لماذا لا نتعلم ؟

أبو مالك العوضي

فريق إشراف الملتقى المفتوح
إنضم
12/08/2006
المشاركات
737
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الرياض
( لماذا لا نتعلم ؟ )
كتبه: أبو مالك العوضي


لماذا نرى الناس تستثقل التعلم؟
لا أقصد العلم الشرعي فقط، وإنما أقصد التعلم عموما، تعلُّم أي شيء مفيد في الحياة.
لو بحثت عما كُتب في فضل العلم فستجده غالبا يدور حول العلم الشرعي فقط، وثوابه العظيم، وأجره الجزيل، وفائدته الكبيرة، وهذا أعطى للناس انطباعا أن (التعلم) أمر خاص بطلبة العلم الشرعي فقط، وأن بقية الناس ليسوا بحاجة إلى مزيد من التعلم.
والحقيقة خلاف ذلك؛ فإن الإنسان أيا كان مجاله بحاجة إلى التعلم ما دام حيا!
وقديما قيل لبعض العلماء: إلى متى يحسن بالإنسان أن يتعلم؟ فقال: ما حسنت به الحياة!
وكثير من الناس لديه استعداد لقضاء عشر ساعات في أداء عمل ما بطريقة خاطئة، بدلا من قضاء عشر دقائق فقط في تعلم الطريقة الصحيحة لأدائه!


التلميذ بعد انتهاء الدراسة، لماذا لا يحاول أن يتعلم شيئا جديدا؟
الطالب بعد انتهاء الجامعة، لماذا لا يحاول أن يوسع ثقافته بالقراءة؟
الباحث بعد حصوله على الدكتوراه، لماذا لا يريد أن يستزيد من العلم في تخصصه؟
الموظف في عمله، لماذا لا يتعلم المزيد عن وظيفته بحيث يؤديها بطريقة أفضل؟
الطبيب في مستشفاه، لماذا لا يطلع على البحوث الطبية الجديدة حتى يكون أداؤه أحسن؟


ولست أعني أن كل الناس تاركة للتعلم كما لا يخفى، فهناك كثير من الناس تحب التعلم، وتتشوق للمزيد من العلم في تخصصها وفي غير تخصصها، لكن هذا الكثير يظل قليلا جدا إذا قيس إلى بقية الناس.
بعض المهارات من المهم لمعظم الناس أن يتعلموها؛ مثل الكتابة على برنامج الوورد، ومثل البحث في شبكة


الإنترنت، فهذان الأمران يحتاج إليهما عامة الناس في هذا العصر؛ لأنهما يوفران عليهم الكثير من الوقت، لكن مع الأسف لا تكاد تجد أحدا يحاول أن يبذل بعض الجهد في تعلم هذه الأشياء، إلا إن كان لها علاقة وثيقة بعمله.
معظم الدارسين في الماجستير والدكتوراه وغيرهما يبحثون عمن يكتب لهم رسائلهم العلمية وينسقها على الوورد، ويضيع الوقت والجهد في التعديل والمراجعة والتصحيح، مع أن الباحث لو بذل القليل من الجهد في تعلم الكتابة على الوورد؛ لوفر على نفسه كل هذا الجهد، ولاستفاد استفادة عظيمة في هذا البحث وفي غيره.
وكثير منهم أيضا يبحث عمن يصحح له رسالته لغويا ونحويا وإملائيا، فلماذا لا يبذل القليل من الجهد في تعلم مبادئ النحو واللغة والإملاء؟ سوف تكون استفادته أكبر، وسوف تكون ثقته ببحثه أعظم، ولن يُضطر إلى الاعتماد على غيره من المصححين الذين لا يَعلم مقدار علمهم باللغة والنحو.
أليس من المضحك أن يكتب بعض المديرين رسائله وخطاباته على أوراق بخط اليد، ثم يضيع وقته في البحث عن سكرتير يكتب له هذه الأشياء على الوورد، ثم يضيع وقتا آخر في البحث عن مساعد يرسلها له بالبريد الإلكتروني؟ ثم يضيع وقتا ثالثا فيمن يتابع له الردود، ثم يضيع وقتا رابعا فيمن يطبع له هذه الردود ليقرأها على ورق مطبوع؟!


دع هذا جانبا، وأخبرني: لماذا لا نتعلم لغة أخرى؟
أعرف بعض الناس، يتحسر على أنه لم يتعلم الإنجليزية، ويبحث دائما عن الكتب المترجمة ليكمل بها هذا النقص، وهو على هذه الحالة منذ سنوات!
لماذا لا تبدأ الآن في التعلم؟ هل تظن أن الوقت قد فات ؟ كلا
خذ هذه القاعدة: الوقت لا يفوت أبدا في تعلم الأشياء الجديدة!
والإنسان ما عاش فهو بحاجة إلى مزيد من التعلم؛ لأن العلم كثير والعمر قصير، ولا سيما في عصرنا هذا، الذي صار التطور العلمي فيه من أسرع ما يكون، فالحاجة عظيمة لتعلم استعمال الاختراعات الجديدة، والأجهزة الحديثة التي صار استعمالها ضرورة من ضرورات الحياة.


أنت أيها الرجل، وأنت أيتها المرأة أنت أيها الصغير، وأنت أيها الكبير
أنت أيها العالم، وأنت أيها الجاهل أنت أيها الوزير، وأنت أيها الغفير
جميعكم بحاجة إلى المزيد والمزيد من التعلم؛ من أجل مزيد من الرقي، ومن أجل مزيد من نفع أنفسكم ونفع مجتمعكم.
وإذا كان هذا في عامة الناس، فهو في طلبة العلم الشرعي وعلمائه أوضح وأظهر، فهم أكثر الناس حاجة إلى الاستزادة من العلم؛ لأن الخطر في خطئهم أعظم، والزلل بسبب كلامهم أكثر، وقديما قال سفيان بن عيينة: أعظم الناس حاجة إلى التعلم أكثرهم علما! لأن الخطأ منه أقبح.


دع هذا جانبا، وأخبرني: لماذا لا تتعلم أساسيات الطب؟
ألا تعلم أنك قد تنقذ حياة إنسان بالقليل من العلم في هذا الباب؟
لماذا لا تتعلم مبادئ المحافظة على الصحة؟ من الطعام المناسب وممارسة الرياضة ونحو ذلك؟
هل تعلم أن هذا قد يجنبك الكثير من الأمراض، ويجعلك تمارس حياتك بنشاط حتى في كبر السن؟
لماذا لا تثقف نفسك وتقرأ بعض الكتب الثقافية العامة؟
ألا تشعر بالضيق عندما يسألك ابنك أو أخوك أو صديقك عن معلومة ما، فلا تعرف؟
- يا أبي .. ما عجائب الدنيا السبع؟
- يا أمي .. متى كانت الحرب العالمية الثانية؟
- يا أخي .. من الذي اخترع التليفون؟
هل تعلم أن من يواظب على القراءة والثقافة والتعلم لا يصاب غالبا بأمراض الشيخوخة المتعلقة بالأداء العقلي؟ مثل الخرف وفقدان الذاكرة ونحو ذلك؟


إذا كنت مديرا، فلماذا لا تزيد من ثقافتك في المجال الإداري؟ هل يلزم أن تعطيك الشركة دورة تدريبية تكلفها الكثير، وتصرف لك فيها مكافأة وبدلات لتنوير عقلك؟!
إذا كنت عاطلا عن العمل، فقبل أن تصب نقمتك وغضبك على المجتمع والدولة التي لم تحقق لك طموحك بفرصة العمل المناسبة، اسأل نفسك: لماذا لا أتعلم حتى أكون مثل فلان؟ ولماذا لا أثقف نفسي حتى أكون مثل علان؟! هل فكرت يوما أن الإشكال يمكن أن يكون فيك أنت وليس في المجتمع ولا الدولة؟!
لماذا يجد ألوف الشباب فرص العمل ولا تجد أنت؟ قد يكون هناك إشكال أو خلل في الأنظمة، لكن هذا لا ينفي أن الجزء الأكبر من المشكلة يرجع إليك أنت، فالسماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، فلا بد أن تبذل الجهد وتتميز؛ حتى تجد لك مكانا في عالم اليوم فضلا عن عالم الغد.


بعضهم يقول: أنا أبحث عن عمل، فساعدني!
فتقول له: هل تجيد الكمبيوتر؟ يقول: لا
فتقول له: هل تجيد الإنجليزية؟ يقول: لا
فتقول له: هل تجيد الكتابة واستعمال الأوفيس؟ يقول: لا
تقول له: معك شهادة عالية؟ يقول: لا
طيب، قل لي بربك: هل الخلل هنا في المجتمع أو فيك؟!


والأمر ليس متوقفا على التعلم من أجل الحصول على وظيفة جيدة أو راتب عال، بل التعلم والثقافة والقراءة ضرورة من ضرورات الحياة التي لا يكون الإنسان حقيقا بصفة الإنسانية إلا بها.
فالقراءة ليست فقط هواية أو وسيلة لتمضية الوقت، فهي الغذاء لعقلك، والدواء لجهلك، والحياة لفكرك .. بتركها قد تموت وأنت لا تدري!


وإن من شرف العلم أنه قد ينفع صاحبه حتى وإن كان كافرا!
تأمَّل قصة سحرة فرعون لما ألقوا حبالهم فلقفتها عصا موسى، ماذا حصل؟
لم يؤمن في هذا الموقف إلا هؤلاء السحرة!! لماذا؟
لأنهم كانوا أعلم الناس بالسحر في هذا الوقت، ولذلك فهم يعلمون حق العلم أن ما رأوه أمامهم ليس من السحر، وأنه فوق قدرة البشر، فإذا كان هذا حال أحد العلوم المذمومة كالسحر، فما بالك بالعلوم المحمودة؟!


إن الشغف بالمعرفة، وحب الاطلاع على الجديد، والاستزادة من العلم؛ من صفات الإنسان الجيد، ولا شك أن هذا سينفع صاحبه يوما ما، إن لم يكن في حاضره ففي مستقبله، وإن لم يكن في أخراه ففي دنياه.


اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وبلغنا من العلم النافع آمالنا.​


منقول
http://articles.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=191035
 
اللهم آمين ..
صدقت أخي الكريم .. خاصّة أن وسائل تحصيل العلم -بكل فنونه- أصبحت ميسّرة لنا في هذا الزمان أكثر من أيّ وقت مضى -ولله الحمد والمنّة-، ويومًا سنُسأل عن تلك النِّعم التي نرفلُ في أثوابها، عسى الله أن يجعلها حجّة لنا لا علينا، وأن يجعلنا من الشاكرين لنعمه، والعاملين بها على الوجه الذي يرضى به عنّا.

مقال جميل ونافع، شكر الله لك.

--------------------
ذكرى:
قال أبو الدرداء -رضي الله عنه- : "إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ إِذَا وَقَفْتُ عَلَى الْحِسَابِ، أَنْ يُقَالَ لِي: قَدْ عَلِمْتَ، فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟!". [حلية الأولياء: ١/٢١٣].

 
أستاذي الفاضل ..
عدتُ وبين يديّ سؤال أطرحه عليكم -حفظكم الله-

ماذا عمّن يتخوّف من القراءة المفتوحة في ظل توسّع المعرفة وتنوّع ناقليها وكثرة الأهواء والضلالات في الفكر والرأي؟! .. فأعداء الإسلام في كلِّ مكان ويبثُّون كل سقيم، ويدسُّون السُّم في حلاوة العسل، وليس هنالك رقابة على كل تلك العلوم المنبثقة بأشكالها المتنوعة سواءً على الصعيد الورقي أو الرقمي، وقد لا يجد المرء من ينبّهه ويحذّره، وقد لا يعرف لمن يقرأ، والعقل قد يتشرب وصاحبه لا يدري!! خاصة ممن قَصُرَ فهمهم وممن لم يكن لديهم ملكة التمييز بين النَّافع والضار.
فكيف نواجه هذه المشكلة؟ وما الطريقة السديدة للقراءة الموسّعة المثمرة في هذا الزمان والتي تعود على صاحبها بالنفع في الدنيا والآخرة؟!

أفيدونا بارك الله فيكم وفي علمكم.

---------------------
ذكرى:
قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- : "لَيْسَ الْخَيْرُ أَنْ يَكْثُرَ مَالُكَ وَوَلَدُكَ، وَلَكِنَّ الْخَيْرَ أَنْ يَكْثُرَ عِلْمُكَ، وَيَعْظُمَ حِلْمُكَ، وَأَنْ تُبَاهِيَ النَّاسَ بِعِبَادَةِ رَبِّكَ، فَإِنْ أَحْسَنْتَ حَمِدْتَ اللَّهَ، وَإِنْ أَسَأْتَ اسْتَغْفَرْتَ اللَّه". [حلية الأولياء: ١/٧٥].
 
وفقكم الله وسدد خطاكم

الإشكال يحصل عندما يتعجل طالب العلم ويطمح في مرتبة فوق مرتبته، والطريقة الصحيحة للنجاة من هذا الأمر بإذن الله تعالى هي التأصيل والترسيخ لمبادئ العلوم؛ لأن كل ما فوقها مبني عليها، والإشكال لا يحصل في الطوابق العليا إلا بسبب خلل في الأسس السفلى للبناء، أما إذا كان أساس البناء راسخا فإنه من المستبعد وقوع خلل فيما يبنى عليه.
وأيضا: مقدار ارتفاع البناء لا بد أن يكون مناسبا لأساسه، بمعنى أنه لا يصح أن يبنى بناء من عشرة طوابق مثلا، إذا كان الأساس الموضوع له لا يتحمل إلا خمسة طوابق، فطالب العلم الذي يريد أن يجعل بناءه العلمي عاليا شامخا باذخا، لا بد أن يضع له أساسا راسخا مناسبا يتحمل مثل هذا الارتفاع، وقد ذكرتُ من قبل أن كثيرا ممن وقعوا في الأقوال الشاذة والآراء المخالفة إنما وقعوا في ذلك بسبب أنهم لم يرسخوا الأصول والمبادئ الأولية للعلوم، فطالب العلم الذي لم يرسخ الأصول والمبادئ الأولية تراه عرضة للشك فيها والرجوع عنها مع أول شبهة ترد عليه من أي مبطل، لذلك أقول: إن المعلومة الراسخة التي لا يتشكك فيها طالب العلم مهما شُكك أفضل من مائة معلومة أخرى تقبل التشكيك، ونحن نرى كثيرا من طلبة العلم في الواقع، لكن القليل منهم من يهتم بالترسيخ.

وللفائدة ينظر هنا:
اكتملت الصورة.. فلماذا تمزقها ؟!
وهنا:
ما أصعب الكتابة!

والله أعلم.
 
مقال جميل، بارك الله فيك.
نعم: لماذا لا نتعلم ولماذا لا نُعلّم ولماذا لا نوفر بيئة (حب) التعلم؟ هي أسئلة متداخلة لأن المسؤولية متداخلة لا يمكن إختزالها في الجانب الفردي وإلا سقطنا في فخ الفردانية من دون شعور. أما الوقت الضائع فينبغي أن لا نربطه بالجانب الفردي ولا المادي لأن تعدد التخصصات يفيد من ناحية أخرى، فالمدير الذي لا يقوم بالأعمال السيكرتارية كالكتابة على الحاسوب والطباعة ومراقبة حركة سير البريد الالكتروني (ماعدا البريد الشخصي طبعا) يوفر فرص إضافية في سوق الشغل للمتخرجين من سلك التكوين المهني حيث يتعلم الطالب اللغات إلى جانب أصول وأبجديات الإدارة وإستخدام الآلات الإدارية، وعندها يستثمر المدير وقته في تعلم ما يفيد تطوير إدارة الأعمال والمهمات الإدارية التي يرتبط بها وما أكثرها ولن يضيع الوقت في تعلم شيء آخر هو من مهمات السكريتير أو المترجم الفوري أو المسوق إلى آخره.

لذا المجتمع الإسلامي المتحضر غير ممكن بدون تعليم إلزامي حيث يتعلم التلميذ والطالب الأساسيات المرتبطة بممارسة شعائره الدينية، والإندماج في المجتمع حيث يتعلم قوانين السير والواجبات العامة وإستعمال الأدوات التي أصبحت شبه ضرورية مثل الكهرباء والهاتف والحاسوب والإسعافات الأوَّلية، إلى جانب التكوين العام (لغة، حساب، جغرافيا، تربية بدنية ..)، وعندما يصل إلى المرحلة الثانوية يتجه نحو شعبة من الشعب تقنية، فنية، رياضة بدنية، أدبية إنسانية، مهنية خدماتية أو علمية تطويرية. وفي المرحلة الجامعية يتخصص ولا يمكن أن يفيد في مجاله إلا إذا تخصص واستمر فيه، وهذه الاستمرارية شبه مستحيلة إن لم يوفر المجتمع مثل سوق الشغل ومراكز الأبحاث البيئة والأرضية أو الحافز. ولأننا نعيش عصر التخصصات لا يمكن أن يجمع بين تخصصات متنوعة، وبالتالي الإمكانية متاحة من خلال الجمع بين التخصص والإهتمام فيختص في مجال يفيده ويفيد المجتمع بأسره، إلى جانب الإهتمام بحقول أخرى.

المهم إخراج زكاة العلم، وكلكم راع في الحقيقة، بمعنى أن على المعدين والمدرسين والدعاة والإعلاميين أن يخلقوا هذا الشعور والإحساس بالمسؤولية. التعاون والتناسق من شروط تحطيم العوائق. كم واحد في الدول المتخلفة أمه لا تعرف كتابة ولا قراءة الأرقام، مثلا؟ ماذا يفعل وهو يحفظ شعارات مرتبطة بالعلم وفضائله عن ظهر قلب. نحن نتحدث من داخل واقع يعيش أزمات متنوعة، والدليل أرقام الأمية المرتفعة قياسا بدول لا تتدين أصلا بدين يعلم العلم نور والجهل عار، طلب العلم فريضة، وغيرها من فضائل العلم .. والله المستعان.
 
عودة
أعلى