لماذا لم يعقب العلامة الشنقيطي في أضوائه على كلام الإمام الجويني؟

إنضم
12/01/2013
المشاركات
701
مستوى التفاعل
21
النقاط
18
العمر
52
الإقامة
مراكش-المغرب
بسم1

لماذا لم يعقب العلامة الشنقيطي في أضوائه على كلام الإمام الجويني؟

تطرق العلامة محمد أمين الشنقيطي رحمه الله تعالى في تفسيره لقول الله تعالى:" أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)"-محمد-، إلى ثلاثة مسائل جد هامة:
الأولى تتعلق بالرد على من زعم أن تدبر القرآن إنما هو من شأن العلماء والمجتهدين وأن غيرهم ليس لهم منه نصيب، وأنه لما كان الأمر كذلك و ليس في هذا العصر مجتهد وجب الاكتفاء بالمذاهب المدونة دون الرجوع إلى الكتاب والسنة.
المسألة الثانية: تتعلق بالاجتهاد، والثالثة بالتقليد وأقسامه وبيان الصحيح منها دون غيره.
وهي مسائل ومباحث أنصح من لم يكن اطلع عليها أن يقرأها ففيها فوائد جمة، كما هي عادة الشيخ رحمه الله تعالى في مصنفاته.
ومن الأمور التي تحدث عنها العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى في المسألة الأولى الرد على من قال أنه لا يجوز اعتقاد ظواهر نصوص الصفات لكونها توهم التشبيه الذي يتنزه عنه البارئ سبحانه، وأنه يجب صرفها عن هذه الظواهر وتأويلها.
وبين رحمه الله تعالى بطلان هذا الاعتقاد من عدة وجوه، وختم الحديث عن هذه المسألة بنقل أقوال لأئمة الكلام والتأويل الذين تابوا وأنابوا ورجعوا إلى طريقة السلف في الاعتقاد بعد أن كان حالهم كما وصف الإمام الشهرستاني رحمه الله تعالى:
لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعا كف حائــــــــــر على ذقن أو قارعا سن نــــــــادم([1])

وممن نقل كلامهم الإمام أبو المعالي الجويني رحمه الله تعالى، فقد كان من أئمة الكلام و مدافعا عن التأويل كما في كتابه الإرشاد، لكنه تاب إلى عقيدة السلف وبين الحق في كتابه العقيدة النظامية، و من كلامه الذي نقله الشيخ رحمه لله تعلى في أضوائه-من العقيدة النظامية-:
" اختلف مسالك العلماء، في الظواهر التي وردت في الكتاب والسنة، وامتنع على أهل الحق فحواها وإجراؤها على موجب ما تبرزه أفهام أرباب اللسان منها.
فرأى بعضهم تأويلها، والتزام هذا المنهج في آي الكتاب وفيما صح من سنن النبي صلى الله عليه وسلم ، وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب سبحانه.
والذي نرتضيه رأيا وندين الله به عقدا، اتباع سلف الأمة، فالأولى الاتباع وترك الابتداع والدليل السمعي القاطع في ذلك، أن إجماع الأمة حجة متبعة، وهو مستند معظم الشريعة، وقد درج صحب الرسول صلى الله عليه وسلم على ترك التعرض لمعانيها ودرك ما فيها وهم صفوة الإسلام والمشتغلون بأعباء الشريعة، وكانوا لا يألون جهدا في ضبط قواعد الملة والتواصي بحفظها وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها.
فلو كان تأويل هذه الظواهر مسوغا أو محتوما لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، فإذا انصرم عصرهم وعصر التابعين على الإضراب عن التأويل كان ذلك قاطعا بأنه الوجه المتبع بحق.
فعلى ذي الدين أن يعتقد تنزه الرب تعالى عن صفات المحدثات ولا يخوض في تأويل المشكلات ويكل معناها إلى الرب، ومما استحسن من إمام دار الهجرة مالك بن أنس أنه سئل عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، فقال: الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة.
فلتجر آية الاستواء والمجيء وقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}، وقوله: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}، وما صح عن الرسول عليه السلام كخبر النزول وغيره على ما ذكرنا، فهذا بيان ما يجب لله تعالى." اهـــــــــــــ. كلامه بلفظه من الرسالة النظامية المذكورة مع أن رجوع الجويني فيها إلى أن الحق هو مذهب السلف أمر معلوم."اهــــــــــــ-أضواء البيان-.
و أثناء قراءتي لكلام أبي المعالي، ظننت أنني سأجد تعليقا من العلامة الشنقيطي، لكن استغربت لما لم أجد سوى تلك العبارة التي ذيل بها كلام الجوني رحم الله الجميع، مع أن الأمر يحتاج إلى تعليق وبيان:
وأخص بالذكر العبارات التالية:
- وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب سبحانه.
- وقد درج صحب الرسول صلى الله عليه وسلم على ترك التعرض لمعانيها...
- فعلى ذي الدين أن يعتقد تنزه الرب تعالى عن صفات المحدثات ولا يخوض في تأويل المشكلات ويكل معناها إلى الرب.
فكل هذه العبارت تحتاج إلى تعليق، فالأمر ليس بالهين إذ إنه يتعلق بأصل مهم من أصول الاعتقاد ونوع عظيم من أنواع التوحيد ألا وهو باب الصفات الذي زلت فيه أقدام وغلطت فيه أفهام وانقسم الناس فيه إلى فرق وفئام.
فتفويض المعاني الذي ذكره الإمام الجوني رحمه الله تعالى لم يكن مذهب السلف البتة ولم يقل به واحد من الصحابة الكرام ولا واحد ممن تبعهم بإحسان، بل كانوا يجرون نصوص الصفات على ظواهرها معتقدين معانيها، وإنما كانوا يفوضون في الكيفيات، فهم كانوا يفهمون معنى الاستواء والنزول والرضى و الغضب والمحبة وغيرها من الصفات الفعلية، ويفهمون معنى الوجه واليد والعين والقدرة والعظمة وغيرها من صفات الذات، فكل ذلك كان معلوم المعنى لديهم، ولم يثبت عن أحد من الصحابة الكرام عليهم أفضل الرضوان أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى صفة من صفات الله تعالى، ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه بين لهم معنى صفة من تلك الصفات، فدل ذلك على أن المعنى معلوم غير مجهول.
وإنما التفويض كان في الكيفيات، فإذا ذكر التفويض منسوبا إلى السلف فإنما هو تفويض الكيف لا المعنى[SUP]([/SUP][2][SUP]) [/SUP]، فكانوا يعتقدون معاني الصفات ويكلون كيفياتها – لا معانيها- إلى الله تعالى، وهذا مراد إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله تعالى من قوله:" الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة." أي الاستواء معلوم المعنى مجهول الكيف.
" فالسلف فوضوا العلم بالكيفية الغيبية إلى الله ، أو ردوا العلم بكيفية الصفات إلى الله ، أما المعنى فهو معلوم واضح من دلالة اللغة العربية التي نزل بها القرآن."([3]).
وعلى هذا المفهوم جاءت أقوال السلف الصالح في نصوص الصفات وسائر الغيبيات:
( أمروها كما جاءت بلا كيف ).
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله معقبا : (فقولهم : أمروها كما جاءت يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه فإنها جاءت ألفاظ دالة على معان، فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال : أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد، أو أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة وحينئذ فلا تكون قد أمرت كما جاءت."([4]).
وكيف يكون التفويض –أي تفويض المعنى- من منهج السلف وأصحابه شر أهل البدع، يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:" فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد"([5]) اهـــــ.
ولا ريب أن للتفويض لوازم غاية في البطلان، منها:
-1- أن الله تعالى أمرنا بتدبر كتاب لا يعلم معانيه إلا هو سبحانه، فيكون الأمر بالتدبر من باب اللغو لأنه لا قدرة لأحد عليه، تعالى الله علوا عما يقول الظالمون،" فإن من المعلوم أن الله تعالي أمرنا أن نتدبر القرآن وحضنا على عقله وفهمه فكيف يجوز مع ذلك أن يراد منا الإعراض عن فهمه ومعرفته وعقله ؟ "([6]) .
2- أن كل الأوصاف التي وصف بها القرآن الكريم من أنه بيان وهدى وشفاء ورحمة ونور وذكرى وروح وغير ذلك من الصفات، كل ذلك لاحقيقة له، إذ كيف يكون القرآن هدى ورحمة ونور...وهو مجرد ألفاظ لا يعلم معانيها إلا المتكلم بها، تعالى الله علوا عما يعتقده الزائغون.
يقول شيخ الإسلام عليه رحمة المنان:" ومعلوم أن هذا قدح في القرآن والأنبياء إذ كان الله أنزل القرآن وأخبر أنه جعله هدى وبيانا للناس وأمر الرسول أن يبلغ البلاغ المبين وأن يبين للناس ما نزل إليهم وأمر بتدبر القرآن وعقله"([7]) .
3- أن الرسول صلى الله عليه و سلم إن كان يعلم معاني القرآن ومع ذلك يفوض، فهذا يعني أنه لم يتم البيان حيث كان يكتفي بتبليغ الألفاظ دون المعاني، وحاشاه صلى الله عليه و سلم من ذلك.
4- أن الأسماء الحسنى والصفات العلى التي تعبدنا الله بها، لا يعلم معانيها إلا المتسمى والمتصف بها، وهذا يعني أننا نتعبد بمجرد ألفاظ لا معاني لها في عقولنا، وبطلان هذا في غاية البيان.
5- أن نسبة التفويض للسلف يجعلهم كالأعاجم الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني، فيكون حلهم كما قال تعالى في وصف بعض أهل الكتاب:" وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ"-البقرة:78-أي إلا تلاوة دون العلم بالمعنى، فعلى هذا فالسلف لم يكن لهم من القرآن إلا قراءة الألفاظ دون أي فهم لمعانيها، وهذا في غاية القدح والتنقص من سلفنا الصالح.
وهناك لوازم أخرى للتفويض في غاية البطلان كما أسلفت، وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم كما هو معلوم.
ولاريب أن عدم تعليق العلامة الشنقيطي على كلام الإمام الجويني لا يعني أنه يقر هذا النوع من التفويض الذي يفهم من كلام الجويني، وأما عدم تعليقه فربما بسبب وضوح عقيدة السلف في مسألة التفويض وبيانه لها في مواضع أخر من كتبه.

والله أعلم وأحكم.



([1] ) مجموع الفتاوى: 4/73.

([2]) فالتفويض نوعان:
أ - تفويض المعاني: وهذا مذموم، ويلزم منه لوازم فاسدة،كما سيأتي بيانه .
ب - تفويض الكيفيات: وهذا محمود، وهو من صفات المؤمنين، ونتيجة الإيمان بالغيب، والتسليم لشرع الله.


([3]) قضية المحكم والمتشابه:18.

([4]) العقيدة الحموية الكبرى:30.

([5]) درء تعارض العقل والنقل:1/115.

([6]) المرجع السابق.

([7]) المرجع السابق.
 
بسم الله الرحمن الرحيم..جزاكم الله تعالى خيرا..أخي الكريم..ناصر..ونصر بك علوم القرآن الكريم..أرجو من حضرتكم السماح لي بهذا الرأي وهو ان موضوع العقائد قد أشبعوه أهل العلم..تصحيحا ودفاعا عن النهج القويم وخاصة شيخ الاسلام وتلميذه رحمهما الله تعالى..لهذا فمن الاحرى بنا كطلاب علوم القرآن الكريم..ان نشمر عن سواعد الجد..ونكتب حصرا فيها لإنها بحاجة الى تأصيل وتطوير....والله تعالى أعلم.
 
شكر الله للأخت خادمة الفرقان والأخ البهيجي، وبخصوص ملاحظتك أخي البهيجي، فأقول وبالله التوفيق: إن أعظم العلوم بلا ريب علم العقيدة، وشرف العلم بشرف المعلوم -كما يقال- ومعلوم هذا العلم إنما هو تحقيق حق الله تعالى الذي خلق الخلق من أجله كما قال تعالى:"وما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون"، وكما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:"حق الله على العباد أن يعبدوه..."، فالغاية من وجود الإنسان على هذه الأرض هو تحقيق العقيدة الحقة، هذه العقيدة التي لايتصور أن تنفك عن شؤونه العلمية و العملية، إن كان على دراية بموجباتها ولوازمها...
أما بالنسبة لما تراه من التخصص في مناقشة ما يتعلق بعلوم القرآن الكريم بحجة أن مسائل العقيدة قد قتلت بحثا من طرف الأئمة كشيخ الإسلام وتلميذه، فهذا غير مسلم، من عدة وجوه:
- أن القرآن هو كتاب عقيدة وتوحيد قبل كل شيء، وهو كما يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:"كله في التوحيد، وحقوقِه وجزائه، وفي شأن الشِّركِ وأهله وجزائهم"؛ مدارج السالكين: (3/450).
- أن كتب التفسير-الذي يأتي حسب اعتقادي في مقدمة علوم القرآن- اعتنت بمسائل العقيدة اعتناء واضحا -بين مقل ومستكثر-
- من أعظم ما يشترط في المفسر-وهو في مقدمة من يخدم كتاب الله جل في علاه-سلامة المعتقد، لأنه لا بد أن يظهر آثار عقيدته في تفسيره...
- ثم كيف يمكن أن نخدم القرآن الكريم باعتبارنا من طلاب علومه، دون الاعتناء بأعظم ما في هذا القرآن وأعظم ما دعى إليه ورغب فيه ورهب من ضده.
وربما للكلام بقية.
و الله أعلم و أحكم.
 
بسم الله الرحمن الرحيم..الحمد لله رب العالمين..أما بعد..جزاكم الله تعالى خيرا أخي الكريم وزادنا وإياكم علما وفهما..ان ما ذكرته صحيح..ولكني قصدت ان لو نظرنا الى إنتاج الامة من علم وجهد في علوم العقيدة يفوق إنتاجها في علوم القرآن(لا أقصد التفاسير)فإنها كثيرة..ولكن العلم بالقرآن بحاجة الى تأصيل وتحرير وتقرير...فهل تعلم ان من المختصين(وهو رئيس قسم)قال-(لا ناسخ ولا منسوخ)..فكيف حال من هو دونه...ولهذا فإني أرى والله تعالى ان هذا الملتقى المبارك اذا لم يبدأ المشرفون عليه بترتيب جديد وتغيير لسياق العمل فإن راية علم التفسير ستنتقل لمواقع أخرى..نسأل الله تعالى ان يبارك بهذا الملتقى..والله تعالى أعلم.
 
بسم الله الرحمن الرحيم..الحمد لله رب العالمين..أما بعد...أظن والله تعالى أعلم ان سبب ترك الشيخ الشنقيطي الرد على الامام الجويني..انه يعتقد ان التفسير غير ملائم لكثرة الجدل..وان من الإفضل الرد عليه في كتب العقيدة...والله تعالى أعلم.
 
عودة
أعلى