ليلة مع خطاط مصحف قطر

إنضم
03/02/2005
المشاركات
100
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الأحساء
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]

[align=center]
FANAR0041IMG_2572.jpg
[/align]
لقد كان رائعاً ذلك المساء – الجمعة (5/4/1429هـ)- الذي التقيت فيه بالخطاط العربي أبي عمر عبيدة بن صالح البنكي, وذلك في بيته في الدوحة في قطر, وأطلعني على مصحف قطر الذي قام بكتابته فكان رائعةً من روائع الفن الإسلامي.
وقبل أن أُحدثكم عما دار في هذا اللقاء الرائع, فإنه يجدر بي أن أُعرفكم بشخصية هذا الخطاط:
عبيدة محمد صالح البنكي, من مواليد دير الزور في سوريا سنة (1964م), وهو مهندس زراعي خريج كلية الزراعة بدير الزور, متزوج وله 4 أطفال عمر وثلاث بنات, عضو مؤسس جمعية الخطاطين السوريين, وعضو مؤسس جماعة الخط العربي في السعودية, زار عدداً من الدول العربية والإسلامية: تركيا / ايران / الكويت/ اسبانيا / السعودية, وشارك في معارضها ومسابقاتها.
وقد كان ينتمي لمدرسة الخط البغدادية التي يُمثلها هاشم البغدادي في بداية الأمر, إلاَّ أنه تحول إلى مدرسة الخطاط التركي محمد شوقي وهي مدرسة تتميز بالقوة وإتقان القواعد وضبط الخط وتركز على جماليات الكتابة وإ براز الجوانب الفنية التي ترقى بفن الخط العربي.
فاز بالمركز الأول في المسابقة العالمية لكتابة مصحف قطر.

مسابقة خط المصحف
جرت العادة أن تقوم أي دولة من دول العالم الإسلامي بأن تختار خطاطاً يكتب لها المصحف الخاص بها, إلاَّ أنَّ دولة قطر اتخذت طريقة المسابقة بحيث يشارك الخطاطون فيها, وعلى إثر ذلك يتم اختيار الخطاط المناسب فكان المهندس عبيدة البنكي الذي حقق المركز الأول, وقد تم تكليف مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي باسطنبول للإشراف على تنظيم هذه المسابقة منذ البداية وحتى إعلان النتائج، وقام المركز بتوجيه دعوات لعشرين خطاطاً عالمياً ممن فازوا بمسابقات وجوائز وكان الأُستاذ عبيدة واحداً منهم, وتمَّ أيضاً فتح الباب لاستقبال مساهمات بلغت (100) خطاط آخرين فكان مجموع المتسابقين النهائي (120) متسابقاً .

طريقة كتابة المصحف
كتب المصحف مرتين, حيث استغرقت الأولى منه ما يُقارب الثلاث سنوات, والأُخرى أقل من ذلك, وقد اختارت اللجنة في قطر النسخة الأولى, يكتب في اليوم (16) ساعة, ومن ذلك قوله:"قبل الكتابة أقوم بدراسة الصفحة من حيث توزيع الكثافة ضمن الصفحة الواحدة وبعدها أعمل مسودة بشكلها الطبيعي ثم أبدأ بتبييضها بالشكل النهائي ووضع التشكيل والرتوش الأخيرة".

عبيدة ومعلوماته حول تاريخ خط المصاحف
يحمل الخطاط عبيدة معلومات ثرة عن تاريخ كتابة المصاحف خاصة مصاحف الدولة العثمانية, ويحتفظ بالعديد من هذه المصاحف القديمة, التي لا تكاد تعثر على نسخ منها كما قال, ويتمنى أن يكتب موسوعةً في تاريخ كتابة المصاحف القرآنية ولكنه عمل يحتاج إلى وقت ودعمٍ مؤسسي. - أتمنى من أخينا الدكتور عبد الرحمن الشهري أن يأذن لي بإجراء لقاءٍ مع الأستاذ عبيدة حول تاريخ كتابة المصاحف- وقد قام مشكوراً بفتح العديد من هذه المصاحف التي بقي أكثرها في بيته في سوريا, وأظهر لي بعض الفروقات بينها, وبعض التطور الزمني الحاصل في كتابة هذه المصاحف التي بين يديه, ومن ذلك مسألة ترقيم الآيات التي خرج بأنها لم تكن موجودةً في مصاحف الدولة العثمانية, وأنَّ أول مصحفٍ اطلع عليه قام بعملية الترقيم هو مصحف المطبعة الأميرية في مصر, وبالمناسبة فقد أطلعني على كتاب "مصحف عثمان رضي الله عنه" الذي قام بدراسته الدكتور: طيار قولاج.

أدوات الخط
قام بالحديث عن الأدوات التي يستخدمها في كتابة المصحف كالقلم والحبر والورق, وقد قام ببري القلم من نوع القصب بطريقة فنية ومذهلة, ومن لطيف ما يُذكر أنه كان في بهو أحد الفنادق في تركيا مع أُستاذه الخطاط التركي حسن جلبي, وأخذ الخطاط جلبي في بري أحد الأقلام, وكان أحد العاملين في الفندق ينظر من بعيد للأستاذ جلبي وهو ممسكاً القلم ويبريه بالسكين, فذهب العامل مسرعاً وأحضر براية للأستاذ جلبي شفقة عليه من هذه الطريقة الصعبة, فنظر الخطاطون بعضهم إلى بعض وأخذوا يضحكون.
أمنيته
لمَّا سألته عن أمانيه قال: بأنه يتمنى أن يُؤسس لمعهد لتعليم فنون وجماليات الخط العربي, وأن يكتب المصحف الشريف بأكثر من رواية.
 
أحسن الله إليكم أخي العزيز على هذه الفوائد ، وليتك تجري معه اللقاء الذي ذكرت حول (تاريخ كتابة المصاحف وخطها) فسيكون لقاء ماتعاً ، ولعلي أكتب ما في ذهني من الأسئلة حول هذا الموضوع الدقيق ، والذي لا يحسن الحديث فيه إلا أمثال هذا الخطاط المبدع . وإن لم أكن واهماً أنني قد اطلعتُ على كراسة لهذا الخطاط وفقه الله وسأبحث عنها في محفوظاتي لوضعها هنا إن شاء الله .
أكرر شكري وتقديري وأسأل الله لك التوفيق دوماً في مشروعاتك المتميزة .
 
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على النبي الصادق الأمين $[/align]
ما شاء الله والله أنا في شوق
أتحفونا بهذا اللقاء والكراسة بارك الله فيكما
 
وهذه مقابلة أخرى وجدتها في أحد المواقع مع الخطاط عبيدة البنكي أيضاً .

عرف منذ نعومة اظفاره فن الخط، وتوقف كثيرا يطالع صديق والده الخطاط الكبير وهو يكتب هذه اللوحة أو تلك، ودقق النظر في حركة يده بالريشة في تناغم موسيقي أخذ بلبه، فراح يقلده في كتابة بعض الحروف. أعجب به مدرسوه، وصفق له زملاؤه وهو يكتب الدروس على السبورة بخط جميل، يبهر المفتشين والموجهين الذين كانوا كلما أتوا لزيارة المدرسة طلبوا أن يمتع أنظارهم بجملة من خطه الفريد.
نمت هواية فن الخط مع المهندس عبيدة محمد صالح البنكي موازية لنموه العقلي والعلمي، حيث خطا بحرفيته واحترافه فن الخط إلى العالمية بعيدا عن دير الزور مسقط رأسه الوادعة على نهر الفرات التي كانت بها النشأة الأولى وعن حلب الشهباء عاصمة الثقافة الإسلامية التي نهل من علومها الكثير، وعن دمشق عاصمة الأمويين،فانتسب إلى أرقى معاهد فن الخط على مستوى العالم وهو مركز "آرسيكا"، وشارك في العديد من المعارض الدولية ونال أعلى الأوسمة وشهادات التقدير.
تاقت نفسه لكتابة مصحف يسجل عليه اسمه كمن سبقه من الخطاطين العظماء، فتحقق حلمه عقب طرح مسابقة عالمية لكتابة مصحف خاص بدولة قطر، فاز في جميع مراحلها لأنه أتقن فن التحكم في المساحات بفضل دراسته للهندسة.
الشرق التقته فأكد أن طرح مسابقة عالمية لكتابة مصحف قطر عمل غير مسبوق في التاريخ، إذ كان المعمول به في غالبية المصاحف التي طبعتها الدول أن يعهد إلى خطاط من أهل الثقة ليكتب المصحف أو يتم اختيار مصحف مكتوب مسبقا وتتم طباعته باسم الدولة هذه أو تلك، أما طرح مسابقة يتنافس فيها 120 خطاطا ويخضعون لفرز نتاجهم ومساهماتهم على يد شيوخ الخط وجهابذته على مستوى العالم فهذه سابقة عالمية لم تحدث في التاريخ.

وتناول الخطاط عبيدة البنكي في حواره مع الشرق رحلته مع فن الخط عموما وكتابة مصحف قطر خصوصا وفي ما يلي تفاصيل الحوار:

مبارك لك فوزك بكتابة أول مصحف خاص بدولة قطر.. هلا حدثتنا عن بداياتك مع فن الخط؟

- البدايات كانت قبل سن المدرسة، إذ كنت أتطلع بإعجاب شديد لأحد كبار الخطاطين الذي كان مدرسا في المدرسة التي كان الوالد (رحمه الله) مديرا لها، وكنت أتابع حركة يده وهو ينظم الحروف بأشكال غاية في الروعة والجمال، وبدأ حب الخط عندي منذ تلك المرحلة، وعندما دخلت المرحلة الابتدائية كنت متفوقا في الخط، وكان خطي مضرب المثل بين أقراني، وكان مدرسيّ يقدمونني لكتابة جمل بخط جميل عندما يزور المدرسة أحد الموجهين أو المشرفين، وما زلت أذكر كيف صفق لي الوفد الزائر للمدرسة وزملائي التلاميذ وأنا بالصف الثاني الابتدائي بالتحديد على جملة كتبتها بخط جميل.
وبدأ حب الخط يكبر لديّ في هذه المرحلة، وكذلك فن الرسم وكانا متلازمين معا في هذه المرحلة حتى الصف السادس الابتدائي حيث بدأت ميول الخط تغلب علي ّ، وقد بشرني أحد الخطاطين الكبار في حلب بأنني سيكون لي شأن عظيم في عالم الخط العربي، وبدأت شهرتي تتوسع فصرت أكتب بعض الأعمال التجارية مثل اللافتات واللوحات الاعلانية.

لكن هناك نقاطا في حياة كل منا.. متى كانت نقطة التحول التي تعتبرها بداية فعلية لتشكل هوية الخطاط عبيدة البنكي؟

- حدثت نقلة نوعية في حياتي حين توجهت إلى دمشق والتقيت عددا كبيرا من الخطاطين الكبار الذين تتلمذوا على يد الخطاط الكبير بدوي الديراني وأخذت عنهم مبادئ وأصول الخط العربي، ثم كانت مسابقة اسطنبول التي نظمها معهد آرسيكا، وقد شاركت في الدورة الأولى منها عام 1986، وقد حزت المركز الثاني في مشاركتي الثانية فيها في خط النسخ، وقد شكل هذا الفوز نقطة تحول في تاريخ الخط عندي، وقد ذهبت إلى اسطنبول وهي معروفة بأنها عاصمة فن الخط العربي، حيث يوجد بها كبار الخطاطين الذين تتلمذوا على يد الخطاط حامد الآمدي، وقد استفدت من خبراتهم وتوجيهاتهم وقد حصلت على الإجازة من شيخ الخطاطين في اسطنبول الشيخ حسن جلبي.

ماذا عن نظام هذه المسابقة؟
- المسابقة تقام كل ثلاث سنوات على المستوى الدولي، وفي خطوط عديدة ويعطى المتسابقون في كل خط من الخطوط نصوصا واحدة وحجم الورق ومساحة القلم موحدة على مستوى كافة الخطاطين، ومن نظامها أيضا أنه لا يحق للمتسابق أن يشارك في أكثر من ثلاثة خطوط.

أي الخطوط العربية تجد يدك أطوع في كتابتها بإجادة أكبر؟
- الحمد لله فأنا أجيد كتابة أغلب أنواع الخط العربي لكن تركيزي انصب على خطوط الثلث والنسخ والتعليق، حيث يلزم كل خطاط أن يكون متخصصا في بعض الخطوط، لأن التخصص يعطي الخطاط مساحة أكبر من الإبداع وإبراز جماليات الخط بصورة أكثر تميزا.

متى نشأت الرغبة لديكم في كتابة المصحف؟
- الرغبة في كتابة المصحف قديمة جدا، حيث كنت أتوق إلى كتابة المصحف الشريف منذ بواكير حياتي، وتعمقت الرغبة في نفسي عقب فوزي في مسابقة اسطنبول للمرة الأولى، وكتبت بعض الأجزاء من القرآن الكريم لكني لم أتم القرآن ولم تر تلك الكتابات النور، حتى جاءت مسابقة كتابة مصحف قطر، حيث أكملت كتابة المصحف مرتين وأصبح هناك تكليف والتزام بكتابته على أفضل وجه ولله الحمد.

تجربة كتابة مصحف قطر تميزت عن غيرها من التجارب.. كيف ذلك؟
- المسابقة تجربة فريدة من نوعها وغير مسبوقة تاريخيا وهي تجربة جديرة بالاحترام والتقدير كونها المرة الأولى التي يتم فيها طرح مشروع بهذا الحجم عبر مسابقة عالمية إذ جرت العادة عند كتابة المصحف أن يكلف خطاط معين من قبل مؤسسة معينة أو رئيس أو أمير مثلا ليقوم بكتابة المصحف، لكن في هذه التجربة هناك فتح لآفاق الإبداع على المستوى العالمي من خلال تعدد المشاركين وتنوع المدارس التي قدموا منها، وقد شارك فيها 120 خطاطا جميعهم لهم خبرة وباع كبير في الخط العربي فضلا عن تجاربهم في خط القرآن الكريم، وهذا الأمر أعطى المسابقة مصداقية أكبر وأتاح فرصة بل فرصا واسعة للاختيار من بين الخطاطين.

حسب ما ذكر الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو وجهت الدعوات ل 20 خطاطا وتلقت اللجنة مساهمات من 100 خطاط آخرين.. هل كنت ممن وجهت لهم الدعوة أم من الذين تقدموا بمساهماتهم من تلقاء أنفسهم بعد أن سمعوا بالإعلان عن المسابقة؟

- لكوني فائزا بجوائز عالمية في مجال الخط العربي فقد كنت ضمن العشرين خطاطا الذين وجهت لهم الدعوة عن طريق مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي باسطنبول الذي أشرف على تنظيم المسابقة منذ بدايتها حتى نهايتهابإعلانه النتيجة النهائية مؤخرا، مع العلم أن الخطاطين العشرين الذين وجهت لهم الدعوة جميعهم من الخطاطين العالميين والفائزين بمراكز متقدمة في المسابقات الدولية في فن الخط العربي، خاصة في خط النسخ،وكذلك فإن بقية المشاركين في المسابقة والبالغ عددهم 120 خطاطا هم من المتميزين في هذا المجال.

هل كنت تتوقع الفوز بالمركز الأول بعد كل هذه التصفيات والمراحل؟
- ثقتي بالله كانت كبيرة، ولخبرتي الطويلة في مجال خط القرآن الكريم كان الأمل لديّ يزداد يوما بعد يوم كلما قرب موعد إعلان نتيجة التحكيم، وقد كان الفوز بالمركز الأول هو الراجح لديّ وإن لم يكن مضمونا.


هل كان لك اطلاع على طريقة واسلوب الخطاط صباح الأربيلي خاصة بعد أن تم التعاقد معكما من قبل وزارة الأوقاف على كتابة المصحف في مرحلة التحكيم قبل النهائية، خاصة أنكما تم اختياركما من بين سبعة خطاطين بعد فحص وتدقيق شديدين لنماذج من كتاباتكما؟

- لا، لم يكن لي أي اطلاع على ما يكتبه الأخ صباح الأربيلي ولا طريقته في الكتابة، بل كنا معزولين تماما عن بعضنا البعض.

كم استغرقت كتابة المصحف في المرحلة النهائية من وقت؟

- أخذت عملية الكتابة وقتا طويلا نسبيا، حيث كان الاتفاق في التعاقد الأول أن أكتب أنا في سوريا ويكتب صباح من لندن ونرسل ما نكتبه للجنة التصحيح والمراجعة في الدوحة لتقوم هي بالمراجعة ولكن هذا العمل كان يستغرق وقتا طويلا جدا في البريد، فعرض الإخوان عليّ الإقامة في الدوحة ولبينا هذا العرض مما ساهم في تسريع إنجاز العمل، حيث كتبت المصحف مرتين خلال ثلاث سنوات، شاركت بالنسخة النهائية في التحكيم النهائي الذي تم إعلان النتيجة على أساسه.

هل النسخة الأولى تختلف عن النسخة النهائية من ناحية الجودة والإتقان؟

- هي لاتختلف عنها في شيء، لكني حرصت على أن يكون الخط فيها شديد الوضوح والبساطة، راعيت في النسخة النهائية الجانب الجمالي بصورة أكبر عما في النسخة الأولى، فجاءت بسيطة وجميلة في آن معا.

كم ساعة كنت تستغرقها في الكتابة يوميا؟
- على مدى ثلاث سنوات كان جل وقتي مكرسا للكتابة وأذكر أنني كنت في معظم الأيام استغرق في الكتابة حوالي 16 ساعة في اليوم الواحد أي أن غالبية يومي كانت مكرسة لكتابة المصحف.

كم مرة كنت تكتب الصفحة الواحدة حتى تستقر على الشكل النهائي؟

- بداية أنا أدرس الصفحة قبل أن أبدأ الكتابة فيها، أدرسها من كافة الجوانب، كمساحة بيضاء أمامي، مطلوب مني أن أوزع عليها مادة مكتوبة بشكل متناسق، فأدرس الصفحة على المصحف نفسه بقلم رصاص وأحيانا أنقل كلمة من السطر الأعلى إلى الأسفل لتوزيع الكثافة على الصفحة الواحدة، حيث المطلوب منا أن يتم توزيع الكثافة ضمن الصفحة الواحدة، وبعد أن أستقر على الشكل النهائي اقوم بعمل مسودة للصفحة بشكلها الطبيعي، ثم أبدأ في تبييضها بالشكل النهائي وبعد ذلك تأتي مرحلة وضع التشكيل، وبعض الرتوش، وهذه العملية التي اقوم بها تغنيني عن إعادة كتابة الصفحة لأني ولله الحمد أعمل وفق خطوات محسوبة بدقة من البداية، وكانت الدقة في توزيع كثافة الصفحة بصورة متوازنة من الأمور التي رجحت نسختي في التحكيم النهائي حسب قرار هيئة التحكيم، وإن كانت لديّ ولله الحمد مهارة الكتابة بصورة تلقائية دون مسودة، لكن قد تختلف الكثافة من سطر إلى آخر.

كيف رأيت شروط المسابقة التي بلغت 40 بندا، خاصة في جانب فنيات الكتابة؟

- لقد كانت شروطا متشددة كثيرا في الجانب الفني في عملية الكتابة، ولنأخذ مثالا واحدا وهو بدايات ونهايات الآيات في الصفحة الواحدة، فقد كان من الشروط ألا تنتهي الآية إلا بسطرها، ولذا فلن تجد في هذا المصحف بعد أن يطبع بإذن الله تعالى نهاية آية في بداية السطر التالي، وهذه أعتبرها من مميزات مصحف قطر وهو أمر غير موجود إلا في هذا المصحف.

كم كان التركيز على العنصر الجمالي يأخذ من مجمل العمل في كتابة المصحف؟

- مشاركاتنا في المسابقات الدولية المتعددة أكسبتنا قابلية واستعدادا دائمين للكتابة وفق أسس وقواعد معينة، وقد نهضت مسابقة اسطنبول بفن الخط نهضة كبيرة، وعندما جاءت مسابقة قطر لكتابة المصحف كان المستوى جاهزا وعاليا في كافة جوانبه خاصة الجمالية حيث إن فن الخط في الأساس تعبير جمالي يبرز المادة المكتوبة بصورة جميلة تثبت في العين وترسخ فيها، ونحن كخطاطين نتمرن على الكتابة بشكل يومي كما يتمرن الرياضي على ما يجيد من فنون مهارية، ودائما ما ظللت الساعات أمرن يدي على الكتابة حتى تظل على ليونتها ومطاوعتها لي في تشكيل الحروف، وهنا يحضرني قول أحد كبار خطاطي المصاحف : " لو عرضت عليّ خطوطي خلال أسبوع فإني استطيع تمييز خط يوم السبت عن بقية الخطوط " وعندما سئل عن السبب قال إنني أستريح يوم الجمعة فيكون خطي يوم السبت أقل أيام الأسبوع مرونة.

ما السبب وراء اختيار الكتابة بخط النسخ دون غيره من الخطوط؟

- في السابق كان المصحف يكتب بعدة خطوط، لكن في العقود الأخيرة فقد تم التركيز على خط النسخ حيث إن خط النسخ يعتبر من الخطوط السهلة والواضحة القراءة ويقبل الحركات فوق الحروف تماما عكس المحقق أو الريحاني ففيها صعوبة بالقراءة والتشكيل.

رحلة الخطاط عبيدة البنكي مع الخط العربي عامة وكتابة المصاحف خاصة مليئة بالأفكار والرؤى عن الخطاطين والخطوط، فمن ممن خطوا مصاحف ما زالت متداولة رسخ خطه في ذاكرة عبيدة البنكي؟

- المصحف الأشهر بالنسبة لي مصحف الحافظ عثمان وهو من أفضل من كتبوا مصاحف بخط النسخ، وأيضا مصحف الحافظ محمد أمين رشدي وهو من طبع وزارة الأوقاف العراقية وقد طبع في ألمانيا وأنا أعتبر هذين المصحفين من أفضل المصاحف المتداولة في الوطن العربي، وهناك الكثير من المصاحف المخطوطة التي لم تر النور لقراءتها وقد تكون غير ملائمة للأساليب الطباعية الحديثة، وهناك ايضا مصاحف مطبوعة ونالت الكثير من الشهرة، ففي مصر مصحف مصطفى نظيف الشهير بـ "قد رغه لي"، وهناك مصحف محمد سعيد حداد، وفي سوريا مصحف عثمان طه قبل أن يطبع بالمدينة المنورة كان معروفا على أنه مصحف الشام، وأنا أعتبر مصحف محمد أمين رشدي الأبرز من ناحية الجماليات.

هناك عدد من مدارس الخط العربي، فإلى أي مدرسة تميل في كتاباتك؟

- في بدايات كتاباتي كنت أميل إلى المدرسة العراقية في الخط العربي وأخذت عن مدرسة هاشم البغدادي، لكن كل عصر له مفهوم معين، والمفهوم السائد الآن ما اسست له مدرسة الخطاط التركي محمد شوقي، وهي مدرسة تتميز بالقوة، وإتقان القواعد وضوابط الخط وتعتبر مدرسته الأولى على مستوى العالم الإسلامي، وهي تركز على جماليات الكتابة وإبراز الجوانب الفنية التي ترقى بفن الخط العربي.

لكل مهنة أدواتها، فما هي أهم الأدوات التي استخدمها الخطاط عبيدة البنكي في كتابة المصحف؟

- أدواتنا تقليدية بحتة حتى الحبر فإنه حبر يصنع يدويا لأن الأحبار الموجودة في الأسواق حاليا لا تصلح لكتابة المصحف، وهو حبر يتميز برقته وجريانه وإمكانية تصحيحه دون حدوث خدوش أو تقطعات في الخط، وكذلك القلم فهو قلم تقليدي يسمى ريشة السلاية، وتتم عملية الكتابة حرفا حرفا بل إن الحرف الواحد يجزأ إلى عدة حركات في كتابته.

ماذا عن المرحلة المقبلة في مسيرة مصحف قطر؟

- ستبدأ قريبا مرحلة التصحيح والمراجعة للنسخة النهائية التي تقدمت بها للمسابقة في مرحلتها الأخيرة، وسوف أظل في الدوحة خلال هذه المرحلة لمتابعة ما تنجزه اللجنة المشكلة لهذا الغرض أولا بأول إلى أن يتم الانتهاء من طباعة المصحف.

أي مشروع كبيرا كان أو صغيرا لا بد فيه من معوقات، ما هي المعوقات التي صادفت عبيدة البنكي في رحلته مع كتابة مصحف قطر؟

- بالطبع، كانت هناك معوقات، أهمها ما كانت تستغرقه عملية إرسال المادة المكتوبة بريديا إلى الدوحة من سوريا وانتظار الرد وما يرافق هذه العملية من ترقب وانتظار، ثم واجهتنا بعض الصعوبات أيضا عندما وافقت على طلب اللجنة المشرفة بالقدوم إلى الدوحة وما مثله هذا الأمر من انتقال من حياة إلى أخرى وما يرافق هذا الأمر من متاعب الاغتراب وغير ذلك.

كلمة أخيرة
-بداية لا يسعني إلا أن اتقدم بالشكر الجزيل إلى حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى على رعايته ودعمه السخي لهذا المشروع الرائد، وكذلك أشكر سعادة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية على ما قدمه من تيسيرات عديدة لعملنا في هذا المشروع، وأخص بالشكر الدكتور خليفة بن جاسم الكواري رئيس اللجنة المشرفة على كتابة مصحف قطر على متابعته الدقيقة لكافة مراحل هذا المشروع وتسهيل الإقامة لنا في قطر بشكل طيب.

عبيدة البنكي في سطور
الاسم: عبيدة محمد صالح البنكي
الميلاد: 1964
الجنسية: سوريا
المؤهل : خريج كلية الهندسة الزراعية جامعة حلب
الحالة الاجتماعية : متزوج وأب لثلاثة أطفال
عضو مؤسس جمعية الخطاطين السوريين
عضو مؤسس جماعة الخط العربي السعودية وأمين سر الجماعة
شارك في العديد من المعارض وأقامها وحكم فيها ونال أعلى الأوسمة بدءا من عام 1998 حتى 2006.
فاز بالمركز الأول في المسابقة العالمية لكتابة مصحف قطر

المصدر
 
عودة
أعلى