لماذا كان الأدب الإسلامي أرفع طبقة في البلاغة من الأدب الجاهلي ؟

إنضم
01/05/2010
المشاركات
172
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الطائف / حي السداد
يذكر أهل المعرفة بالأدب أن شعر العرب ونثرهم في صدر الإسلام أرفع طبقة في البلاغة من منثور أهل الجاهلية ونظمهم ؛ فشعر حسان بن ثابت وعمر بن أبي ربيعة والحطيئة وجرير والفرزدق ونصيب وذي الرمة والأحوص وغيرهم أعلى طبقة في البلاغة من شعر النابغة وعنترة وعمرو بن كلثوم وزهير وعلقمة وطرفة وأضرابهم !! والسببب في ذلك أن الذين أدركوا الإسلام سمعوا الطبقة العالية من الكلام قرآنا وسنة فنهضت طباعهم وارتقت ملكاتهم في البلاغة على ملكات من قبلهم من أهل الجاهلية فكان كلامهم نظما ونثرا أحسن ديباجة , وأصفى رونقا وأرصف معنى من كلام أهل الجاهلية ! يقول ابن خلدون : سألت يوما أبالقاسم قاضي قرطبة وكان مستبحرا في اللغة فقلت : مابال العرب الإسلاميين أعلى طبقة في البلاغة من الجاهليين ؟! فسكت طويلا ثم قال : والله ما أدري ! فقلت أعرض لك شيئا ظهر لي في ذلك ولعله السبب . وذكرت له أن الذين أدركوا الإسلام سمعوا الطبقة العالية من الكلام في القرآن والحديث ونشأت على أساليبها نفوسهم فارتقت ملكاتهم على ملكات أهل الجاهلية ! فسكت معجبا ثم قال : هذا كلام من حقه أن يكتب بماء الذهب وكان من بعدها يؤثر محلي ويصيخ لقولي ويشهد لي بالنباهة في العلوم . مقدمة ابن خلدون ص 580 .
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله تعالى ، والصلاة والسلام على نبينا محمد .
أما بعد :
قال أبو منصور الثعالبي النيسابوري [ 350هـ - 429 هـ ] :
" قال الجاحظ : فلا ينبغي أن يكون ما قال حسان إلا حقا، وكيف يقول باطلا ،والنبي صلى الله عليه وسلم يأمره وجبريل يسدده والصديق يعلمه ،والله يوفقه .
وقال غيره من ظريف أمر حسان أنه كان يقول الشعر في الجاهلية فيجيد جدا ، ويغبر في وجوه الفحول ، ويدعي أن له شيطانا يقول الشعر على لسانه ، كعبارة الشعراء في ذلك فلما أدرك الإسلام وتبدل الشيطان بالملك تراجع شعره وكاد يرك قوله، هذا ليعلم أن الشيطان أصلح للشاعر وأليق به وأذهب في طريقه من الركاكة.
وأنا أستغفر الله من هذا القول فإني أكرهه" أهــ
ينظر: كتاب ثمار القلوب في المضاف والمنسوب، للنيسابوري ، صـ 175.
والذي أشا إليه الجاحظ بقوله السابق نتاج اطلاع على النصوص الشرعية ، فقد ورد في صحيح مسلم :
عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اهْجُوا قُرَيْشًا فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ فَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ رَوَاحَةَ فَقَالَ اهْجُهُمْ فَهَجَاهُمْ فَلَمْ يُرْضِ فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ حَسَّانُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الْأَسَدِ الضَّارِبِ بِذَنَبِهِ ثُمَّ أَدْلَعَ لِسَانَهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ فَقَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَفْرِيَنَّهُمْ بِلِسَانِي فَرْيَ الْأَدِيمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَعْجَلْ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ قُرَيْشٍ بِأَنْسَابِهَا وَإِنَّ لِي فِيهِمْ نَسَبًا حَتَّى يُلَخِّصَ لَكَ نَسَبِي فَأَتَاهُ حَسَّانُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ لَخَّصَ لِي نَسَبَكَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنْ الْعَجِينِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِحَسَّانَ إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لَا يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحْتَ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَقَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى قَالَ حَسَّانُ هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ
وَعِنْدَ اللَّهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا حَنِيفًا
رَسُولَ اللَّهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي
لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ ... " أهـ
وقول الجاحظ :
" فلا ينبغي أن يكون ما قال حسان إلا حقا "
يدل على أنه رأى أن شعره في غاية البلاغة كما يبد لي ، فكيف تصل المعلومة بحقيقتها وبوضوح إن لم يكن المتحدث ذا بلاغة وبيان ، والله أعلم وأحكم.
 
وقال غيره من ظريف أمر حسان أنه كان يقول الشعر في الجاهلية فيجيد جدا ، ويغبر في وجوه الفحول ، ويدعي أن له شيطانا يقول الشعر على لسانه ، كعبارة الشعراء في ذلك فلما أدرك الإسلام وتبدل الشيطان بالملك تراجع شعره وكاد يرك قوله،
الأخت الكريمة أم عبدالله هذا ماأردت رده ونقضه بهذه المشاركة فإنه يشيع كثيرا بين الأدباء أن الإسلام أدى إلى تراجع الأدب العربي نظما ونثرا !! ولاأدري كيف يصدق عاقل هذه الفرية والملكة الأدبية إنما تقوى بجودة المحفوظ ولاكلام أبلغ من كلام الله ورسوله ؟! ثم كيف يعقل أن يتراجع شعر حسان بعد الإسلام وروح القدس يؤيده ؟ وكيف يعقل ذلك وشعره أشد على المشركين من وقع النبل ؟ وهل يكون التأثر إلامن الكلام البليغ ؟
 
وقال غيره من ظريف أمر حسان أنه كان يقول الشعر في الجاهلية فيجيد جدا ، ويغبر في وجوه الفحول ، ويدعي أن له شيطانا يقول الشعر على لسانه ، كعبارة الشعراء في ذلك فلما أدرك الإسلام وتبدل الشيطان بالملك تراجع شعره وكاد يرك قوله،
الأخت الكريمة أم عبدالله هذا ماأردت رده ونقضه بهذه المشاركة فإنه يشيع كثيرا بين الأدباء أن الإسلام أدى إلى تراجع الأدب العربي نظما ونثرا !! ولاأدري كيف يصدق عاقل هذه الفرية والملكة الأدبية إنما تقوى بجودة المحفوظ ولاكلام أبلغ من كلام الله ورسوله ؟! ثم كيف يعقل أن يتراجع شعر حسان بعد الإسلام وروح القدس يؤيده ؟ وكيف يعقل ذلك وشعره أشد على المشركين من وقع النبل ؟ وهل يكون التأثر إلامن الكلام البليغ ؟
أخي الفاضل لقد مررت قبلا على هذا التوجه الذي ذكرت ، وودت أني قرأت النص الذي نقلته من المقدمة ، وقد استفدت منه أن العقل كلما اقترب إلى الحقيقة ولم يقع في التناقض كانت بلاغة صاحبه أفضل وأقوى ، وهذا لا يختلف عليه أصحاب العقول السليمة في كل ملة ،وأي دين غير الإسلام أجاب عن الأسئلة ونفى التناقض و كان على الفطره في هذا الزمان .
أليس الشعر حكمة .
فأي شعر بلا حكمة لا يكون بليغا ، والحكمة تتقبلها العقول السليمة .
وكلما كان الشاعر أقرب للدين كان شعره عذبا سلسبيل ، فما يتوقع أن يكون شعر الصحابه رضي الله عنهم ، بالتأكيد أفضل عن شعر من قبلهم ومن بعدهم ، والله أعلم وأحكم .
 
حياكم الله يا أبا عبدالله وتقبل الله منكم وكل عام وأنتم وجميع الإخوة بخير وعافية .
لقد أثرتَ قضية لي بها نوعٌ من الاهتمام، وفي الموضوع نقول كثيرة عن الأصمعي وغيره تُخالِفُ ما تفضلتم به من تفضيل شعر حسان بعد إسلامه من الناحية الفنية على ما قبل إسلامه. ولكن دعنا يا أبا عبدالله من كلام ابن خلدون وصاحبه فقد نختلف حولها، ولكن تعال إلى شعر الشعراء الذين فضلتهم ووازنه بشعر الشعراء الذين ذكرتهم من شعراء الجاهلية ثم ضع كلامهم على ميزان النقد المنصف وتأمل . أما أنا شخصياً فقد فعلتُ ذلك من قبل فلم أجد مجالاً للموازنة بين شعر امرئ القيس وزهير والنابغة وطرفة وعلقمة والأعشى وكبار شعراء الجاهلية مع شعراء صدر الإسلام ومن بعدهم . لتفوق شعراء الجاهلية من حيث البلاغة والجزالة والعمق في التصوير والتشبيه وغير ذلك ، وقد أدرك هذا عن اقتدار أبو عمرو بن العلاء وهو أوثق رواة شعر العرب الذي بأيدينا رحمه الله فكان لا يروي للإسلاميين زهداً في شعرهم وتمسكاً بشعر الجاهلية لا عن عصبية وإنما عن معرفة .
وألتمس منك يا أبا عبدالله - وأنت أستاذنا الذي نتعلم منه دوماً - أن تؤيد مقولتك التي أنشأت الموضوع من أجلها بأدلةٍ تدفعني لتغيير قناعتي ، وتضع يدي على مواطن تفضيل شعراء صدر الإسلام على شعراء الجاهلية ، فدواوينهم قد بليت من كثرة تقليبي لها ولم أظفر بهذه الأدلة ، علماً أن تفضيل شعراء الإسلام أحب إليَّ حيث إنهم أقرب لي من شعراء الجاهلية ولكنه النظر العلمي الأدبي المُجرَّد .
وفقك الله وجعلك مباركاً أينما كنت .
 
بسم الله الرحمن الرحيم
لابد أن لا يصادر الرأي الآخر في المسألة فعلا من دون أن تطرح أدلته ويرد عليه بلا تحيز ، ولكل رأي أدلته .
وأرى بهذه المناسبة أن أطرح بعض التساؤلات ، حتى يبدأ الأساتذة بالمناقشة إن تيسر لهم ذلك وقرروه :
1- عندي كتاب قيم لطالما رجعت إليه في كل مراحلي الدراسية ، ودائما والحمد لله تعالى أجد فيه ما أريد ، والكتاب بالفعل قيم ، وهو تاريخ الأدب العربي ، للزيات ، وكما تعودت فتحته ، فوجدت الكاتب يقول :
" والأشبه بالحق أن نقرر ما أشرنا إليه من قبل ، وهو أن الشعر العربي ظل في الجاهلية والإسلام واحدا في مظهره وجوهره ونوعه حتى أواخر عهد بني أمية "
وقال قبل ذلك :
" فإن شعرهم استمرار للمذهب الجاهلي لم يتأثر بالإسلام إلا تأثرا عرضيا كضعف الأسلوب في شعر حسان .." صـ 104.
وأنا أتساءل ، لما لم يرى ضعف الأسلوب إلا في شعر حسان رضي الله عنه ، أيرجع السبب إلى أن الأصمعي قال ذلك ؟

2- وقد نسب للأصمعي القول بضعف شعر حسان بعد دخوله للإسلام رضي الله عنه ، واستدل بقوله :
" الشعر نكد بابه الشر ، فإذا دخل في الخير ضعف "
ورد عليه من بعض الباحثين أن الشعر الجاهلي فيه جوانب خيرة دعي فيها إلى مكارم الأخلاق .
وبالمنا سبة أتساءل أين الدراسة التي تثبت أن شعر حسان ضعف ، فلا يكفي قول الأصمعي ، كما يعلم أهل البحث والتدقيق ، فأين برهانه ؟
وإذا أثبت أن شعر حسان ضعف وإن كنت لا أظن ذلك ، أيحكم على كل الفترة بشعر حسان ؟

3- أشار بعض الباحثين إلى أن الشعر في الإسلامي تأثر بالقرآن الكريم والسنة النبوية من حيث الأسلوب ، فقد ظهرت الوحدة الموضوعية ، والأساليب القرآنية كالمثال والقصة ، وغير ذلك ، وكانت العفة سيدة الموقف في الشعر في أغلبه تأثرا بالأخلاق الإسلامية ، وترك حوشي القول ، واختيرت أعذب الألفاظ ، أيعتبر هذا تراجعا للشعر العربي في تلك الفترة ؟ .
 
الحمد لله وحده..

جزى الله الدكتور عيسى على هذه الفائدة..

وأقول :

بل لم يكن هذا أصلاً لنبحث له عن علة ..

ولعل الفاضل الدكتور عيسى توسع في هذه الدعوى :

يذكر أهل المعرفة بالأدب أن شعر العرب ونثرهم في صدر الإسلام أرفع طبقة في البلاغة من منثور أهل الجاهلية ونظمهم


فإن الطبقات العليا من نقاد الشعر لم يؤثر عنهم هذا الكلام،ومجرد النقل عن ابن خلدون عن قاضي قرطبة لا يقوي هذه الدعوى بل ربما زادها وهاء أن لم يجد مدعيها سوى هذا النقل عن ذاك القاضي..

وشعراء الإسلام من أدرك الجاهلية منهم ومن لم يدرك فيهم فحول مبرزون ولكن ليس فيهم من له واحدة كواحدة طرفة أو لامية أو رائية تعدل مطولتي ذي القروح ،وأثر القرآن في شعرهم إنما يثبت بالإحصاء والقراءة الدقيقة وليس بمجرد الدعوى،والصحابة منهم قل شعرهم جداً لازورارهم عن الشعر واستغناءهم بالقرآن = فأنى يجمع الناقد من شعرهم ما يصحح به هذه الدعوى وهي نفس العلة التي تمنعنا من تفضيل نثر الإسلاميين الذي تسعفنا كثرته على نثر الجاهليين الذي لم يصلنا منه إلا أوراق..

أما أثر القرآن في شعر فارسي الأمويين الفرزدق وجرير = فيجزم بندرته،بل كانا يتقيلان طرائق الجاهليين يرفعان بها شعرهما ..

ولم يكن أثر القرآن في البيان وطرائقه وإنما الأثر الملموس هو في حدوث موضوعات عالجها أولئك الشعراء ،أما البيان وطرائقه فأصول الجميع واحدة ويتفاضل الجميع بحسن الإبانة وصدقها والحكم العام هو بتفضيل الجاهليين لكثرة ما قالوا وطوله وتوافر عيونه قصائدهم الدالة على براعتهم وأنهم هم أرسوا أصول طرق البيان التي تبعها عليهم الإسلاميون،وكلام الله أحسن من الجميع بياناً وأصدق قيلاً،وحسن الإبانة عن المراد مع صدق الخبر عنه هما ركنا بلاغة الكلام..
 
عندما قرأت كلام أبا فهر جزاه الله خيرا ، رأيت أن الخلاف لفظي كما يبدو لي ، وإن كان أبا فهر ممن استفدت منهم كثيرا .
أذكر أني تمنيت أن أحصل على كتاب يجمع فيه صاحبه الشعر الأندلسي الذي تأثر بقصص القرآن الكريم فقط .
وهو : القصص القرآني في الشعر الأندلسي / دار رسلان .
وهذا يدل على تأثر الشعراء بمواضيع القرآن الكريم ، وهذا ما يهمنا ، أليست البلاغة تتعلق بسمو الموضوع ورفعته .
أما الأساليب فقد درست في رسالة علمية أكد صاحبها تأثر شعراء الإسلام بأساليب القرآن .
وهي : رسالة الدكتوراة الموسومة بـ ((الشعر الإسلامي في عصر صدر الإسلام ـ دراسة فكرية فنية ـ ))

ويحضر في ذاكرتي الآن المتنبي وشعره ، أليس شعره في غاية الروعة ، ويظهر تأثره بالوحي من لغبه وقصته المعروفة .

أسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه .

فالله أعلم وأحكم.

 
للفائدة : هذا تقييم لبعض شعر حسان رضي الله عنه قبل إسلامه :
قال القاضي أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي (تـ 447هـ)
"وبالإسناد عن عبد الرحمن بن حسان ، عن أبيه حسان بن ثابت أنه قال:
قلت بيتا في الجاهلية ، فخشيت أن أموت قبل أن أصبح ، فصعدت فوق أطيمة لي ثم صحت بالأوس ، فاجتمعوا فقالوا :هل طرقك أمر؟
فقلت : لا ، ولكني قلت بيتا فخشيت أن أموت قبل أن اسمعكموه .
فقالوا : وما دعوتنا إلا لهذا؟
قلت : نعم .
قالوا : فهاته . فأنشأ يقول:

رُب حِلمٍ أضاعَه عَدَم الما *** ل وجهلٍ غطّى عليه النعيمُ

قال: فاستحسن الكل ذلك ، ثم ابتدأت بها ، فقلت أبياتا .

وخرجت إلى الموسم ، وكان النابغة الذبياني تضرب له قبة من أدم في سوق عكاظ ، فيأتيه الشعراء ، وينشدون أشعارهم فأنشد حسان :

لنا الجفَنَاتُ الغر يلمعن في الضحى *** وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
ولدنا بني العنقاء وابني محرق *** فأكرِم بنا خالا وأكرم بنا ابن ما

قال النابغة : أنت شاعر ، ولكنك قلت جفانك وسيوفك ، ولم تكثرها ، وافتخرت بمن ولدت ، ولم تفخر بمن ولدك ، فعاب عليه موضعين من هذين البيتين، وهو عيب صحيح .
ومعنى قوله : " قللت جفانك " أن جفنات جمع القليل وجمع الكثير جفان ، والفخر بالكرم ينبغي أن يكون بالكثير لا بالقليل.
· لطائف الأخبار وتذكرة أولي الأبصار ،ص: 335 .
 
عودة
أعلى