د محمد الجبالي
Well-known member
أسئلة الحائرين في حادثة الإفك
وصلني بعض الأسئلة من بعض الإخوة على فيسبوك، يشكو من حيرته في بعض أحداث ومواقف حادثة الإفك قائلا:
- لماذا سكت رسول الله شهرا كاملا عن الخوض في عرض عائشة ولم يدفع عنها، بل وقد تغير من ناحيتها ولم يعد يظهر لها الود والمحبة؟!
- وتعجب من استتابة رسول الله لعائشة من الزنا، من جريمة هي بريئة منها؟!
- وتعجب واستنكر من موقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بطلاقها؟!
فأجبته:
إن حادثة الإفك كانت ابتلاء للمؤمنين واختبارا قاسيا طال لأكثر من شهر، ومازالت هذه الحادثة - وستبقى - شاهد حق على كفر كل من يقع في عرض أم المؤمنين عائشة أو أيٍّ من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
فهي آية كاشفة لكفر الرافضة الذين يسبون عائشة، ويسبون الصحابة الكرام، ودليل قاطع على كفر من يفعل ذلك، فمن كان يتلمس أعذارا أو مخرجا لمن يقع من الروافض في عرض الصحابة ويشهد لهم أنهم مسلمون، فأي عذر، وأي مخرج لمن يقع في عرض عائشة أو أيٍّ من أمهات المؤمنين؟!
أما سؤالك:
- لماذا سكت رسول الله شهرا كاملا على الخوض في عرض عائشة ولم يدفع عنها، بل وقد تغير من ناحيتها ولم يعد يظهر لها الود والمحبة؟!
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بَشَر، يجري عليه الألم والحزن والسهو الذي يجري على الناس لكنه صلى الله عليه وسلم معصوم، عصمه الله من الزلل، فَلِعِلْمِه وثقته ببراءة زوجه اشتد عليه الحزن والكرب فلم يعد يلاطف عائشة كما كان يلاطفها، بل كان يزورها في مرضها يسأل عنها: "كَيْفَ تِيكُمْ"؟ ثم ينصرف، فهو رغم حزنه وألمه لم يهملها، كما أنه لم يخبرها بما يخوض فيه الناس حرصا عليها، وخوفا عليها خاصة أنها مريضة.
أما قولك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يدفع عن عائشة، فذلك غريب! بل إنه صلى الله عليه وسلم دفع عنها دفعا شديدا، وشهد ببراءتها على الملأ ، كل الملأ، ومن فوق المنبر، اسمع له صلى الله عليه وسلم هو على المنبر: "يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ ، مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَ أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي؟ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا ، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا ، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي"
وكادت الحمية والعصبية لرأس النفاق أبي بن سلول أن توقع حربا طاحنة بين الأوس والخزرج، لكن رسول الله خفضهم وأسكتهم.
فقد دافع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة شاهدا لها ببراءتها، موقنا بذلك، لكنها الفتنة وقعت في الناس، زرعها منافق ونبتت وأزهرت ثم أثمرت حتى وقع فيها بعض الصحب الكرام رضي الله عنهم جميعا.
- أما تعجبك من استتابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة مع علمه ببراءتها، فإن رسول الله كما قلنا سلفا بشر، لا يعلم الغيب، وهو قائد القوم ورئيسهم، ولابد أن يجري عليهم الحكم في هذا الأمر وفي كل أمور الدولة، وقد فشا حديث الإفك وانتشر في الناس، وتأخر الوحي عن النبي صلى الله علي وسلم ولم يأته بفصل في هذه القضية، فقام إلى زوجه يستتيبها وهو يعلم أنها بريئة، واسمع إليه صلى الله عليه وسلم: "أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ"
إن هذا القول إنما هو قول قاض وحاكم في الناس قائم على كل أمورهم وشئونهم، فلابد له أن يفعل، ويجب عليه أن يفعل وإن علم وأيقن أن من يسائلها هي عائشة، زوجته الأثيرة عنده الحبيبة التي يعلم براءتها.
- أما تعجبك واستنكارك للرأي الذي أشار به علي رضي الله عنه بطلاق عائشة، فليس كما تظن، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اشتداد الهم والكرب عليه بعد انتشار حديث الإفك ووقوع بعض الصحابة فيه سأل واستشار اثنين من أهل بيته هما علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهما.
ففي الحديث: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ تأخر الْوَحْيُ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ:
فَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ لَهُمْ مِنْ الْوُدِّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُمْ أَهْلُكَ وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا.
وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: لَمْ يُضَيِّقْ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَإِنْ تَسْأَلْ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ. قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ، فَقَالَ: «أَيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ مِنْ عَائِشَةَ»؟
قَالَتْ لَهُ بَرِيرَة: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُه .
إن علي رضي الله عنه لم يقع في عائشة، ولم يخض فيما خاض فيه الناس، بل إنه أشار برأيين يدلان على حكمته وحنكته:
الأول: يمكن أن نعتبره رأي مستشار لرئيس دولة، فإن الدولة في حال اضطراب وقلق بسبب هذا الحادث، ولابد من الخروج من هذا المأزق حتى تستقر الأمور ويهدأ الناس، فأشار عليه بفراقها تخلصا من الشبهات التي أثيرت، ولإخراج الدولة من المأزق الذي تمر به.
والثاني: مشورة العاقل الحكيم بالوقوف على الدليل من أقوى مصادره، فقال له سل الجارية -خادمة عائشة- تصدقك.
فلو تأملت ستجد أن ما أشار به علي رضي الله عنه فيه حكمة وعقل وحسن تقدير للأمور.
هل كان صفوان بن المعطل حَصُورا
شيء آخر أريد أن أثبته هنا، وهو خاص بصفوان بن المعطل الذي رُمِيَت به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ورضي عن صفوان.
يزعم البعض أن صفوان بن المعطل كان حَصُورا لا يأتي النساء، ثم يخرج علينا كأنه أمسك بالدليل الثابت على براءة عائشة، وأقول لهؤلاء ممن يزعم هذا الزعم: إن المشكلة ليست في إثبات براءة عائشة بأن صفوان كان حصورا لا يأتي النساء، إنما الداء كامن في قلوبكم ونفوسكم التي تحتاج لدليل آخر ببراءتها بعد شهادة الله لها في كتابه العزيز ببراءتها.
أما صفوان رضي الله عنه فلم يكن حصورا بل إنه كان لا يصبر على شوقه لزوجه؛ فكانت إذا أرادت أن تصوم تطوعا أمرها أن تفطر، حتى شكت ذلك لرسول الله والرواية كالتالي:
عن أبي سعيد الخدري قال: جاءت امرأة إلى النبي ونحن عنده فقالت يا رسول الله إن زوجي صفوان بن المعطل يضربني إذا صليت، ويفطرني إذا صمت، ولا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، قال سعيد: وصفوان عنده، فسأله النبي عما قالت.
فقال يا رسول الله: أما قولها يضربني إذا صليت فإنها تقرأ بسورتين وقد نهيتها.
فقال رسول الله: "لو كانت سورة واحدة لكفت الناس"
وأما قولها يفطرني فإنها تنطلق فتصوم وأنا رجل شاب فلا أصبر.
فقال رسول الله يومئذ: لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها.
وأما قولها إني لا أصلي حتى تطلع الشمس فأنا من أهل بيت قد عرف لنا ذاك لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس. قال "فإذا استيقظت فصل"
والحديث صححه الألباني، قال الألباني في السلسلة: أخرجه أبو داود و السياق له وابن حبان والحاكم وأحمد بإسناد صحيح على شرط الشيخين . وقد خرجته مع طرق حديث أبي هريرة في " الإرواء ".
أما ما جاء من أن صفوان بن المعطل قال لما رُمِيَت عائشة به: والله ما أَصَبْتُ امرأة قط حلالا ولا حراما.
فقد ذكر العلماء أن ذلك يكون قبل زواجه، أي أنه تزوج بعد حادث الإفك.
هذا، والله أعلم
د. محمد الجبالي
وصلني بعض الأسئلة من بعض الإخوة على فيسبوك، يشكو من حيرته في بعض أحداث ومواقف حادثة الإفك قائلا:
- لماذا سكت رسول الله شهرا كاملا عن الخوض في عرض عائشة ولم يدفع عنها، بل وقد تغير من ناحيتها ولم يعد يظهر لها الود والمحبة؟!
- وتعجب من استتابة رسول الله لعائشة من الزنا، من جريمة هي بريئة منها؟!
- وتعجب واستنكر من موقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بطلاقها؟!
فأجبته:
إن حادثة الإفك كانت ابتلاء للمؤمنين واختبارا قاسيا طال لأكثر من شهر، ومازالت هذه الحادثة - وستبقى - شاهد حق على كفر كل من يقع في عرض أم المؤمنين عائشة أو أيٍّ من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
فهي آية كاشفة لكفر الرافضة الذين يسبون عائشة، ويسبون الصحابة الكرام، ودليل قاطع على كفر من يفعل ذلك، فمن كان يتلمس أعذارا أو مخرجا لمن يقع من الروافض في عرض الصحابة ويشهد لهم أنهم مسلمون، فأي عذر، وأي مخرج لمن يقع في عرض عائشة أو أيٍّ من أمهات المؤمنين؟!
أما سؤالك:
- لماذا سكت رسول الله شهرا كاملا على الخوض في عرض عائشة ولم يدفع عنها، بل وقد تغير من ناحيتها ولم يعد يظهر لها الود والمحبة؟!
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بَشَر، يجري عليه الألم والحزن والسهو الذي يجري على الناس لكنه صلى الله عليه وسلم معصوم، عصمه الله من الزلل، فَلِعِلْمِه وثقته ببراءة زوجه اشتد عليه الحزن والكرب فلم يعد يلاطف عائشة كما كان يلاطفها، بل كان يزورها في مرضها يسأل عنها: "كَيْفَ تِيكُمْ"؟ ثم ينصرف، فهو رغم حزنه وألمه لم يهملها، كما أنه لم يخبرها بما يخوض فيه الناس حرصا عليها، وخوفا عليها خاصة أنها مريضة.
أما قولك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يدفع عن عائشة، فذلك غريب! بل إنه صلى الله عليه وسلم دفع عنها دفعا شديدا، وشهد ببراءتها على الملأ ، كل الملأ، ومن فوق المنبر، اسمع له صلى الله عليه وسلم هو على المنبر: "يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ ، مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَ أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي؟ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا ، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا ، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي"
وكادت الحمية والعصبية لرأس النفاق أبي بن سلول أن توقع حربا طاحنة بين الأوس والخزرج، لكن رسول الله خفضهم وأسكتهم.
فقد دافع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة شاهدا لها ببراءتها، موقنا بذلك، لكنها الفتنة وقعت في الناس، زرعها منافق ونبتت وأزهرت ثم أثمرت حتى وقع فيها بعض الصحب الكرام رضي الله عنهم جميعا.
- أما تعجبك من استتابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة مع علمه ببراءتها، فإن رسول الله كما قلنا سلفا بشر، لا يعلم الغيب، وهو قائد القوم ورئيسهم، ولابد أن يجري عليهم الحكم في هذا الأمر وفي كل أمور الدولة، وقد فشا حديث الإفك وانتشر في الناس، وتأخر الوحي عن النبي صلى الله علي وسلم ولم يأته بفصل في هذه القضية، فقام إلى زوجه يستتيبها وهو يعلم أنها بريئة، واسمع إليه صلى الله عليه وسلم: "أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ"
إن هذا القول إنما هو قول قاض وحاكم في الناس قائم على كل أمورهم وشئونهم، فلابد له أن يفعل، ويجب عليه أن يفعل وإن علم وأيقن أن من يسائلها هي عائشة، زوجته الأثيرة عنده الحبيبة التي يعلم براءتها.
- أما تعجبك واستنكارك للرأي الذي أشار به علي رضي الله عنه بطلاق عائشة، فليس كما تظن، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اشتداد الهم والكرب عليه بعد انتشار حديث الإفك ووقوع بعض الصحابة فيه سأل واستشار اثنين من أهل بيته هما علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهما.
ففي الحديث: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ تأخر الْوَحْيُ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ:
فَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ لَهُمْ مِنْ الْوُدِّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُمْ أَهْلُكَ وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا.
وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: لَمْ يُضَيِّقْ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَإِنْ تَسْأَلْ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ. قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ، فَقَالَ: «أَيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ مِنْ عَائِشَةَ»؟
قَالَتْ لَهُ بَرِيرَة: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُه .
إن علي رضي الله عنه لم يقع في عائشة، ولم يخض فيما خاض فيه الناس، بل إنه أشار برأيين يدلان على حكمته وحنكته:
الأول: يمكن أن نعتبره رأي مستشار لرئيس دولة، فإن الدولة في حال اضطراب وقلق بسبب هذا الحادث، ولابد من الخروج من هذا المأزق حتى تستقر الأمور ويهدأ الناس، فأشار عليه بفراقها تخلصا من الشبهات التي أثيرت، ولإخراج الدولة من المأزق الذي تمر به.
والثاني: مشورة العاقل الحكيم بالوقوف على الدليل من أقوى مصادره، فقال له سل الجارية -خادمة عائشة- تصدقك.
فلو تأملت ستجد أن ما أشار به علي رضي الله عنه فيه حكمة وعقل وحسن تقدير للأمور.
هل كان صفوان بن المعطل حَصُورا
شيء آخر أريد أن أثبته هنا، وهو خاص بصفوان بن المعطل الذي رُمِيَت به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ورضي عن صفوان.
يزعم البعض أن صفوان بن المعطل كان حَصُورا لا يأتي النساء، ثم يخرج علينا كأنه أمسك بالدليل الثابت على براءة عائشة، وأقول لهؤلاء ممن يزعم هذا الزعم: إن المشكلة ليست في إثبات براءة عائشة بأن صفوان كان حصورا لا يأتي النساء، إنما الداء كامن في قلوبكم ونفوسكم التي تحتاج لدليل آخر ببراءتها بعد شهادة الله لها في كتابه العزيز ببراءتها.
أما صفوان رضي الله عنه فلم يكن حصورا بل إنه كان لا يصبر على شوقه لزوجه؛ فكانت إذا أرادت أن تصوم تطوعا أمرها أن تفطر، حتى شكت ذلك لرسول الله والرواية كالتالي:
عن أبي سعيد الخدري قال: جاءت امرأة إلى النبي ونحن عنده فقالت يا رسول الله إن زوجي صفوان بن المعطل يضربني إذا صليت، ويفطرني إذا صمت، ولا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، قال سعيد: وصفوان عنده، فسأله النبي عما قالت.
فقال يا رسول الله: أما قولها يضربني إذا صليت فإنها تقرأ بسورتين وقد نهيتها.
فقال رسول الله: "لو كانت سورة واحدة لكفت الناس"
وأما قولها يفطرني فإنها تنطلق فتصوم وأنا رجل شاب فلا أصبر.
فقال رسول الله يومئذ: لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها.
وأما قولها إني لا أصلي حتى تطلع الشمس فأنا من أهل بيت قد عرف لنا ذاك لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس. قال "فإذا استيقظت فصل"
والحديث صححه الألباني، قال الألباني في السلسلة: أخرجه أبو داود و السياق له وابن حبان والحاكم وأحمد بإسناد صحيح على شرط الشيخين . وقد خرجته مع طرق حديث أبي هريرة في " الإرواء ".
أما ما جاء من أن صفوان بن المعطل قال لما رُمِيَت عائشة به: والله ما أَصَبْتُ امرأة قط حلالا ولا حراما.
فقد ذكر العلماء أن ذلك يكون قبل زواجه، أي أنه تزوج بعد حادث الإفك.
هذا، والله أعلم
د. محمد الجبالي