لنبتعد عن اللغو

إنضم
07/08/2007
المشاركات
68
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
المغرب
لنبتعد عن اللغو​

يقول سبحانه عز وجل في محكم التنزيل :" والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما".
آية من آيات الله التي من تمثلها حاز على خصلة من خصال عباد الرحمان إنها خصلة الاعراض عن اللغو .
والحديث عن اللغو يجعلنا – من أجل فهمه جيدا - نبحث عن تحديد مفهومه ، وأقسامه ، ولماذا حذرت الشريعة منه ؟.
فاللغو في القرآن الكريم ورد دائما في معرض النهي عنه ، أو في معرض الذم ، أو مدح من تركه وأعرض عنه ، ورد أحد عشر مرة .
-في معرض مدح من تركه : قال تعالى : " والذين هم عن اللغو معرضون ". وقال : " والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما ".الفرقان/72. وقال : " وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ".القصص /65.
-ولأنه أسلوب الكفار : لقوله تعالى : " وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ". فصلت/26.
-ولأنه ليس من نعم الجنة : لقوله تعالى : " يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيه ولا تاثيم " الطور/23."وقوله : " لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ".مريم/62 ، وقوله تعالى : " لا يسمعون فيها لغوا إلا قيلا سلاما سلاما " . الواقعة/25.وقوله : " لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا ".النبأ/ وقوله تعالى : " في جنة عالية لا تسمع فيها لاغية ". الغاشية /11.
-عدم المؤاخذة عليه إذا كان في اليمين : لقوله تعالى: " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ". البقرة/225.والمائدة/89. وأخرج البخاري عن عائشة قالت : نزل قوله تعالى : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " في قوله الرجل والله ، وبلى والله ".[1]
***وفي الحديث النبوي : ذُكر اللغو بمشتقاته كلها في الغالب ، حوالي عشرين مرة كلها نهي عنه ، مرتبطة تارة بالكذب والحلف كما روى قيس بن أبي غرزة قال : كنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نسمى السماسرة فمر بنا النبي صلى الله عليه وسلم فسمانا باسم هو أحسن منه فقال : " يا معشر التجار إن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة …".[2]
وباقي أغلبها مرتبط بالنهي عنه يوم الجمعة كما في موطأ مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت ". [3]
- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب امرأته إن كان لها ولبس من صالح ثيابه ثم لم يتخط رقاب الناس ولم يلغ عند الموعظة كان كفارة لما بينهما ، ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرا ".[4]
-وقد أخرج البيهقي في شعبه عن بكر بن عبد الله المزني قال : أتيت المدينة فأمرت أصحابنا بشيء من أمرهم ، ثم أتيت المسجد فجلست فجاء صاحبي الذي أوصيت ، فجعل يحدثني كيف صنع وأنا ساكت ، ثم قلت له اسكت ، فلما انصرفنا أتيت عبد الله بن عمر فذكرت ذلك له ، فقال : أما أنت أنت فلا جمعة لك ، وأما صاحبك فحمار ". قال البيهقي : " ويشبه أن يكون ابن عمر إنما أخذ هذا من الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت ".[5]
***واللغو في اللغة : الكلام الذي لا أصل له ، من الباطل وشبهه كما قال الأخفش [6]. وقال ابن عرفة : هو السقط من القول [7]. وقيل : الميل عن الصواب [8] ، وقال ابن المنير : اتفقت أقوال المفسرين على أن اللغو هو ما لا يحسن من الكلام [9]، وما لا يحسن من الكلام كله من آفات اللسان ، وهي عشرون آفة كما عند الغزالي في إحيائه كلها تؤدي الى النيران والعياذ بالله.[10]
وذكر البيهقي كلاما شاملا عن مفهوم اللغو فقال : " هو الباطل الذي لا يتصل بقيد صحيح ، ولا يكون لقائله فيه فائدة وربما يكون وبالا عليه ، ينقسم فيكون منه : أن يتكلم الرجل بما لا يعنيه من أمور الناس فيفشي سرائرهم ويهتك أستارهم ويذكر أموالهم وأحوالهم من غير حاجة به إلى شيء من ذلك ، عادة سوء ألفها فلا يريد النزوح عنها ، ويكون منه الخوض فيما لا يحل من ذكر الفجار والفجور والملاهي ، ويكون منه الافتخار بالآباء الجاهلين والتمدح بهم والذكر للمعاملات المبنية على الاستطالة ، ويكون فيه خوض المبطلين في القصائد فيما عندهم وتفضيلهم إياه على ما عند غيرهم بالدعاوي ، والتوسع في المقال في غير حجة ، ويكون منه إنشاد الأشعار المقولة في ضروب الأكاذيب ، [...] وكل ما كان لغوا فينبغي أن لا يشتغل به ".[11]
والاعراض عن اللغو خصلة تكرر ذكرها في كتاب الله ، حيث جعل سبحانه من ابتعد عنها من عباده المومنين المفلحين ، فقال تعالى : " والذين هم عن اللغو معرضون"." سورة المومنون/. ".
فرأس مالهم أوقاتهم ، فكيف ينفقونها في اللغو ؟ لا يقبلون أن يضيعوا أوقاتهم في مثل هذا ، لأن نبيهم علمهم قيمة الوقت وقيمة الدقيقة والثانية في هذه الحياة ، فإذا كان أهل الجنة سيندمون على ساعة ضاعت في غير ذكر الله ، كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم : " ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله فيها ".[12]، فكيف بمن ضيع الساعات بل الشهور والسنوات.؟. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه ، وعن علمه ما فعل به ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن جسمه فيما أبلاه ".[13]
وقد وصف سبحانه أيضا عباده المومنين بالابتعاد عن اللغو حيث كان فقال : " وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ، وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا نبتغي الجاهلين ". القصص/55.
فهذا تكميل لما بدأ به سبحانه من أوصاف عباد الرحمان في قوله :" وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ". وقوله تعالى : " وإذا مروا باللغو مروا كراما " ، إنهم منشغلون بآخرتهم عن دنياهم ، منشغلون بما يصلح النفس عن مجاراة الناس ، منشغلون بالحق عن الباطل ، منشغلون بالجد عن الهزل ، بالبناء عن الهدم ،
-روي عن الضحاك في قوله تعالى : " وإذا مروا باللغو مروا كراما ". قال : لم يكن اللغو من حالهم ولا بالهم ".[14]
*لا يقيمون معارك جانبية تافهة من أجل أمور لا تسمن ولا تغني من جوع، منشغلون بهموم أمتهم ، وبآمال دينهم ، وبمآسي المسلمين في كل مكان ، " فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ".[15]
*وقد يُشتمون ويُسبون ويُساء إليهم ، ولكنهم متسامحون في حق أنفسهم حيث روي عن مجاهد قال في قوله تعالى : " وإذا مروا باللغو مروا كراما ". قال : إذا أوذوا صفحوا ".[16]
*غير متسامحين في حق دينهم ، يغارون على حرمات الله أن تنتهك ، ويغضبون لله ولكتابه ولرسوله .
هذا هو شأن عباد الرحمان ، لا يشغلون أنفسهم بالباطل والخوض فيه، لا ينشغلون بما لا فائدة فيه في دنياهم وآخرتهم .
-قال عطاء بن أبي رباح : " إن من قبلكم " يعني الصحابة " كانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو أن تنطق في معيشتك التي لا بد لك منها ، أتذكرون أن عليكم حافظين كراما كاتبين عن اليمين وعن الشمال قعيد ، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ، أما يستحي أحدكم لو نشرت صحيفة التي أملى صدر نهاره وليس فيها شيء من أمر آخرته…".[17] .
لهذا جعل الله سبحانه الصيام منه لا من غيره ، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد أو جهل عليك فلتقل : إني صائم إني صائم ".[18] وجعل الزكاة طهرة منه أيضا ، حيث يروى عن ابن عباس قوله : " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين ، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات . ".[19]
فليحرص المسلم الباحث عن الغرفة في جنان الرحمان على هذا الخلق النبيل " الاعراض عن اللغو "، وليتخلق بأخلاق عباد الرحمان ، مع الحرص على الايجابية في الأقوال والأفعال ؛ بتنزيه النفس عما يفعله الجاهلون العابثون من الناس ، مع قول الحق وشهود الحق والشهادة بالحق ، وعدم حضور مجالس اللهو واللغو أيا كان اسمها وعنوانها ….


د/ أحمد العمراني


الجديدة المغرب.​












[1]- صحيح البخاري :4/1686/4337.​

[2]- سنن أبي داود :2/262/3326.قال الشيخ الألباني : صحيح​

[3]- الموطأ - رواية يحيى الليثي:1/103/232.وصحيح البخاري :1/316/892.​

[4]-سنن ابي داود:1/149/347.وحسنه الألباني ، صحيح الترغيب والترهيب:1/176/721.وحسنه الألباني في الترغيب والترهيب.​

[5]- شعب الإيمان:3/100/2998..​

[6] - فتح الباري :2/414.وذكره ايضا الشوكاني في نيل الاوطار :3/334، وابن عبد البر في التمهيد:19/32.​

[7]-فتح الباري :2/414.​

[8]-فتح الباري :2/414.​

[9]-فتح الباري :2/414.​

[10]-انظر كتاب آفات اللسان في كتاب الاحياء .​

[11]- شعب الإيمان :7/415.​

[12]-المعجم الكبير للطبراني :20/93/182/ الجامع الصغير وزيادته :1/958/9577. قال الشيخ الألباني : ( ضعيف ) انظر حديث رقم : 5446 في صحيح الجامع وما بين قوسين ضعيف عند الألباني انظر ضعيف الجامع رقم : 4944.​

[13]- سنن الترمذي:4/612/2417. قال هذا حديث حسن صحيح وقال الألباني : صحيح.

[14]- مصنف ابن أبي شيبة:7/220/35495.​

[15]-المستدرك :4/356/7902. والنص بلفظه عن ابن مسعود رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من أصبح وهمه غير الله فليس من الله في شيء و من لم يهتم للمسلمين فليس منهم ".تعليق الذهبي قي التلخيص : إسحاق ومقاتل ليسا بثقتين ولا صادقين.​

[16]- شعب الإيمان :6/263/8089.​

[17]-شعب الايمان للبيهقي :4/274/5080.​

[18]- صحيح ابن خزيمة :3/242/1996. قال الأعظمي : إسناده صحيح.​

[19]- سنن أبي داود:1/505/1609. قال الشيخ الألباني : حسن.​
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
جزاك الله خيرا دكتور أحمد على هذا الموضوع الطيب والمهم
ما أحوجنا إلى مثل هذه المواضيع التي تذكر وتحذر وتدفع الواحد منا إلى مراقبة سلوكه
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
وجزاكم الله خيرا دكتور أحمد وجعله في موازين حسناتكم
****
هناك سقط في آية " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم" في السطر 15 حيث سقطت كلمة باللغو​
 
شكر الله لك دكتور أحمد على هذا الموضوع القيّم والذي نحتاجه فعلاً في حياتنا اليومية حتى نسعد بآخرتنا ولا نكون ممن قال عليه الصلاة والسلام فيهم: وهل يكب الناس في النار على وجوههم ، أو على مناخرهم ، إلا حصائد ألسنتهم .
اللهم جنبنا اللغو باشكاله وأنطق ألسنتنا بالحق وبما يرضيك عنا وأبعدنا عن سفيه الكلام ولغوه.
 
شكر الله لكم ملاحظاتكم ، وجزاكم الله خيرا على كلماتكم الرقيقة ، وأهمها عندي دعاؤكم ، والله الموفق الى السداد في القول والفعل .
 
موضوع مهم ، وأسأل الله أن يجعلنا في هذا الملتقى ممن يتجنبه ، وشكر الله لكم هذه المشاركة يادكتور أحمد .
 
جزى الله الكاتب الكريم خيرا.

هناك سقط في آية " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم" في السطر 15 حيث سقطت كلمة باللغو
عُدلت المشاركة، وجزيت خيرا.
 
عودة
أعلى