ليس إلا الـقرآنُ .. ذلـكــ الكتــابْ ! ؟

خلوصي

New member
إنضم
20/09/2008
المشاركات
377
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
عالم النور و الإيمان المكي
الموقع الالكتروني
www.nuronline.com
[align=center][align=right]هذا فتح لطاقة نور من رسائل النور لتشرف بنا على
عوالم القرآن الكريم .. كتاب الله العظيم ,
لتنطلق بنا بكل الطاقة ![/align]

و رسائل النور كما تعلمون تعتبر تفسيرا معاصرا من نوع جديد ..؟ و هو يدور في فلك

تفسير المقاصد الأساسية للقرآن .. ؟!
و لهذا سحره الخاص في تسليح قارئها الدائر معها في أفلاكها بالإيمان التحقيقي ؟ !!

إنه القرآن لا غير ... إنه القرآن ليس إلا !! ؟؟


إليكم البداية ... ؟


فهذه قصة بني آدم بإزاء القرآن ...
و هي تأتيكم مع هدير الحرب العالمية الأولى ..! من الجبهة الروسية على لسان المجاهد الفذ البديع النورسي ؟ !
ثم يليها لمعات من تعريف شمولي وظيفي عجيب للقرآن !!؟

تفضّلوا يا سادتي :



لما كان بنو آدم كركبٍ وقافلةٍ متسلسلةٍ
راحلةٍ من أودية الماضي وبلاده،
سافرةٍ في صحراء الوجود والحياة،
ذاهبةٍ الى شواهق الاستقبال، متوجهةٍ الى جنّاته،
فتهتز بهم المناسبات وتتوجه اليهم الكائنات.
كأنه اَرسلَتْ حكومةُ الخِلقة فَنَّ الحكمةِ مستنطقا وسائلاً منهم بـ


" يا بني آدم ! مِن أين ؟ الى أين ؟ ماتصنعون ؟ مَنْ سلطانكم ؟ مَنْ خطيبكم ؟ "
فبينما المحاورة، اذ قام من بين بني آدم - كأمثاله الأماثل من الرسل اولي العزائم - سيّدُ نوعِ البشر محمّد الهاشمي صلى الله عليه وسلم وقال بلسان القرآن:



" أيها الحكمة ! نحن معاشر الموجودات نجئ بارزين من ظلمات العدم بقدرة سلطان الازل، الى ضياء الوجود..
ونحن معاشر بني آدم بُعِثْنا بصفة المأمورية ممتازين من بين اخواننا الموجودات بحمل الامانة..
ونحن على جناح السفر من طريق الحشر الى السعادة الابدية،

ونشتغل الآن بتدارك تلك السعادة وتنمية الاستعدادات التي هى رأسُ مالِنا..
وانا سيُّدُهم وخطيبهم.
فها دونكم منشوري ! وهو كلام ذلك السلطان الأزلي تتلألأ عليه سكّةُ الاعجاز.. و المجيب عن هذه الاسئلة الجوابَ الصوابْ....
ليس إلا القرآنُ................. ذلك الكتابْ .!!


مراسل الإيمان .. مع هدير الحرب العالمية الأولى .. من خنادق الجبهة الروسية ..
بديع الزمان سعيد النورسي [/align]


......
 
[align=center]
أحوال البشر في فطرتهم ثم بالنسبة للمقاصد الأربع للقرآن العظيم جحوداً و إيماناً

تقرير مراسل حربي .. من خنادق القتال على الجبهة الروسية .. في الحرب العالمية الثانية ؟!؟

بديع الزمان النورسي :







فإن شئت تأمل في حال شخص، بينما أخرجَتْه يدُ القدرة من ظلمات العدم وألقَتْهُ في الدنيا - تلك الصحراء الهائلة -

إذ يفتح عينيه مستعطفا،


فيرى البليات والعلل كالاعداء تتهاجم عليه،


فينظر مسترحماً الى العناصر والطبائع فيراها غليظة القلب بلا رحمة قد كشرت عليه الاسنان؛


فيرفع رأسه - مستمداً - الى الاجرام العلوية فيراها مهيبة ومدهشة تهدده كأنها مرامٍ نارية من أفواه هائلة تمر حواليه؛


فيتحير ويخفض رأسه متستراً ويطالع نفسه؛ فيسمع الوفَ صيحاتِ حاجاته وأنين فاقاته، فيتوحش،


فينظر الى وجدانه ملتجأً؛ فيرى فيه الوفاً من آمال متهيجةٍ ممتدةٍ لاتُشبعها الدنيا.


فبالله عليك كيف حال هذا الشخص ان لم يعتقد


بالمبدأ والمعاد والصانع والحشر؟



أتظن جهنم أشدَّ عليه من حاله وأحرقَ لروحه؟
فإن له حالة تركبت من الخوف والهيبة والعجز والرعشة والقلق والوحشة واليتم واليأس؛
لأنه اذا راجع قدرته يراها عاجزة ضعيفة؛
واذا توجه الى تسكين حاجاته يراها لاتسكت؛
واذا صاح واستغاث لايُسْمَع ولا يُغاث
فيظن كل شئ عدواً، ويتخيل كل شئ غريبا فلا يستأنس بشئ؛ ولا ينظر الى دوران الاجرام الاّ بنظر الخوف والدهشة والتوحش المزعجة للوجدان.



ثم تأمل في حال ذلك الشخص اذا كان على الصراط المستقيم واستضاء وجدانهُ وروحُه بنور الايمان،
كيف ترى انه اذا وضع قدمه في الدنيا وفتح عينيه
فرأى تهاجم العاديات الخارجية يرى إذاً
" نقطة استناد "
يستند اليها في مقابلة تلك العاديات، وهي معرفة الصانع فيستريح.
ثم اذا فتش عن استعداداته وآماله الممتدة الى الأبد يرى
" نقطة استمداد "يستمد منها آماله وتتشرب منها ماء الحياة وهي معرفة السعادة الابدية.
واذ يرفع رأسه وينظر في الكائنات يستأنس بكل شئ وتجتني عيناه من كل زهرة اُنسية وتحبّبا، ويرى في حركات الأجرام حكمةَ خالقها ويتنزّه بسيرها وينظر نظر العبرة والتفكر.
كأن الشمس تناديه:
أيها الأخ! لاتتوحش مني فمرحبا بقدومك! نحن كلانا خادمان لذاتٍ واحد، مطيعان لأمره.
والقمر والنجوم والبحر وأخواتها يناجيه كلٌ منها بلسانه الخاص وترمز اليه:
بأهلاً وسهلاً، أما تعرفنا ؟
كلنا مشغولون بخدمة مالكك فلا تضجر ولا تتوحش ولا تخف من تهديد البلايا بنعراتها،
فإن لجام كلٍ بيد خالقك.


فذلك الشخص في الحالة الاولى يحس في أعماق وجدانه ألماً شديداً فيضطر للتخلص منه وتهوينه وابطال حسه بالتسلي، بالتغافل، بالاشتغال بسفاسف الأمور، ليخادع وجدانه وينام روحُه؛ والا احس بألمٍ عميق يحرق أعماق وجدانه.
فبنسبة البُعْدِ عن الطريق الحق يتظاهر تأثير ذلك الالم.
وأما في الحالة الثانية فهو يحس في قعر روحه لذةً عالية وسعادة عاجلة كلما أيقظ قلبه وحرَّك وجدانه وأحسّ روحه استزاد سعادة واستبشر بفتح أبواب جنات روحانية له
.
[/align]
 
[align=center]و إليكم الآن تقرير المراسل الحربي نفسه و لكن في جبهة أخرى أشد و أقسى من جبهات القتال .. !؟ جبهة الجهاد المعنوي بين سجن و نفي و تضييق استمر قرابة خمسين عاما تعرض خلالها إلى حواي عشرين تسميما لاقتلاع الإسلام من قلوب الناس و عقولهم إلى درجة فتح معاهد لتعليم الإلحاد في القرى .. !! ؟ !!


الضياء الثالث ( من الشعلة الثالثة للكلمة الخامسة و العشرين )

لقد اشرنا في الضياء الثاني الى انهزام حكمة البشر وسقوطها امام حكمة القرآن، كما اشرنا فيه الى اعجاز حكمة القرآن. وفي هذا الضياء سنبين درجة حكمة تلاميذ القرآن، وهم العلماء الاصفياء والاولياء الصالحون والمنوّرون من حكماء الاشراقيين(1) امام حكمة القرآن مشيرين من هذا الجانب الى اعجاز القرآن اشارة مختصرة.

ان اصدق دليل على سمو القرآن الحكيم وعلوه، واوضح برهان على كونه صدقاً وعدلاً واقوى علامة وحجة على اعجازه هو:

ان القرآن الكريم قد حافظ على [mark=FFFFCC]التوازن في بيانه التوحيد بجميع اقسامه مع جميع مراتب تلك الاقسام وجميع لوزامه،[/mark] ولم يخل باتزان أيٍ كان منها.. ثم انه قد حافظ على الموازنة الموجودة بين الحقائق الإلهية السامية كلها.. وجمع الاحكام التي تقتضيها الاسماء الإلهية الحسنى جميعها مع الحفاظ على التناسب والتناسق بين تلك الاحكام.. ثم انه قد جمع بموازنة كاملة شؤون الربوبية والالوهية.

فهذه ((المحافظة والموازنة والجمع)) خاصيةٌ لا توجد قطعاً في أي أثر كان من آثار البشر، ولا في نتاج افكار اعاظم المفكرين كافة، ولا توجد قط في آثار الاولياء الصالحين النافذين الى عالم الملكوت، ولا في كتب الاشراقيين الموغلين في بواطن الامور، ولا في معارف الروحانيين الماضين الى عالم الغيب؛ بل كل قسم من اولئك قد تشبث بغصن أو غصنين فحسب من اغصان الشجرة العظمى للحقيقة، فانشغل كلياً مع ثمرة ذلك الغصن وورقه، دون أن يلتفت الى غيره من الاغصان؛ إما لجهله به أو لعدم التفاته اليه. وكأن هناك نوعاً من تقسيم الاعمال فيما بينهم.

نعم! ان الحقيقة المطلقة لا تحيط بها أنظار محدودة مقيدة. اذ تلزم نظراً كلياً كنظر القرآن الكريم ليحيط بها. فكل ما سوى القرآن الكريم - ولو يتلقى الدرس منه - لا يرى تماماً بعقله الجزئي المحدود إلاّ طرفاً أو طرفين من الحقيقة الكاملة فينهمك بذلك الجانب ويعكف عليه، وينحصر فيه، فيخلّ بالموازنة التي بين الحقائق ويزيل تناسقها إما بالافراط أو بالتفريط. ولقد بينا هذه الحقيقة بتمثيل عجيب في الغصن الثاني من الكلمة الرابعة والعشرين. أما هنا فسنورد مثالاً آخر يشير الى المسألة نفسها، هو:

لنفرض ان كنزاً عظيماً يضم ما لا يحــد من الجـواهر الثمينة في قعر بحر واسع. وقد غاص غواصون مهرة في اعماق ذلك البحر بحثاً عن جواهر ذلك الكنز الثمين. ولكن لأن عيونهم معصوبة فلا يتمكنون من معرفة انواع تلك الجواهر الثمينة إلاّ بايديهم.. ولقد لقيت يدُ بعضهم ألماساً طويلاً نسبياً، فيقضي ذلك الغواص ويحكم: ان الكنز عبارة عن قضبان من الماس. وعندما يسمع من اصدقائه اوصافاً لجواهر غيرها يحسب أن تلك الجواهر التي يذكرونها ما هي إلاّ توابع ما وجده من قضبان الالماس وما هي إلاّ فصـوصه ونــقــوشــه. ولنفرض أن آخــرين لقوا شيئاً كروياً من الياقوت، واخرين وجدوا كهرباً مربعاً.. وهكذا..فكل واحد من هؤلاء الذين رأوا تلك الجواهر والاحجار الكريمة بايديهم - دون عيونهم - يعتقد أن ما وجده من جوهر نفيس هو الأصل في ذلك الكنز ومعظمه. ويزعم ان ما يسمعه من اصدقائه زوائدُه وتفرعاتُه، وليس اصلاً للكنز.

وهكذا تختل موازنة الحقائق، ويضمحل التناسق ايضاً، ويتبدل لون كثير من الحقائق اذ يضطر مَن يريد أن يرى اللون الحقيقي للحقيقة الى تأويلات وتكلفات. حتى قد ينجر بعضهم الى الانكار والتعطيل. فمن يتأمل في كتب حكماء الاشراقيين، وكتب المتصوفة الذين اعتمدوا على مشهوداتهم وكشفياتهم دون ان يزنوها بموازين السنة المطهرة يصدّق حكمنا هذا دون تردد.

اذاً فعلى الرغم من أنهم يسترشدون بالقرآن، ويؤلفون في جنس حقائق القرآن إلاّ أن النقص يلازم آثارهم، لأنها ليست قرآناً.

فالقرآن الكريم الذي هو بحر الحقائق، آياته الجليلة غوّاصة كذلك في البحر تكشف عن الكنز، إلاّ أن عيونها مفتحة بصيرة تحيط بالكنز كله، وتبصر كل ما فيه، لذا يصف القرآن الكريم باياته الجليلة ذلك الكنز العظيم وصفاً متوازناً يلائمه وينسجم معه فيظهر حُسنه الحقيقي وجماله الاخاذ. فمثلاً:

ان القرآن الكريم يرى عظمة الربوبية الجليلة ويصفها بما تفيده الآيات الكريمة ] والارض جميعاً قبـضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه[ (الزمر:67) ] يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب[ (الانبياء:104) وفي الوقت نفسه يرى شمول رحمته تعالى ويدل عليها بما تفصح عنه الآيات الكريمة ] ان الله لا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء^ هو الذي يصوركم في الارحام كيف يشاء[ (ال عمران: 5ـ6) ] ما من دابة إلاّ هو آخذ بناصيتها[ (هود:56) ] وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها واياكم[ (العنكبوت: 60).

ثم انه مثلما يرى سعة الخلاقية الإلهية ويدل عليها بما تعبّر عنها الآية الكريمة ] خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور[ (الانعام: 1) فانه يرى شمول تصرفه تعالى في الكون واحاطة ربوبيته بكل شئ وتدل عليها بما تبينه الآية الكريمة ] خلقكم وما تعملون[ (الصافات: 96)

ثم انه مثلما يرى الحقيقة العظمى التي تدل عليها الآية الكريمة ] يحيى الارض بعد موتها[ (الروم: 50) فانه يرى حقيقة الكرم الواسع التي تعبر عنها الآية الكريمة ] واوحى ربك الى النحل.. [ (النحل:68) ويدل عليها، ويرى في الوقت نفسه حقيقة الحاكمية المهيمنة ويدل عليها بــ] والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره[ (الاعراف: 54) ومثلما يرى الحقيقة الرحيمة المدبرة التي تفيدها الآية الكريمة ] أوَلم يروا الى الطير فوقهم صافات ويقـبـضن ما يمسكهن إلاّ الرحمن انه بكل شيء بصير[ (الملك:19) يرى الحقيقة العظمى التي تفيدها الآية الكريمة ] وسع كرسيه السموات والارض ولا يؤده حفظهما.. [ (البقرة:255) في الوقت الذي يرى حقيقة الرقابة الإلهية في تعبير الآية ] وهو معكم اين ما كنتم[ (الحديد:4) كالحقيقة المحيطة التي تفصح عنها الآية ] هو الاول والاخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم[ (الحديد:3) ويرى أقربيته سبحانه التي يعبر عنها قوله تعالى ] ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن اقرب اليه من حبل الوريد[ (ق: 16) مع ما تشير اليه من حقيقة سامية الآية الكريمة ] تعرج الملائكة والروح اليه في يوم كان مقداره خمسين الف سنة[ (المعارج:4) كالحقيقة الجامعة التي تدل عليها وتفيدها الآية الكريمة ] ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي[ (النحل: 90) وامثالها من الآيات الكريمة التي تضم الدساتير الدنيوية والاخروية والعلمية والعملية.

فالقرآن يرى جميع الدساتير التي تحقق سعادة الدارين ويبيّنها مع بيانه كل ركن من اركان الايمان الستة بالتفصيل، وكل ركن من اركان الاسلام الخمسة بقصدٍ وجدّ محافظاً على الموازنة فيما بينها جميعاً مديماً تناسبها، فينشأ من منبع الجمال والحسن البديع الحاصل من تناسب مجموع تلك الحقائق وتوازنها اعجازٌ معنوي رائع للقرآن.

فمن هذا السر يتبين: أن علماء الكلام، وإن تتلمذوا على القرآن الكريم وألّفوا الوف الكتب - بعضها عشرات المجلدات - إلاّ انهم لترجيحهم العقل على النقل كالمعتزلة، عجزوا عن ان يوضحوا ما تفيده عشرُ آيات من القرآن الكريم وتثبته اثباتاً قاطعاً بما يورث القناعة والاطمئنان، ذلك لأنهم يحفرون عيوناً في سفوح جبال بعيدة ليأتوا منها بالماء الى اقصى العالم بوساطة انابيب، أي بسلسلة الاسباب، ثم يقطعون تلك السلسلة هناك، فيثبتون وجود واجب الوجود والمعرفة الإلهية التي هي كالماء الباعث على الحياة!! أما الآيات الكريمة فكل واحدة منها كــعصا موســى تستــطيع ان تـفــجّر المـــاء ايــنما ضــربت، وتــفــتــح من كل شـــئ نافذةً تــدل على الصانع الجليل وتعرّفه. وقد أثبتت هذه الحقيقة بوضوح في سائر الكلمات وفي الرسالة العربية (قطرة) المترشحة من بحر القرآن.

ومن هذا السر ايضاً نجد ان جميع ائمة الفرق الضالة الذين توغلوا في بواطن الامور واعتمدوا على مشهوداتهم من دون اتباع السنة النبوية، فرجعوا من اثناء الطريق، وترأسوا جماعة وشكلوا لهم فرقةً ضالة.. هؤلاء قد زلّوا الى مثل هذه البدع والضلالة وساقوا البشرية الى مثل هذه السبل الضالة لانهم لم يستيطعوا ان يحافظوا على تناسق الحقائق وموازنتها.

[mark=FFFFCC]إن عجز جميع هؤلاء يبين اعجازاً للآيات القرآنية[/mark].
[/align]
 
[align=center]الكلمة الثانية عشرة



بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحيمِ



]ومَن يؤتَ الحكمة فقد اوتي خيراً كثيراً[



(البقرة: 269)



هذه الكلمة تشير الى موازنة اجمالية بين حكمة القرآن الكريم المقدسة وحكمة الفلسفة،



وتشير أيضاً الى خلاصة مختصرة لما تلقنه حكمة القرآن من تربية الانسان في حياتيه الشخصية



والاجتماعية



فضلاً عن انها تضم اشارة الى جهة ترجح القرآن الكريم وأفضليته على سائر الكلام الإلهي وسموه على الاقوال قاطبة.




بمعنى أن هناك أربعة أسس في هذه الكلمة:



cالاساس الاول:



من خلال منظار هذه الحكاية التمثيلية أنظر الى



الفروق بين حكمة القرآن الكريم وحكمة العلوم:



اراد حاكم عظيم ذو تقوى وصلاح وذو مهارة وابداع أن يكتب القرآن الحكيم كتابة تليق بقدسية معانيه الجليلة وتناسب اعجازه البديع في كلماته، فأراد أن يُلبِس القرآن الكريم ما يناسب اعجازه السامي من ثوب قشيب خارق مثله.



فطفق يكتب القرآن، وهو مصور مبدع، كتابة عجيبة جداً مستعملاً جميع أنواع الجواهر النفيسة والاحجار الكريمة ليشير بها الى تنوع حقائقه العظيمة فكتب بعض حروفه المجسمة بالالماس والزمرد وقسماً منها باللؤلؤ والمرجان وطائفة منها بالجوهر



والعقيق ونوعاً منها بالذهب والفضة، حتى أضفى جمالاً رائعاً وحسناً جالباً للانظار يعجب بها كل من يراها سواء أعلم القراءة أم جهلها. فالجميع يقفون أمام هذه الكتابة البديعة مبهوتين يغمرهم التبجيل والاعجاب، ولا سيما أهل الحقيقة الذين بدأوا ينظرون اليها نظرة اعجاب وتقدير أشد، لما يعلمون أن الجمال الباهر هذا يشف عما تحته من جمال المعاني وهو في منتهى السطوع واللمعان وغاية اللذة والذوق.



ثم عرض ذلك الحاكم العظيم، هذا القرآن البديع الكتابة، الرائع الجمال، على فيلسوف أجنبي وعلى عالم مسلم. وأمرهما:



((ليكتب كل منكما كتاباً حول حكمة هذا القرآن!)) ملمحاً الى اختبارهما ليكافئهما.



كتب الفيلسوف كتاباً. وكتب العالم المسلم كتاباً.




كان كتاب الفيلسوف يبحث عن نقوش الحروف وجمالها، وعلاقة بعضها ببعض، وأوضاع كل منها، وخواص جواهرها وميزاتها وصفاتها فحسب. ولم يتعرض في كتابه الى معاني ذلك القرآن العظيم قط، إذ إنه جاهل باللغة العربية جهلاً مطبقاً، بل لم يدرك أن ذلك القرآن البديع هو كتاب عظيم تنم حروفه عن معان جليلة، وانما حصر نظره في روعة حروفه وجمالها الخارق. ومع هذا فهو مهندس بارع، ومصور فنان، وكيميائي حاذق، وصائغ ماهر، لذا فقد كتب كتابه هذا وفق ما يتقنه من مهارات ويجيده من فنون.




أما العالم المسلم، فما أن نظر الى تلك الكتابة البديعة حتى علم أنه: كتاب مبين وقرآن حكيم. فلم يصرف اهتمامه الى زينته الظاهرة، ولا أشغل نفسه بزخارف حروفه البديعة، وانما توجه كليا ًـ وهو التواق للحق ـ الى ما هو



أسمى وأثمن وألطف وأشرف وأنفع وأشمل



مما انشغل به الفيلسوف الاجنبي بملايين الاضعاف، فبحث عما تحت تلك النقوش الجميلة من حقائق سامية جليلة وأسرار نيرة بديعة فكتب كتابه تفسيراً قيماً لهذا القرآن الحكيم، فأجاد وأتقن.


قدّم كلٌ منهما ما كتبه الى الحاكم العظيم. تناول الحاكم أولاً مؤلَّف الفيلسوف ونظر اليه ملياً. فرأى أن ذلك المعجب بنفسه والمقدس للطبيعة، لم يكتب حكمةً حقيقية قط، مع أنه بذل كل ما في طوقه، إذ لم يفهم معاني ذلك الكتاب، بل ربما زاغ واختلط عليه الامر، وأظهر عدم توقير واجلال لذلك القرآن، حيث أنه لم يكترث بمعانيه السامية، وظن أنه مجرد نقوش جميلة وحروف بديعة، فبخس حق القرآن وازدراه من حيث المعنى. لذا رد الحاكم الحكيم مؤلَّف ذلك الفيلسوف وضربه على وجهه وطرده من ديوانه.



ثم أخذ مؤلَّف العالم المسلم المحقق المدقق، فرأى أنه تفسير قيم جداً، بالغ النفع. فبارك عمله، وقدر جهده، وهنّأه عليه وقال: هذه هي الحكمة حقاً، وانما يطلق اسم العالم والحكيم حقاً على صاحب هذا المؤلَّف، وليس الآخر إلاّْ فنان صنَّاع قد أفرط وتجاوز حدّه. وعلى اثره كافأ ذلك العالم المسلم وأجزل ثوابه، آمراًَ أن تمنح عشر ليرات ذهبية لكل حرف من حروف كتابه.



فاذا فهمت - يا أخي - أبعاد هذه الحكاية التمثيلية، فانظر الى وجه الحقيقة:



فذلك القرآن الجميل الزاهي، هو هذا الكون البديع..



وذلك الحاكم المهيب هو سلطان الازل والابد سبحانه.



والرجلان: الاول - أي ذلك الاجنبي - هو علم الفلسفة وحكماؤها. والاخر: هو القرآن الكريم وتلاميذه.




نعم، ان القرآن الكريم ((المقروء)) هو أعظم تفسير وأسماه، وأبلغ ترجمان وأعلاه لهذا الكون البديع، الذي هو قرآن آخر عظيم ((منظور)).



نعم! ان ذلك الفرقان الحكيم هو الذي يرشد الجن والانس الى الآيات الكونية التي سطَّرها قلمُ القدرة الإلهية على صحائف الكون الواسع ودبجها على أوراق الازمنة والعصور.



وهو الذي ينظر الى الموجودات - التي كل منها حرف ذو مغزى - بالمعنى الحرفي، أي ينظر اليها من حيث دلالتها على الصانع الجليل. فيقول:



ما أحسنَ خلقه! ما أجملَ خلقه! ما أعظم دلالته على جمال المبدع الجليل.




وهكذا يكشف أمام الانظار الجمالَ الحقيقي للكائنات.



أما ما يسمونه بعلم الحكمة وهي الفلسفة،



فقد غرقت في تزيينات حروف الموجودات،



وظلّت مبهوتة أمام علاقات بعضها ببعض،



حتى ضلت عن الحقيقة. فبينما كان عليها أن تنظر الى كتاب الكون نظرتها الى الحروف - الدالة على كاتبها - فقد نظرت اليها بالمعنى الاسمي، أي أن الموجودات قائمة بذاتها، وبدأت تتحدث عنها علـى هـذه الصــورة فتـقول: ما أجمل هذا! بـدلاً من:ما أجمـل خـلـق هذا، سالبة بهذا القول الجمال الحقيقي للشئ. فأهانت باسنادها الجمال الى الشئ نفسه جميع الموجودات حتى جعلت الكائنات شاكية عليها يوم القيامة..


نعم! ان الفلسفة الملحدة انما هي سفسطة لا حقيقة لها وتحقير للكون واهانة له.




cالاساس الثاني:



للوصول الى



مدى الفرق بين التربية الاخلاقية التي يربي بها القرآن الكريم تلاميذه، والدرس الذي تلقنه حكمة الفلسفة،


نرى أن نضع تلميذيهما في الموازنة:




فالتلميذ المخلص للفلسفة



((فرعون)) ولكنه فرعون ذليل، اذ يعبد أخس شئ لأجل منفعته، ويتخذ كل ما ينفعه رباً له.



ثم أن ذلك التلميذ الجاحد ((متمرد وعنود)) ولكنه متمرد مسكين يرضى لنفسه منتهى الذل في سبيل الحصول على لذة، وهو عنود دنئ اذ يتذلل ويخنع لاشخاص هم كالشياطين، بل يقبّل أقدامهم!



ثم أن ذلك التلميذ الملحد ((مغرور، جبار)) ولكنه جبار عاجز لشعوره بمنتهى العجز في ذاته، حيث لا يجد في قلبه من يستند اليه.



ثم أن ذلك التلميذ ((نفعي ومصلحي)) لا يرى إلاّ ذاته. فغاية همته تلبية رغبات النفس والبطن والفرج، وهو ((دسّاس مكّار)) يتحرى عن مصالحه الشخصية ضمن مصالح الامة.


بينما تلميذ القرآن المخلص



هو ((عبد)) ولكنه عبد عزيز لا يستذل لشئ حتى لأعظم مخلوق، ولا يرضى حتى بالجنة، تلك النعمة العظمى غاية لعبوديته لله.



ثم أنه تلميذ ((متواضع، ليّن هيّن)) ولكنه لا يتذلل بارادته لغير فاطره الجليل ولغير أمره وإذنه.



ثم أنه ((فقير وضعيف)) موقن بفقره وضعفه، ولكنه مستغنٍ عن كل شئ بما ادخره له مالكُه الكريم من خزائن لا تنفد في الآخرة. وهو ((قوي)) لاستناده الى قوة سيده المطـلقة.



ثم أنه لا يعمل إلاّ لوجه الله، بل لا يسعى إلاّ ضمن رضاه بلوغاً الى الفضائل ونشرها.




وهكذا تفهم التربية التي تربي بها الحكمتان، لدى المقارنة بين تلميذيهما.




cالاساس الثالث:



أما ما تعطيه حكمة الفلسفة وحكمة القرآن من تربية للمجتمع الانساني فهي:
[/align]
 
[align=center]..

 الاساس الثالث:
أما ما تعطيه حكمة الفلسفة وحكمة القرآن من تربية للمجتمع الانساني فهي:

أن حكمة الفلسفة
ترى (( القوة )) نقطة الاستناد في الحياة الاجتماعية.
وتهدف إلى (( المنفعة )) في كل شئ.
وتتخذ (( الصراع )) دستوراً للحياة.
وتلتزم (( بالعنصرية والقومية السلبية )) رابطة للجماعات.
أما ثمراتها فهي " اشباع رغبات الاهواء والميول النفسية " التي من شأنها تأجيج جموح النفس واثارة الهوى.
ومن المعلوم أن شأن (( القوة )) هو (( الإعتداء )).. وشأن (( المنفعة )) هو (( التزاحم )) اذ لا تفي لتغطية حاجات الجميع وتلبية رغباتهم.. وشأن (( الصراع )) هو (( النزاع والجدال )).. وشأن (( العنصرية )) هو (( الإعتداء )) اذ تكبر بابتلاع غيرها وتتوسع على حساب العناصر الاخرى.
ومن هنا تلمس لِمَ سُلبت سعادةُ البشرية، من جراء اللهاث وراء هذه الحكمة.




أما حكمة القرآن الكريم، فهي تقبل (( الحق )) نقطة استناد في الحياة الاجتماعية، بدلاً من ((القوة)).. وتجعل (( رضى الله سبحانه )) ونيل الفضائل هو الغاية، بدلاً من ((المنفعة)).. وتتخذ دستور (( التعاون )) أساساً في الحياة، بدلاً من دستور (( الصراع )) .. وتلتزم برابطة (( الدين )) والصنف(1) والوطن لربط فئات الجماعات بدلاً من العنصرية والقومية السلبية.. وتجعل غاياتها " الحد من تجاوز النفس الامارة ودفع الروح الى معالي الامور، واشباع مشاعرها السامية لسوق الانسان نحو الكمال والمثل الانسانية. "

ان شأن (الحق) هو ( الاتفاق ).. وشأن ( الفضيلة ) هو ( التساند ).. وشأن دستور ( التعاون ) هو ( اغاثة كل للاخر ).. وشأن ( الدين ) هو ( الاخوة والتكاتف ).. وشأن ( إلجام النفس ) وكبح جماحها وأطلاق الروح وحثها نحو الكمال هو ( سعادة الدارين ).



 الاساس الرابع:
اذا أردت أن تفهم كيف
يسمو القرآن على سائر الكلمات الإلهية وتعرف مدى تفوّقه على جميع الكلام.
فانظر وتأمل في هذين المثالين:
المثال الاول:
إن للسطان نوعين من المكالمة، وطرازين من الخطاب والكلام:
[/align]
 
انقطاع طويل بين اخر مشاركة والتي قبلها ، استمر بارك الله فيك وجزاك الرحمن من رحمته ، فهذا الحديث اشد وقعا من الماء البارد على الظمأ ،
 
انقطاع طويل بين اخر مشاركة والتي قبلها ، استمر بارك الله فيك وجزاك الرحمن من رحمته ، فهذا الحديث اشد وقعا من الماء البارد على الظمأ ،

إيه يا سيدي شو ساوي ؟!
عم دوّر و بنتقي و بنسخ و بنسق .. و أنا فرحان ! بعدين بشوف و لله الحمد قراءات بتشجع ..
بس يا سيدي و الله أنا بشر .. يعني بضعف إذا ما حدا ألّي شكراً .. بارك الله فيك ... جزيت خيراً .. زوّجت بكراً ..
فهذا الحديث اشد وقعا من الماء البارد على الظمأ .. بسمات !؟!
و لّا لا يا سيدي !؟
 
بينما أسير اليوم عصرا ذاهبا إلى جدتي، عقلي وقلبي كعادتهما لا يكلان عن التفكير والتفكر والمعايشة حول محور وجودهما وسبيل التجرد..

وغليكم ما دار بعقلي من حوار.. وعذرا له أن فضحته، ولكن القلب غلّاب .. :

- أنت يا محمد لا يمكنك الانفكاك عن محور تصب فيه كامل التقديس وتمارس تجاهه أحاديتك القاسية المتعصبة

- نعم صحيح .. هذا أمر أوقنه من نفسي وهو سبب لعذابي في مراحل كثيرة مضت

- طيب وما هي إذا الجهة التي يمكنك أن تصب فيها ذلك الذي قلت؟

- نعم نحن قلنا هو القرآن..

- نعم، ولكن ما هو مصدر ذلك القرآن ومناط تقديسه؟.. أليس هو الله ؟

- بلى..

- فلماذا تعجز أن تجعل الله إلهك محور حياتك؟.. أهو عجز عن التصور؟..

- فالآن ما هو مصدر معرفتنا حول ذات الله الجليل ؟

هنا يتمثل بين عيني قوله الله تعالى :

(ولا ينبئك مثل خبير)

ويقفز عقلي كعادته ليكمل الحوار .. :

- ولكن أليست هناك مصادر أخرى كالعقل تنبئك عن الله تعالى؟

- بلى.. ولكن أنت الآن تعرف عمن ؟ .. عن الله.. الجليل العظيم الخالق.. وهذه المعرفة لا يمكن أن تكون عن مصادر تقبل أن تكون أقل من غيرها في حال من الاحوال ولو كانت هي في ذاتها مقبولة ومستعملة في منطقياتنا البشرية..

- نعم صحيح.. إذا لا يبق لك إلا المصدر الذي لا يقبل أن يكون إلا الأعلى في كل أحواله.. حيث ينئك الخبير عن نفسه..

نعم هو هذا إذا..

القرآن العظيم


وانتهى الحوار..
 
- نعم صحيح.. إذا لا يبق لك إلا المصدر الذي لا يقبل أن يكون إلا الأعلى في كل أحواله.. حيث ينئك الخبير عن نفسه..
نعم هو هذا إذا..
القرآن العظيم
وانتهى الحوار..
و كان على ذاك الحوار أن يبدأ من حيث انتهى
icon7.gif
..

على أي حال هذه مواصلة لذاك الحوار .....

C الاساس الرابع:
اذا أردت أن تفهم كيف يسمو القرآن على سائر الكلمات الإلهية وتعرف مدى تفوّقه على جميع الكلام ...

فانظر وتأمل في هذين المثالين:
المثال الاول: أن للسطان نوعين من المكالمة، وطرازين من الخطاب والكلام:
الاول: مكالمة خاصة بوساطة هاتف خاص مع أحد رعاياه من العوام، في أمر جزئي يعود الى حاجة خاصة به.
والآخر: مكالمة باسم السلطنة العظمى، وبعنوان الخلافة الكبرى وبعزة الحاكمية العامة، بقصد نشر أوامره السلطانية في الآفاق، فهي مكالمة يجريها مع أحد مبعوثيه أو مع أحد كبار موظيفه..
فهي مكالمة بأمر عظيم يهم الجميع.
المثال الثاني: رجل يمسك مرآة تجاه الشمس، فالمرآة تلتقط - حسب سعتها - نوراً وضياء يحمل الالوان السبعة في الشمس.. فيكون الرجل ذا علاقة مع الشمس بنسبة تلك المرآة، ويمكنه أن يستفيد منها فيما اذا وجهها الى غرفته المظلمة، أو الى مشتله الخاص الصغير المسقف، بيد أن استفادته من الضوء تنحصر بمقدار قابلية المرآة على ما تعكسه من نور الشمس وليست بمقدار عِظمَ الشمس.
بينما رجل آخر يترك المرآة، ويجابه الشمس مباشرة، ويشاهد هيبتها ويدرك عظمتها، ثم يصعد على جبل عال جداً وينظر الى شعشعة سلطانها الواسع المهيب ويقابلها بالذات دون حجاب ثم يرجع ويفتح من بيته الصغير ومن مشتله المسقف الخاص نوافذ واسعة نحو الشمس، واجداً سبلاً الى الشمس التي هي في أعالي السماء ثم يجري حواراً مع الضياء الدائم للشمس الحقيقية. فيناجي الشمس بلسان حاله ويحاورها بهذه المحاورة المكللة بالشكر والامتنان فيقول:
(إيه يا شمس! يا من تربعت على عرش جمال العالم! يا لطيفة السماء وزهراءها! يا من أضفيت على الارض بهجة ونوراً، ومنحت الازهار ابتسامة وسروراً،فلقد منحت الدفء والنور معاً لبيتي ومشتلي الصغير كما وهبت للعالم أجمع الدفء والنور).
بينما صاحب المرآة السابق لا يستطيع أن يناجي الشمس ويحاورها بهذا الاسلوب، اذ إن آثار ضوء الشمس محددة بحدود المرآة وقيودها، وهي محصورة بحسب قابلية تلك المرآة واستيعابها للضوء.

وبعد.. فانظر من خلال منظار هذين المثالين الى القرآن الكريم لتشاهد اعجازه، وتدرك قدسيته وسموه..
أجل ان القرآن الكريم يقول:
] ولو أنّ ما في الارضِ مِن شجرةٍ أقلامٌ والبحُر يمدّه من بعدهِ سبعةُ أبحرٍ ما نفدتْ كلمات الله، ان الله عزيز حكيم [ .
وهكذا فان منح القرآن الكريم اعلى مقام من بين الكلمات جميعاً، تلك الكلمات التي لا تحدها حدود، مردّه أن القرآن قد نزل من الاسم الاعظم ومن أعظم مرتبة من مراتب كل اسم من الاسماء الحسنى،
فهو كلام الله، بوصفه رب العالمين،
وهو أمره بوصفه إله الموجودات،
وهو خطابُه بوصفه خالق السموات والارض،
وهو مكالمةٌ سامية بصفة الربوبية المطلقة،
وهو خطابُه الازلي باسم السلطنة الإلهية العظمى..
وهو سجلُ الالتفات والتكريم الرحماني نابع من رحمته الواسعة المحيطة بكل شئ..
وهو مجموعة رسائل ربانية تبين عظمة الالوهية، اذ في بدايات بعضها رموز وشفرات.
وهو الكتاب المقدس الذي ينثر الحكمة.
ولأجل هذه الاسرار اُطلق على القرآن الكريم ما هو أهله ولائق به اسم (كلام الله).

أما سائر الكلمات الإلهية: فان قسماً منها كلام نابع باعتبار خاص، وبعنوان جزئي، وبتجل جزئي لاسم خصوصي، وبربوبية خاصة، وسلطان خاص، ورحمة خصوصية. فدرجات هذه الكلمات مختلفة متفاوتة من حيث الخاص والكلي،
فأكثر الإلهامات من هذا القسم
إلاّ أن درجاتها متفاوتة جداً.
فمثلاً: ان ابسطها واكثرها جزئية هي إلهام الحيوانات، ثم إلهام عوام الناس، ثم إلهام عوام الملائكة، ثم إلهام الاولياء، ثم إلهام كبار الملائكة.
ومن هذا السر نرى ان ولياً يقول:
(( حدّثنى قلبي عن ربي ))
أي: بهاتف قلبه.. ومن دون وسـاطة مَلَك، فهو لا يقول: حدّثني رب العـالمـين. أو نراه يقـول: ان قلـبـي عـرشٌ ومرآة عاكسة لتجليات ربـي. ولا يقـول: عـرش رب العـالمين؛ لأنه يمـكن ان ينال حظاً من الخطاب الرباني وفق استعداداته وحسب درجة قابلياته
وبنسبة رفع ما يقارب سبعين الف حجاب.

نعم! انه بمقدار علو كلام السلطان الصادر من حيث السلطنة وسموه على مكالمته الجزئية مع أحد رعاياه من العوام، وبمقدار ما يفوق الاستفادة من فيض تجلي الضوء من الشمس التي هي في السماء على استفادة فيضها من المرآة، يمكن فهم سمو القرآن الكريم على جميع الكلام الإلهي والكتب السماوية.
فالكتب المقدسة والصحف السماوية تأتي بالدرجة الثانية بعد القرآن الكريم في درجة العلو والسمو. كل له درجته وتفوقه، كل له حظه من ذلك السر للتفوق، فلو اجتمع جميع الكلام الطيب الجميل للانس والجن - الذي لم يترشح عن القرآن الكريم - فانه لا يمكن أن يكون نظيراً قط للقرآن الكريم ولا يمكن أن يدنو الى أن يكون مثله.

واذا كنت تريد أن تفهم شيئاً من أن القرآن الكريم قد نزل من الاسم الاعظم ومن المرتبة العظمى لكل اسم من الاسماء الحسنى فتدبّر في
(آية الكرسي)
وكذا الآيات الكريمة التالية وتأمل في معانيها الشاملة العامة السامية:

] وعندَه مفاتِحُ الغَيب[
] قل اللّهم مالكَ الملك[
] يُغشي الليلَ النهار يطلُبُه حثيثاً والشمسَ والقمرَ والنجومَ مسخراتٍ بأمره[
] يا أرض ابلعي ماءك ويا سماءُ أقلعي[
] تسبح له السمواتُ السبعُ والارضُ ومَن فيهن[
] ما خَلْقُكُم ولا بَعثُكُم إلاّ كَنفسٍ واحدة[
] إنّا عرضنا الأمانةَ على السمواتِ والارض والجبال[
] يومَ نطوي السماءَ كطيّ السّجلِ للكتب[
] وما قدروا الله حقّ قدرِه والارضُ جميعاً قـبـضتُه يومَ القيامة[
] لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرأيته..[
وأمثالها من الآيات الجليلة،

ثم دقق النظر في السور المبتدئة بـ ] الحمد لله[ و] تسبح..[
. لترى شعاع هذا السر العظيم
ثم أنظر الى السور المستهلة بـ] الم[ و] ألر[ ، و] حم[ لتفهم أهمية القرآن لدى رب العالمين.

واذا فهمت السر اللطيف لهذا الاساس الرابع،
تستطيع أن تفهم: السر في أن أكثر الوحي النازل الى الانبياء انما هو بوساطة ملك، أما الالهام فبلا وساطة.
وتفهم السر في أن أعظم ولي من الاولياء لا يبلغ أي نبي كان من الانبياء..
وتفهم السر الكامن في عظمة القرآن وعزته القدسية وعلو اعجازه..
وتفهم سر لزوم المعراج وحكمة ضرورته، أي تفهم السر في رحلته e الى السموات العلا والى سدرة المنتهى حتى كان قاب قوسين أو أدنى ومن ثم مناجاته معه سبحانه، مع أنه جل جلاله ] أقرب اليه من حبل الوريد[ ثم عودته بطرف العين الى مكانه.
أجل! ان شق القمر كما أنه معجزة لاثبات الرسالة، أظهرت نبوته الى الجن والانس...
كذلك المعراج هو معجزة عبوديته e أظهرت محبوبيته الى الارواح والملائكة.
اللّهم صل وسلم عليه وعلى آله، كما يليق برحمتك وبحرمته
آمــــين
 
عودة
أعلى