مها الجيلاني
New member
- إنضم
- 29/05/2011
- المشاركات
- 144
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
بسم الله الرحمن الرّحيم
لم يتغيّر العلماء ، ولكنها الشعوب التي تغيّرت
[align=justify]مقال منشور في جريدة السبيل الأردنيّة بتاريخ 9/3/2012م[/align]
في صغري في خطبة جمعة، وقف رجل وسط جموع المصلين يصيح في الناس ويوجّه اللوم للعلماء ولخطيب الجمعة، ناعياً عليهم عدم إنكارهم مهرجاناً سنوياً للهزّ والرقص. يومها ردّ الإمام الخطيب-رحمه الله- رداً موجعاً على هذا الرجل ومن على شالكته، أذكر أنّه حمّل بدوره الشعوب قدراً كبيراً من اللائمة، إين أنتم حين يتكلم العالِمُ كلمة حقّ؟ أين أنتم من العالِم حين يسجن ويضرب ويهان؟ أين أنتم من العالِم حين يستدعى إلى غرف التحقيق، واذكر بكل أسى كيف حرّم ذلك العالم الفذّ ذلك المنبر على نفسه موجعاً قلبي الصغير حينها، مثيراً في نفسي التساؤل؟
على من يقع واجب تغيير الواقع؟ من يملك أن يقول للظلم لا؟ من يملك أن يغير القوانين والتشريعات ويضغط على الحكومات لتغيير الواقع المهين؟
أهو العالِم بشخصه الفردي ومكانته الاجتماعية التي ينادونه لأجلها بـ:يا شيخنا ودكتورنا وعالِمنا الفاضل؟
أم هي الشعوب التي لا تتحرك إلا بالوجع العام، يحركها الجوع والظلم، وقد يُسكتها كذلك!
كم ألقينا باللوم على العلماء! وكم لمنا خطباء الجمع على تركهم الحديث عن أوضاع الأمة ليتحدثوا عن التزكية النفسية والأخلاق المجتمعية! وكم استغربنا وجود صور معيّنة معروفة تصعد المنابر فتشيد وتمدح ، فيما تغيب صور معروفة-كذلك- عن خطب الجمعة بأمر من بعض الأجهزة التي تعرفون!
ثمة تناقض في الموقف وثمة خلل، الأوضاع تسير من سيء إلى أسوأ، والشعوب في هباتها اندفاعيّة، والإعلام نائم ، الرسميّ منه مصفقٌ مطبّل، والعالمي منه موجّه لغير ما ينهض بالشعوب والأمة.
فسّر البعض ما يجري بنومة المارد العربي المسلم، وفسرها البعض بنظرية المؤامرة ، وكليهما وجهٌ لعملة واحدة لا يجدي الجري خلف أي منهما أكثر من ذلك، بل ينبغي التوجّه نحو إصلاح واقع الأمر وتدارك الخلل للنهوض بالأمة.
ولكن –مع ذلك- كان من العلماء وسط هذه العتمة المطبقة من يجابِه ويُجابَه، وكان منهم من يسدد ويقارب نصحاً للأمة وحكمة في تسيير الأمور، وكان منهم علماء السوء.
والعجيب أننا ووسط هذه العتمة التي كان علماؤنا يقولون لنا بأنها ستنتهي وأن الفجر القادم، قد لمحنا الفجر حقاً، ومن أكثر البقاع بعداً عن دين الله ومحاربة له سلطة ومفكرين. وكما فار طوفان نوح عليه السلام من التنور، فقد تفجرت الثورة العربية من تونس لنشهد عاصفة عربية لا ربيعاً موسمياً فحسب، أطاحت هذه الثورة أول ما أطاحت بأبرز من عادى الله ومنع مساجد الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه..وكانت الثورات.
وكان العلماء الذين كنا نعلم أنّ الكثير منهم كان طريداً عن بلده شريداً ، قد ذاق سجونها وحفظ وجوه محققيها وطرق كل الأبواب فيها فلم تفتح له.
هل تغيّر العلماء اليوم؟
ها نحن حين نشهد ولادات ائتلافات جديدة لعلمائنا تضاف لائتلافات الخير وتجمع بينها،وتقيم الحجة على الائتلافات التي لم تقدّم أو تؤخر في مصائب المسلمين وكوارث بلدانهم ما يرفع عنهم شيئاً، أو يُكتب لهم في صفحات التاريخ.
قد شهدنا قريباً في الأردن مهرجانين لرابطة علماء أهل السنة؛ أحدهما لنصرة أهلنا في الشام والثاني لنصرة فلسطين..وهذه الرابطة الخيّرة المباركة قد ضمت في حناياها علماء تعرفهم الأمة وتعرف صدقهم- ولا نزكيهم على الله إنما نحسبهم على خير- من الأردن ومصر والبحرين وسوريا والسعودية وغيرها من بلدان المسلمين، قاموا يقولون: ها نحن ذا يا شعوب الأمة، في صفوفكم، كنا وما زلنا بينكم، دعونا ننبذ الفرقة والخلاف في كل بلد عربي مسلم، بدءاً من الاتجاهات الإسلامية وانتهاءً بين المسلمين ومن يساكنون في بلدانهم من كافة الطوائف والاتجاهات، وحدة للصف ضد عدو واحد يقبع غربي النهر، وإنّ شعار حرية الشعوب العربية قد رافقه في كل صوره شعار تحرير القدس وبيت المقدس.
دعا العلماء لنصرة إخواننا في سوريا كما كانوا يدعوننا لنصرتهم في العراق، ولا ننس إن ننس أنّ العلماء في العراق قد استُهدفوا إبانَ الاحتلال الأمريكي الصهيوني بالعديد من حوادث القتل والاغتيال والخطف ، بالإضافة للمجازر التي لم تتوقف تجاه الشعب العراقي المسلم .. فإن مثل هذا هو ما يجري على أرض الشام..
ودعونا للتحرر من أغلال النفس والهوى والنظر أبعد من أخماص اقدامنا، صوب قطار الفتح والتغيير، وهم في ذلك متوائمين مع الأنفاس الثائرة للشعوب، كابحين لجماح التطرف والغلو والاستهتار بالدم والعرض العربي المسلم.
هل تغير العلماء في مواقفهم؟
لم يتغيروا يا سادتي، ولكن الشعوب تغيرت! فمن ذا سيحرك الناس إن لم يمتلكوا إرادة التغيير من ذواتهم ويستيقظوا على بشاعة المشهد؟! وقد آن الأوان !
فالجرح واحد والجسد العربيُّ المسلم واحد، غير أنّه لم يتداع قبلاً بصورة ملائمة ليمكّن لعلمائه أن يتداعوا معه، وإن كان العلماء الذين نعرف وتعرفون دوماً في أول صفوف الناس، حتى التي كانت تنفض سريعاً لينظر العالم خلفه فلا يجد معه إلا الرجل أو الرجلين.
نرى تباشير عودة الأزهر من جديد، ونلمح علماءنا يتحركون بثقة أكبر ،ويقين وتفاؤل يدفعنا دفعاً للوقوف خلفهم سدوداً بشرية تاتمر بأمرهم،وتذود عن حياضهم وحياض إخوتنا المستضعفين..
يا سادتي..العلماء لم يتغيروا بل الشعوب تغيرت..وانظروا لعلماء السوء تجدونهم كذلك لم يتغيروا، تضعهم الشعوب على القوائم السوداء وتشتمهم وتلقي كتبهم ما كان منها مفيداً وغير مفيد..فقط لأن هؤلاء العلماء لم يكونوا على قدر طموحات الأمة ولم يشعروا بأوجاعها..
يا سادتي: العلماء لم يتغيروا ولكنّ الشعوب هي من تغيّرت!.