إبراهيم عوض
New member
- إنضم
- 18/03/2005
- المشاركات
- 203
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
لو كان الدكتور المطعنى...!!!
كلمة فى رثاء الراحل الكريم
بقلم: د. إبراهيم عوض
[email protected]
http://awad.phpnet.us/
http://ibrahimawad.com/
http://www.maktoobblog.com/ibrahim_awad9
(هذه الكلمة كتبت لموقع "إخوان أون لاين" بناء على طلب صحفى صديق يعمل فى ذلك الموقع، وقد نشرت هناك منذ أيام، ورأيت إضافتها هنا تعزيزا للكلمات الكريمة التى قيلت فى حق عالمنا الجليل فى هذا المنتدى)
لو كان الدكتور المطعنى، نور الله قبره وأكرم نُزُله، فنانا مثلا، حتى لو كان فنانا لا قيمة له، بل حتى لو كان يوظف فنه فى تدمير مقومات الأمة من دين وخلق كريم وقيم اجتماعية وسلوكية رفيعة، لانتفضت الدولة على بكرة أبيها وأمها وأهلها جميعا وأرسلته للخارج ليعالج على نفقة الخزانة العامة رغم غنى أمثاله عن هذا بما يتمتع به من مقدرة مادية هائلة، ولخرج من يسمَّوْن بكبار رجال الدولة فشيعوا جنازته عندما يموت وامتلأت الصحف والإذاعة والمرناء عويلا ولطما للخدود وشقا للجيوب ودعاء بدعوى الجاهلية. لكنه كان عالما، وعالما محترما. ورغم أنه، طيب الله ثراه، كان مثلنا من فئة المساتير ليس إلا، ولم يكن كالفنانين الشديدى الثراء الذين تأمر الدولة رغم ذلك بعلاجهم على حساب الخزينة العامة والذين مهما فعلوا فلن يستطيعوا أن يقدموا عشر معشار ما قدمه من خدمات لأمته ودينه وبلده ثقافة ذلك البلد، فإن الحكومة لم تهتم به لا أثناء مرضه ولا عند وفاته، كما لا تهتم بأى عالم محترم مثله حين يأتى عليه الدور ويموت "فطيسا" بالتعبير البلدى، أى دون أن يبالى به أحد ممن يُسَمَّوْن بكبار رجال الدولة أو يذرف عليه دمعة، اللهم إلا قلة من الناس يحبون العلم ويحبون الوطن ويقدرون الرجال الشرفاء الكرماء حق قدرهم ممن لا يسمَّوْن بكبار رجال الدولة، وقليل ماهم: قليل ما هم الشرفاء الكرماء، وقليل ما هم أيضا الذين يبكون الشرفاء الكرماء!
ولكن متى كانت الحكومات الجاهلة تهتم بالعلماء؟ إن كل إناء بما فيه ينضح، وليس فى إناء الحكومات التى من هذا النوع علم ولا فهم ولا تمييز، فأنَّى يأتيها الاهتمام بالعلم والعلماء؟ فالحمد لله أنها لا تهتم بأهل العلم لأن هذا برهان على أنهم علماء كرام. أما لو اهتمت بأحد منهم فقد يكون هذا سببا فى شك الناس الطيبين فى طهارة ذلك العالم وعدم الاطمئنان إلى خلقه وعلمه، إذ إن حكومة كهذه من شأنها أن تجلب الشبهة لمن تقترب منه وتهتم به. ومن هنا فعلى قدر أساى لإهمال الحكومة لمثل الدكتور المطعنى، فإنى سرعان ما فئتُ إلى الرضا بما وقع لأنه دليل على ما كان يتمتع به ذلك الرجل من طهارة وفضل وعلم وخلق رفيع... إلى آخر تلك الأصناف من البضاعة المزجاة عند حكوماتنا العربية والإسلامية غير الرشيدة!
لقد كان الرجل، رحمه الله، مصابا بمرض السكر، وتضاعفت فى الأعوام الأخيرة إصابته ونتجت عنها فى البداية إزالة جزء صغير من قدمه علمتُ بعد وفاته أنه وصل إلى الركبة. وقد اتصلت به من قطر منذ عدة أعوام حين كان فى البحرين يشتغل فى جامعتها أستاذا زائرا، ثم علمت بعد قليل أنه اضْطُرّ إلى العودة إلى مصر قبل انتهاء العام الدراسى بسبب مضاعفات المرض، فحزنت حزنا شديدا. ولما رجعت إلى أرض الوطن كنت أهاتفه بين الحين والحين، اللهم حين ضعف سمعه واتصلتُ به ذات ليلة فردت علىّ ابنته وأعطتنيه وأخذنا نتحدث كالعادة، بيد أنى لاحظت أن الحديث بيننا يفتقد الاتساق، إذ أكلمه فى شىء فيجيبنى بشىء آخر، بل إنه ألقى علىّ السلام فى وسط الكلام ووضع السماعة ظنا منه أننى انتهيت من حديثى معه رغم أننى لم أكن انتهيت بعد، وهو ما حز فى نفسى كثيرا تألما له من شدة محبتى إياه، وإن كنت ممن لا ينخدعون فى الدنيا لكثرة ما شاهدت فيها من مرارات وأحزان. إلا أن خبرة الإنسان بالحياة لا تجعله يفقد القدرة على التألم أبدا. إنه لا يفاجَأ بأحداثها مهما تكن غرابتها، لكن هذا لا يقضى على مشاعره الإنسانية، ومن ثم يتألم ويحزن وتصيب نفسه المرارة رغم كل شىء.
وكنت قد زرته عقب عودتى من الخارج بقليل أنا والصديق الصحفى الأستاذ مجدى عبد اللطيف، وهو من الذين يعرفون للرجل الكريم فضله وعلمه، فأكرمَنا الأستاذ الدكتور إكراما بالغا وأحضر لكل منا، فيما أحضر، قطعتين ضخمتين من الجاتوه. ورغم أن الجزء المزال من قدمه وقتها كان محدودا جدا فقد كنت حريصا بقدر إمكانى على ألا أنظر إلى قدمه حتى لا أتألم أكثر مما كنت متألما. ومع هذا كان الرجل من ناحيته، أكرمه الله وطيب مثواه، حريصا على ألا يرى أحد من زوراه شيئا من الابتلاء الذى وضعه الله فيه سبحانه وتعالى، بل لم يتطرق إلى شىء مما كان يعانيه، وبدا جَلْدا صبورا كبير النفس كأن لا شىء هناك قط، وهو ما زادنى له احتراما على احترام. وأخذنا نضحك ونداعبه كما هى العادة، وهو يتجاوب معنا بكل عقله ووجدانه بما نعرفه عنه من رقة نفس ولين جانب وتواضع قلب.
وترجع معرفتى بكتابات الدكتور المطعنى إلى الثمانينات بعد عودتى بقليل من بريطانيا، التى أمضيت فيها ستة أعوام للحصول على درجة الدكتورية. ولعل جريدة "النور" أول جريدة قرأت فيها له وعنه. وكنت فى البداية ولمدة طويلة أتصور أن هناك "مطعنيّين" اثنين: عبد العظيم، وهو ممتلئ قليلا وأصلع ويلبس جلبابا أبيض، وعبد الحكيم، وهو أصغر سنا، وتبدو عليه سيماء الحزن، ويرتدى بدلة، وله شعر. وكنت أحسبهما ابنَىْ عم... إلى أن اكتشفت أن الأمر كله وهم فى وهم، وأن ليس هناك إلا الأستاذ الدكتور عبد العظيم المطعنى، وأن عبد الحكيم ليس سوى عبد العظيم فى شبابه. وقد ضحكت كثيرا حينما عرفت هذا، ولعله هو الذى شرح لى السر ونبهنى إلى ما كنت منغمسا فيه من خلط.
ورغم أننى لم أزر الأستاذ الدكتور فى بيته إلا مرات قليلة فقد كانت بيننا اتصالات بالهاتف ومقابلات هنا وهناك: فى الإذاعة أو فى مناقشات بعض الرسائل الجامعية مثلا، كما رشحنى أكثر من مرة لبعض الأنشطة العلمية فى مصر وخارجها. كذلك كانت علاقتى بأفراد أسرته ودودة، رغم انحصارها فى تلك الفترة القصيرة التى كنت أتصل بها فيه قبل أن ينادوه ليرد علىّ، وهو ما يدل على شدة حبهم له، إذ كانوا يودون من يوده حتى لو لم تكن لهم به معرفة عن قرب. وفى مكتبى عدد من كتبه التى أهدانيها والتى أعتز بها وقرأتها فور وصولها إلى يدى، وكان الرسول بيننا فى الغالب هو الأستاذ مجدى عبد اللطيف، الذى اقترح علىّ هذه الكلمة، والذى كنت أنا وهو ننوى منذ فترة أن نقوم بزيارة الراحل العزيز معا، إلا أن الأقدار لم تحقق هذه النية لأمور كانت خارج أيدينا. رحم الله عالمنا الهمام، وتقبله عنده فى الصديقين والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
[email protected]
http://awad.phpnet.us/
http://ibrahimawad.com/
http://www.maktoobblog.com/ibrahim_awad9
كلمة فى رثاء الراحل الكريم
بقلم: د. إبراهيم عوض
[email protected]
http://awad.phpnet.us/
http://ibrahimawad.com/
http://www.maktoobblog.com/ibrahim_awad9
(هذه الكلمة كتبت لموقع "إخوان أون لاين" بناء على طلب صحفى صديق يعمل فى ذلك الموقع، وقد نشرت هناك منذ أيام، ورأيت إضافتها هنا تعزيزا للكلمات الكريمة التى قيلت فى حق عالمنا الجليل فى هذا المنتدى)
لو كان الدكتور المطعنى، نور الله قبره وأكرم نُزُله، فنانا مثلا، حتى لو كان فنانا لا قيمة له، بل حتى لو كان يوظف فنه فى تدمير مقومات الأمة من دين وخلق كريم وقيم اجتماعية وسلوكية رفيعة، لانتفضت الدولة على بكرة أبيها وأمها وأهلها جميعا وأرسلته للخارج ليعالج على نفقة الخزانة العامة رغم غنى أمثاله عن هذا بما يتمتع به من مقدرة مادية هائلة، ولخرج من يسمَّوْن بكبار رجال الدولة فشيعوا جنازته عندما يموت وامتلأت الصحف والإذاعة والمرناء عويلا ولطما للخدود وشقا للجيوب ودعاء بدعوى الجاهلية. لكنه كان عالما، وعالما محترما. ورغم أنه، طيب الله ثراه، كان مثلنا من فئة المساتير ليس إلا، ولم يكن كالفنانين الشديدى الثراء الذين تأمر الدولة رغم ذلك بعلاجهم على حساب الخزينة العامة والذين مهما فعلوا فلن يستطيعوا أن يقدموا عشر معشار ما قدمه من خدمات لأمته ودينه وبلده ثقافة ذلك البلد، فإن الحكومة لم تهتم به لا أثناء مرضه ولا عند وفاته، كما لا تهتم بأى عالم محترم مثله حين يأتى عليه الدور ويموت "فطيسا" بالتعبير البلدى، أى دون أن يبالى به أحد ممن يُسَمَّوْن بكبار رجال الدولة أو يذرف عليه دمعة، اللهم إلا قلة من الناس يحبون العلم ويحبون الوطن ويقدرون الرجال الشرفاء الكرماء حق قدرهم ممن لا يسمَّوْن بكبار رجال الدولة، وقليل ماهم: قليل ما هم الشرفاء الكرماء، وقليل ما هم أيضا الذين يبكون الشرفاء الكرماء!
ولكن متى كانت الحكومات الجاهلة تهتم بالعلماء؟ إن كل إناء بما فيه ينضح، وليس فى إناء الحكومات التى من هذا النوع علم ولا فهم ولا تمييز، فأنَّى يأتيها الاهتمام بالعلم والعلماء؟ فالحمد لله أنها لا تهتم بأهل العلم لأن هذا برهان على أنهم علماء كرام. أما لو اهتمت بأحد منهم فقد يكون هذا سببا فى شك الناس الطيبين فى طهارة ذلك العالم وعدم الاطمئنان إلى خلقه وعلمه، إذ إن حكومة كهذه من شأنها أن تجلب الشبهة لمن تقترب منه وتهتم به. ومن هنا فعلى قدر أساى لإهمال الحكومة لمثل الدكتور المطعنى، فإنى سرعان ما فئتُ إلى الرضا بما وقع لأنه دليل على ما كان يتمتع به ذلك الرجل من طهارة وفضل وعلم وخلق رفيع... إلى آخر تلك الأصناف من البضاعة المزجاة عند حكوماتنا العربية والإسلامية غير الرشيدة!
لقد كان الرجل، رحمه الله، مصابا بمرض السكر، وتضاعفت فى الأعوام الأخيرة إصابته ونتجت عنها فى البداية إزالة جزء صغير من قدمه علمتُ بعد وفاته أنه وصل إلى الركبة. وقد اتصلت به من قطر منذ عدة أعوام حين كان فى البحرين يشتغل فى جامعتها أستاذا زائرا، ثم علمت بعد قليل أنه اضْطُرّ إلى العودة إلى مصر قبل انتهاء العام الدراسى بسبب مضاعفات المرض، فحزنت حزنا شديدا. ولما رجعت إلى أرض الوطن كنت أهاتفه بين الحين والحين، اللهم حين ضعف سمعه واتصلتُ به ذات ليلة فردت علىّ ابنته وأعطتنيه وأخذنا نتحدث كالعادة، بيد أنى لاحظت أن الحديث بيننا يفتقد الاتساق، إذ أكلمه فى شىء فيجيبنى بشىء آخر، بل إنه ألقى علىّ السلام فى وسط الكلام ووضع السماعة ظنا منه أننى انتهيت من حديثى معه رغم أننى لم أكن انتهيت بعد، وهو ما حز فى نفسى كثيرا تألما له من شدة محبتى إياه، وإن كنت ممن لا ينخدعون فى الدنيا لكثرة ما شاهدت فيها من مرارات وأحزان. إلا أن خبرة الإنسان بالحياة لا تجعله يفقد القدرة على التألم أبدا. إنه لا يفاجَأ بأحداثها مهما تكن غرابتها، لكن هذا لا يقضى على مشاعره الإنسانية، ومن ثم يتألم ويحزن وتصيب نفسه المرارة رغم كل شىء.
وكنت قد زرته عقب عودتى من الخارج بقليل أنا والصديق الصحفى الأستاذ مجدى عبد اللطيف، وهو من الذين يعرفون للرجل الكريم فضله وعلمه، فأكرمَنا الأستاذ الدكتور إكراما بالغا وأحضر لكل منا، فيما أحضر، قطعتين ضخمتين من الجاتوه. ورغم أن الجزء المزال من قدمه وقتها كان محدودا جدا فقد كنت حريصا بقدر إمكانى على ألا أنظر إلى قدمه حتى لا أتألم أكثر مما كنت متألما. ومع هذا كان الرجل من ناحيته، أكرمه الله وطيب مثواه، حريصا على ألا يرى أحد من زوراه شيئا من الابتلاء الذى وضعه الله فيه سبحانه وتعالى، بل لم يتطرق إلى شىء مما كان يعانيه، وبدا جَلْدا صبورا كبير النفس كأن لا شىء هناك قط، وهو ما زادنى له احتراما على احترام. وأخذنا نضحك ونداعبه كما هى العادة، وهو يتجاوب معنا بكل عقله ووجدانه بما نعرفه عنه من رقة نفس ولين جانب وتواضع قلب.
وترجع معرفتى بكتابات الدكتور المطعنى إلى الثمانينات بعد عودتى بقليل من بريطانيا، التى أمضيت فيها ستة أعوام للحصول على درجة الدكتورية. ولعل جريدة "النور" أول جريدة قرأت فيها له وعنه. وكنت فى البداية ولمدة طويلة أتصور أن هناك "مطعنيّين" اثنين: عبد العظيم، وهو ممتلئ قليلا وأصلع ويلبس جلبابا أبيض، وعبد الحكيم، وهو أصغر سنا، وتبدو عليه سيماء الحزن، ويرتدى بدلة، وله شعر. وكنت أحسبهما ابنَىْ عم... إلى أن اكتشفت أن الأمر كله وهم فى وهم، وأن ليس هناك إلا الأستاذ الدكتور عبد العظيم المطعنى، وأن عبد الحكيم ليس سوى عبد العظيم فى شبابه. وقد ضحكت كثيرا حينما عرفت هذا، ولعله هو الذى شرح لى السر ونبهنى إلى ما كنت منغمسا فيه من خلط.
ورغم أننى لم أزر الأستاذ الدكتور فى بيته إلا مرات قليلة فقد كانت بيننا اتصالات بالهاتف ومقابلات هنا وهناك: فى الإذاعة أو فى مناقشات بعض الرسائل الجامعية مثلا، كما رشحنى أكثر من مرة لبعض الأنشطة العلمية فى مصر وخارجها. كذلك كانت علاقتى بأفراد أسرته ودودة، رغم انحصارها فى تلك الفترة القصيرة التى كنت أتصل بها فيه قبل أن ينادوه ليرد علىّ، وهو ما يدل على شدة حبهم له، إذ كانوا يودون من يوده حتى لو لم تكن لهم به معرفة عن قرب. وفى مكتبى عدد من كتبه التى أهدانيها والتى أعتز بها وقرأتها فور وصولها إلى يدى، وكان الرسول بيننا فى الغالب هو الأستاذ مجدى عبد اللطيف، الذى اقترح علىّ هذه الكلمة، والذى كنت أنا وهو ننوى منذ فترة أن نقوم بزيارة الراحل العزيز معا، إلا أن الأقدار لم تحقق هذه النية لأمور كانت خارج أيدينا. رحم الله عالمنا الهمام، وتقبله عنده فى الصديقين والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
[email protected]
http://awad.phpnet.us/
http://ibrahimawad.com/
http://www.maktoobblog.com/ibrahim_awad9