الأخ الفاضل عبد الله
هذه الآيات وترتيبها من الأمور التي أشكلت علي كثيرا ، وقد طرحت موضوعا في الملتقى حول تسلسل الأحداث الواردة في بني إسرائيل في سورة البقرة ، ولكن مع الأسف لم أجد تجاوبا كافيا من أساتذتنا الفضلاء.
على أي حال:
الآية ليس فيها ما يدل على أنهم دخلوا القرية.
بل تدل على خلاف ذلك ، فهم قيل لهم في الآية ثلاثة أمور: قيل لهم ادخلوا هذه القرية، وقيل لهم اخلوا الباب سجدا ، وقيل لهم " قولوا حطة".
فهل التبديل راجع إلى الأمور الثلاثة؟ أو إلى الأمرين الأخيرين ؟
هذا أمر.
الأمر الثاني: أنهم عوقبوا وأنزل الله على الذين ظلموا عذابا من السماء ، وهذا لا أعلم أو لم أقف على كلام لأهل العلم يحدد كيف كان ومتى.
الأمر الثالث: أن الثابت في دخول بني إسرائيل الأرض المقدسة كان على يد يوشع بن نون عليه السلام بعد موت موسى عليه السلام بزمن طويل ، وكان فتحا وجهادا.
الأمر الرابع: أن آية سورة الأعراف تدل على الأمر الذي ذكرت وهو أن الأمر بدخول القرية بعد الاستسقاء ، ولم ينسب الأمر إلى موسى وهو ربما يشير إلى أن القائل شخص آخر:
(وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160) وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162)) سورة الأعراف
الأمر الخامس: أن المؤكد أن موسى عليه السلام قد أمرهم بالدخول إلى الأرض المقدسة كما هو في سورة المائدة وقد رجح بن كثير أنها بيت المقدس وهذا كلامه:
"
وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين ( 58 ) فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ( 59 ) )
يقول تعالى لائما لهم على نكولهم عن الجهاد ودخول الأرض المقدسة ، لما قدموا من بلاد مصر صحبة موسى ، عليه السلام ، فأمروا بدخول الأرض المقدسة التي هي ميراث لهم عن أبيهم إسرائيل ، وقتال من فيها من العماليق الكفرة ، فنكلوا عن قتالهم وضعفوا واستحسروا ، فرماهم الله في التيه عقوبة لهم ، كما ذكره تعالى في سورة المائدة ؛ ولهذا كان أصح القولين أن هذه البلدة هي بيت المقدس ، كما نص على ذلك السدي ، والربيع بن أنس ، وقتادة ، [ وأبو مسلم الأصفهاني وغير واحد وقد قال الله تعالى : ( يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ) الآيات ] . [ المائدة : 21 - 24 ] "
وعليه فلماذا لا يكون تبدليهم للقول الذي أمروا به ، هو ما حكاه الله عنهم في سورة المائدة : "إن فيها قوما جبارين..." و " إنا لن ندخلها ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا...."
ويكون الرجز الذي لحق بهم هو بسب هذا.؟
ولكن يشكل على هذا ما رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة:
"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
قال الله لبني إسرائيل : ( وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم ) فبدلوا ، ودخلوا الباب يزحفون على استاههم ، فقالوا : حبة في شعرة ."
وعليه إذا ثبت أن هذه الحادثة مختلفة عن حادثة أمر موسى عليه السلام لهم بدخول الأرض المقدسة ، يكون كلامك صحيحا ، وتكون الأحداث في سورة البقرة غير مرتبة ، ويحتاج سؤالك إلى إجابة.
والله أعلم.