أبو البراء مهدي
New member
- إنضم
- 29/12/2005
- المشاركات
- 13
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
لما كذبوا الرسل
بقلم: بسام جرار
جاء في الآية 37 من سورة الفرقان:" وقوم نوحٍ لما كذبوا الرسل أغرقناهم ..."، وجاء في الآية 105 من سورة الشعراء:" كذبت قوم نوح المرسلين ...".
اللافت في الآيتين الكريمتين أنهما تصرحان بأنّ قوم نوح قد كذبوا أكثر من رسول، وليس نوحاً فقط. وهذا يعني أنّ الله تعالى قد أرسل مع نوح عدداً من الرسل إلى قوم نوح، كما هو الأمر عند إرسال موسى ثم هارون، عليهما السلام. وكما هو الأمر في القرية التي نصت عليها الآية 14 من سورة يس:" إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون". وبما أنّ نوحاً، عليه السلام، كان أول رسول أُرسل إلى البشر- كما نصت عليه الأحاديث الصحيحة- ، وبما أنه بقي حيا إلى أن أغرق قومه، وبما أنّ النص القرآني الكريم ينص على أنّ قوم نوح قد كذبوا الرسل، فإنّ ذلك كله يعني أنّ الله تعالى قد أرسل مع نوح عدداً من الرسل كان نوح عليه السلام أبرزهم. وهذا وجه واضح ومنطقي ولا يعارض نصاً من قرآن أو سُنّة، بل هو منسجم تماماً مع باقي النصوص القرآنية.
على الرغم من هذا فإننا نجد أنّ عامّة أهل التفسير يقولون بوجوه أخرى إلا هذا الوجه. وهذا أمر يدعو إلى العجب، ويدعونا إلى محاولة فهم لماذا يتواطأ أهل التفسير أحياناً على قول أو أكثر، على الرغم من احتمال النص لوجوه أخرى هي أقرب إلى ظاهر النص القرآني الكريم.
يقول ابن كثير، رحمه الله:" ولم يُبعَث إليهم إلا نوح فقط". فلماذا يجزم رحمه الله بهذا القول على الرغم من أنّ النص الكريم يقول:" لما كذبوا الرسل ..."؟! ويقول الألوسي رحمه الله:" أي نوحاً ومن قبله من الرسل ..."، وهذا عجيب، لأنّ حديث الشفاعة المتفق على صحته ينص على أنّ نوحاً، عليه السلام، هو أول رسول أرسل إلى البشر. بل إنّ المتدبر للقرآن الكريم يدرك ذلك من خلال ملاحظة أنّ القرآن الكريم يبدأ الحديث عن الأمم المكذبة بنوح وقومه؛ انظر قوله تعالى في الآية 17 من سورة الإسراء:" وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح ..."، والآية 12 من سورة ق:" كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرسل وثمود"، والآية 163 من سورة النساء:" إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ..."، وآيات أخرى كثيرة تؤيد ما صحّت به الأحاديث التي نصت على أنّ نوحاً هو أول رسول يُرسَل إلى البشر.
وما قاله الألوسي قاله كثير من أهل التفسير، ومنهم أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط، والزمخشري في الكشاف، والشوكاني في فتح القدير... ولم يقتصر الألوسي على هذا القول بل أضاف:" أي نوحاً ومن قبله من الرسل عليهم السلام أونوحاً وحده فإنّ تكذيبه، عليه السلام، تكذيب للكل لاتفاقهم على التوحيد ...". وهذا القول يقول به عامة أهل التفسير، وهو ضعيف، لما ثبت من أنّ نوحاً هو أول رسول يُرسَل إلى البشر، والآية تنص:" لما كذبوا الرسل ..."، فلو كان قبله رسل لفُهِم الأمر أنهم كذبوه وكذبوا الرسل من قبله. ولا يُتوقّع أن يكون تكذيبهم لنوح، عليه السلام، ولمن سيأتي بعده من الرسل.
ويُضيف الألوسي فيقول:" أو أنكروا جواز بعثة الرسل مطلقاً". وهو قول عدد من أهل التفسير أيضاً. والوجوه الثلاث التي عرضها الألوسي عليها مدار أقوال المفسرين. ويدهشك، كما قلنا، أنهم لم يقولوا بالوجه الرابع المتبادر من ظاهر النص، والذي ينسجم مع النصوص القرآنية، والمنطق السليم.
وطالما أنه لا ينبني على ذلك نتائج وأمور ذات بال على مستوى الاعتقاد والسلوك، فلماذا نتعرض للموضوع بهذا التفصيل؟!
نـقـول:
أولاً: في ذلك لفت انتباه المتدبرين للألفاظ القرآنية وضرورة الانتباه إلى دقة التعبير القرآني.
ثانياً: في إرسال أكثر من رسول كمال الإنذار والإعذار. وفيه دليل على عتو القوم وقسوة
قلوبهم وعميق غفلتهم. وكذلك فإنّ تعدد الرسل متزامنين يتناسب مع واقع البشر في ذلك الزمان، حيث صعوبة الاتصال بين التجمعات البشرية المتناثرة.
ثالثاً: في ذلك لفت للانتباه إلى ضرورة الالتزام بالمنهجية السليمة في التدليل والاستنباط عند تدبر النصوص القرآنية، وأهمية تفسير القرآن بالقرآن.
رابعاً: في استشكال المفسرين للفظة من الألفاظ القرآنية دليل على أنهم قد فهموا ظاهر النص ثم استشكلوه وذلك لوجود أفكار مسبقة قد لا تكون صحيحة. فعندما يتدبر المسلم القرآن الكريم محكوماً بأفكار مسبقة، لا تقوم على أساس سليم، يؤدي به ذلك أحياناً إلى تناقض لا يوجد في النص الحكيم أصلاً.
خامساً: ما يتوهمه مُفسر واحد قد ينعكس على من يأخذ عنه. ومن هنا نجد أنّ الكثير من أهل التفسير يكررون أقوال بعضهم البعض ولو على سبيل الاستقصاء.
سادساً: هناك أسباب تجعل المفسر يذهل أحياناً عن المعنى الأقرب لظاهرالنص. وهي أسباب قد تتعدد وتختلف من مفسر لآخر.
سابعاً: لا يكفي أن نقول إنّ هذا مما يحتمله النص، بل لا بد من الترجيح قدر الطاقة. ومعلوم
أنّ الاحتمالات منها ما هو راجح ومنها ما هو مرجوح ومنها ما هو ضعيف... الخ.
بقلم: بسام جرار
جاء في الآية 37 من سورة الفرقان:" وقوم نوحٍ لما كذبوا الرسل أغرقناهم ..."، وجاء في الآية 105 من سورة الشعراء:" كذبت قوم نوح المرسلين ...".
اللافت في الآيتين الكريمتين أنهما تصرحان بأنّ قوم نوح قد كذبوا أكثر من رسول، وليس نوحاً فقط. وهذا يعني أنّ الله تعالى قد أرسل مع نوح عدداً من الرسل إلى قوم نوح، كما هو الأمر عند إرسال موسى ثم هارون، عليهما السلام. وكما هو الأمر في القرية التي نصت عليها الآية 14 من سورة يس:" إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون". وبما أنّ نوحاً، عليه السلام، كان أول رسول أُرسل إلى البشر- كما نصت عليه الأحاديث الصحيحة- ، وبما أنه بقي حيا إلى أن أغرق قومه، وبما أنّ النص القرآني الكريم ينص على أنّ قوم نوح قد كذبوا الرسل، فإنّ ذلك كله يعني أنّ الله تعالى قد أرسل مع نوح عدداً من الرسل كان نوح عليه السلام أبرزهم. وهذا وجه واضح ومنطقي ولا يعارض نصاً من قرآن أو سُنّة، بل هو منسجم تماماً مع باقي النصوص القرآنية.
على الرغم من هذا فإننا نجد أنّ عامّة أهل التفسير يقولون بوجوه أخرى إلا هذا الوجه. وهذا أمر يدعو إلى العجب، ويدعونا إلى محاولة فهم لماذا يتواطأ أهل التفسير أحياناً على قول أو أكثر، على الرغم من احتمال النص لوجوه أخرى هي أقرب إلى ظاهر النص القرآني الكريم.
يقول ابن كثير، رحمه الله:" ولم يُبعَث إليهم إلا نوح فقط". فلماذا يجزم رحمه الله بهذا القول على الرغم من أنّ النص الكريم يقول:" لما كذبوا الرسل ..."؟! ويقول الألوسي رحمه الله:" أي نوحاً ومن قبله من الرسل ..."، وهذا عجيب، لأنّ حديث الشفاعة المتفق على صحته ينص على أنّ نوحاً، عليه السلام، هو أول رسول أرسل إلى البشر. بل إنّ المتدبر للقرآن الكريم يدرك ذلك من خلال ملاحظة أنّ القرآن الكريم يبدأ الحديث عن الأمم المكذبة بنوح وقومه؛ انظر قوله تعالى في الآية 17 من سورة الإسراء:" وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح ..."، والآية 12 من سورة ق:" كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرسل وثمود"، والآية 163 من سورة النساء:" إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ..."، وآيات أخرى كثيرة تؤيد ما صحّت به الأحاديث التي نصت على أنّ نوحاً هو أول رسول يُرسَل إلى البشر.
وما قاله الألوسي قاله كثير من أهل التفسير، ومنهم أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط، والزمخشري في الكشاف، والشوكاني في فتح القدير... ولم يقتصر الألوسي على هذا القول بل أضاف:" أي نوحاً ومن قبله من الرسل عليهم السلام أونوحاً وحده فإنّ تكذيبه، عليه السلام، تكذيب للكل لاتفاقهم على التوحيد ...". وهذا القول يقول به عامة أهل التفسير، وهو ضعيف، لما ثبت من أنّ نوحاً هو أول رسول يُرسَل إلى البشر، والآية تنص:" لما كذبوا الرسل ..."، فلو كان قبله رسل لفُهِم الأمر أنهم كذبوه وكذبوا الرسل من قبله. ولا يُتوقّع أن يكون تكذيبهم لنوح، عليه السلام، ولمن سيأتي بعده من الرسل.
ويُضيف الألوسي فيقول:" أو أنكروا جواز بعثة الرسل مطلقاً". وهو قول عدد من أهل التفسير أيضاً. والوجوه الثلاث التي عرضها الألوسي عليها مدار أقوال المفسرين. ويدهشك، كما قلنا، أنهم لم يقولوا بالوجه الرابع المتبادر من ظاهر النص، والذي ينسجم مع النصوص القرآنية، والمنطق السليم.
وطالما أنه لا ينبني على ذلك نتائج وأمور ذات بال على مستوى الاعتقاد والسلوك، فلماذا نتعرض للموضوع بهذا التفصيل؟!
نـقـول:
أولاً: في ذلك لفت انتباه المتدبرين للألفاظ القرآنية وضرورة الانتباه إلى دقة التعبير القرآني.
ثانياً: في إرسال أكثر من رسول كمال الإنذار والإعذار. وفيه دليل على عتو القوم وقسوة
قلوبهم وعميق غفلتهم. وكذلك فإنّ تعدد الرسل متزامنين يتناسب مع واقع البشر في ذلك الزمان، حيث صعوبة الاتصال بين التجمعات البشرية المتناثرة.
ثالثاً: في ذلك لفت للانتباه إلى ضرورة الالتزام بالمنهجية السليمة في التدليل والاستنباط عند تدبر النصوص القرآنية، وأهمية تفسير القرآن بالقرآن.
رابعاً: في استشكال المفسرين للفظة من الألفاظ القرآنية دليل على أنهم قد فهموا ظاهر النص ثم استشكلوه وذلك لوجود أفكار مسبقة قد لا تكون صحيحة. فعندما يتدبر المسلم القرآن الكريم محكوماً بأفكار مسبقة، لا تقوم على أساس سليم، يؤدي به ذلك أحياناً إلى تناقض لا يوجد في النص الحكيم أصلاً.
خامساً: ما يتوهمه مُفسر واحد قد ينعكس على من يأخذ عنه. ومن هنا نجد أنّ الكثير من أهل التفسير يكررون أقوال بعضهم البعض ولو على سبيل الاستقصاء.
سادساً: هناك أسباب تجعل المفسر يذهل أحياناً عن المعنى الأقرب لظاهرالنص. وهي أسباب قد تتعدد وتختلف من مفسر لآخر.
سابعاً: لا يكفي أن نقول إنّ هذا مما يحتمله النص، بل لا بد من الترجيح قدر الطاقة. ومعلوم
أنّ الاحتمالات منها ما هو راجح ومنها ما هو مرجوح ومنها ما هو ضعيف... الخ.