنه ».
ورواه البزار في مسنده ، كما في « نصب الراية » (1/218) قال : حدثنا عبد الله بن شبيب ثنا أحمد بن محمد بن عبد العزيز قال وجدت في كتاب أبي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في أهل قباء { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا نتبع الحجارة الماء ». قال البزار : « هذا حديث لا نعلم أحداً رواه عن الزهري إلا محمد بن عبد العزيز ولا نعلم أحداً روى عنه إلا ابنه » .انتهى . قال الحافظ ابن حجر في « التلخيص » (1/112) : « ومحمد بن عبد العزيز ضعفه أبو حاتم فقال : ليس له ولا لأخويه عمران وعبد الله حديث مستقيم ، وعبد الله بن شبيب ضعيف أيضاً ». أ.هـ وانظر : مجمع الزوائد (1/212) ، والدراية في تخريج أحاديث الهداية (1/96) ، ونصب الراية ، للزيلعي (1/218).
الشاهد الثاني :
حديث عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أَتَاهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ فَقَال : «َ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَحْسَنَ عَلَيْكُمْ الثَّنَاءَ فِي الطُّهُورِ فِي قِصَّةِ مَسْجِدِكُمْ ، فَمَا هَذَا الطُّهُورُ الَّذِي تَطَّهَّرُونَ بِهِ ؟ قَالُوا : وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَعْلَمُ شَيْئًا إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لَنَا جِيرَانٌ مِنْ الْيَهُودِ فَكَانُوا يَغْسِلُونَ أَدْبَارَهُمْ مِنْ الْغَائِطِ فَغَسَلْنَا كَمَا غَسَلُوا ».
أخرجه الإمام أحمد في مسنده ( 3/422) ، وابن جرير في تفسيره (6/476) ، وابن خزيمة في صحيحه (1/45) ، والطبراني في الكبير (17/140) ، والأوسط(6/89) ، والصغير (2/86) ، والحاكم في المستدرك (1/258) ، جميعهم من طريق أبي أويس ، عن شرحبيل بن سعد ، عن عويم بن ساعدة ، به .
وفي إسناده « شرحبيل بن سعد ، أبو سعد الخطمي ، المدني ، مولى الأنصار » قال بشر بن عمر : سألت مالكاً عنه فقال : ليس بثقة ، وقال ابن معين : ليس بشيء ضعيف ، وقال ابن سعد : كان شيخاً قديماً ، روى عن زيد بن ثابت وعامة الصحابة ، وبقي حتى اختلط واحتاج ، وله أحاديث ، وليس يحتج به ، وقال أبو زرعة : لين ، وقال النسائي : ضعيف ، وقال الدارقطني : ضعيف ، يعتبر به ، وقال ابن عدي : له أحاديث وليست بالكثيرة ، وفي عامة ما يرويه نكارة ، وذكره بن حبان في الثقات . وفي سماعه من عويم بن ساعدة نظر ؛ لأن عويماً مات في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقال في خلافة عمر رضي الله عنه . انظر : تهذيب التهذيب (4/282).
والحديث أورده الهيثمي في « مجمع الزوائد » (1/212) وقال : « رواه أحمد والطبراني في الثلاثة ، وفيه شرحبيل بن سعد ، ضعفه مالك وابن معين وأبو زرعة ووثقه ابن حبان ».
الشاهد الثالث :
حديث أبي أيوب الأنصاري ، وجابر بن عبد الله ، وأنس بن مالك رضي الله عنهم : أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لما نَزَلَتْ { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فِي الطُّهُورِ فَمَا طُهُورُكُمْ ؟ قَالُوا : نَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ ، وَنَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ ، وَنَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ . قَالَ : فَهُوَ ذَاكَ فَعَلَيْكُمُوهُ ».
أخرجه ابن ماجه في سننه ، في كتاب الطهارة وسننها ، حديث (355) ، وابن أبي حاتم في تفسيره(6/1882) ، وابن الجارود في المنتقى (1/22) ، والدارقطني في سننه (1/62) ، والحاكم في المستدرك (2/365) ، والبيهقي في السنن الكبرى (1/105) ، وفي شعب الإيمان (3/18) . جميعهم من طريق عتبة بن أبي حكيم قال : حدثني طلحة بن نافع قال : حدثني أبو أيوب الأنصاري وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك ، فذكره .
قال الزيلعي في نصب الراية (1/218) : « سنده حسن ، وعتبة بن أبي حكيم فيه مقال ،قال أبو حاتم : صالح الحديث ، وقال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به ، وضعفه النسائي ، وعن ابن معين فيه روايتان ».
وقال النووي في « المجموع » (2/116): « إسناده صحيح ؛ إلا أن فيه عتبة بن أبي حكيم وقد اختلفوا في توثيقه ، فوثقه الجمهور , ولم يبين من ضعفه سبب ضعفه , والجرح لا يقبل إلا مفسراً , فيظهر الاحتجاج بهذه الرواية ».
قلت : والحديث فيه انقطاع ؛ فإن طلحة بن نافع لم يدرك أبا أيوب ، كما أشار إلى ذلك البوصيري في « مصباح الزجاجة » (1/222).
الشاهد الرابع :
حديث محمد بن عبد الله بن سلام قال : لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْنَا يَعْنِي قُبَاءً قَالَ :« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فِي الطُّهُورِ خَيْرًا أَفَلَا تُخْبِرُونِي ؟ قَالَ : يَعْنِي قَوْلَهُ : { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } قَالَ : فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَجِدُهُ مَكْتُوبًا عَلَيْنَا فِي التَّوْرَاةِ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ ».
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/141) ، والإمام أحمد في مسنده ( 6/6) ، وابن جرير في تفسيره (6/476) ، والبخاري في التاريخ الكبير (1/18) ، جميعهم من طريق مالك بن مغول قال : سمعت سياراً أبا الحكم غير مرة يحدث عن شهر بن حوشب ، عن محمد بن عبد الله بن سلام قال : ... فذكره .
وأخرجه الطبري في تفسيره (6/476) ، والبغوي في « معجم الصحابة » كما في « الإصابة » (6/22) ، عن أبي هشام الرفاعي ، عن يحيى بن آدم – وقد تحرف عند الطبري إلى يحيى بن رافع – عن مالك بن مغول ، به .
قال الحافظ ابن حجر في « الإصابة (6/22) : « لكن قال فيه يحيى :لا أعلمه إلا عن أبيه – يريد : عن محمد بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه عبد الله بن سلام . وقال أبو هشام : وكتبته من أصل كتاب يحيى بن آدم ليس فيه عن أبيه ، وقال البغوي : حدث به الفريابي عن مالك بن مغول عن سيار عن شهر عن محمد عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر أباه.
وقال ابن مندة : رواه داود بن أبي هند عن شهر مرسلا ، لم يذكر محمداً ولا أباه ، ورواه سلمة بن رجاء ، عن مالك بن مغول ، فزاد فيه : « عن أبيه » وقال أبو زرعة الرازي : الصحيح عندنا عن محمد ، ليس فيه عن أبيه، والله أعلم ».أهـ
وأخرجه أبو نعيم الأصبهاني في كتابه « معرفة الصحابة » ، حديث (629) من طريق الإمام أحمد ، ثم قال : « ورواه أبو أسامة ، وابن المبارك ، والفريابي ، وعنبسة بن عبد الواحد ، ومحمد بن سابق ، كرواية يحيى بن آدم ، وخالفهم سلمة بن رجاء ، عن مالك ، فقال : عن محمد بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ».
ثم ساق رواية سلمة بن رجاء فقال : « حدثناه الحسن بن أحمد بن صالح السبيعي ، ثنا إبراهيم بن عبد الرحيم بن الحجاج الرقي ، ثنا يعقوب بن حميد ، ثنا سلمة بن رجاء ، عن مالك بن مغول ، عن سيار أبي الحكم ، عن شهر بن حوشب ، عن محمد بن عبد الله بن سلام ، قال : قال أبي .... فذكره .
ثم قال : ورواه زيد ، ويحيى ابنا أبي أنيسة ، عن سيار ، عن محمد بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ، كرواية سلمة بن رجاء ، عن مالك بن مغول .
حدثنا بحديث زيد : محمد بن إبراهيم ، ثنا الحسن بن محمد بن حماد ، ثنا محمد بن وهب ، ثنا محمد بن سلمة ، عن أبي عبد الرحيم ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن سيار أبي الحكم ، عن شهر بن حوشب ، عن محمد بن عبد الله بن سلام ، قال : سمعت أبي يقول : .... فذكره .
وحديث يحيى : حدثناه سليمان ، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا عبد الله بن حماد الحضرمي ، ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن يحيى بن أبي أنيسة ، عن سيار أبي الحكم ، عن شهر بن حوشب ، عن محمد بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه قال .... فذكره ».أهـ.
قلت : الحديث مداره على : « شهر بن حوشب الأشعري أبو سعيد ، الشامي ، مولى أسماء بنت يزيد بن السكن » : وثقه جماعة ، والأكثر على تضعيفه .
قال إبراهيم بن الجوزجاني : أحاديثه لا تشبه أحاديث الناس ، وقال موسى بن هارون : ضعيف ، وقال النسائي: ليس بالقوي ، وقال يعقوب بن شيبة : قيل لابن المديني : ترضى حديث شهر ؟ فقال : أنا أحدث عنه ، وكان عبد الرحمن يحدث عنه ، وأنا لا أدع حديث الرجل إلا أن يجتمعا عليه: يحيى وعبد الرحمن على تركه ، وقال حرب بن إسماعيل عن أحمد: ما أحسن حديثه ووثقه ، وقال حنبل عن أحمد : ليس به بأس ، وقال عثمان الدارمي : بلغني أن أحمد كان يثني على شهر ، وقال الترمذي عن البخاري : شهر حسن الحديث ، وقوى أمره ، وقال ابن أبي خيثمة ومعاوية بن صالح عن ابن معين : ثقة ، وقال عباس الدوري عن ابن معين : ثبت ، وقال العجلي : شامي تابعي ثقة ، وقال يعقوب بن شيبة : ثقة ، على أن بعضهم قد طعن فيه ، وقال أبو زرعة : لا بأس به ، وقال ابن حبان : كان ممن يروي عن الثقات المعضلات ، وعن الأثبات المقلوبات ، وقال الحاكم : أبو أحمد ليس بالقوي عندهم ، وقال ابن عدي : وعامة ما يرويه شهر وغيره من الحديث فيه من الإنكار ما فيه وشهر ليس بالقوي في الحديث وهو ممن لا يحتج بحديثه ولا يتدين به ، وقال الدارقطني : يخرج حديثه ، وقال البيهقي: ضعيف ، وقال ابن حزم : ساقط ، وقال ابن عدي : ضعيف جداً . انظر : تهذيب التهذيب (4/324-325).
والحديث أورده الهيثمي في « مجمع الزوائد » (1/213) وقال : « رواه الطبراني في الكبير ، وفيه شهر بن حوشب وقد اختلفوا فيه ولكنه وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة ويعقوب بن شيبة ».
الشاهد الخامس :
حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل قباء : « ما هذا الطهور الذي قد خصصتم به في هذه الآية { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } قالوا : يا رسول الله ما منا أحد يخرج من الغائط إلا غسل مقعدته ».
أخرجه الطبراني في الكبير (8/121) ، وفي الأوسط (3/231) قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن يحيى بن العلاء عن ليث عن شهر بن حوشب ، عن أبي أمامة ، فذكره .
وفيه « شهر بن حوشب » وقد تقدم الكلام فيه في الشاهد الرابع .
الشاهد السادس :
حديث خزيمة بن ثابت رضي الله عنه قال : كان رجال منا إذا خرجوا من الغائط يغسلون أثر الغائط فنزلت فيهم هذه الآية { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ }.
أخرجه الطبراني في الكبير (4/100) ، من طريق أبي بكر بن أبي سبرة ، عن شرحبيل بن سعد ، عن خزيمة ، به.
وفي إسناده « أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة » ، قال صالح بن الإمام أحمد عن أبيه : أبو بكر بن أبي سبرة يضع الحديث ، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه : ليس بشيء ، كان يضع الحديث ويكذب ، وقال الدوري ، ومعاوية بن صالح ، عن ابن معين: ليس حديثه بشيء ، وقال الغلابي عن ابن معين : ضعيف الحديث ، وقال ابن المديني : كان ضعيفا في الحديث ، وقال مرة : كان منكر الحديث ، وقال الجوزجاني : يضعف حديثه ، وقال البخاري : ضعيف ، وقال مرة : منكر الحديث ، وقال النسائي : متروك الحديث ، وقال ابن عدي : عامة ما يرويه غير محفوظ ، وهو في جملة من يضع الحديث . انظر : تهذيب التهذيب (12/30-31).
وفيه أيضاً « شرحبيل بن سعد » ضعيف ، وقد تقدم الكلام فيه في الشاهد الثاني .
وأخرجه ابن جرير في تفسيره (6/476) ، من طريق إبراهيم بن محمد ، عن شرحبيل ، به .
والحديث أورده الهيثمي في « مجمع الزوائد » (1/213) وقال: « رواه الطبراني ، وفيه أبو بكر بن أبي سبرة ، وهو متروك ».
الشاهد السابع :
حديث سهل الأنصاري : أن هذه الآية نزلت في ناس من أهل قباء كانوا يغسلون أدبارهم من الغائط { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ }.
أخرجه عمر بن شبة في « أخبار المدينة » (1/37) قال : حدثنا هارون بن معروف ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب، قال : حدثنا يزيد بن عياض ، عن الوليد بن أبي سندر الأسلمي ، عن يحيى بن سهل الأنصاري عن أبيه ، به .
وفيه « يزيد بن عياض بن جعدبة الليثي ، أبو الحكم المدني » ، قال الإمام مالك : كذاب ، وقال ابن معين : ليس بشيء ، وقال أحمد بن صالح المصري : أظنه كان يضع للناس ، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه : ضعيف الحديث منكر الحديث ، وعن أبي زرعة :ضعيف الحديث ، وأمر أن يضرب على حديثه ، وقال البخاري ومسلم : منكر الحديث ، وقال أبو داود : ترك حديثه ، وقال النسائي : متروك الحديث ، وقال في موضوع آخر : كذاب ، وقال مرة : ليس بثقة ، ولا يكتب حديثه ، وقال ابن عدي : عامة ما يرويه غير محفوظ ، وقال العجلي ، وعلي بن المديني ، والدارقطني : ضعيف ، وقال يزيد بن الهيثم عن ابن معين : كان يكذب. انظر : تهذيب التهذيب (11/308).
الشاهد الثامن :
حديث أبي أيوب رضي الله عنه قال : قالوا يا رسول الله: من هؤلاء الذين قال الله عز وجل : { رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } ؟ قال : « كانوا يستنجون بالماء ، وكانوا لا ينامون الليل كله ».
أخرجه الطبراني في الكبير (4/179) ، والحاكم في المستدرك (1/299) ، كلاهما من طريق واصل بن السائب ، عن عطاء بن أبي رباح ، وعن أبي سورة ، عن عمه أبي أيوب ، به .
وفي إسناده « واصل بن السائب الرقاشي أبو يحيى البصري » ، قال يحيى بن معين : ليس بشيء ، وقال أبو بكر بن أبي شيبه : ضعيف ، وقال أبو زرعة : ضعيف الحديث ، وقال البخاري ، وأبو حاتم : منكر الحديث ، وقال النسائي : متروك الحديث ، وقال ابن عدي : أحاديثه لا تشبه أحاديث الثقات ، وقال يعقوب بن سفيان ، والساجي : منكر الحديث ، وقال الأزدي : متروك الحديث . انظر : تهذيب التهذيب (11/92).
والحديث أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1/213) , وقال : « رواه الطبراني في الكبير ، وفيه واصل بن السائب وهو ضعيف ».
النتيجة :
الذي يظهر – والله تعالى أعلم – أن الحديث صحيح باعتبار شواهده ، وأن الآية نزلت في رجال من الأنصار ، وأما كونها نزلت في أهل قباء خاصة فلا يصح ؛ لأن الطرق التي فيها ذكر « قباء » ضعيفة جداً ، ولا يصح اعتبارها ، والله تعالى أعلم .
 
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وعبده،
وبعد
فجزى الله فضيلة الشيخ أحمد خيرا
ولكني أشكل علي وصولك إلى هذه الخلاصة
فقد ذكرت حديث أبي هريرة وذكرت شواهده وبقراءة الشواهد الأول والثاني والرابع والخامس و السابع والثامن، يلاحظ تخصيص أهل قباء بتلك المنقبة، بالإضافة إلى حديث أبي هريرة
فالشاهد الأول وهو حديث ابن عباس رضي الله عنهما فيه ذكر عويم بن ساعدة رضي الله عنه ، وفي الشاهد الثاني التصريح بكونه من أهل قباء ألا يصلح الحديثان أن يكون كل واحد منهما شاهدا للآخر خاصة إذا علمنا أن شرحبيل بن سعد صدوق تغير بأخرة كما قال الحافظ فضعف الحديث ليس قويا كما ترى. والعلة التي فيه ليست بأظهر من العلل التي في أحاديث تعميم المنقبة على الأنصار. خاصة مع عدم الضعف الشديد في الشاهد الثاني، والرابع والخامس ففي الأخيرين شهر بن حوشب معروف كلام العلماء فيه وأقل أحوال صلاحيته للاعتبار والشواهد،
والذي يظهر من قراءة بحثك دون زيادة أن نزول الآية في أهل قباء ثابت أيضا ، للأمور التالية:
1- الصناعة الحديثية تقتضي تحسين أحاديث بأقل من تلك الطرق التي أوردتها في البحث، وضعف أكثرها ليس قويا إن لم يكن حسنا برأسه. كيف وأكثر الشواهد قد نصت على أهل قباء.
2- أن الأحاديث التي فيها ذكر نزولها في الأنصار تصلح شواهد أيضا لها، فبعض الرواة يذكر الوصف العام (الأنصار) وبعضهم يذكر الوصف الخاص فلا إشكال
3- قال الشيخ الألباني رحمه الله في الثمر المستطاب :قلت: ظاهر الآية التي أشار إليها النووي رحمه الله وهو قوله تعالى في سورة التوبة: {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ، فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين} [ التوبة/108 ] يفيد أن المراد مسجد قباء؛ لأن في الآية ضميرين يرجعان إلى مضمر واحد بغير نزاع ، وضمير الظرف الذي يقتضي الرجال المتطهرين هو مسجد قباء؛ فهو الذي أسس على التقوى ، والدليل على هذا سبب نزول الآية . وهو ما أخرجه أحمد ( 3/422 ) من طريق أبي أويس: ثنا شرحبيل عن عويم بن ساعدة الأنصاري أنه حدثه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في مسجد قباء فقال:
( إن الله تبارك وتعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم؛ فما هذا الطهور الذي تطهرون به؟ ) .
قالوا: والله يا رسول الله! ما نعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا .
وهذا إسناد حسن . ورواه ابن خزيمة في ( صحيحه ) كما في تفسير ابن كثير ) ( 2/389 ) .
وله شاهد بإسناد حسن أيضا كما في ( نصب الراية ) ( 1/219 ) من حديث أبي أيوب الأنصاري وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك .
أخرجه ابن ماجه ( 1/146 ) والحاكم ( 2/334-335 ) وقال:
( صحيح الإسناد ) ، ووافقه الذهبي .
ولذا فإني ألتمس من فضيلة الشيخ معاودة قراءة البحث، وتأمله، ومن ثم إقناعنا بأسباب خلوصه لتلك الخلاصة، أو أسباب رجوعه عنها،
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
أخي الكريم الشيخ عبد الله بلقاسم حفظه الله :
أشكر لك تفضلك بإبداء ملاحظاتك حول هذه المسألة ، وأما بخصوص الإيرادات التي ذكرتها فأقول :
قولك : الشاهد الأول وهو حديث ابن عباس رضي الله عنهما فيه ذكر عويم بن ساعدة رضي الله عنه .
أقول : وماذا يعني ذكر عويم ، وهل ثبت كونه من أهل قباء خاصة ؟
قولك : وفي الشاهد الثاني التصريح بكونه من أهل قباء ألا يصلح الحديثان أن يكون كل واحد منهما شاهدا للآخر؟
أقول : الشاهد الثاني فيه شرحبيل بن سعد ، وقد ذكرت أقوال النقاد فيه حيث لم يوثقه إلا ابن حبان ، ألا يكفي هذا في عدم صحة روايته ، إضافة إلى الانقطاع بينه وبين عويم بن ساعده ، وهذا ضعف شديد لا يصلح به أن يكون شاهدا لغيره .
قولك : إن شرحبيل بن سعد صدوق تغير بأخرة كما قال الحافظ فضعف الحديث ليس قويا كما ترى.
أقول : بل شرحبيل ضعيف جدا ، وحسبك أقوال النقاد فيه ، وقد ذكرتها فارجع إليها .
وأما الشاهد الرابع والخامس فلا يصلحان أيضا للاعتبار والشواهد ، لأن شهر بن حوشب الراوي لهما له مناكير في روايته ، وفي حفظه ضعف ، فيخشى أن تكون لفظة « قباء » مدرجة منه ، وأنا لم أطرح جميع الروايات لكني أشكك في ثبوت لفظة « قباء » في روايات الحديث .
قولك : إن الصناعة الحديثية تقتضي تحسين أحاديث بأقل من تلك الطرق التي أوردتها في البحث، وضعف أكثرها ليس قويا إن لم يكن حسنا برأسه. كيف وأكثر الشواهد قد نصت على أهل قباء.
أقول : الشواهد التي نصت على مسجد قباء ضعيفة جدا ، بخلاف بقية الشواهد التي لم يذكر فيها قباء ، حيث صححها بعض العلماء ، والقول بتقوية الحديث بكثرة طرقه ليس على إطلاقه ، وقد نبّه على ذلك غير واحد من علماء الحديث المحققين ، منهم الحافظ أبو عمرو بن الصلاح في مقدمته ،حيث قال : « لعل الباحث الفهم يقول : إنا نجد أحاديث محكوماً بضعفها ، مع كونها قد رويت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة .... ، فهلا جعلتم ذلك وأمثاله من نوع الحسن ؛ لأن بعض ذلك عضد بعضاً ، كما قلتم في نوع الحسن على ما سبق آنفاً ؟
وجواب ذلك : أنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه ، بل ذلك يتفاوت ، فمنه ما يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئاً من ضعف حفظ راويه ، ولم يختل فيه ضبطه له .... ، ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف ، وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته ، وذلك كالضعيف الذي ينشأ من كون الراوي متهماً بالكذب ، أو كون الحديث شاذاً ، وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث ، فاعلم ذلك فإنه من النفائس العزيزة ».أهـ
وقولك : أن الأحاديث التي فيها ذكر نزولها في الأنصار تصلح شواهد أيضا لها، فبعض الرواة يذكر الوصف العام (الأنصار) وبعضهم يذكر الوصف الخاص فلا إشكال
أقول : بل هذه الأحاديث تؤكد القول بأن الآية نزلت في الأنصار عموما دون أهل قباء .
وأما ما ذكرته من تحسين الألباني لرواية شرحبيل فلا يسلم له ، لضعف شرحبيل .
وما ذكر الألباني من شواهد وهي حديث أبي أيوب ، وجابر وأنس فهي نعم شواهد قوية ، لكن لأصل سبب النزول ، لا أنها نزلت في أهل قباء .
ومما يؤكد القول بأن الآية لم تنزل في مسجد قباء ما ورد في صحيح مسلم لما سأل النبي صلى الله عليه عن المسجد الذي أسس على التقوى فأجاب بانه المسجد النبوي ، فلو كان سبب النزول صحيحا لكان معارضا لهذا الحديث كما ترى .
 
الأخ الكريم أحمد القصير حفظه الله ، وحفظة الإخوة الكرام
لقد كنت أود الحصول على تتيجة بحثكم في كون أن الآية لم تنزل في أهل قباء ، وقد ننصصتم على ذلك في ردكم على الأخ الكريم عبد الله بالقاسم ، وذكرتم ما صح عن النبي صللا الله عليه وسلم لما سئل عن الآية فقال : مسجدي هذا .
ولا شكَّ في دخول مسجده صلى الله عليه وسلم في معنى الآية ، لكن الحديث لا يُخرج مسجد قباء من أن يكون أسس على التقوى ، بل السياق يدلُّ على ذلك ، وهو ـ فيما يبدو ـ ظاهر واضح لا لبس فيه ، حيث كان الحديث عن مسجد الضرار الذي أقامه المنافقين مضارة لمسجد قباء ، فنهي عن الصلاة فيه ، ثم نوَّه الله بفضل مسجد قباء .
وكما تلاحظ أن الإشكال كان قديمًا ، حيث وقع السؤال عن المراد بالمسجد الذي أسس على التقوى من الصحابة الكرام ، ووقع عندهم السؤال عن أي المسجدين أسس على التقوى ؟
ولا شكَّ أنهما كلهما أسسا على ذلك ، ولدفع إيهام أن يكون المراد به مسجد قباء دون غيره نصَّ الرسول صلى الله عليه وسلم على مسجده ، وفي هذا إشارة إلى تعميم هذا الوصف في كل مسجد أسس على التقوى ، والله أعلم .
والمقصود : أن السياق يدل على مسجد قباء ، والحديث يدل على دخول مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا تنافي في ذلك ، والله أعلم ، لما ذكرت لك .
أسأل الله أن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى .
 
جزاكم الله خيرا

جزاكم الله خيرا

بسم الله الرحمن الرحيم
جزاك الله خيرا فضيلة الشيخ أحمد
جزاك الله خيرا فضيلة الشيخ مساعد
وأعد فضيلة الشيخ أحمد بمراجعة ماكتبت وكتب إن تمكنت في الأيام القادمة إن شاء الله تعالى ،لكن أحببت تسجيل قراءتي لرده الكريم ومداخلة فضيلة الشيخ مساعد وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
أشكر مشايخنا الأفاضل على مداخلاتهم ، وأخص بالشكر أستاذنا الفاضل الدكتور مساعد الطيار .
وأحب أن أنبه أن ما أريده في هذا النقاش هو الوصول للحقيقة لا التعصب لرأيي ، وما وصلت إليه من نتيجة في هذا البحث هو رأيي القاصر ، والله المستعان .
شيخنا الكريم الدكتور مساعد :
ما ذكرته من أن المراد بالمسجد الذي أسس على التقوى هو : مسجد قباء ، والمسجد النبوي ، وأن كلاهما مراد الآية ، هو مذهب الجمهور من العلماء ، لكن يشكل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل حينما سأل عن ذلك بأن كلاهما قد أسس على التقوى ، خصوصا وأن المقام مقام تبيين ، ذلك أنه تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم فسألا النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هو مسجدي هذا .
وعليه فإن القول بأن كلاهما قد أسس على التقوى فيه مصادمة للنص كما لايخفى ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن قباء : وفي ذاك خير كثير ، وهذا من أوضح الأدلة على أن مسجد قباء ليس هو المؤسس على التقوى ، والقول بأن كلاهما أسس على التقوى هو كالاستدراك على النبي صلى الله عليه وسلم ؟!!
وأما قولك : بأن السياق واضح بأن مراد الآية هو مسجد قباء ، واستدللت على ذلك بالحديث عن مسجد الضرار .
أقول : ليس في السياق ما يفيد ذلك وهاك الدليل على ذلك :
1- أن قوله تعالى : { مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ } ليس المراد به : من أول أيام قدوم النبي صلى الله عليه وسلم لدار الهجرة ، بل المراد من أول أيام تأسيس المسجد ، والمعنى أنه أسس أول ما أسس على التقوى ، لا على الكفر والضرار ، يدل على هذا المعنى أن هذه الآية وردت في مقابل الآية التي قبلها ، وهي قوله تعالى : { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [ التوبة : 107 ] فمسجد الضرار أسس أول ما أسس على الضرار والكفر والتفريق بين المؤمنين ، لذلك أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بإحراقه وهدمه ؛ لأن بناءه لم يكن على أساس من التقوى والرضوان ، وأما المسجد النبوي فأسس أول ما أسس على تقوى من الله ورضوان ، ويؤيد هذا المعنى أيضا قوله في الآية التي بعدها : { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [ التوبة : 109] فهذه الآية صريحة بأن المراد من أول أيام تأسيس المسجد ، وأنه أسس أول ما أسس على التقوى .
2 _ ومما يؤكد أن المراد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قوله في الآية :{ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ } حيث أمر الله تعالى نبيه بالقيام فيه ، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدم القيام بمسجد قباء ، وإنما كان يزوره ويصلي فيه في الأسبوع مرة واحدة ، والذي كان يداوم على الصلاة فيه هو مسجده الذي في جوف المدينة ، وما كان للنبي صلى الله عليه وسلم أن يخالف أمر الله تعالى فيترك مسجد قباء ، وقد أُمِرَ بالقيام فيه ، وإنما أمر بالقيام في مسجده ، والذي هو مراد الآية .
ولست بدعاً فيما ذهبت إليه من تضعيف الروايات الواردة في سبب نزول الآية والتي فيها التنصيص على مسجد قباء ، فقد سبقني إلى ذلك الشوكاني في تفسيره حيث قال :« ولا يخفاك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عين هذا المسجد الذي أسس على التقوى ، وجزم بأنه مسجده ، كما قدمنا من الأحاديث الصحيحة ، فلا يقاوم ذلك قول فرد من الصحابة ولا جماعة منهم ولا غيرهم ، ولا يصح لإيراده في مقابلة ما قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا فائدة في إيراد ما ورد في فضل الصلاة في مسجد قباء ؛ فإن ذلك لا يستلزم كونه المسجد الذي أسس على التقوى ، على أن ما ورد في فضائل مسجده صلى الله عليه وسلم أكثر مما ورد في فضل مسجد قباء بلا شك ولا شبهة تعم ».أهـ
وأجاب عن سبب نزول الآية « بأن بعض طرقه فيها ضعف ، وبعضها ليس فيه تعيين مسجد قباء ، وبعضها لا تصريح فيه بأن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد قباء ، وإذ الأمر كذلك فإن هذه الأحاديث الواردة في سبب نزول الآية لا تقاوم الأحاديث الصحيحة الصريحة بأن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ».
 
بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الشيخ أحمد جزاك الله خيرا على طلبك الحق ورغبتك فيه ، وعنايتك بإشكالات إخوانك
الخلاف يدور حول نقطة واحدة:
1- هل صح الأثر بنزول الآية في أهل قباء أم لا
إذ الجواب يفصل النزاع بلا ريب،
فلو سلمنا بعدم صحة الأثر لقلنا بحديث أبي سعيد في مسلم بلا تردد دون حاجة إلى التفصيل في ترجيح هذا القول من ألفاظ الآية وأحسبك تظن بنا ذلك
ولو سلمت أنت بصحة الأثر في نزولها في أهل قباء لجهدت في الجمع بينها وبين حديث أبي سعيد على وجه لا يلغي مدلول أحدهما فالجمع أولى من الترجيح عند إمكانه كما هو متقرر في علم الأصول
فانتقالنا إلى مسألة الجمع تجاوز لمحل الخلف، ونقد من جمع بأنه يستدرك على الرسول صلى الله عليه وسلم لا معنى له ، إذ المقصود إعمال النصوص كلها، وعدم إلغاء بعضها
فالشوكاني والقرطبي رحمهم الله تعالى ومن قال بأنه مسجد المدينة لم يصح عندهم الحديث في أن سبب نزول الآية في أهل قباء ، فلم يتكلفوا الجمع،
والجمهور ومن تابعهم كالحافظ بن حجر وابن القيم وابن تيمية وابن كثير والألباني رحمهم الله صح عندهم الحديث في أهل قباء فجمعوا،
ولذا فإن بحث المسألة من جهة الرواية هو المخلص إلى اتفاق أو افتراق
فحديث أبي سعيد جاوز قنطرة البحث بكونه في صحيح مسلم
ولا زال لنا معك مداولات في أحاديث أهل قباء، وأصدقك القول أن نفسي لم تطب بتضعيف أحاديثها .
وجزاك الله خيرا
 
السلام عليكم

إخوتي الكرام

بالنسبة لحديث أهل قباء
فقد سمعت فضيلة الشيخ محمد بن محمد المختار يقول إن الأمة تلقته بالقبول. والله أعلم
 
وقال ابن حجر في بقية كتاب المناقب..باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم:
( و مسجد قباء، فهو أول مسجد بني " يعني بالمدينة، وهو في التحقيق أول مسجد صلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه بأصحابه جماعة ظاهرا، وأول مسجد بني لجماعة المسلمين عامة، وإن كان قد تقدم بناء غيره من المساجد لكن لخصوص الذي بناها...

وقد اختلف في المراد بقوله تعالى: (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم) فالجمهور على أن المراد به مسجد قباء هذا وهو ظاهر الآية، وروى مسلم من طريق عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال: هو مسجدكم هذا "... قال القرطبي: هذا السؤال صدر ممن ظهرت له المساواة بين المسجدين في اشتراكهما في أن كلا منهما بناه النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك سئل النبي صلى الله عليه وسلم عنه فأجاب بأن المراد مسجده، وكأن المزية التي اقتضت تعيينه دون مسجد قباء لكون مسجد قباء لم يكن بناؤه بأجر جزم من الله لنبيه، أو كان رأيا رآه بخلاف مسجده، أو كان حصل له أو لأصحابه فيه من الأحوال القلبية ما لم يحصل لغيره، انتهى.... ويحتمل أن تكون المزية لما اتفق من طول إقامته صلى الله عليه وسلم بمسجد المدينة، بخلاف مسجد قباء فما أقام به إلا أياما قلائل، وكفى بهذا مزية من غير حاجة إلى ما تكلفه القرطبي،

والحق أن كلا منهما أسس على التقوى.

وقوله تعالى في بقية الآية (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) يؤيد كون المراد مسجد قباء، وعند أبي داود بإسناد صحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " نزلت (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) في أهل قباء " .
وعلى هذا فالسر في جوابه صلى الله عليه وسلم بأن المسجد الذي أسس على التقوى مسجده رفع توهم أن ذلك خاص بمسجد قباء، والله أعلم.... قال الداودي وغيره: ليس هذا اختلافا، لأن كلا منهما أسس على التقوى وكذا قال السهيلي وزاد غيره أن قوله تعالى: (من أول يوم) يقتضي أنه مسجد قباء، لأن تأسيسه كان في أول يوم حل النبي صلى الله عليه وسلم بدار الهجرة، والله أعلم).أ.هـ
 
عودة
أعلى