لماذا كانت مكة مهبط الوحى دون غيرها من البلدان ؟

إنضم
02/03/2009
المشاركات
2
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت فى احد الكتب المتخصصة فى دراسة الشبهات التى دارت حول القرآن تحت عنوان مكان الإعجاز : ( للمكان علاقة تحسب لإنزال المعجزة فنزوله فى مكة يباين نزوله لو كان فى أى بقعة اخرى من البسيطة لذلك كان الأمر فى مكة مختلفا عنه فى المدينة فى نظم القرآن واسلوبه ) فهل ممكن ان تساعدونى فى فهم هذا الموضوع بارك الله فيكم ؟
 
السلام عليكم،
هذه محاولة سريعة لتجلية بعض حِكَم مكان النزول أخذتها عن شيخي:
أولاً: يقول سبحانه وتعالى:" وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذن لارتاب المبطلون". فأميّة الرسول عليه السلام تدفع الريبة، لأنه ليس باستطاعة الأمي أن يأتي بفتوح في عالم الفكر والتشريع... ولم يشذ عن هذه القاعدة أحد عبر العصور إلى يومنا هذا. وما يقال في الشخص يقال في المكان؛ فلم يسبق أن قامت حضارة في مكة أو في محيطها تسمح للمتشكك أن يطرح تفسيراً لظهور الرسالة الإسلامية في مكة. فلا يوجد على هذه الأرض ذات الصخور السوداء الجرداء العقيم ما يسمح بالميلاد.
ثانياً: ينقل سيد قطب رحمه الله في تفسيره خبر انعقاد مؤتمر استشراقي ماركسي وذلك في بداية الخمسينات من القرن الماضي، ناقش نشأت الإسلام فخلص إلى النتيجة الآتية:((يستحيل أن يكون محمد رجل واحد ويستحيل أن يكون في الجزيرة العربية)) وبما أننا نعلم على وجه اليقين أنه رجل واحد وأنه عاش ومات عليه السلام في الجزيرة العربية فإن ذلك يثبت أن الإسلام رباني المصدر. ولكن المستشرقين الماركسيين لم يكن بإمكانهم في حينه الاعتراف بذلك.
ثالثاً: أكرم الحوراني الذي أنشأ في بداية الخمسينات من القرن الماضي الحزب الإشتراكي العربي ثم توحد مع حزب البعث العربي فأصبحا حزب البعث العربي الإشتراكي. هذا الرجل أمضى حياته ملحداً، ولكنه قبل وفاته بدأ يتغيّر، وأعلن في مقال له أن هناك أموراً غيّرته، منها رحلة بالطائرة إلى المملكة السعودية حيث كان يتأمل الأرض من تحته فأدهشته الصحراء الهائلة التي تفصل مكة عن الحواضر شمالها، فبدأ يتسائل عن نشأة الإسلام ومعجزة خروج الصحابة فاتحين....
رابعاً: من يتأمل بناء الكعبة يلاحظ أنها في غاية البساطة من الناحية المعمارية. والمعهود أن حضارات الأمم تنعكس في بناء معابدها. فبناء الكعبة إذن يشهد ببساطة المجتمع على مستوى التحضر.
خامسا: هذه البساطه وهذا البعد والانعزال عن الحضارات القديمة يشهد بربانية المصدر ويمنع من التأتيرات السلبية التي تعكر صفاء ونقاء التبليغ، وتحفظ من عوامل التحريف.
سادساً: هناك ما يقارب 2400 سنة بين إسماعيل ومحمد عليهما السلام. وهذا يعني أن مكة كانت مكان الاجتماع لآلاف السنين، مما ساعد على وجود لهجة (لسان) مشتركة تجمع العرب ألا وهي لهجة (لسان) قريش. يضاف إلى هذا ما استقر في ضمير العرب من القبول بقيادة قريش الدينية. ومن هنا نجد:"إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا...". وهذا ما ساعد الخليفة الأول على إنهاء حركة التمرد المسماة حرب المرتدّين.
سابعاً: توجد مكة في مكان بعيد عن المطامع ويصعب اجتياز الصحراء للسيطرة عليها وهذا يعني أن عاصمة المسلمين الدينية معصومة جغرافياً. وعندما جاء أبرهة الأشرم بدافع ديني كانت العصمة بمعجزة ربانيّة المصدر. فهناك إذن حفظ لقبلة المسلمين وللجغرافيا دور في ذلك.
هذه أخي أفكار سريعة، فالقضيّة المطروحة يطول فيها الحديث.
 
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ

وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ

يقول بن القيم رحمه الله تعالى في مقدمة زاد المعاد:

فَصْلٌ [ الِاخْتِيَارُ دَالّ عَلَى رُبُوبِيّتِهِ سُبْحَانَهُ ]

وَإِذَا تَأَمّلْت أَحْوَالَ هَذَا الْخَلْقِ رَأَيْتَ هَذَا الِاخْتِيَارَ وَالتّخْصِيصَ فِيهِ دَالّا عَلَى رُبُوبِيّتِهِ تَعَالَى وَوَحْدَانِيّتِهِ وَكَمَالِ حِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَأَنّهُ اللّهُ الّذِي لَا إلَهَ إلّا هو فَلَا شَرِيكَ لَهُ يَخْلُقُ كَخَلْقِهِ وَيَخْتَارُ كَاخْتِيَارِهِ وَيُدَبّرُ كَتَدْبِيرِهِ فَهَذَا الِاخْتِيَارُ وَالتّدْبِيرُ وَالتّخْصِيصُ الْمَشْهُودُ أَثَرُهُ فِي هَذَا الْعَالَمِ مِنْ أَعْظَمِ آيَاتِ رُبُوبِيّتِهِ وَأَكْبَرِ شَوَاهِدِ وَحْدَانِيّتِهِ وَصِفَاتِ كَمَالِهِ وَصِدْقِ رُسُلِهِ فَنُشِيرُ مِنْهُ إلَى يَسِيرٍ يَكُونُ مُنَبّهًا عَلَى مَا وَرَاءَهُ دَالّا عَلَى مَا سِوَاهُ .

فَخَلَقَ اللّهُ السّمَوَاتِ سَبْعًا فَاخْتَارَ الْعُلْيَا مِنْهَا فَجَعَلَهَا مُسْتَقَرّ الْمُقَرّبِينَ مِنْ مَلَائِكَتِهِ وَاخْتَصّهَا بِالْقُرْبِ مِنْ كُرْسِيّهِ وَمِنْ عَرْشِهِ وَأَسْكَنَهَا مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ فَلَهَا مَزِيّةٌ وَفَضْلٌ عَلَى سَائِرِ السّمَوَاتِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلّا قُرْبُهَا مِنْهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى . وَهَذَا التّفْضِيلُ وَالتّخْصِيصُ مَعَ تَسَاوِي مَادّةِ السّمَوَاتِ مِنْ أَبْيَنِ الْأَدِلّةِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَأَنّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ .

وَمِنْ هَذَا تَفْضِيلُهُ سُبْحَانَهُ جَنّةَ الْفِرْدَوْسِ عَلَى سَائِرِ الْجِنَانِ وَتَخْصِيصُهَا بِأَنْ جَعَلَ عَرْشَهُ سَقْفَهَا وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ " إنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ غَرَسَهَا بِيَدِهِ وَاخْتَارَهَا لِخِيرَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ " .
وَمِنْ هَذَا اخْتِيَارُهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ الْمُصْطَفَيْنَ مِنْهُمْ عَلَى سَائِرِهِمْ كَجِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَكَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ اللّهُمّ رَبّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقّ بِإِذْنِك إنّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فَذَكَرَ هَؤُلَاءِ الثّلَاثَةِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ لِكَمَالِ اخْتِصَاصِهِمْ وَاصْطِفَائِهِمْ وَقُرْبِهِمْ مِنْ اللّهِ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ غَيْرِهِمْ فِي السّمَوَاتِ فَلَمْ يُسَمّ إلّا هَؤُلَاءِ الثّلَاثَةِ . فَجِبْرِيلُ صَاحِبُ الْوَحْيِ الّذِي بِهِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحُ وَمِيكَائِيلُ صَاحِبُ الْقَطْرِ الّذِي بِهِ حَيَاةُ الْأَرْضِ وَالْحَيَوَانِ وَالنّبَاتِ وَإِسْرَافِيلُ صَاحِبُ الصّورِ الّذِي إذَا نَفَخَ فِيهِ أَحْيَتْ نَفْخَتُهُ بِإِذْنِ اللّهِ الْأَمْوَاتَ وَأَخْرَجَتْهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ .

[ بَيَانُ الِاخْتِيَارِ مِنْ الْبَشَرِ ]
وَكَذَلِكَ اخْتِيَارُهُ سُبْحَانَهُ لِلْأَنْبِيَاءِ مِنْ وَلَدِ آدَمَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ الصّلَاةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرّ الّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبّانَ فِي " صَحِيحِهِ " وَاخْتِيَارُهُ أُولِي الْعَزْمِ مِنْهُمْ وَهُمْ خَمْسَةٌ الْمَذْكُورُونَ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ والشّورَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النّبِيّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ } [ الْأَحْزَابُ 7 ]
وَقَالَ تَعَالَى: { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدّينِ مَا وَصّى بِهِ نُوحًا وَالّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدّينَ وَلَا تَتَفَرّقُوا فِيهِ } [ الشّورَى : 13 ]
وَاخْتَارَ مِنْهُمْ الْخَلِيلَيْنِ إبْرَاهِيمَ وَمُحَمّدًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِمَا وَآلِهِمَا وَسَلّمَ . وَمِنْ هَذَا اخْتِيَارُهُ سُبْحَانَهُ وَلَدَ إسْمَاعِيلَ مِنْ أَجْنَاسِ بَنِي آدَمَ ثُمّ اخْتَارَ مِنْهُمْ بَنِي كِنَانَةَ مِنْ خُزَيْمَةَ ثُمّ اخْتَارَ مِنْ وَلَدِ كِنَانَةَ قُرَيْشًا ثُمّ اخْتَارَ مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ ثُمّ اخْتَارَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ سَيّدَ وَلَدِ آدَمَ مُحَمّدًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .

وَكَذَلِكَ اخْتَارَ أَصْحَابُهُ مِنْ جُمْلَةِ الْعَالَمِينَ وَاخْتَارَ مِنْهُمْ السّابِقِينَ الْأَوّلِينَ وَاخْتَارَ مِنْهُمْ أَهْلَ بَدْرٍ وَأَهْلَ بَيْعَةِ الرّضْوَانِ وَاخْتَارَ لَهُمْ مِنْ الدّينِ أَكْمَلَهُ وَمِنْ الشّرَائِعِ أَفْضَلَهَا وَمِنْ الْأَخْلَاقِ أَزْكَاهَا وَأَطْيَبَهَا وَأَطْهَرَهَا . وَاخْتَارَ أُمّتَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ كَمَا فِي " مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ " وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْتُمْ مُوفُونَ سَبْعِينَ أُمّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللّهِ قَالَ عَلِيّ بْنُ الْمَدِينِيّ وَأَحْمَدُ حَدِيثُ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ صَحِيحٌ .

وَظَهَرَ أَثَرُ هَذَا الِاخْتِيَارِ فِي أَعْمَالِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ وَتَوْحِيدِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ فِي الْجَنّةِ وَمَقَامَاتِهِمْ فِي الْمَوْقِفِ فَإِنّهُمْ أَعْلَى مِنْ النّاسِ عَلَى تَلّ فَوْقَهُمْ يُشْرِفُونَ عَلَيْهِمْ وَفِي التّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ الْأَسْلَمِيّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَهْلُ الْجَنّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفّ ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الْأُمّةِ وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ قَالَ التّرْمِذِيّ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَاَلّذِي فِي " الصّحِيحِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حَدِيثِ بَعْثِ النّارِ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنّي لَأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنّةِ يُقَالَ هَذَا أَصَحّ وَإِمّا أَنْ يُقَالَ إنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ طَمِعَ أَنْ تَكُونَ أُمّتُهُ شَطْرَ أَهْلِ الْجَنّةِ فَأَعْلَمَهُ رَبّهُ فَقَالَ إنّهُمْ ثَمَانُونَ صَفّا مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ صَفّا فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَاَللّهُ أَعْلَمُ .

وَمِنْ تَفْضِيلِ اللّهِ لِأُمّتِهِ وَاخْتِيَارِهِ لَهَا أَنّهُ وَهَبَهَا مِنْ الْعِلْمِ وَالْحِلْمِ مَا لَمْ يَهَبْهُ لِأُمّةِ سِوَاهَا وَفِي " مُسْنَدِ الْبَزّارِ " وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيث ِ أَبِي الدّرْدَاءِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ إنّ اللّهَ تَعَالَى قَالَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ : إنّي بَاعِثٌ مِنْ بَعْدِكَ أُمّةً إنْ أَصَابَهُمْ مَا يُحِبّونَ حَمِدُوا وَشَكَرُوا وَإِنْ أَصَابَهُمْ مَا يَكْرَهُونَ احْتَسَبُوا وَصَبَرُوا وَلَا حِلْمَ وَلَا عِلْمَ قَالَ يَا رَبّ كَيْفَ هَذَا وَلَا حِلْمَ وَلَا عِلْمَ ؟ قَالَ أُعْطِيهِمْ مِنْ حِلْمِي وَعِلْمِي.

[ اخْتِيَارُ الْبَلَدِ الْحَرَامِ وَبَيَانُ خَصَائِصِهِ ]

وَمِنْ هَذَا اخْتِيَارُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ الْأَمَاكِنِ وَالْبِلَادِ خَيْرَهَا وَأَشْرَفَهَا وَهِيَ الْبَلَدُ الْحَرَامُ فَإِنّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اخْتَارَهُ لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَعَلَهُ مَنَاسِكَ لِعِبَادِهِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ الْإِتْيَانَ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ مِنْ كُلّ فَجّ عَمِيقٍ فَلَا يَدْخُلُونَهُ إلّا مُتَوَاضِعِينَ مُتَخَشّعِينَ مُتَذَلّلِينَ كَاشِفِي رُءُوسِهِمْ مُتَجَرّدِينَ عَنْ لِبَاسِ أَهْلِ الدّنْيَا.

وَجَعَلَهُ حَرَمًا آمِنًا لَا يُسْفَكُ فِيهِ دَمٌ وَلَا تُعْضَدُ بِهِ شَجَرَةٌ خَلَاهُ وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهُ لِلتّمْلِيكِ بَلْ لِلتّعْرِيفِ لَيْسَ إلّا وَجَعَلَ قَصْدَهُ مُكَفّرًا لِمَا سَلَفَ مِنْ الذّنُوبِ مَاحِيًا لِلْأَوْزَارِ حَاطّا لِلْخَطَايَا كَمَا فِي " الصّحِيحَيْنِ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ أَتَى هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمّهُ وَلَمْ يَرْضَ لِقَاصِدِهِ مِنْ الثّوَابِ دُونَ الْجَنّةِ فَفِي " السّنَنِ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذّهَبِ وَالْفِضّةِ وَلَيْسَ لِلْحَجّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ دُونَ الْجَنّةِ وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلّا الْجَنّةَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْبَلَدُ الْأَمِينُ خَيْرَ بِلَادِهِ وَأَحَبّهَا إلَيْهِ وَمُخْتَارَهُ مِنْ الْبِلَادِ لَمَا جَعَلَ عَرَصَاتِهَا مَنَاسِكَ لِعِبَادِهِ فَرَضَ عَلَيْهِمْ قَصْدَهَا وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ آكَدِ فُرُوضِ الْإِسْلَامِ وَأَقْسَمَ بِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْهُ فَقَالَ تَعَالَى : { وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ } [ التّينُ 3 ] وَقَالَ تَعَالَى : { لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ } [ الْبَلَدُ 1 ]

وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بُقْعَةٌ يَجِبُ عَلَى كُلّ قَادِرٍ السّعْيُ إلَيْهَا وَالطّوَافُ بِالْبَيْتِ الّذِي فِيهَا غَيْرَهَا وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَوْضِعٌ يُشْرَعُ تَقْبِيلُهُ وَاسْتِلَامُهُ وَتُحَطّ الْخَطَايَا وَالْأَوْزَارُ فِيهِ غَيْرَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالرّكْنِ الْيَمَانِيّ . وَثَبَتَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ الصّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فَفِي " سُنَنِ النّسَائِيّ " و " الْمُسْنَدِ " بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي هَذَا بِمِائَةِ صَلَاةٍ وَرَوَاهُ ابْنُ حِبّانَ فِي " صَحِيحِهِ " وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَفْضَلُ بِقَاعِ الْأَرْضِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلِذَلِكَ كَانَ شَدّ الرّحَالِ إلَيْهِ فَرْضًا وَلِغَيْرِهِ مِمّا يُسْتَحَبّ وَلَا يَجِبُ وَفِي " الْمُسْنَدِ " وَالتّرْمِذِيّ وَالنّسَائِيّ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَدِيّ بْنِ الْحَمْرَاءِ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالْحَزْوَرَةِ مِنْ مَكّةَ يَقُولُ وَاَللّهِ إنّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللّهِ وَأَحَبّ أَرْضِ اللّهِ إلَى اللّهِ وَلَوْلَا أَنّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْت قَالَ التّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ." انتهى كلامه

ولا يمنع كلامه رحمه الله من تلمس أوجه اعجاز في هذا الاختيار.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
 
أفادتنى كتاباتكم كثيرا جزاكم الله خيرا ، وارجو الا يفهم من كلامى الإعتراض والعياذ بالله ، فقط انا ادرس مادة شبهات حول القرآن هذا العام وهذه النقطة بالذات لا اجد الرد عليها فى الكتاب كافيا ولكن كتاباتكم اوضحت الكثير فجزاكم الله خيرا .
 
لماذا كانت مكة مهبط الوحي دون غيرها من البلدان؟

لماذا كانت مكة مهبط الوحي دون غيرها من البلدان؟

لماذا كانت مكة مهبط الوحي دون غيرها من البلدان؟
"للمكان علاقة تحسب لإنزال المعجزة فنزوله في مكة يباين نزوله لو كان في أي بقعة أخرى من البسيطة لذلك كان الأمر في مكة مختلفا عنه في المدينة في نظم القرآن وأسلوبه"


سأجيب على هذا السؤال من خلال نصوص القرآن ، ولعلنا نرى وجه الإعجاز من وجهة مختلفة.

أولاً: اختلاف نظم القرآن وأسلوبه في العهد المدني عن العهد المكي -إذا افترضنا دقة العبارة- ليس راجعاً إلى اختلاف المكان وإنما والله أعلم راجع إلى اختلاف المواضيع وكذلك اختلاف المناخ الفكري بين العهدين المكي والمدني.

ثانياً: مكة كانت مهبط الوحي دون غيرها لأنه اختيار الله والأمر الذي سبق به قدره ، والعجيب هو في كيفية نفوذ هذا القدر.

لقد اختار الله الخليل إبراهيم عليه السلام ليحمل شرف راية التوحيد في الأرض ، وابتلاه الله تعالى بعدد من الابتلاءات ونجح فيه بمرتبة الشرف حتى بلغ منزلة أن يكون خليلا للرحمن .

ومن هذه الابتلاءات أمر الله تعالى له أن يضع فلذة كبده إسماعيل مع أمه في وادي مكة الذي انعدمت فيه يومئذ أسباب الحياة فاستجاب لأمر ربه وكانت منه تلك الدعوات الخالدات التي سجلها القرآن:

(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)) سورة إبراهيم

واستجاب الله لدعائه فأمره ببناء البيت والأذان في الناس بالحج:

(وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)) سورة الحج

واستجاب الخليل لأمر ربه ورفع القواعد من البيت وفي أثناء ذلك توجه بدعوات خالدات أخرى:

(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)) سورة البقرة

واستجاب الله لدعوات خليله وجعل البلد آمنا ورزق أولاد إسماعيل:

(وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) سورة القصص (57)
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ) سورة العنكبوت(67)

واستجاب الله لدعوات خليله وبعث محمداً صلى الله عليه وسلم في أبناء إسماعيل رحمة للعالمين.

واستجاب الله فجعل أفئدة من الناس تهوي إلى البلد الحرام ، فهاهم المؤمنون يتوافدون على هذا البلد من كل فج عميق ، يأتون بأفئدة متلهفة إلى بلد لم يسبق أن وطئته أقدامهم من قبل ، وإلى بيت لم تكن أعينهم اكتحلت برؤيته يوما من الأيام ، لا تربطهم بأهله صلة قربى ولا مصلحة دنيوية ، مختلفي الألوان والألسنة والعادات ........

فما الذي جاء بهم إلى هذا المكان؟
 
قرأت جوابا لهذا السؤال في بعض المنتديان
والجواب كالتالي
مكة هي مركز الارض "
ومكة هو المكان الوحيد فوق الارض الذي يوجد مقابلا للبيت المعمور
لهذا خص بالوحي
قال تعالى :قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها
قد راى صلى الله عليه وسلم ان الاستجابة تأتي من البيت المعمور الذى هو في واجهة الحجر الاسعد والدعاء يصعد من أي مكان فيكون البعد لهذا طلب صلى الله عليه وسلم تغيير القبلةالي المسجد الحرام حتى يكون التقارب بين الدعاء والاستجابة" والله اعلم
 
عودة
أعلى