ليلة القدر

إنضم
09/04/2011
المشاركات
483
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
ليلة القدر




حينما يتحدث الإنسان عن ليلة القدر لابد أن يبدؤها بالكلام عن القرءان الكريم.
فالقران هو رائد هذه الامة الحي الباقي بعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم ومن ثم يجب علينا ان نعرف ماذا يريد منا القرءان أن نعمل لنعمل ماذا يريد منا القران ان نكون لنكون.


وهذا هو معنى الإنصات في قوله تعالى:
لقوله تعالي: [وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ] الأعراف : 204


والقرءان الكريم عند نزوله له بعدان..بعد زمني أي زمن نزول القرءان الكريم.. وبعد أخر مكاني أي مكان نزول القرءان الكريم.
أما عن البعد المكاني..فنقصد به مكان نزول القرءان الكريم.. وحينما أقول مكان لا أقصد منه موضع النزول ألا وهو مكة إذ أن مكة هي موضع صغير لا يسع لحجم وقيمة النزول،وإنما أقصد بالمكان قلب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والذي هو أكبر من مكة بكثير واشمل.
فالقرءان الكريم نزل علي قلب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا الأمر ليس بالأمر الهين لماذا؟.. لأن الله جل علاه قال في محكم كتابه العزيز المجيد :
(لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) الحشر : 21
فالجبل لا يقوى على تحمل نزول القرءان الكريم فما بالكم بقلب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
يقول تعالي:
( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) الشعراء :192ـ 195
فالحق جل علاه يقول أن القرءان الكريم نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ على قلب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ .. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ..


ولقد عرفنا من السيرة النبوية المطهرة ومن القرءان الكريم قصة ثلاثة جبال..


الجبل الأول أخبرنا الله سبحانه وتعالى عنه ألا وهو جبل الطور ذلك الجبل الذي شرف بتجلي الله جل علاه له ولم يقو على تحمل النظر إلى وجهه الكريم فاندك ولم يوجد له أثر..نعم هذا الجبل الذي نسمع قصته ولم نر أثره..فقط موضع الجبل معروف..إنني اسميه الجبل الخاشع..يقول سبحانه وتعالى مادحاً ذلك الجبل:
( وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ )الأعراف : 143


أما عن الجبل الثاني فهو جبل أحد..ذلك الجبل الذي قال عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ) . رواه البخاري ومسلم..
تأملوا في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ..إذن الجبل له مشاعر وعواطف وأحاسيس وهذه كلها مكانها القلب فجبل أحد له قلب يشعر ويحس ويحب..مثلنا تماماً..
أحد جبل يحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..ويبادله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفس المشاعر.


والجبل الثالث هو جبل حراء..
ولقد شهد جبل حراء لقاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجبريل ولحظة نزول القرءان الكريم..وكان الله به رحيما فلم يشأ أن ينزله عليه ولو حدث هذا لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ .


إذن الطاقة الاستيعابية لقلب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنزول القرءان الكريم أكبر من أن يتحملها الجبل الأشم فالجبل لا يقو على تحمل نزول القرءان.
لذلك أنزل الله جل علاه القرءان الكريم على قلب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ..وهذا هو البعد المكاني لنزول القران.
 
أما عن البعد الزماني فنزل القرءان الكريم في ليله القدر هذه الليله قال سبحانه عنها :

(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَـٰمٌ هِىَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ) سورة القدر.

وقال تعالى : (حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ) سورة الدخان.

فإن ليلةَ القدرِ ليلةٌ كثيرةُ الخيرِ ، شريفةُ القدرِ ، عميمةُ الفضلِ ، متنوِّعةُ البركات . ولعظمها أنزل فيها القرآن العظيم( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) سورة الدخان ( آية 4)

فالله تعالى يقدّر فيها الأرزاق والآجال..والعمل فيها له قدرٌ عظيمٌ..وهي ليلة الحكم والفصل

(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ، سَلامٌ هِيَ حَتّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) .
والقدر: هو مبلغ الشيء، والقدر: هو الحال والشأن، يقال قدَّر فلان هذا الأمر، أي عرف حاله وشأنه. وقدَّر الإنسان خالقه أي: عرف عالي شأنه وعظيم جلاله وكماله.. ولكن كيف تكون معرفة الله ورؤية عظمته وجلاله؟. وكيف يقدِّر المخلوق خالقه حق قدره.


أقول: لا يصل الإنسان لهذه الحالة الرفيعة إلاَّ بعد شهوده عظمة الله، ورؤية كماله، فأنا لا أعرف قدرك إلاَّ إذا رأيتك، أو إذا رأيتك على رأس عملك أو في حال ممارستك لشؤونك، أو إذارأيت صفاتك التي تشهد لي بعلوِّ قدرك، وتنطق بسموِّ مكانتك وعظيم شأنك..

وكذلك النفس لا توقن بعظمة خالقها إلاَّ إذا شهدت عظمة ذلك المالك العظيم في ملكوته،قائماً بالتربية والإمداد على خلقه، مفيضاً برَّه وإحسانه على سائر مخلوقاته،غامراً الكون برأفته وواسع رحمته.

فالإنسان بعد أن آمن بربه إيماناً غيبياً، وبعدأن أقرَّ بعظمة الخالق ورحمته إقراراً فكرياً، إذا هو استقام على أمر ربه، ومَرِن على طاعة الله، فلم يخالفه، ولم يعصه في أمر من أوامره، فلا بدَّ له إذا هو استمرعلى هذا الحال من الاستقامة والطاعة، وثابر على التقرُّب إلى الخالق بالإحسان إلى المخلوقات كافة؛ من ساعة يشهد فيها كمال الله سبحانه شهوداً نفسياً ولابد له من حالة تنغمر فيها نفسه بذلك النور الإلهي، فترى عظمة خالقها وموجدها وتعاين حنانه تعالى عليها، وواسع عطفه ورحمته بها وبالمخلوقات جميعها، وهنالك تعرف قدر ربِّها وتوقن برحمته وعطفه عليها.

وتلك الليلة العظيمة التي يشهد فيها الإنسان هذه المشاهدة النفسية، ويرى هذه الرؤية الذوقية، وتحصل له بها تلك المعرفة الشهودية، تلك الليلة هي ليلة القدر.
 
وهذه الليلة المباركة متى هي؟.



كان الصحابة رضوان الله عليهم يلتمسونها على امتداد السنة دققوا جيدا في قوله تعالى: ( إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)..

(فِي لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ)..متى هي؟..


كانوا يلتمسونها على امتداد العام كله.. فشق الأمر عليهم وطلبوا من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التخفيف..

فانزل الله تعالي قوله تعالى:


(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) البقرة : 185

فأصبحت الليلة المباركة في شهر رمضان.. وهكذا اختزل العام كله في شهر واحد ومحدد ألا وهو شهر رمضان من كل عام.
ومع ذلك استصعب المسلمون الأمر فاستكثروا أن يلتمسوها على طول شهر رمضان فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم التخفيف..
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: اعتكفت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العشر الأوسط من رمضان، فخرج صبيحة عشرين فخطبنا، وقال: (إنّي رأيت ليلة القدر ثم أُنسيتها ـ أو نسيتها ـ فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر، وإنّي رأيت أنّي أسجد في ماء وطين، فمن كان اعتكف معي فليرجع) ، فرجعنا، وما نرى في السماء قزعة، فجاءت سحابةٌ فمطرت حتى سال سقف المسجد، وكان من جريد النخل، وأقيمت الصلاة، فرأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسجد في الماء والطين، حتى رأيت أثر الطين في جبهته. رواه البخاري (2/62-63) كتاب فضل ليلة القدر باب التماس ليلة القدر رقم (2016).


وبعد أن قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر)..إلا أن الأمر قد شق على المسلمين فراحوا يجتهدون حتى حصروها في ليلة السابع والعشرين من الشهر الفضيل..والأكثر من هذا أننا وجدنا من راح يحدد الساعة بالتمام..

والصحيح أن ليلة القدر لا أحد يعرف لها يوماً محدداً ، فهي ليلة متنقلة ، فقد تكون في سنة ليلة خمس وعشرين ، وقد تكون في سنة ليلة إحدى وعشرين ، وقد تكون في سنة ليلة تسع وعشرين ، وقد تكون في سنة ليلة سبع وعشرين ، ولقد أخفى الله تعالى علمها ، حتى يجتهد الناس في طلبها ، فيكثرون من الصلاة والقيام والدعاء في ليالي العشر من رمضان رجاء إدراكها ، وهي مثل الساعة المستجابة يوم الجمعة .

وفي الجملة لقد أبهم الله سبحانه وتعالى هذه الليلة على هذه الأمة ليجتهدوا بالعبادة في ليالي رمضان طمعاً في إدراكها .


ولأن ليلة القدر ليلة عظيمة كانت هي الوعاء الذي يحتوي القرءان الكريم..فالقرءان الكريم لأنه قرءان ذو قدر نزل على قلب نبي ذي قدرلأمة ذات قدر انزله سبحانه وتعالى في ليله القدر .

هذه الليله بعظمتها تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم.. فالملائكة على امتداد السنة كلها ينزلون بأمر الله جلّ علاه.

يقول سبحانه وتعالى:
(وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً )مريم : 64
طوال السنة تتنزل الملائكة بالأمر . والملائكة تتعاقب علينا .على مدي الأربعة وعشرين ساعة بأمر ربهم وكل ملك له وظيفة يؤديها بالأمر..إنما في ليلة القدر فالوضع مختلف..إذ أن الملائكة تنزل بالإذن..بالإذن وليس بالأمر.. وفرق كبير جدا بين الأمر والإذن مثلا في الجندية نجدالجندي ينزل أو ينفذ أوامر القائد بالأمر يبعثه مأمورية بالأمر أما لو أن هذاالجندي عنده فرح أو مناسبة سارة فعليه التوجه للقائد ويأخذ إذن هو عبارة عن تصريح له بالنزول..
وهكذا الملائكة على امتداد العام كله تنزل إلى الأرض بالأمر ولكنها في ليلة القدر تنزل بتصريح من المولى عز وجل تنزل بالإذن..
تطلب الملائكة الإذن من الله لانها في هذا اليوم العظيم تريد أن تشارك المسلمون كلهم كلهم بلا استثناء في مشارق الارض ومغاربها بفرحة الدعاء فالمسلمون يرفعون اكفهم بالدعاء لله سبحانه وتعالى وذلك في تجمع عجيب..

ففي الحج الأكبر كان ختام القرءان الكريم وكانت ليلة الوقوف بعرفة وهي ليلة لا يشهدها إلا القادرون فقط ...وفي هذا التجمع يباهي الله ملائكته يوم القيامة لأنهم جاءوه سبحانه وتعالى شعثاً غبراً ويرفعون أكفهم بالدعاء فلا يردهم الله جلّ علاه خائبين.
وفي شهر رمضان كان بداية نزول القرءان وكانت ليلة القدر..فيها يرفع مليار مسلم أكفهم بالدعاء فلا يردهم الله خائبين..فالملائكة تطلب الإذن من الله وعلى رأسهم جبريل بالنزول إلى الأرض ليشهدوا موكب الإيمان والتقوى ففي هذاالموكب العظيم تجد المسلمين كل على حده يطلب من الله سبحانه حاجته وفي يقينه أن الله سبحانه وتعالى سوف يستجيب ولسوف يستجيب.

وشرط الاستجابة كما قلنا هو الاستقامة..( قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ )يونس : 89

فالاستقامة على أمر الله والتقرب بالعمل الصالح إلى الله، كلاهما الشرطان الأساسيان وإن شئت فقل هما الجناحان اللذان يجعلان النفس تطير إلى تلك الآفاق العالية وعندها تشهد ما تشهد من كمال الله سبحانه وتتحلى بالفضيلة والمعرفة.

أماالموسم المناسب الذي تتهيأ فيه النفس لتلك الحالة من الرؤية، والفوز بتلك الليلة المباركة، فإنما هو شهر رمضان، وفي العشر الأواخر منه، تلتمسُ كما أخبر الصادق المصدَّق عليه أفضل الصلاة والسلام، ذلك لأنه يتوفَّر للصائم حينئذٍ ذانك الشرطان الأساسيان، فالجوع والعطش في رمضان عونٌ على القطيعة بين الإنسان والشيطان، والإنسان قد مَرِنَتْ نفسه طوال نهارها على هذه القطيعة الميمونة، تجده غير خجل من ربه إطلاقاً.
كما أن له من طاعته لله بصيامه سبباً عظيماً وحافزاً قوياً يحفزه على الإقبال على ربّه فإذا وقف عشاءً للصلاة بعد أن تناول يسيراً من الطعام والشراب، وقف وكله اتجاه وإقبال وطارت نفسه، تحلِّق في ذلك الأفق العالي لا يعوقها عائق، ولايقف بينها وبين خالقها حجاب وإنك لتجد الصائم بمجرد دخوله في الصلاة لا يلبث أن يرى نفسه مغموراً بفيض من نور الله، شاخصاً ببصيرته إلى الله، يعبده حق العبادة لأنه يراه ولا يزال يعيد الكرة يوماً فيوماً، وليلة بعد ليلة، حتى إذا أقبل العشرالأواخر من هذا الشهر وقد صلب عود النفس فتشهد ما يتناسب مع حالها من جماله وجلاله وعظيم صفاته، وترى الكون كله قائماً بإمداده وتسييره، سابحاً بفضله وإحسانه، مغموراً برحمته وحنانه.. وبشهود الإنسان ذلك الجلال الإلهي والجمال وبرؤيته كمال ربه المتعال، وبتطلُّعه إلى الرحمة الشاملة. ولذلك العطف والحنان، يمتلئ حباً بذي الجلال والإكرام والعطف والإحسان.

تلك هي ليلة القدر التي يشهد فيها العبد عظمة ربه، وسامي صفاته، ويتنزَّل فيها القرآن على قلبه، تلك هي ليلة القدر التي زيَّن الله بها شهررمضان، تلك هي الليلة التي يجب أن يفوز بها كل إنسان ومن مات ولم يشهد ليلة القدر فقد أضاع حياته وخسر هذا العمر.
 
"وزنها بميزان الشهور فعجزت عنها عشرات الشهور ومئات الشهور بل زاد فضلها وعلا قدرها حتى تجاوزت في فضلها أعمار عامة أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؛قال الله تعالى :(ليلة القدر خير من ألف شهر)"
أكرمكم البارئ وزادكم من فضله ....متابعة معكم ان شاء الله
 
عودة
أعلى