لماذا لا نتأسى بالقراء السبعة فقد كانوا يقتصرون على قراءة واحدة فقط

إنضم
15/04/2018
المشاركات
322
مستوى التفاعل
13
النقاط
18
الإقامة
السعودية
بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا لا نتأسى بالقراء السبعة فقد كانوا يقتصرون على قراءة واحدة فقط​
الحمد لله والصلاة السلام على نبينا محمد وآله وأصحابه.
أما بعد:
فكلنا نعلم جيداً أن القراء السبعة وتلاميذهم رحمة الله عليهم كانوا لا يقرؤون ولا يقرئون بقراءات متعددة لا سبعاً ولا عشراً ولا غير ذلك إنما كان الواحد منهم يقرأ بقراءة واحدة يلزمها ويعرف بها وتشتهر عنه.
وها نحن نقول: قراءة نافع وقراءة عاصم وقراءة ابن كثير...
وقراءة قالون وقراءة حفص وقراءة البزي...
إذاً هي قراءة واحدة.

ولم تكن هذه طريقة القراء السبعة وتلاميذهم فحسب بل إن الالتزام بقراءة واحدة هي الطريقة التي كان عليها جميع الناس في عهد الصحابة والتابعين والقرون الثلاثة المفضلة.
ولا يعلم أن أحداً منهم في تلك الأزمنة جمع القراءات ليحفظها ويقرأ بها كلها.
فأهل المدينة الآخذين بقراءة نافع, وأهل مكة الآخذين بقراءة ابن كثير, وأهل الشام الآخذين بقراءة ابن عامر وهكذا.

وكان بعض القراء العشرة المشهورين وغيرهم من القراء في ذلك الزمن يتلقون القرآن من عدد من القراء, فيجمعون اختلافاً كبيراً بينهم, ثم يختار القارئ لنفسه من بين القراءات قراءة واحدة يلتزمها ويعرف بها وتنسب إليه.
وما كان الواحد منهم يرحل إلى غيره ليأخذ مجموعة قراءات ليقرأ بها جميعاً.

قال الإمام حمزة رحمه الله: كان الرجل بالكوفة إذا أراد أن يتعلم القرآن اختلف إلى المسجد يشاورهم ويسترشدهم حتى إذا اجتمع رأيهم على رجل قلده، وقرأ عليه.
وهذا الإمام نافع رحمه الله يقول: "قرأت على سبعين من التابعين فما اجتمع عليه اثنان أخذته, وما شك به واحد تركته, حتى ألفت هذه القراءة.

وقرأ الكسائي على حمزة وغيره فاختار من قراءة غيره نحواً من ثلاثمائة حرف.
وكذا أبو عمرو قرأ على ابن كثير وخالفه في نحو ثلاثة آلاف حرف اختارها من قراءة غيره.
وخالف ورش قالون في أكثر من ثلاثة آلاف حرف.
وخالف خلف حمزة بمائة وعشرين حرفاً.
وقال نافع: تركت من قراءة أبي جعفر سبعين حرفاً.

هؤلاء قراء الأمة الإسلامية الذين نفخر بهم ونجلهم ونقتدي بهم, لا ترى أحداً منهم يقرأ بثلاث قراءات أو خمس أو سبع أو عشر!

نعم بدأ جمع القراءات كتابة في القرن الثالث لكن ليس ذلك لتحفظ كلها ويقرأ بها جميعاً, وإنما لتعلم ويختار منها, بدليل أن بعض من جمع القراءات من الأئمة جمع عشرات ومئات من الروايات فهل أراد أن تحفظ كلها؟ كلا.

فالذين جمعوا القراءات كأبي عبيد وابن مجاهد وغيرهما لم يكن قصدهم قراءتها جميعاً, بل كان مرادهم إثباتها ومعرفة الفرق بين كل قراءة وأخرى, ونسبة كل قراءة إلى من قرأ بها, حتى لا تتداخل القراءات وليختار كل ما يشاء من تلك القراءات.
فإسماعيل بن إسحاق الأزدي صنف كتاباً في القراءات وجمع فيه قراءة عشرين إماماً.
وأبو عبيد كتب كتاباً في القراءات وجمع فيه خمسة وعشرين قارئاً.
والهذلي ألف كتابه "الكامل" وجمع فيه خمسين قراءة عن الأئمة.
فهل كانوا يريدون أن يحفظ القارئ عشرين أو خمسين قراءة فيقرأ بها.

إن التوجه للقراءة بقراءات متعددة لم يعرف إلا في القرن الرابع الهجري, ثم كثر واشتهر في القرن الخامس فما بعده.
فحين ألف أبو بكر ابن مجاهد كتابه "السبعة" في أول القرن الرابع الهجري واقتصر فيه على سبعة قراء فقط استحوذ على كثير من الناس بعد ذلك الوقت أن قراءات هؤلاء القراء السبعة هي الأحرف السبعة الواردة في الحديث, ثم بدأ التوجه لحفظها والقراءة بها جميعاً.

ولو استعرضت أكبر كتاب في تراجم القراء وهو "غاية النهاية" لابن الجزري رحمه الله - وقد ذكر فيه ما يقرب من أربعة آلاف ترجمة للقراء- فإنك لا تجده يذكر عن عامة قراء القرن الأول والثاني والثالث إلا أنهم كانوا يقرؤون أو يقرئون فحسب, أو يروون القراءة رواية أو يروون الحروف أو نحو ذلك.

إذاً لا يمكن أن ترى في عهد القرون الأولى أثراً لذكر القراءة بالقراءات والأحرف جميعاً, لا في عهد الصحابة رضي الله عنهم ولا من بعدهم, والذين اختلفوا في زمن عثمان كما في خبر حذيفة إنما كانوا يختلفون كل يقرأ بقراءة مختلفة عن الآخر, فلم يوجد من بينهم من يقرأ بجميع القراءات, ولو كان كذلك ما حصل الاختلاف.
وحين بلغ عثمان رضي الله عنه اختلافهم لم يرسل لهم من يخبرهم بفضل جمع تلك القراءات المختلفات وحفظها وقراءاتها جميعاً, بل حصل ما هو معروف من إلغاء كثير منها, والإبقاء على الأصل وهو ما أنزله جبريل بحرف قريش.

وطريقة هؤلاء السلف الكرام تتسق تماماً مع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن.
فإن من المؤكد جداً أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم كلمة واحدة يرغب فيها بحفظ تلك الأحرف والاختلافات أو كتابتها أو القراءة بها جميعاً, فغاية ما أخبر به النبي أن القرآن أنزل على تلك الأحرف تهويناً وتسهيلاً على الأمة, ولو كان جمع القراءات وحفظها والقراءة بها مجتمعة مراداً للنبي لأمر بجمع الأحرف وتعلمها وحفظها وكتابتها ومعرفة تفاصيلها.
ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم البتة أنه أمر أحداً من أصحابه رضي الله عنهم أن يجلس لتعليم تلك الأحرف وجمعها والاهتمام بها وإتقانها, بل أمر أن يقرأ كل حسب ما يسهل عليه.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه) فقال: اقرؤوا ما تيسر منه, أي: كل يقرأ ما يناسبه وما يسهل عليه.

بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بهم كل يوم ثلاث صلوات جهرية ولم ينقل نص واحد يفيد أنه قرأ بهم يوماً بقراءة غير حرف قريش

ويا ترى ما السبب في كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أو يرغب في جمع الأحرف والقراءات والاختلافات؟
السبب واضح جداً وهو أن الحكمة من نزول القرآن على اختلافات وأحرف متعدده إنما هي التهوين والتسهيل على الأمة, فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم هون على أمتي...)
فما دام أن الغاية هي التهوين والتسهيل فلا معنى لجمع القراءات والاختلافات والقراءة بها جميعاً, وإنما الحكمة ليقرأ كل مسلم ما يتيسر له وما يناسبه من تلك الأحرف واللهجات.

وهذا ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم.
فحين يختلفون في القراءة لا يفكر أحدهم أن يأخذ ما عند الآخر من الاختلاف.
كما في القصة المشهورة حين اختلف عمر بن الخطاب مع صاحبه هشام بن حكيم في القراءة وصحح النبي صلى الله عليه وسلم قراءتهما.
وكذلك في قصة أبي بن كعب مع صاحبيه وغير ذلك.
لم يرد أن عمر أو أبي أو هشام أو غيرهم اهتم بالأحرف التي عند صاحبه وحاول أن يتعلمها.
إنهم لم يفهم من هذه الأحرف والاختلافات والقراءات إلا أنها رخصة فحسب.
ولم يرد أن هؤلاء الصحابة كانوا يتتبعون ويجمعون تلك القراءات المختلفة ويدونونها ويحاولون حفظها جميعاً والقراءة بها, ولم يفهم أحد من الصحابة رضي الله عنهم من إنزال القرآن على سبعة أحرف أن جمع هذه الأحرف مراد أو مرغب فيه.
وكيف يكون حفظها والقراءة بها كلها أمراً مطلوباً في شرع الله ثم لا يعبؤون بها ولا يجمعونها ولا يكتبونها ولا يتعلمونها, لماذا يزهدون جميعاً في ذلك؟!

بل إن عمر رضي الله عنه حين عَلِم أن عبد الله بن مسعود يقرئ بغير حرف قريش قال له: أقرئ الناس بلغة قريش, ولا تقرئهم بلغة هذيل.
فلم يشجع عمر ابن مسعود على نشر الأحرف وتعليمها وحفظها, وإنما نهاه بأمر صريح لا تردد فيه.
فنهي عمر لابن مسعود أن يقرئ بهذه القراءة من الأدلة الواضحة على أن الصحابة لم يفهموا من إنزال القرآن على أحرف أن تجمع تلك الأحرف ويقرأ بها جميعاً وتعلم للناس جميعاً, وإنما فهموا أنها رخصة للحاجة إليها فقط.

ولهذا حين أضحت القراءات المختلفة سبباً للشقاق أمر عثمان رضي الله عنه بتوحيد القراءة على حرف واحد, وأمر بسواه من الأحرف أن يحرق, وكان ذلك بإجماع الصحابة, ولم يعترض أحد منهم على عثمان, فإنه لا يدور بخلدهم أنه يطلب من المسلم أن يجمع كل تلك الأحرف ويقرأ بها.

ومن أراد أدلة وبراهين أخرى وقرائن وتوضيحات وإحصائيات ونظرة تاريخية ونقول عن الأئمة والقراء فليقرأ هذا البحث الذي قد تناول الموضوع من كافة جوانبه.
http://midad.com/book/194038/10-أدلة-على-أفضلية-الاقتصار-على-قراءة-واحدة
ومن ذلك الإجابة الشافية على بعض النقول الموهمة التي قد يستدل بها على أن القراء يقرؤون بقراءات متعددة.

مثل قول الإمام عاصم لحفص: "أقرأتك بما أقرأني عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه, وأقرأت أبا بكر بما أقرأني زر بن حبيش عن ابن مسعود رضي الله عنه.
فالجواب عنه أنه لو كان الأفضل أخذ أكثر من قراءة لأقرأ كل واحد منهما القراءتين جميعاً, فإقراء كل واحد منهما قراءة فقط هو من الأدلة على أن هذا هو الأفضل.
وأما عاصم رحمه الله فإنه حين قرأ على زر بن حبيش ووجد أن في قراءته اختلافاً عن قراءة أبي عبد الرحمن السلمي أقرأ حفصاً إحداهما وأبا بكر الأخرى لتبقى كل منهما وتعلم وتنقل, ولو كان جمع القراءات مراداً لأقرأ كل واحد منهما القراءتين كلتيهما كما ذكرت.

وبقية الإجابات على ما قد يستدل به موجود في البحث.
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا أخي وفتح علينا وعليك
أما الغاية فهي حفظ هذه الاحرف ولا ترفع كما رفع غيرها فهنالك روايات كثيرة في يومنا صحيحة لا يُقْرَأ بها لانقطاع سندها -كما زعموا- كرواية قتيبة عن الكسائي ورواية عبيد عن بن كثير ورواية الأصمعي عن نافع وعن أبي عمرو ورواية عبد الحميد بن بكار عن أيوب عن الذماري عن بن عامر ورواية هارون العتكي عن عاصم وعن بن كثير وعن بن عامر ورواية أبي عمرو عن عاصم وعن بن كثير ورواية حمزة عن عاصم ورواية الكسائي عن شعبة عن عاصم وعن اختياره وغيرها الكثير -تبلغ أكثر من العشرة آلف طريق ورواية وقراءة واختيار-
وأما من ناحية الدين فهي زيادة البركة والخير ورأيي التفقه وتعلم الحديث أولى من تعلم القراءات فرواية واحد تكفي كما اشرت بارك الله فيك ومن اراد الاختصاص به والحفاظ عليه فهو من أشرف العلوم وأجلها فله ذلك وبارك الله فيه فلا شيء أحب الي من الدفاع عن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم
دمتم سالمين
 
بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا لا نتأسى بالقراء السبعة فقد كانوا يقتصرون على قراءة واحدة فقط​
الحمد لله والصلاة السلام على نبينا محمد وآله وأصحابه.
أما بعد:
فكلنا نعلم جيداً أن القراء السبعة وتلاميذهم رحمة الله عليهم كانوا لا يقرؤون ولا يقرئون بقراءات متعددة لا سبعاً ولا عشراً ولا غير ذلك إنما كان الواحد منهم يقرأ بقراءة واحدة يلزمها ويعرف بها وتشتهر عنه.
وها نحن نقول: قراءة نافع وقراءة عاصم وقراءة ابن كثير...
وقراءة قالون وقراءة حفص وقراءة البزي...
إذاً هي قراءة واحدة.

ولم تكن هذه طريقة القراء السبعة وتلاميذهم فحسب بل إن الالتزام بقراءة واحدة هي الطريقة التي كان عليها جميع الناس في عهد الصحابة والتابعين والقرون الثلاثة المفضلة.
ولا يعلم أن أحداً منهم في تلك الأزمنة جمع القراءات ليحفظها ويقرأ بها كلها.
فأهل المدينة الآخذين بقراءة نافع, وأهل مكة الآخذين بقراءة ابن كثير, وأهل الشام الآخذين بقراءة ابن عامر وهكذا.

وكان بعض القراء العشرة المشهورين وغيرهم من القراء في ذلك الزمن يتلقون القرآن من عدد من القراء, فيجمعون اختلافاً كبيراً بينهم, ثم يختار القارئ لنفسه من بين القراءات قراءة واحدة يلتزمها ويعرف بها وتنسب إليه.
وما كان الواحد منهم يرحل إلى غيره ليأخذ مجموعة قراءات ليقرأ بها جميعاً.

قال الإمام حمزة رحمه الله: كان الرجل بالكوفة إذا أراد أن يتعلم القرآن اختلف إلى المسجد يشاورهم ويسترشدهم حتى إذا اجتمع رأيهم على رجل قلده، وقرأ عليه.
وهذا الإمام نافع رحمه الله يقول: "قرأت على سبعين من التابعين فما اجتمع عليه اثنان أخذته, وما شك به واحد تركته, حتى ألفت هذه القراءة.

وقرأ الكسائي على حمزة وغيره فاختار من قراءة غيره نحواً من ثلاثمائة حرف.
وكذا أبو عمرو قرأ على ابن كثير وخالفه في نحو ثلاثة آلاف حرف اختارها من قراءة غيره.
وخالف ورش قالون في أكثر من ثلاثة آلاف حرف.
وخالف خلف حمزة بمائة وعشرين حرفاً.
وقال نافع: تركت من قراءة أبي جعفر سبعين حرفاً.

هؤلاء قراء الأمة الإسلامية الذين نفخر بهم ونجلهم ونقتدي بهم, لا ترى أحداً منهم يقرأ بثلاث قراءات أو خمس أو سبع أو عشر!

نعم بدأ جمع القراءات كتابة في القرن الثالث لكن ليس ذلك لتحفظ كلها ويقرأ بها جميعاً, وإنما لتعلم ويختار منها, بدليل أن بعض من جمع القراءات من الأئمة جمع عشرات ومئات من الروايات فهل أراد أن تحفظ كلها؟ كلا.

فالذين جمعوا القراءات كأبي عبيد وابن مجاهد وغيرهما لم يكن قصدهم قراءتها جميعاً, بل كان مرادهم إثباتها ومعرفة الفرق بين كل قراءة وأخرى, ونسبة كل قراءة إلى من قرأ بها, حتى لا تتداخل القراءات وليختار كل ما يشاء من تلك القراءات.
فإسماعيل بن إسحاق الأزدي صنف كتاباً في القراءات وجمع فيه قراءة عشرين إماماً.
وأبو عبيد كتب كتاباً في القراءات وجمع فيه خمسة وعشرين قارئاً.
والهذلي ألف كتابه "الكامل" وجمع فيه خمسين قراءة عن الأئمة.
فهل كانوا يريدون أن يحفظ القارئ عشرين أو خمسين قراءة فيقرأ بها.

إن التوجه للقراءة بقراءات متعددة لم يعرف إلا في القرن الرابع الهجري, ثم كثر واشتهر في القرن الخامس فما بعده.
فحين ألف أبو بكر ابن مجاهد كتابه "السبعة" في أول القرن الرابع الهجري واقتصر فيه على سبعة قراء فقط استحوذ على كثير من الناس بعد ذلك الوقت أن قراءات هؤلاء القراء السبعة هي الأحرف السبعة الواردة في الحديث, ثم بدأ التوجه لحفظها والقراءة بها جميعاً.

ولو استعرضت أكبر كتاب في تراجم القراء وهو "غاية النهاية" لابن الجزري رحمه الله - وقد ذكر فيه ما يقرب من أربعة آلاف ترجمة للقراء- فإنك لا تجده يذكر عن عامة قراء القرن الأول والثاني والثالث إلا أنهم كانوا يقرؤون أو يقرئون فحسب, أو يروون القراءة رواية أو يروون الحروف أو نحو ذلك.

إذاً لا يمكن أن ترى في عهد القرون الأولى أثراً لذكر القراءة بالقراءات والأحرف جميعاً, لا في عهد الصحابة رضي الله عنهم ولا من بعدهم, والذين اختلفوا في زمن عثمان كما في خبر حذيفة إنما كانوا يختلفون كل يقرأ بقراءة مختلفة عن الآخر, فلم يوجد من بينهم من يقرأ بجميع القراءات, ولو كان كذلك ما حصل الاختلاف.
وحين بلغ عثمان رضي الله عنه اختلافهم لم يرسل لهم من يخبرهم بفضل جمع تلك القراءات المختلفات وحفظها وقراءاتها جميعاً, بل حصل ما هو معروف من إلغاء كثير منها, والإبقاء على الأصل وهو ما أنزله جبريل بحرف قريش.

وطريقة هؤلاء السلف الكرام تتسق تماماً مع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن.
فإن من المؤكد جداً أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم كلمة واحدة يرغب فيها بحفظ تلك الأحرف والاختلافات أو كتابتها أو القراءة بها جميعاً, فغاية ما أخبر به النبي أن القرآن أنزل على تلك الأحرف تهويناً وتسهيلاً على الأمة, ولو كان جمع القراءات وحفظها والقراءة بها مجتمعة مراداً للنبي لأمر بجمع الأحرف وتعلمها وحفظها وكتابتها ومعرفة تفاصيلها.
ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم البتة أنه أمر أحداً من أصحابه رضي الله عنهم أن يجلس لتعليم تلك الأحرف وجمعها والاهتمام بها وإتقانها, بل أمر أن يقرأ كل حسب ما يسهل عليه.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه) فقال: اقرؤوا ما تيسر منه, أي: كل يقرأ ما يناسبه وما يسهل عليه.

بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بهم كل يوم ثلاث صلوات جهرية ولم ينقل نص واحد يفيد أنه قرأ بهم يوماً بقراءة غير حرف قريش

ويا ترى ما السبب في كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أو يرغب في جمع الأحرف والقراءات والاختلافات؟
السبب واضح جداً وهو أن الحكمة من نزول القرآن على اختلافات وأحرف متعدده إنما هي التهوين والتسهيل على الأمة, فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم هون على أمتي...)
فما دام أن الغاية هي التهوين والتسهيل فلا معنى لجمع القراءات والاختلافات والقراءة بها جميعاً, وإنما الحكمة ليقرأ كل مسلم ما يتيسر له وما يناسبه من تلك الأحرف واللهجات.

وهذا ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم.
فحين يختلفون في القراءة لا يفكر أحدهم أن يأخذ ما عند الآخر من الاختلاف.
كما في القصة المشهورة حين اختلف عمر بن الخطاب مع صاحبه هشام بن حكيم في القراءة وصحح النبي صلى الله عليه وسلم قراءتهما.
وكذلك في قصة أبي بن كعب مع صاحبيه وغير ذلك.
لم يرد أن عمر أو أبي أو هشام أو غيرهم اهتم بالأحرف التي عند صاحبه وحاول أن يتعلمها.
إنهم لم يفهم من هذه الأحرف والاختلافات والقراءات إلا أنها رخصة فحسب.
ولم يرد أن هؤلاء الصحابة كانوا يتتبعون ويجمعون تلك القراءات المختلفة ويدونونها ويحاولون حفظها جميعاً والقراءة بها, ولم يفهم أحد من الصحابة رضي الله عنهم من إنزال القرآن على سبعة أحرف أن جمع هذه الأحرف مراد أو مرغب فيه.
وكيف يكون حفظها والقراءة بها كلها أمراً مطلوباً في شرع الله ثم لا يعبؤون بها ولا يجمعونها ولا يكتبونها ولا يتعلمونها, لماذا يزهدون جميعاً في ذلك؟!

بل إن عمر رضي الله عنه حين عَلِم أن عبد الله بن مسعود يقرئ بغير حرف قريش قال له: أقرئ الناس بلغة قريش, ولا تقرئهم بلغة هذيل.
فلم يشجع عمر ابن مسعود على نشر الأحرف وتعليمها وحفظها, وإنما نهاه بأمر صريح لا تردد فيه.
فنهي عمر لابن مسعود أن يقرئ بهذه القراءة من الأدلة الواضحة على أن الصحابة لم يفهموا من إنزال القرآن على أحرف أن تجمع تلك الأحرف ويقرأ بها جميعاً وتعلم للناس جميعاً, وإنما فهموا أنها رخصة للحاجة إليها فقط.

ولهذا حين أضحت القراءات المختلفة سبباً للشقاق أمر عثمان رضي الله عنه بتوحيد القراءة على حرف واحد, وأمر بسواه من الأحرف أن يحرق, وكان ذلك بإجماع الصحابة, ولم يعترض أحد منهم على عثمان, فإنه لا يدور بخلدهم أنه يطلب من المسلم أن يجمع كل تلك الأحرف ويقرأ بها.

ومن أراد أدلة وبراهين أخرى وقرائن وتوضيحات وإحصائيات ونظرة تاريخية ونقول عن الأئمة والقراء فليقرأ هذا البحث الذي قد تناول الموضوع من كافة جوانبه.
10 أدلة على أفضلية الاقتصار على قراءة واحدة
ومن ذلك الإجابة الشافية على بعض النقول الموهمة التي قد يستدل بها على أن القراء يقرؤون بقراءات متعددة.

مثل قول الإمام عاصم لحفص: "أقرأتك بما أقرأني عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه, وأقرأت أبا بكر بما أقرأني زر بن حبيش عن ابن مسعود رضي الله عنه.
فالجواب عنه أنه لو كان الأفضل أخذ أكثر من قراءة لأقرأ كل واحد منهما القراءتين جميعاً, فإقراء كل واحد منهما قراءة فقط هو من الأدلة على أن هذا هو الأفضل.
وأما عاصم رحمه الله فإنه حين قرأ على زر بن حبيش ووجد أن في قراءته اختلافاً عن قراءة أبي عبد الرحمن السلمي أقرأ حفصاً إحداهما وأبا بكر الأخرى لتبقى كل منهما وتعلم وتنقل, ولو كان جمع القراءات مراداً لأقرأ كل واحد منهما القراءتين كلتيهما كما ذكرت.

وبقية الإجابات على ما قد يستدل به موجود في البحث.
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


أظنُّ مختصرَ القَوْلِ في موضوع جمعِ القراءاتِ هو ما ذكرتَه في بحثك أخي الكريم:

"وقد ذكر ابن تيمية أن جمع القراءات لأجل الحفظ والدرس هو من الاجتهاد الذي
فعله طوائف في القراءة، وأما الصحابة والتابعون فلم يكونوا يَجْمَعُون".

و"ما رآه المسلمونَ حَسنًا فَهُو عِنْد الله حَسنٌ".

واللهُ أعلى وأعلم.
 
عودة
أعلى