لمن يُحب أمَّ القرآن : تحريك الجَنان لتدبر وتوقير أمِّ القرآن

إنضم
20/03/2007
المشاركات
123
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الرياض


ما من مسلم إلا وهو يحب هذه السورة العظيمة ، ويعرف شرفها وفضلها

لكن قد رانَ رانٌ على قلوبنا فضعف تعظيمها وتوقيرها

في نفوس عدد من طلاب العلم ، فكيف بعامة الناس ؟

وهذا داء يُبتغى دواؤه ، ومرض عضال لا بد من تطبيبه

فدونكم أحبتي وقفات وتأملات مختصرات ، مزجت بين التفسير والتدبر

أضعها بين أيديكم للنظر والمراجعة

فأنا أرغب أن تكون بين أيدي الناس

قُبيل شهر القرآن بإذن الله ،،


أخرج البيهقي في شعب الإيمان
عَنِ الْحَسَنِ البصري رحمه الله ، قَالَ :
" أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِائَةً وَأَرْبَعَةَ كُتُبٍ مِنَ السَّمَاءِ
أَوْدَعَ عُلُومَهَا أَرْبَعَةً مِنْهَا : التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ وَالْقُرآنَ ،
ثُمَّ أَوْدَعَ عُلُومَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ في َالْقُرآنِ ،
ثُمَّ أَوْدَعَ عُلُومَ الْقُرْآنِ في الْمُفَصَّل ،
ثُمَّ أَوْدَعَ عُلُومَ الْمُفَصَّلِ في فَاتِحَة الْكِتَابِ ،

فَمَنْ عَلِمَ تَفْسِيرَهَا كَانَ كَمَنْ عَلِمَ تَفْسِيرَ
جَمِيعِ كُتُبِ اللهِ الْمُنَزَّلَةِ "

سورة الفاتحة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
+الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (1) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (3) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (4) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (5) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (6) غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) _( )

فضلها : جاء الثناء عليها مستفيضاً في القرآن وصحيح السنة ، ومن ذلك :

• هي أفضل القرآن : فعن أَبي سَعِيد بن الْمُعَلَّى ت : قَالَ لي رسولُ اللهِ خ « أَلاَ أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ في القُرْآن ثم قَالَ : الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي وَالقُرْآنُ العَظِيمُ ! رواه البخاري .

وهو يشير خ إلى قوله تعالى + وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ_ [الحجر : 87]

• لم ينزل في القرآن ولا في التَّوراةِ ولا في الإنجيلِ مثلُها ، فقد أخرج التِّرمذيُّ وصححه : أنَّ النبيَّ خ قال لأُبيِّ بنِ كعبٍ ت : «أتحبّ أن أعلِّمك سورةًً لم يُنزل في التَّوراة ِ، ولا في الإنجيلِ ، ولا في الزَّبور ِ، ولا في الفرقانِ مثلُها ؟» قلت : نعم . فقال خ : «كيف تقرأ في الصَّلاة؟» فقرأتُ أمَّ القرآن ، فقال : «والذي نفسي بيدِه ما أُنزل في التَّوراةِ ، ولا في الإنجيلِ ، ولا في الزبور ِ، ولا في الفرقانِ مثلُها».

وعن ابنِ عَبَّاسٍ ب : « بَيْنَمَا جِبْريلُ عليه السلام قَاعِدٌ عِنْدَ النبي خ سَمِعَ نَقيضاً( ) مِنْ فَوقِهِ ، فَرَفَعَ رَأسَهُ ، فَقَالَ : هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ اليَوْمَ وَلَمْ يُفْتَحْ قَطٌّ إِلاَّ اليَوْمَ ، فنَزلَ منهُ مَلكٌ ، فقالَ : هذا مَلكٌ نَزلَ إلى الأرضِ لم ينْزلْ قطّ إلاّ اليومَ فَسَلَّمَ وقال : أبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤتَهُمَا نَبيٌّ قَبْلَكَ : فَاتِحَةُ الكِتَابِ ، وَخَواتِيمُ سُورَةِ البَقَرَةِ ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهَا إِلاَّ أُعْطِيتَه ! . رواه مسلم

• أنها لبُّ الصلاة التي هي عمود الإسلام : فعن عبادة بن الصامت ت أن رسولَ الله خ قال : «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب » أخرجه الستة .

والأحاديث في فضلها متواترة ،،

موضع نزولها : في أم القرى مكة المكرمة على الصحيح ، نُقل ذلك عن عليٍّ وابن عبَّاسٍ وأبي هريرة ن ، ويدل عليه أنَّ «سورة الحِجْر» مكِّيَّةٌ بالاتفاق ، وقد أُنزل فيها : + وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ _ (87) , وقد بينّ النبيُّ خ أن المراد بها الفاتحة ، فعُلم أنَّ نزولهَا متقدمٌ على نزول «الحِجْر».


أسماؤها : كثيرة منها : فاتحة الكتاب ، والسبع المثاني ، وأم القرآن ، أو أم الكتاب ، والشافية ، والكافية ، والوافية ، وأساس القرآن ، وغيرها كثير .


عدد آياتها : وهي سبعُ آياتٍ كما دلَّ عليه قولُه تعالى +سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي_ وفسرها النبي خ بالفاتحة كما سبق ، ونقل غيرُ واحدٍ الاتفاق على أنَّها سبعٌ منهم ابنُ جرير الطبري ، وفيه خلاف شاذ .


معاني كلماتها :

الْحَمْدُ : الثناء بالجميل مع الحب والإجلال للممدوح ، وبدون ذلك يُسمى مدحاً لا حمداً .

اللَّه : علم على الذات العلية المقدسة، أي المألوه وهو المعبود الذي تألههُ القلوب فتعبده سبحانه ، ولم يتسمّ بهذا الاسم غيره جل وعلا .

رَبِّ : الرب هو الذي يربي غيره بنعمه وعنايته .

الْعالَمِينَ : جمع عالَم ، وهو كل موجود سوى اللّه تعالى .

الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ : صفتان للّه مشتقتان من الرحمة ، والرحمن : صيغة مبالغة أي : عظيم الرحمة ، وهو اسم عام في جميع أنواع الرحمة لكل المخلوقين بلا استثناء ، وأما الرحيم فهي أخص كما قال تعالى + وكان بالمؤمنين رحيماً _ .

مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ : أي مالك يوم الحساب والجزاء ، وخص لفظ (الدين) من دون الأسماء الأخرى ليوم القيامة لأن المقصود التنويه بما يكون في ذلك من المجازاة والمحاسبة التامة الشاملة .

إِيَّاكَ نَعْبُدُ : أي نخصك بالعبادة ولا نعبد غيرك ، والعبادة هي : الطاعة والتذلل .

وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ : أي نخصك بطلب المعونة ، فأنت مصدر العون والفضل والإحسان .

اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ : عرِّفنا ودلنا يا رب إلى الطريق المعتدل ، الذي هو أقرب الطرق الموصلة إليك وإلى جنتك .

صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ : طريق من أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .

غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ : لا تجعلنا من المغضوب عليهم : وهم الذين عرفوا الحق فلم يعملوا به . ولا من الضالين : الذين لم يعرفوا الحق فعبدوا الله بجهل .

«آمين» : أي استجب دعاءنا يا ربنا ، وهي ليست من القرآن .

وقد أخرج الأئمة الستة عن أبي هريرة ت أن رسول اللّه خ قال : «إذا أمّن الإمام فأمنوا ، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة ، غفر له ما تقدم من ذنبه ».​


يتبع بإذن الله ،،
 
بارك الله فيكم شيخنا الفاضل.
فكم نحن بحاجة لتدبر هذه السورة العظيمة، وأن نقف مع كل آية منهابقلوب واعية.
قال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى(اهدنا الصراط المستقيم):لولا احتياج العبد ليلا ونهارا إلى سؤال الهداية لما أرشده الله إلى ذلك؛فإن العبد مفتقر في كل ساعة وحالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهداية ورسوخه فيها وازدياده منها واستمراره عليها.(1/139)
نسأل الله تعالى أن يهدينا ويعفو عنا.
 
- إشارات إلى بعض ما تحويه سورة الفاتحة من العلوم :

1- مقصود السورة : السورة هي أم القرآن كما وصفها النبي خ بذلك فهي جامعة لكل علومه ، ولذا كانت الفاتحة مبنية على معاني الكمال والشمول لحق الخالق ومصلحة المخلوق ، فتأمل ــ سلمك الله ــ هذه المعاني في أم القرآن :

أ‌) نصفها الأول : مبنياً على إثبات استحقاق الله تعالى واختصاصه بالكمال المطلق ، فإن قوله تعالى: +الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ _ يتضمن الأصل الأول ، وهو معرفة الرب تعالى ومعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله .

ب‌) ونصفها الثاني : مبنياً على ما يحقق للعبد كماله البشري ، ويُوفي له بقضاء حاجاته ، ونيل سعاداته في الدنيا والآخرة ، وهذا ظاهر بما حققته من المعاني والوجوه التي تضمنها قوله + اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ ... _، فهو بيان أن العبد لا سبيل له إلى سعادته إلا باستقامته على الصراط المستقيم ، وأنه لا سبيل له إلي الاستقامة إلا بهداية ربه له( ).

ويتضمن بيان طرفي الانحراف عن الصراط المستقيم ، وأن الانحراف إلى أحد الطرفين انحراف إلي الضلال الذي هو فساد العلم والاعتقاد، والانحراف إلى الطرف الآخر انحراف إلي الغضب الذي سببه فساد القصد والعمل( ).
ت‌) وبينهما : بيان الطريق الموصلة إليه ، وأنها ليست إلا عبادته وحده بما يحبه ويرضاه واستعانته على عبادته ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) فهو لا سبيل له إلى عبادته إلا بمعونته .
ولذا كان مقصودها أعظم المقاصد ، وهو تحقيق كمال العبودية لله (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )[الذاريات : 56] .
- فأولها : بيان لأسباب الاستحقاق +الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (1) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (3) _ .
- وأوسطها : اعتراف وإقرار ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (4) ) .
- وآخرها : وصفٌ للطريق وطلبٌ لتحقيقه ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (5) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (6) غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) ) .

2 - تحوي مقامات الإيمان الثلاثة : المحبة والرجاء والخوف ، والتي لا يستقيم إيمان المسلم إلا بها ، فالمحبة في قوله (الحمد لله) ، والرجاء في قوله (الرحمن الرحيم) ، والخوف في (مالك يوم الدين) .

3 -وتشتمل على أصول العقيدة والأحكام والأخبار اللازمة لكل مسلم :

• أما أصول العقيدة فهي :

أ‌) الإقرار بالربوبية لله وحده ؛ فلا خالق ولا رازق ولا محيي ولا مميت إلا هو سبحانه .

ب‌) الإقرار له بالألوهية ؛ فلا معبود بحق إلا هو وحده سبحانه .

ت‌) إثبات النبوة والبعث .
يقول الحافظ ابن رجب : في تفسيره لسورة الفاتحة( ): وسورةُ الفاتحةِ تضمَّنت التَّعريف بالرَّبِّ سبحانه بثلاثة أسماءٍ ترجِعُ سائرُ الأسماءِ إليها ، وهي : (اللهُ) وَ(الرَّبُّ) و(الرَّحمنُ) ، وبُنيَتِ السُّورةُ على الإِلهيَّة والرُّبوبيَّة والرَّحمة ؛ فـ + إِيَّاكَ نَعْبُدُ _ مَبْنيٌّ على الإِلهيَّة ، و ( وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) مَبْنيٌّ على الرُّبوبيَّة ، وطلبُ الهداية إلى صراطِه المستقيمِ مَبْنيٌّ على الرَّحمةِ .

وتضمَّنت السُّورةُ : توحيدَ الإِلهيَّةِ والرُّبوبيَّةِ بقولهِ :( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) ، ولما كانَ كلُّ أحدٍ مُحتاجًا إلى طلبِ الهِدايةِ إلى الصراطِ المستقيمِ وسُلوكِه عِلْمًا ومعرفةً، ثم عَملاً وتلبُسًا ، احتاجَ العبدُ إلى سُؤالِ ذلك وطَلبِه ممن هو بيدِه، وكان هذا الدُّعاءُ أعظمَ ما يَفتقِرُ إليهِ العبدُ ويَضطرُّ إليه في كلِّ طرفةِ عَيْنٍ، فإنَّ النَّاسَ ثلاثةُ أقسامٍ :
قسمٌ عَرَفُوا الحقَّ وحادُوا عنه وهم : المغضوبُ عليهم .

وقسمٌ جَهِلُوهُ وهم : الضَّالون .
وقسمٌ عَرَفُوهُ وعَمِلُوا به وهم : المنعَم عليهم .
ولما كان العَبدُ لا يملك لنفسِه نفعًا ولا ضرًّا احتاجَ إلى سؤالِ الهِدايةِ إلى صراطِ المنعَمِ عليهم ، والتخلُّص من طريق أهل الغَضَبِ والضَّلالِ ممن يَمْلِكُ ذلك ويقدرُ عليه .

وتضمَّنت السُّورةُ أيضًا : إثباتَ النُّبُوَةِ والمعاد ِ، أمَّا المعادُ : فمن ذِكْرِ يومِ الدِّين ، وهو يومُ الجزَاءِ بالأعمال ، وأمَّا النبُّوَّةُ : فمِن ذِكْرِ تقسيم الخلق إلى ثلاثةِ أقسامٍ ، وإنَّما انقسمُوا هذه القِسْمَة بحسبِ النَُّبوَّاتِ ومَعرفتِهم بها ومُتابعتهم لها . ا هـ

• وأما أصول الأحكام :
فهي مضمنة في قوله تعالى ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) فالعبودية التامة لله لا تكون إلا بطاعة أوامره واجتناب نواهيه ، والضدّ بالضِّد أيضاً .

• وأما أصول الأخبار :
فهي مضمنة في قوله تعالى( صراط الذين أنعمت ... )، فأخبار القرآن كلها لا تخرج عن واحد من ثلاث : إما عالم عامل ، أو عالم معاند ، أو عابد جاهل .

يتبع بإذن الله ،،
 
جزاك الله خيرا شيخنا عصام
بودي لو أن المشرف غير علامات الصليب التي في الموضوع
 
الشيخ الفاضل / تيسير

لفظ الجلالة (الله) : لا أعرف من قال بأنه أعجمي ، وإنما الخلاف المشهور في كونه جامدا أو مشتقاً ؟

وأما لفظ (آمين) بالمد : فزنته أعجمي كقابيل وهابيل وهذا اختيار الأخفش ومن وافقه ،

والقول بعربيته له وجه قوي وهو الأصل حتى وإن كان ليس له نظير في أبنية العربية ،

والترجيح في مثل هذا عسر ، والفائدة منه ليست بتلك ، والعلم عند الله .
 
فتح الله عليكم يا أبا عبدالرحمن وتقبل منكم .
قرأتُ ما تفضلتم به ولا مزيد ، وأقترح عليك إضافة ما ذكره العلامة محمد عبدالله دراز في كلامه على الفاتحة ، فقد ذكر فيها كلاماً لم أجده لأحد من المفسرين ، في كون الفاتحة هي السورة الوحيدة التي توجه الخطاب فيها من العبد للرب، بخلاف بقية السور، فالقرآن كله جاء بناء على الطلب الذي فيها (اهدنا) . ليتك تراجع كلامه وتلخص أهم ما فيه في هذه الورقات فسيكون له شأن في النفع بها إن شاء الله .
وفقك الله وزادك علماً وتوفيقاً.
 
4 -وفيها حقيقة الصلاة ، وهي حضور القلب واستشعاره لخطاب الرب :

يوضح ذلك الحديث القدسي في صحيح مسلم من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ أن النَّبِي صل1 قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ .

فإِذَا قَالَ الْعَبْدُ : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : حَمِدَنِي عَبْدِي ،

وَإِذَا قَالَ : (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : أَثْنَى عَلَي عَبْدِي ،

وَإِذَا قَالَ : ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) قَالَ : مَجَّدَنِي عَبْدِي ،

فَإِذَا قَالَ : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قَالَ : هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ،

فَإِذَا قَالَ : (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ) قَالَ : هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ .

فاستشعر هذا الحوار من الله معك أيها القائم بين يدي ربك .

وهنا فائدة لطيفة :

وهي الترقي في الخطاب من البرهان إلى العيان ، والانتقال من الغيبة إلى الشهود، وكأن المعلومَ صار عياناً ، والمعقولَ مشاهداً ، والغيبةَ حضوراً .

• كيف جاء الترقي في سورة الفاتحة ؟

لو تأملت في أولها سترى أن الخطاب فيه للغائب ( الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين )، فلما زدت في ثنائك كأنه أُذن لك فوصلت إلى حضرته سبحانه فأنت تراه وتخاطبه ، ولهذا التفت من الغيبة إلى الخطاب فقلت : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) ولم تقل : إياه .

فلما أذن سبحانه لك وأقررت له بتمام العبودية له وحده وكمال الاستعانة به سبحانه ؛ طمعت بالمزيد فسألت ( اهدنا الصراط ... ) .

فتأمل هذا المعنى واستحضره في الصلاة ، تجد في قلبك عجباً من تمام الهيبة والرغبة معاً .

يقول ابن كثير : : وتحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب هو المناسب ؛ لأنه لما أثنى على الله فكأنه اقترب وحضر بين يدي الله تعالى ؛ فلهذا قال : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )( ).

ويقول ابن عاشور : : وما هنا التفات بديع ، فإن الحامد لما حمد الله تعالى ووصفه بعظيم الصفات بلغت به الفكرة منتهاها فتخيل نفسه في حضرة الربوبية ، فخاطب ربه بالإقبال( ).
 
عودة
أعلى