هل في هذا دليل على إفساد الجن في الأرض قبل خلق آدم وأن الملائكة استصحبت هذا الإفساد وبنت عليه كلامها
القول بأن الجن سكنوا الأرض قبل الإنس هو قول مشهور في كتب التفسير
وهذا يعني أن أول من قاس هم الملائكة وأما إبليس هو أول من قابل النص بالقياس هذا أولا
ثانيا: أود ذكر رأي لا أعلمه عن أحد وهو أن الملائكة لم تستعمل القياس الأصولي والمكون من (أصل وفرع وعلة وحكم) وإنما استعملت القياس المنطقي والمكون من(مقدمة كبرى ومقدمة صغرى ونتيجة) يوضحه:
المقدمة الكبرى هي:
الخلق إما مطيع أو عاصي
المقدمة الصغرى هي:
نحن مطيعون لك (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك)
النتيجة هي:
غيرنا سيعصيك.(أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)
ثالثا:لمَ قال(إصلاحها) ولم يقل (صلاحها)
قال ابن عاشور في تفسيره:
والبعدية في قوله: {بَعْدَ إِصْلاحِهَا} بعدية حقيقية،
لأن الأرض خلقت من أول أمرها على صلاح قال الله تعالى: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} [فصلت: 10] على نظام صالح بما تحتوي عليه، وبخاصة الإنسان الذي هو أشرف المخلوقات التي جعلها الله على الأرض، وخلق له ما في الأرض، وعزز ذلك النظام بقوانين وضعها الله على ألسنة المرسلين والصالحين والحكماء من عباده، الذين أيدهم بالوحي والخطاب الإلهي، أو بالإلهام والتوفيق والحكمة، فعلم الناس كيف يستعملون ما في الأرض على نظام يحصل به الانتفاع بنفع النافع وإزالة ما في النافع من الضر وتجنب ضر الضار، فذلك النظام الأصلي، والقانون المعزز له، كلاهما إصلاح في الأرض، لأن الأول إيجاد الشيء صالحا، والتاني جعل الضار صالحا بالتهذيب أو بالإزالة، وقد مضى في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} في سورة البقرة، أن
الإصلاح موضوع للقدر المشترك بين إيجاد الشيء صالحا وبين جعل الفاسد صالحا. فالإصلاح هنا مصدر في معنى الاسم الجامد، وليس في معنى الفعل، لأنه أريد به إصلاح حاصل ثابت في الأرض لا إصلاح هو بصدد الحصول، فإذا عير ذلك النظام فأفسد الصالح، واستعمل الضار على ضره، أو استبقي مع إمكان إزالته، كان إفسادا بعد إصلاح، كما أشار إليه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال:73].
والله أعلم.