ناصر عبد الغفور
Member
بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا قدم ذكر الإنس على الجن في آية الإسراء والعكس في آية الذاريات؟
بتتبع آيات القرآن الكريم التي ورد فيها ذكر الجن والإنس نجد بعضها يقدم فيه ذكر الجن على الإنس وبعضها يقدم ذكر الإنس.
لكن تساؤلي هنا ليس عن كل تلك الآيات وإنما عن آتين فقط: آية الإسراء وآية الذاريات: يقول الله تعالى في سورة الإسراء:" قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)" ويقول جل في علاه في سورة الذاريات:" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)".
فلماذا قدم الله سبحانه في الآية الأولى ذكر الإنس وفي الآية الثانية ذكر الجن؟
وقد ظهر لي بعض الأجوبة، فإن كانت صواباً فمن الله التوفيق، وإن كانت خطأ فمني، وأستغفر الله .
1- أن الواو حرف لمجرد العطف ولا تفيد أي ترتيب.
2- قدم ذكر الإنس على الجن في سورة الإسراء لأن المقام مقام تحدي، فالآية فيها تحدي لمن زعم أنه قادر على محاكاة القرآن الكريم. ومعلوم أن كفار قريش هم أول من زعم هذا الزعم وافتروا هذه الفرية وجاءوا بهذا البهتان كما حكى ذلك عنهم العزيز المنان في قوله تعالى:" وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ"- الأنفال:31-.
فناسب تقديم الإنس وعطف الجن عليهم إمعانا في التحدي وإظهارا لعجزهم وضعفهم... فلو أنكم يا معشر الإنس من أولكم إلى آخركم وظاهركم الجن من أولهم إلى آخرهم للإتيان بمثل هذا القرآن ومحاكاته لن تستطيعوا لذلك سبيلا ولن تعودا إلى بالخزي والندامة والذلة والمهانة.
3- المخاطب الأول بالقرآن الكريم هم الإنس، فهم مخاطبون قبل الجن، ولعل هذا الأمر في غاية الوضوح، فالنبي صلى الله عليه وسلم أول من خاطب بالقرآن صنف البشر، وأما الجن فشاء الله تعالى أن يحضروا للاستماع إليه ولولا إخبار الله إياه بذلك لما علمه-صلى الله عليه وسلم- كما قال تعالى:" قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا"-الجن:1-، قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيرها:"وما كان عليه السلام عالما به قبل أن أوحى إليه. هكذا قال ابن عباس وغيره."-الجامع لأحكام القرآن:1/19-.
وقال تعالى:" وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ"-الأحقاف:29-. فلما كان الإنس مخاطبون بالقرآن قبل الجن ناسب البدء بهم في آية التحدي من سورة الإسراء.-والله أعلم-.
أما آية الذاريات (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فقد قدم ذكر الجن على الإنس لأمور:
1- أن الآية تتحدث عن الغاية من خلق الجن والإنس، ومعلوم تقدم خلق الجن على الإنس فناسب البدء بهم. وقد ذكر الله تعالى تقدم خلق الجن في أكثر من موضع من القرآن الكريم، من ذلك قوله تعالى:" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27)"-الحجر-.
2 – (إلا ليعبدون) هذه الغاية من خلق الثقلين، وبشيء من التأمل يمكن القول بإن الجن –عموما- حققوا العبادة قبل الإنس، فناسب البدأ بهم. ومن الأدلة على ما ذكرت، أن أبا الجن ورئيسهم وهو إبليس كان مع الملائكة يعبد الله تعالى، لكنه نكص على عقبيه وخالف الأمر الرباني بالسجود لآدم عليه السلام فأقصي وطرد ولعن وأبعد. قال حاتم الأصم:" ولا تغتر بكثرة العبادة فإن إبليس بعد طول العبادة لقي ما لقي"-مدارج السالكين:514/1-. ومما يمكن اعتباره دليلا –كذلك- أن إبليس أمر بالسجود، ومعلوم أن امتثال الأمر عبادة، فقوله تعالى(إلا ليعبدون) يتضمن امتثال أمره سبحانه، وقد خوطب بالأمر أبو الجن قبل مخاطبة أبي البشر به، فناسب البدأ بالجن.
هذا، والله تعالى أعلم وأحكم ونسبة العلم إليه سبحانه أسلم.
لماذا قدم ذكر الإنس على الجن في آية الإسراء والعكس في آية الذاريات؟
بتتبع آيات القرآن الكريم التي ورد فيها ذكر الجن والإنس نجد بعضها يقدم فيه ذكر الجن على الإنس وبعضها يقدم ذكر الإنس.
لكن تساؤلي هنا ليس عن كل تلك الآيات وإنما عن آتين فقط: آية الإسراء وآية الذاريات: يقول الله تعالى في سورة الإسراء:" قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)" ويقول جل في علاه في سورة الذاريات:" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)".
فلماذا قدم الله سبحانه في الآية الأولى ذكر الإنس وفي الآية الثانية ذكر الجن؟
وقد ظهر لي بعض الأجوبة، فإن كانت صواباً فمن الله التوفيق، وإن كانت خطأ فمني، وأستغفر الله .
1- أن الواو حرف لمجرد العطف ولا تفيد أي ترتيب.
2- قدم ذكر الإنس على الجن في سورة الإسراء لأن المقام مقام تحدي، فالآية فيها تحدي لمن زعم أنه قادر على محاكاة القرآن الكريم. ومعلوم أن كفار قريش هم أول من زعم هذا الزعم وافتروا هذه الفرية وجاءوا بهذا البهتان كما حكى ذلك عنهم العزيز المنان في قوله تعالى:" وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ"- الأنفال:31-.
فناسب تقديم الإنس وعطف الجن عليهم إمعانا في التحدي وإظهارا لعجزهم وضعفهم... فلو أنكم يا معشر الإنس من أولكم إلى آخركم وظاهركم الجن من أولهم إلى آخرهم للإتيان بمثل هذا القرآن ومحاكاته لن تستطيعوا لذلك سبيلا ولن تعودا إلى بالخزي والندامة والذلة والمهانة.
3- المخاطب الأول بالقرآن الكريم هم الإنس، فهم مخاطبون قبل الجن، ولعل هذا الأمر في غاية الوضوح، فالنبي صلى الله عليه وسلم أول من خاطب بالقرآن صنف البشر، وأما الجن فشاء الله تعالى أن يحضروا للاستماع إليه ولولا إخبار الله إياه بذلك لما علمه-صلى الله عليه وسلم- كما قال تعالى:" قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا"-الجن:1-، قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيرها:"وما كان عليه السلام عالما به قبل أن أوحى إليه. هكذا قال ابن عباس وغيره."-الجامع لأحكام القرآن:1/19-.
وقال تعالى:" وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ"-الأحقاف:29-. فلما كان الإنس مخاطبون بالقرآن قبل الجن ناسب البدء بهم في آية التحدي من سورة الإسراء.-والله أعلم-.
أما آية الذاريات (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فقد قدم ذكر الجن على الإنس لأمور:
1- أن الآية تتحدث عن الغاية من خلق الجن والإنس، ومعلوم تقدم خلق الجن على الإنس فناسب البدء بهم. وقد ذكر الله تعالى تقدم خلق الجن في أكثر من موضع من القرآن الكريم، من ذلك قوله تعالى:" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27)"-الحجر-.
2 – (إلا ليعبدون) هذه الغاية من خلق الثقلين، وبشيء من التأمل يمكن القول بإن الجن –عموما- حققوا العبادة قبل الإنس، فناسب البدأ بهم. ومن الأدلة على ما ذكرت، أن أبا الجن ورئيسهم وهو إبليس كان مع الملائكة يعبد الله تعالى، لكنه نكص على عقبيه وخالف الأمر الرباني بالسجود لآدم عليه السلام فأقصي وطرد ولعن وأبعد. قال حاتم الأصم:" ولا تغتر بكثرة العبادة فإن إبليس بعد طول العبادة لقي ما لقي"-مدارج السالكين:514/1-. ومما يمكن اعتباره دليلا –كذلك- أن إبليس أمر بالسجود، ومعلوم أن امتثال الأمر عبادة، فقوله تعالى(إلا ليعبدون) يتضمن امتثال أمره سبحانه، وقد خوطب بالأمر أبو الجن قبل مخاطبة أبي البشر به، فناسب البدأ بالجن.
هذا، والله تعالى أعلم وأحكم ونسبة العلم إليه سبحانه أسلم.