أحمد القصير
New member
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فهذا بحث قمت فيه بجمع الروايات الواردة في سبب نزول قوله تعالى : { لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } [ التوبة : 108 ] .
وخلاصته : أن الآية نزلت في رجال من الأنصار ، وأما كونها نزلت في أهل قباء خاصة فلا يصح ؛ لأن الطرق التي فيها ذكر « قباء » ضعيفة جداً ، ولا يصح اعتبارها ، والله تعالى أعلم .
========================================
وفيما يلي تفصيل ذلك :
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءَ { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } قَالَ : كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِمْ ».
أخرجه أبو داود في سننه ، في كتاب الطهارة ، حديث (44) ، والترمذي في سننه ، في كتاب التفسير ، حديث (3100) ، وابن ماجه في سننه، في كتاب الطهارة وسننها ، حديث (357) ، والبيهقي في السنن الكبرى (1/105) ، جميعهم من طريق يونس بن الحارث ، عن إبراهيم بن أبي ميمونة ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، به .
وهذا الإسناد فيه علتان :
الأولى : ضعف يونس بن الحارث ، كما في « تقريب التهذيب » (2/394) .
الثانية : جهالة إبراهيم بن أبي ميمونة ، قال ابن القطان : « مجهول الحال » ، تهذيب التهذيب (1/152) ، وقال الذهبي : « ما روى عنه سوى يونس بن الحارث » . ميزان الاعتدال (1/197).
وقد حكم على هذا الإسناد بالضعف : النووي في المجموع ( 2/116) ، والحافظ ابن كثير في تفسيره (2/403) ، والحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (1/112). وانظر : إرواء الغليل (1/84-85).
وقد ذكر الألباني في إرواء الغليل (1/84-85) أن الحديث صحيح باعتبار شواهده ، وسأذكر شواهده ثم أبين بعد ذلك درجة الحديث وحكم الاحتجاج به :
الشاهد الأول :
حديث ابن عباس رضي الله عنه قال : لما نزلت { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا } بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عويم بن ساعدة فقال :« ما هذا الطهور الذي أثنى الله به عليكم ؟ فقال : ما خرج رجل منا أو امرأة من الغائط إلا غسل دبره أو مقعده . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فهو هذا ».
أخرجه الطبراني في الكبير (11/67) ، وعمر بن شبة في « أخبار المدينة » (1/37) ، والحاكم في المستدرك (1/299) وقال « صحيح على شرط مسلم » ، ووافقه الذهبي ، والبيهقي في السنن الكبرى (1/105) ، جميعهم من طريق محمد بن إسحاق ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، به .
قال الهيثمي في « مجمع الزوائد » (1/212) : « رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن إلا أن ابن إسحاق مدلس وقد عنعنه ».
ورواه البزار في مسنده ، كما في « نصب الراية » (1/218) قال : حدثنا عبد الله بن شبيب ثنا أحمد بن محمد بن عبد العزيز قال وجدت في كتاب أبي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في أهل قباء { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا نتبع الحجارة الماء ». قال البزار : « هذا حديث لا نعلم أحداً رواه عن الزهري إلا محمد بن عبد العزيز ولا نعلم أحداً روى عنه إلا ابنه » .انتهى . قال الحافظ ابن حجر في « التلخيص » (1/112) : « ومحمد بن عبد العزيز ضعفه أبو حاتم فقال : ليس له ولا لأخويه عمران وعبد الله حديث مستقيم ، وعبد الله بن شبيب ضعيف أيضاً ». أ.هـ وانظر : مجمع الزوائد (1/212) ، والدراية في تخريج أحاديث الهداية (1/96) ، ونصب الراية ، للزيلعي (1/218).
الشاهد الثاني :
حديث عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أَتَاهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ فَقَال : «َ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَحْسَنَ عَلَيْكُمْ الثَّنَاءَ فِي الطُّهُورِ فِي قِصَّةِ مَسْجِدِكُمْ ، فَمَا هَذَا الطُّهُورُ الَّذِي تَطَّهَّرُونَ بِهِ ؟ قَالُوا : وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَعْلَمُ شَيْئًا إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لَنَا جِيرَانٌ مِنْ الْيَهُودِ فَكَانُوا يَغْسِلُونَ أَدْبَارَهُمْ مِنْ الْغَائِطِ فَغَسَلْنَا كَمَا غَسَلُوا ».
أخرجه الإمام أحمد في مسنده ( 3/422) ، وابن جرير في تفسيره (6/476) ، وابن خزيمة في صحيحه (1/45) ، والطبراني في الكبير (17/140) ، والأوسط(6/89) ، والصغير (2/86) ، والحاكم في المستدرك (1/258) ، جميعهم من طريق أبي أويس ، عن شرحبيل بن سعد ، عن عويم بن ساعدة ، به .
وفي إسناده « شرحبيل بن سعد ، أبو سعد الخطمي ، المدني ، مولى الأنصار » قال بشر بن عمر : سألت مالكاً عنه فقال : ليس بثقة ، وقال ابن معين : ليس بشيء ضعيف ، وقال ابن سعد : كان شيخاً قديماً ، روى عن زيد بن ثابت وعامة الصحابة ، وبقي حتى اختلط واحتاج ، وله أحاديث ، وليس يحتج به ، وقال أبو زرعة : لين ، وقال النسائي : ضعيف ، وقال الدارقطني : ضعيف ، يعتبر به ، وقال ابن عدي : له أحاديث وليست بالكثيرة ، وفي عامة ما يرويه نكارة ، وذكره بن حبان في الثقات . وفي سماعه من عويم بن ساعدة نظر ؛ لأن عويماً مات في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقال في خلافة عمر رضي الله عنه . انظر : تهذيب التهذيب (4/282).
والحديث أورده الهيثمي في « مجمع الزوائد » (1/212) وقال : « رواه أحمد والطبراني في الثلاثة ، وفيه شرحبيل بن سعد ، ضعفه مالك وابن معين وأبو زرعة ووثقه ابن حبان ».
الشاهد الثالث :
حديث أبي أيوب الأنصاري ، وجابر بن عبد الله ، وأنس بن مالك رضي الله عنهم : أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لما نَزَلَتْ { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فِي الطُّهُورِ فَمَا طُهُورُكُمْ ؟ قَالُوا : نَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ ، وَنَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ ، وَنَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ . قَالَ : فَهُوَ ذَاكَ فَعَلَيْكُمُوهُ ».
أخرجه ابن ماجه في سننه ، في كتاب الطهارة وسننها ، حديث (355) ، وابن أبي حاتم في تفسيره(6/1882) ، وابن الجارود في المنتقى (1/22) ، والدارقطني في سننه (1/62) ، والحاكم في المستدرك (2/365) ، والبيهقي في السنن الكبرى (1/105) ، وفي شعب الإيمان (3/18) . جميعهم من طريق عتبة بن أبي حكيم قال : حدثني طلحة بن نافع قال : حدثني أبو أيوب الأنصاري وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك ، فذكره .
قال الزيلعي في نصب الراية (1/218) : « سنده حسن ، وعتبة بن أبي حكيم فيه مقال ،قال أبو حاتم : صالح الحديث ، وقال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به ، وضعفه النسائي ، وعن ابن معين فيه روايتان ».
وقال النووي في « المجموع » (2/116): « إسناده صحيح ؛ إلا أن فيه عتبة بن أبي حكيم وقد اختلفوا في توثيقه ، فوثقه الجمهور , ولم يبين من ضعفه سبب ضعفه , والجرح لا يقبل إلا مفسراً , فيظهر الاحتجاج بهذه الرواية ».
قلت : والحديث فيه انقطاع ؛ فإن طلحة بن نافع لم يدرك أبا أيوب ، كما أشار إلى ذلك البوصيري في « مصباح الزجاجة » (1/222).
الشاهد الرابع :
حديث محمد بن عبد الله بن سلام قال : لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْنَا يَعْنِي قُبَاءً قَالَ :« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فِي الطُّهُورِ خَيْرًا أَفَلَا تُخْبِرُونِي ؟ قَالَ : يَعْنِي قَوْلَهُ : { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } قَالَ : فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَجِدُهُ مَكْتُوبًا عَلَيْنَا فِي التَّوْرَاةِ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ ».
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/141) ، والإمام أحمد في مسنده ( 6/6) ، وابن جرير في تفسيره (6/476) ، والبخاري في التاريخ الكبير (1/18) ، جميعهم من طريق مالك بن مغول قال : سمعت سياراً أبا الحكم غير مرة يحدث عن شهر بن حوشب ، عن محمد بن عبد الله بن سلام قال : ... فذكره .
وأخرجه الطبري في تفسيره (6/476) ، والبغوي في « معجم الصحابة » كما في « الإصابة » (6/22) ، عن أبي هشام الرفاعي ، عن يحيى بن آدم – وقد تحرف عند الطبري إلى يحيى بن رافع – عن مالك بن مغول ، به .
قال الحافظ ابن حجر في « الإصابة (6/22) : « لكن قال فيه يحيى :لا أعلمه إلا عن أبيه – يريد : عن محمد بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه عبد الله بن سلام . وقال أبو هشام : وكتبته من أصل كتاب يحيى بن آدم ليس فيه عن أبيه ، وقال البغوي : حدث به الفريابي عن مالك بن مغول عن سيار عن شهر عن محمد عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر أباه.
وقال ابن مندة : رواه داود بن أبي هند عن شهر مرسلا ، لم يذكر محمداً ولا أباه ، ورواه سلمة بن رجاء ، عن مالك بن مغول ، فزاد فيه : « عن أبيه » وقال أبو زرعة الرازي : الصحيح عندنا عن محمد ، ليس فيه عن أبيه، والله أعلم ».أهـ
وأخرجه أبو نعيم الأصبهاني في كتابه « معرفة الصحابة » ، حديث (629) من طريق الإمام أحمد ، ثم قال : « ورواه أبو أسامة ، وابن المبارك ، والفريابي ، وعنبسة بن عبد الواحد ، ومحمد بن سابق ، كرواية يحيى بن آدم ، وخالفهم سلمة بن رجاء ، عن مالك ، فقال : عن محمد بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ».
ثم ساق رواية سلمة بن رجاء فقال : « حدثناه الحسن بن أحمد بن صالح السبيعي ، ثنا إبراهيم بن عبد الرحيم بن الحجاج الرقي ، ثنا يعقوب بن حميد ، ثنا سلمة بن رجاء ، عن مالك بن مغول ، عن سيار أبي الحكم ، عن شهر بن حوشب ، عن محمد بن عبد الله بن سلام ، قال : قال أبي .... فذكره .
ثم قال : ورواه زيد ، ويحيى ابنا أبي أنيسة ، عن سيار ، عن محمد بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ، كرواية سلمة بن رجاء ، عن مالك بن مغول .
حدثنا بحديث زيد : محمد بن إبراهيم ، ثنا الحسن بن محمد بن حماد ، ثنا محمد بن وهب ، ثنا محمد بن سلمة ، عن أبي عبد الرحيم ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن سيار أبي الحكم ، عن شهر بن حوشب ، عن محمد بن عبد الله بن سلام ، قال : سمعت أبي يقول : .... فذكره .
وحديث يحيى : حدثناه سليمان ، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا عبد الله بن حماد الحضرمي ، ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن يحيى بن أبي أنيسة ، عن سيار أبي الحكم ، عن شهر بن حوشب ، عن محمد بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه قال .... فذكره ».أهـ.
قلت : الحديث مداره على : « شهر بن حوشب الأشعري أبو سعيد ، الشامي ، مولى أسماء بنت يزيد بن السكن » : وثقه جماعة ، والأكثر على تضعيفه .
قال إبراهيم بن الجوزجاني : أحاديثه لا تشبه أحاديث الناس ، وقال موسى بن هارون : ضعيف ، وقال النسائي: ليس بالقوي ، وقال يعقوب بن شيبة : قيل لابن المديني : ترضى حديث شهر ؟ فقال : أنا أحدث عنه ، وكان عبد الرحمن يحدث عنه ، وأنا لا أدع حديث الرجل إلا أن يجتمعا عليه: يحيى وعبد الرحمن على تركه ، وقال حرب بن إسماعيل عن أحمد: ما أحسن حديثه ووثقه ، وقال حنبل عن أحمد : ليس به بأس ، وقال عثمان الدارمي : بلغني أن أحمد كان يثني على شهر ، وقال الترمذي عن البخاري : شهر حسن الحديث ، وقوى أمره ، وقال ابن أبي خيثمة ومعاوية بن صالح عن ابن معين : ثقة ، وقال عباس الدوري عن ابن معين : ثبت ، وقال العجلي : شامي تابعي ثقة ، وقال يعقوب بن شيبة : ثقة ، على أن بعضهم قد طعن فيه ، وقال أبو زرعة : لا بأس به ، وقال ابن حبان : كان ممن يروي عن الثقات المعضلات ، وعن الأثبات المقلوبات ، وقال الحاكم : أبو أحمد ليس بالقوي عندهم ، وقال ابن عدي : وعامة ما يرويه شهر وغيره من الحديث فيه من الإنكار ما فيه وشهر ليس بالقوي في الحديث وهو ممن لا يحتج بحديثه ولا يتدين به ، وقال الدارقطني : يخرج حديثه ، وقال البيهقي: ضعيف ، وقال ابن حزم : ساقط ، وقال ابن عدي : ضعيف جداً . انظر : تهذيب التهذيب (4/324-325).
والحديث أورده الهيثمي في « مجمع الزوائد » (1/213) وقال : « رواه الطبراني في الكبير ، وفيه شهر بن حوشب وقد اختلفوا فيه ولكنه وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة ويعقوب بن شيبة ».
الشاهد الخامس :
حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل قباء : « ما هذا الطهور الذي قد خصصتم به في هذه الآية { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } قالوا : يا رسول الله ما منا أحد يخرج من الغائط إلا غسل مقعدته ».
أخرجه الطبراني في الكبير (8/121) ، وفي الأوسط (3/231) قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن يحيى بن العلاء عن ليث عن شهر بن حوشب ، عن أبي أمامة ، فذكره .
وفيه « شهر بن حوشب » وقد تقدم الكلام فيه في الشاهد الرابع .
الشاهد السادس :
حديث خزيمة بن ثابت رضي الله عنه قال : كان رجال منا إذا خرجوا من الغائط يغسلون أثر الغائط فنزلت فيهم هذه الآية { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ }.
أخرجه الطبراني في الكبير (4/100) ، من طريق أبي بكر بن أبي سبرة ، عن شرحبيل بن سعد ، عن خزيمة ، به.
وفي إسناده « أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة » ، قال صالح بن الإمام أحمد عن أبيه : أبو بكر بن أبي سبرة يضع الحديث ، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه : ليس بشيء ، كان يضع الحديث ويكذب ، وقال الدوري ، ومعاوية بن صالح ، عن ابن معين: ليس حديثه بشيء ، وقال الغلابي عن ابن معين : ضعيف الحديث ، وقال ابن المديني : كان ضعيفا في الحديث ، وقال مرة : كان منكر الحديث ، وقال الجوزجاني : يضعف حديثه ، وقال البخاري : ضعيف ، وقال مرة : منكر الحديث ، وقال النسائي : متروك الحديث ، وقال ابن عدي : عامة ما يرويه غير محفوظ ، وهو في جملة من يضع الحديث . انظر : تهذيب التهذيب (12/30-31).
وفيه أيضاً « شرحبيل بن سعد » ضعيف ، وقد تقدم الكلام فيه في الشاهد الثاني .
وأخرجه ابن جرير في تفسيره (6/476) ، من طريق إبراهيم بن محمد ، عن شرحبيل ، به .
والحديث أورده الهيثمي في « مجمع الزوائد » (1/213) وقال: « رواه الطبراني ، وفيه أبو بكر بن أبي سبرة ، وهو متروك ».
الشاهد السابع :
حديث سهل الأنصاري : أن هذه الآية نزلت في ناس من أهل قباء كانوا يغسلون أدبارهم من الغائط { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ }.
أخرجه عمر بن شبة في « أخبار المدينة » (1/37) قال : حدثنا هارون بن معروف ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب، قال : حدثنا يزيد بن عياض ، عن الوليد بن أبي سندر الأسلمي ، عن يحيى بن سهل الأنصاري عن أبيه ، به .
وفيه « يزيد بن عياض بن جعدبة الليثي ، أبو الحكم المدني » ، قال الإمام مالك : كذاب ، وقال ابن معين : ليس بشيء ، وقال أحمد بن صالح المصري : أظنه كان يضع للناس ، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه : ضعيف الحديث منكر الحديث ، وعن أبي زرعة :ضعيف الحديث ، وأمر أن يضرب على حديثه ، وقال البخاري ومسلم : منكر الحديث ، وقال أبو داود : ترك حديثه ، وقال النسائي : متروك الحديث ، وقال في موضوع آخر : كذاب ، وقال مرة : ليس بثقة ، ولا يكتب حديثه ، وقال ابن عدي : عامة ما يرويه غير محفوظ ، وقال العجلي ، وعلي بن المديني ، والدارقطني : ضعيف ، وقال يزيد بن الهيثم عن ابن معين : كان يكذب. انظر : تهذيب التهذيب (11/308).
الشاهد الثامن :
حديث أبي أيوب رضي الله عنه قال : قالوا يا رسول الله: من هؤلاء الذين قال الله عز وجل : { رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } ؟ قال : « كانوا يستنجون بالماء ، وكانوا لا ينامون الليل كله ».
أخرجه الطبراني في الكبير (4/179) ، والحاكم في المستدرك (1/299) ، كلاهما من طريق واصل بن السائب ، عن عطاء بن أبي رباح ، وعن أبي سورة ، عن عمه أبي أيوب ، به .
وفي إسناده « واصل بن السائب الرقاشي أبو يحيى البصري » ، قال يحيى بن معين : ليس بشيء ، وقال أبو بكر بن أبي شيبه : ضعيف ، وقال أبو زرعة : ضعيف الحديث ، وقال البخاري ، وأبو حاتم : منكر الحديث ، وقال النسائي : متروك الحديث ، وقال ابن عدي : أحاديثه لا تشبه أحاديث الثقات ، وقال يعقوب بن سفيان ، والساجي : منكر الحديث ، وقال الأزدي : متروك الحديث . انظر : تهذيب التهذيب (11/92).
والحديث أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1/213) , وقال : « رواه الطبراني في الكبير ، وفيه واصل بن السائب وهو ضعيف ».
النتيجة :
الذي يظهر – والله تعالى أعلم – أن الحديث صحيح باعتبار شواهده ، وأن الآية نزلت في رجال من الأنصار ، وأما كونها نزلت في أهل قباء خاصة فلا يصح ؛ لأن الطرق التي فيها ذكر « قباء » ضعيفة جداً ، ولا يصح اعتبارها ، والله تعالى أعلم .
فهذا بحث قمت فيه بجمع الروايات الواردة في سبب نزول قوله تعالى : { لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } [ التوبة : 108 ] .
وخلاصته : أن الآية نزلت في رجال من الأنصار ، وأما كونها نزلت في أهل قباء خاصة فلا يصح ؛ لأن الطرق التي فيها ذكر « قباء » ضعيفة جداً ، ولا يصح اعتبارها ، والله تعالى أعلم .
========================================
وفيما يلي تفصيل ذلك :
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءَ { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } قَالَ : كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِمْ ».
أخرجه أبو داود في سننه ، في كتاب الطهارة ، حديث (44) ، والترمذي في سننه ، في كتاب التفسير ، حديث (3100) ، وابن ماجه في سننه، في كتاب الطهارة وسننها ، حديث (357) ، والبيهقي في السنن الكبرى (1/105) ، جميعهم من طريق يونس بن الحارث ، عن إبراهيم بن أبي ميمونة ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، به .
وهذا الإسناد فيه علتان :
الأولى : ضعف يونس بن الحارث ، كما في « تقريب التهذيب » (2/394) .
الثانية : جهالة إبراهيم بن أبي ميمونة ، قال ابن القطان : « مجهول الحال » ، تهذيب التهذيب (1/152) ، وقال الذهبي : « ما روى عنه سوى يونس بن الحارث » . ميزان الاعتدال (1/197).
وقد حكم على هذا الإسناد بالضعف : النووي في المجموع ( 2/116) ، والحافظ ابن كثير في تفسيره (2/403) ، والحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (1/112). وانظر : إرواء الغليل (1/84-85).
وقد ذكر الألباني في إرواء الغليل (1/84-85) أن الحديث صحيح باعتبار شواهده ، وسأذكر شواهده ثم أبين بعد ذلك درجة الحديث وحكم الاحتجاج به :
الشاهد الأول :
حديث ابن عباس رضي الله عنه قال : لما نزلت { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا } بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عويم بن ساعدة فقال :« ما هذا الطهور الذي أثنى الله به عليكم ؟ فقال : ما خرج رجل منا أو امرأة من الغائط إلا غسل دبره أو مقعده . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فهو هذا ».
أخرجه الطبراني في الكبير (11/67) ، وعمر بن شبة في « أخبار المدينة » (1/37) ، والحاكم في المستدرك (1/299) وقال « صحيح على شرط مسلم » ، ووافقه الذهبي ، والبيهقي في السنن الكبرى (1/105) ، جميعهم من طريق محمد بن إسحاق ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، به .
قال الهيثمي في « مجمع الزوائد » (1/212) : « رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن إلا أن ابن إسحاق مدلس وقد عنعنه ».
ورواه البزار في مسنده ، كما في « نصب الراية » (1/218) قال : حدثنا عبد الله بن شبيب ثنا أحمد بن محمد بن عبد العزيز قال وجدت في كتاب أبي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في أهل قباء { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا نتبع الحجارة الماء ». قال البزار : « هذا حديث لا نعلم أحداً رواه عن الزهري إلا محمد بن عبد العزيز ولا نعلم أحداً روى عنه إلا ابنه » .انتهى . قال الحافظ ابن حجر في « التلخيص » (1/112) : « ومحمد بن عبد العزيز ضعفه أبو حاتم فقال : ليس له ولا لأخويه عمران وعبد الله حديث مستقيم ، وعبد الله بن شبيب ضعيف أيضاً ». أ.هـ وانظر : مجمع الزوائد (1/212) ، والدراية في تخريج أحاديث الهداية (1/96) ، ونصب الراية ، للزيلعي (1/218).
الشاهد الثاني :
حديث عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أَتَاهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ فَقَال : «َ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَحْسَنَ عَلَيْكُمْ الثَّنَاءَ فِي الطُّهُورِ فِي قِصَّةِ مَسْجِدِكُمْ ، فَمَا هَذَا الطُّهُورُ الَّذِي تَطَّهَّرُونَ بِهِ ؟ قَالُوا : وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَعْلَمُ شَيْئًا إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لَنَا جِيرَانٌ مِنْ الْيَهُودِ فَكَانُوا يَغْسِلُونَ أَدْبَارَهُمْ مِنْ الْغَائِطِ فَغَسَلْنَا كَمَا غَسَلُوا ».
أخرجه الإمام أحمد في مسنده ( 3/422) ، وابن جرير في تفسيره (6/476) ، وابن خزيمة في صحيحه (1/45) ، والطبراني في الكبير (17/140) ، والأوسط(6/89) ، والصغير (2/86) ، والحاكم في المستدرك (1/258) ، جميعهم من طريق أبي أويس ، عن شرحبيل بن سعد ، عن عويم بن ساعدة ، به .
وفي إسناده « شرحبيل بن سعد ، أبو سعد الخطمي ، المدني ، مولى الأنصار » قال بشر بن عمر : سألت مالكاً عنه فقال : ليس بثقة ، وقال ابن معين : ليس بشيء ضعيف ، وقال ابن سعد : كان شيخاً قديماً ، روى عن زيد بن ثابت وعامة الصحابة ، وبقي حتى اختلط واحتاج ، وله أحاديث ، وليس يحتج به ، وقال أبو زرعة : لين ، وقال النسائي : ضعيف ، وقال الدارقطني : ضعيف ، يعتبر به ، وقال ابن عدي : له أحاديث وليست بالكثيرة ، وفي عامة ما يرويه نكارة ، وذكره بن حبان في الثقات . وفي سماعه من عويم بن ساعدة نظر ؛ لأن عويماً مات في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقال في خلافة عمر رضي الله عنه . انظر : تهذيب التهذيب (4/282).
والحديث أورده الهيثمي في « مجمع الزوائد » (1/212) وقال : « رواه أحمد والطبراني في الثلاثة ، وفيه شرحبيل بن سعد ، ضعفه مالك وابن معين وأبو زرعة ووثقه ابن حبان ».
الشاهد الثالث :
حديث أبي أيوب الأنصاري ، وجابر بن عبد الله ، وأنس بن مالك رضي الله عنهم : أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لما نَزَلَتْ { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فِي الطُّهُورِ فَمَا طُهُورُكُمْ ؟ قَالُوا : نَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ ، وَنَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ ، وَنَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ . قَالَ : فَهُوَ ذَاكَ فَعَلَيْكُمُوهُ ».
أخرجه ابن ماجه في سننه ، في كتاب الطهارة وسننها ، حديث (355) ، وابن أبي حاتم في تفسيره(6/1882) ، وابن الجارود في المنتقى (1/22) ، والدارقطني في سننه (1/62) ، والحاكم في المستدرك (2/365) ، والبيهقي في السنن الكبرى (1/105) ، وفي شعب الإيمان (3/18) . جميعهم من طريق عتبة بن أبي حكيم قال : حدثني طلحة بن نافع قال : حدثني أبو أيوب الأنصاري وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك ، فذكره .
قال الزيلعي في نصب الراية (1/218) : « سنده حسن ، وعتبة بن أبي حكيم فيه مقال ،قال أبو حاتم : صالح الحديث ، وقال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به ، وضعفه النسائي ، وعن ابن معين فيه روايتان ».
وقال النووي في « المجموع » (2/116): « إسناده صحيح ؛ إلا أن فيه عتبة بن أبي حكيم وقد اختلفوا في توثيقه ، فوثقه الجمهور , ولم يبين من ضعفه سبب ضعفه , والجرح لا يقبل إلا مفسراً , فيظهر الاحتجاج بهذه الرواية ».
قلت : والحديث فيه انقطاع ؛ فإن طلحة بن نافع لم يدرك أبا أيوب ، كما أشار إلى ذلك البوصيري في « مصباح الزجاجة » (1/222).
الشاهد الرابع :
حديث محمد بن عبد الله بن سلام قال : لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْنَا يَعْنِي قُبَاءً قَالَ :« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فِي الطُّهُورِ خَيْرًا أَفَلَا تُخْبِرُونِي ؟ قَالَ : يَعْنِي قَوْلَهُ : { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } قَالَ : فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَجِدُهُ مَكْتُوبًا عَلَيْنَا فِي التَّوْرَاةِ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ ».
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/141) ، والإمام أحمد في مسنده ( 6/6) ، وابن جرير في تفسيره (6/476) ، والبخاري في التاريخ الكبير (1/18) ، جميعهم من طريق مالك بن مغول قال : سمعت سياراً أبا الحكم غير مرة يحدث عن شهر بن حوشب ، عن محمد بن عبد الله بن سلام قال : ... فذكره .
وأخرجه الطبري في تفسيره (6/476) ، والبغوي في « معجم الصحابة » كما في « الإصابة » (6/22) ، عن أبي هشام الرفاعي ، عن يحيى بن آدم – وقد تحرف عند الطبري إلى يحيى بن رافع – عن مالك بن مغول ، به .
قال الحافظ ابن حجر في « الإصابة (6/22) : « لكن قال فيه يحيى :لا أعلمه إلا عن أبيه – يريد : عن محمد بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه عبد الله بن سلام . وقال أبو هشام : وكتبته من أصل كتاب يحيى بن آدم ليس فيه عن أبيه ، وقال البغوي : حدث به الفريابي عن مالك بن مغول عن سيار عن شهر عن محمد عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر أباه.
وقال ابن مندة : رواه داود بن أبي هند عن شهر مرسلا ، لم يذكر محمداً ولا أباه ، ورواه سلمة بن رجاء ، عن مالك بن مغول ، فزاد فيه : « عن أبيه » وقال أبو زرعة الرازي : الصحيح عندنا عن محمد ، ليس فيه عن أبيه، والله أعلم ».أهـ
وأخرجه أبو نعيم الأصبهاني في كتابه « معرفة الصحابة » ، حديث (629) من طريق الإمام أحمد ، ثم قال : « ورواه أبو أسامة ، وابن المبارك ، والفريابي ، وعنبسة بن عبد الواحد ، ومحمد بن سابق ، كرواية يحيى بن آدم ، وخالفهم سلمة بن رجاء ، عن مالك ، فقال : عن محمد بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ».
ثم ساق رواية سلمة بن رجاء فقال : « حدثناه الحسن بن أحمد بن صالح السبيعي ، ثنا إبراهيم بن عبد الرحيم بن الحجاج الرقي ، ثنا يعقوب بن حميد ، ثنا سلمة بن رجاء ، عن مالك بن مغول ، عن سيار أبي الحكم ، عن شهر بن حوشب ، عن محمد بن عبد الله بن سلام ، قال : قال أبي .... فذكره .
ثم قال : ورواه زيد ، ويحيى ابنا أبي أنيسة ، عن سيار ، عن محمد بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ، كرواية سلمة بن رجاء ، عن مالك بن مغول .
حدثنا بحديث زيد : محمد بن إبراهيم ، ثنا الحسن بن محمد بن حماد ، ثنا محمد بن وهب ، ثنا محمد بن سلمة ، عن أبي عبد الرحيم ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن سيار أبي الحكم ، عن شهر بن حوشب ، عن محمد بن عبد الله بن سلام ، قال : سمعت أبي يقول : .... فذكره .
وحديث يحيى : حدثناه سليمان ، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا عبد الله بن حماد الحضرمي ، ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن يحيى بن أبي أنيسة ، عن سيار أبي الحكم ، عن شهر بن حوشب ، عن محمد بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه قال .... فذكره ».أهـ.
قلت : الحديث مداره على : « شهر بن حوشب الأشعري أبو سعيد ، الشامي ، مولى أسماء بنت يزيد بن السكن » : وثقه جماعة ، والأكثر على تضعيفه .
قال إبراهيم بن الجوزجاني : أحاديثه لا تشبه أحاديث الناس ، وقال موسى بن هارون : ضعيف ، وقال النسائي: ليس بالقوي ، وقال يعقوب بن شيبة : قيل لابن المديني : ترضى حديث شهر ؟ فقال : أنا أحدث عنه ، وكان عبد الرحمن يحدث عنه ، وأنا لا أدع حديث الرجل إلا أن يجتمعا عليه: يحيى وعبد الرحمن على تركه ، وقال حرب بن إسماعيل عن أحمد: ما أحسن حديثه ووثقه ، وقال حنبل عن أحمد : ليس به بأس ، وقال عثمان الدارمي : بلغني أن أحمد كان يثني على شهر ، وقال الترمذي عن البخاري : شهر حسن الحديث ، وقوى أمره ، وقال ابن أبي خيثمة ومعاوية بن صالح عن ابن معين : ثقة ، وقال عباس الدوري عن ابن معين : ثبت ، وقال العجلي : شامي تابعي ثقة ، وقال يعقوب بن شيبة : ثقة ، على أن بعضهم قد طعن فيه ، وقال أبو زرعة : لا بأس به ، وقال ابن حبان : كان ممن يروي عن الثقات المعضلات ، وعن الأثبات المقلوبات ، وقال الحاكم : أبو أحمد ليس بالقوي عندهم ، وقال ابن عدي : وعامة ما يرويه شهر وغيره من الحديث فيه من الإنكار ما فيه وشهر ليس بالقوي في الحديث وهو ممن لا يحتج بحديثه ولا يتدين به ، وقال الدارقطني : يخرج حديثه ، وقال البيهقي: ضعيف ، وقال ابن حزم : ساقط ، وقال ابن عدي : ضعيف جداً . انظر : تهذيب التهذيب (4/324-325).
والحديث أورده الهيثمي في « مجمع الزوائد » (1/213) وقال : « رواه الطبراني في الكبير ، وفيه شهر بن حوشب وقد اختلفوا فيه ولكنه وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة ويعقوب بن شيبة ».
الشاهد الخامس :
حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل قباء : « ما هذا الطهور الذي قد خصصتم به في هذه الآية { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } قالوا : يا رسول الله ما منا أحد يخرج من الغائط إلا غسل مقعدته ».
أخرجه الطبراني في الكبير (8/121) ، وفي الأوسط (3/231) قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن يحيى بن العلاء عن ليث عن شهر بن حوشب ، عن أبي أمامة ، فذكره .
وفيه « شهر بن حوشب » وقد تقدم الكلام فيه في الشاهد الرابع .
الشاهد السادس :
حديث خزيمة بن ثابت رضي الله عنه قال : كان رجال منا إذا خرجوا من الغائط يغسلون أثر الغائط فنزلت فيهم هذه الآية { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ }.
أخرجه الطبراني في الكبير (4/100) ، من طريق أبي بكر بن أبي سبرة ، عن شرحبيل بن سعد ، عن خزيمة ، به.
وفي إسناده « أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة » ، قال صالح بن الإمام أحمد عن أبيه : أبو بكر بن أبي سبرة يضع الحديث ، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه : ليس بشيء ، كان يضع الحديث ويكذب ، وقال الدوري ، ومعاوية بن صالح ، عن ابن معين: ليس حديثه بشيء ، وقال الغلابي عن ابن معين : ضعيف الحديث ، وقال ابن المديني : كان ضعيفا في الحديث ، وقال مرة : كان منكر الحديث ، وقال الجوزجاني : يضعف حديثه ، وقال البخاري : ضعيف ، وقال مرة : منكر الحديث ، وقال النسائي : متروك الحديث ، وقال ابن عدي : عامة ما يرويه غير محفوظ ، وهو في جملة من يضع الحديث . انظر : تهذيب التهذيب (12/30-31).
وفيه أيضاً « شرحبيل بن سعد » ضعيف ، وقد تقدم الكلام فيه في الشاهد الثاني .
وأخرجه ابن جرير في تفسيره (6/476) ، من طريق إبراهيم بن محمد ، عن شرحبيل ، به .
والحديث أورده الهيثمي في « مجمع الزوائد » (1/213) وقال: « رواه الطبراني ، وفيه أبو بكر بن أبي سبرة ، وهو متروك ».
الشاهد السابع :
حديث سهل الأنصاري : أن هذه الآية نزلت في ناس من أهل قباء كانوا يغسلون أدبارهم من الغائط { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ }.
أخرجه عمر بن شبة في « أخبار المدينة » (1/37) قال : حدثنا هارون بن معروف ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب، قال : حدثنا يزيد بن عياض ، عن الوليد بن أبي سندر الأسلمي ، عن يحيى بن سهل الأنصاري عن أبيه ، به .
وفيه « يزيد بن عياض بن جعدبة الليثي ، أبو الحكم المدني » ، قال الإمام مالك : كذاب ، وقال ابن معين : ليس بشيء ، وقال أحمد بن صالح المصري : أظنه كان يضع للناس ، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه : ضعيف الحديث منكر الحديث ، وعن أبي زرعة :ضعيف الحديث ، وأمر أن يضرب على حديثه ، وقال البخاري ومسلم : منكر الحديث ، وقال أبو داود : ترك حديثه ، وقال النسائي : متروك الحديث ، وقال في موضوع آخر : كذاب ، وقال مرة : ليس بثقة ، ولا يكتب حديثه ، وقال ابن عدي : عامة ما يرويه غير محفوظ ، وقال العجلي ، وعلي بن المديني ، والدارقطني : ضعيف ، وقال يزيد بن الهيثم عن ابن معين : كان يكذب. انظر : تهذيب التهذيب (11/308).
الشاهد الثامن :
حديث أبي أيوب رضي الله عنه قال : قالوا يا رسول الله: من هؤلاء الذين قال الله عز وجل : { رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } ؟ قال : « كانوا يستنجون بالماء ، وكانوا لا ينامون الليل كله ».
أخرجه الطبراني في الكبير (4/179) ، والحاكم في المستدرك (1/299) ، كلاهما من طريق واصل بن السائب ، عن عطاء بن أبي رباح ، وعن أبي سورة ، عن عمه أبي أيوب ، به .
وفي إسناده « واصل بن السائب الرقاشي أبو يحيى البصري » ، قال يحيى بن معين : ليس بشيء ، وقال أبو بكر بن أبي شيبه : ضعيف ، وقال أبو زرعة : ضعيف الحديث ، وقال البخاري ، وأبو حاتم : منكر الحديث ، وقال النسائي : متروك الحديث ، وقال ابن عدي : أحاديثه لا تشبه أحاديث الثقات ، وقال يعقوب بن سفيان ، والساجي : منكر الحديث ، وقال الأزدي : متروك الحديث . انظر : تهذيب التهذيب (11/92).
والحديث أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1/213) , وقال : « رواه الطبراني في الكبير ، وفيه واصل بن السائب وهو ضعيف ».
النتيجة :
الذي يظهر – والله تعالى أعلم – أن الحديث صحيح باعتبار شواهده ، وأن الآية نزلت في رجال من الأنصار ، وأما كونها نزلت في أهل قباء خاصة فلا يصح ؛ لأن الطرق التي فيها ذكر « قباء » ضعيفة جداً ، ولا يصح اعتبارها ، والله تعالى أعلم .