تساؤل حسن
تساؤل حسن
تساؤل حسن سائغ لأن الأئمة من قبلنا قد تساءلوا ذات التساؤل وحاولوا الإجابة فلنحاول أن نفهمها معاً بالاعتماد على أقوال أهل العلم ولنبدأ أولا بانتساخ ما قاله أئمة التفسير فيها ثم نوازن ونقارن
1- الطبري
وقوله : ( عينا يشرب بها عباد الله ) يقول تعالى ذكره : كان مزاج الكأس التي يشرب بها هؤلاء الأبرار كالكافور في طيب رائحته من عين يشرب بها عباد الله الذين يدخلهم الجنة ، والعين على هذا التأويل نصب على الحال من الهاء التي في ( مزاجها ) [ ص: 94 ] ويعني بقوله : ( يشرب بها عباد الله ) يروى بها وينتقع . وقيل : يشرب بها ويشربها بمعنى واحد . وذكر الفراء أن بعضهم أنشده :
شربن بماء البحر ثم ترقعت متى لجج خضر لهن نئيج
وعني بقوله : " متى لجج " من ، ومثله : إنه يتكلم بكلام حسن ، ويتكلم كلاما حسنا
2- ابن كثير
( إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ) وقد علم ما في الكافور من التبريد والرائحة الطيبة ، مع ما يضاف إلى ذلك من اللذاذة في الجنة .
قال الحسن : برد الكافور في طيب الزنجبيل ; ولهذا قال : ( عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا ) أي : هذا الذي مزج لهؤلاء الأبرار من الكافور هو عين يشرب بها المقربون من عباد الله صرفا بلا مزج ويروون بها ;
ولهذا ضمن يشرب " يروى " حتى عداه بالباء ، ونصب ) عينا ) على التمييز .
قال بعضهم : هذا الشراب في طيبه كالكافور . وقال بعضهم : هو من عين كافور . وقال بعضهم : يجوز أن يكون منصوبا ب ) يشرب ) حكى هذه الأقوال الثلاثة ابن جرير .
3-القرطبي
عينا يشرب بها عباد الله قال الفراء : إن الكافور اسم لعين ماء في الجنة ; ف " عينا " بدل من كافور على هذا . وقيل : بدل من كأس على الموضع . وقيل : هي حال من المضمر في مزاجها . وقيل : نصب على المدح ; كما يذكر الرجل فتقول : العاقل اللبيب ; أي ذكرتم العاقل اللبيب فهو نصب بإضمار أعني . وقيل يشربون عينا . وقال الزجاج المعنى من عين . ويقال : كافور وقافور . والكافور أيضا : وعاء طلع النخل وكذلك الكفرى ; قاله الأصمعي .
وأما قول الراعي :
تكسو المفارق واللبات ذا أرج من قصب معتلف الكافور دراج
فإن الظبي الذي يكون منه المسك إنما يرعى سنبل الطيب فجعله كافورا . يشرب بها قال الفراء : يشرب بها ويشربها سواء في المعنى ، وكأن يشرب بها يروى بها وينقع ; وأنشد [ الشاعر أبو ذؤيب ] :
شربن بماء البحر ثم ترفعت متى لجج خضر لهن نئيج
[ ص: 113 ] قال : ومثله فلان يتكلم بكلام حسن ، ويتكلم كلاما حسنا . وقيل : المعنى يشربها والباء زائدة وقيل : الباء بدل ( من ) تقديره يشرب منها ; قاله القتبي .
4-البغوي
( إن الأبرار ) يعني المؤمنين الصادقين في إيمانهم المطيعين لربهم [ واحدهم ] بار مثل : شاهد وأشهاد ، وناصر وأنصار ، و " بر " أيضا مثل : نهر وأنهار ( يشربون ) في الآخرة ، ( من كأس ) [ فيها ] شراب ( كان مزاجها كافورا ) قال قتادة : يمزج لهم بالكافور ويختم بالمسك . قال عكرمة : " مزاجها " طعمها . وقال أهل المعاني : أراد كالكافور في بياضه وطيب ريحه وبرده ؛ لأن الكافور لا يشرب ، وهو كقوله : " حتى إذا جعله نارا " ( الكهف - 96 ) أي كنار . وهذا معنى قول [ قتادة ] ومجاهد : يمازجه ريح الكافور . وقال ابن كيسان : طيبت بالكافور والمسك والزنجبيل . وقال عطاء والكلبي : الكافور اسم لعين ماء في الجنة . ( عينا ) نصب تبعا للكافور . وقيل : [ هو ] نصب على المدح . وقيل : أعني عينا . وقال الزجاج :
- الأجود أن يكون المعنى من عين ( يشرب بها ) [ قيل : يشربها ] والباء صلة ،
- وقيل بها أي منها ( عباد الله ) قال ابن عباس أولياء الله ( يفجرونها تفجيرا ) أي يقودونها حيث شاءوا من منازلهم وقصورهم ، كمن يكون له نهر يفجره هاهنا وهاهنا إلى حيث يريد . ( يوفون بالنذر ) هذا من صفاتهم في الدنيا أي كانوا في الدنيا كذلك .
5-الشوكاني
عينا يشرب بها عباد الله انتصاب عينا على أنها بدل من كافورا ؛ لأن ماءها في بياض الكافور .
وقال مكي : إنها بدل من محل ( من كأس ) على حذف مضاف كأنه قيل : يشربون خمرا خمر عين ، وقيل إنها منتصبة على أنها مفعول يشربون : أي عينا من كأس ، وقيل هي منتصبة على الاختصاص ، قاله الأخفش وقيل منتصبة بإضمار فعل يفسره ما بعده :
- أي يشربون عينا يشرب بها عباد الله ،
- والأول أولى [لعله قول مكي]، وتكون جملة يشرب بها عباد الله صفة لـ(ـعينا) .
- وقيل إن الباء في يشرب بها زائدة ،
- وقيل بمعنى " من " قاله الزجاج ، ويعضده قراءة ابن أبي عبلة " يشربها عباد الله " .
- وقيل إن " يشرب " مضمن معنى يلتذ ،
- وقيل هي متعلقة بـ ( يشرب ) ، والضمير يعود إلى الكأس .
- وقال الفراء : يشربها ويشرب بها سواء في المعنى ، وكأن يشرب بها يروى بها وينتفع بها ، وأنشد قول الهذلي :
شربن بماء البحر ثم ترفعت
قال : ومثله تكلم بكلام حسن ، وتكلم كلاما حسنا يفجرونها تفجيرا أي يجرونها إلى حيث يريدون وينتفعون بها كما يشاءون ويتبعهم ماؤها إلى كل مكان يريدون وصوله إليه ، فهم يشقونها شقا كما يشق النهر ويفجر إلى هنا وهنا .
قال مجاهد : يقودونها حيث شاءوا وتتبعهم حيث مالوا مالت معهم ، والجملة صفة أخرى ل عينا .
وقوله : ( يفجرونها تفجيرا ) أي : يتصرفون فيها حيث شاؤوا وأين شاؤوا ، من قصورهم ودورهم ومجالسهم ومحالهم .
وندخل الآن في موضوع لماذا يشرب بها وليس يشرب منها ونجد أن المعنى يدور حول 3 احتمالات
تضمين الفعل معنى فعل آخر، أو أن الباء زائدة أو أن الباء بمعنى من.
وكل من هذه الثلاثة الموضوعات من خاص علم اللغة أعني التضمين، وزيادة الحرف وتبادل حروف الجر المعاني
نص الطبري على أنه ضمّن يشرب (معنى يروى) كأنه أخذه من الفراء، ولما كانت (يروى بـ) لا (يروى من) أخذ الفعل الحرف الملازم لما ضُمِّن معناه، ونقل الشوكاني أنه قد ضمّن يشرب (معنى يلتذ) ولذلك قال يشرب بها، فقد اتفقوا على التضمين. وحين نرجع إلى كتب الصرف لنرى تضمين فعل ما معنى فعل آخر نجدهم يقولون في قوله تعالى((( ولا تعزموا عقدة النكاح )))أنه تعالى ضمّن تعزموا معنى تنووا ولذلك عداه بدون حرف الجرّ لأن تعزموا يعدى بعلى.فنفهم من ذلك أن تضمين الفعل معنى فعل آخر يجعله يأخذ تركيبته النحوية فيأخذ تعديته إذا كان الفعل الأصل لازما ويأخذ حرف الجر الملازم للمتضمَّن بدل حرف الجر الملازم للأصل لكن ما ضوابط التضمين وهل يحق لك أن تُضمِّن أي فعل معنى أي فعل مقارب له؟
ليس الأمر مفتوحا كما يلحظ فلا بد للفعل أن يكون من مرادفات الفعل الأصل وها أنت أيها الأخ الكريم قد فتحت بتساؤلك مشروع بحث ضوابط تضمين الفعل معنى فعل آخر في اللغة العربية، ويحتاج الباحث أن يستقري الشواهد المنصوص عليها أولا ثم يشرع في استقراء شواهد باجتهاده مما يحتمل التضمين، ويقوم بعد ذلك بتصنيف أنواع الوظائف المنتقلة مع التضمين كتعدية اللازم ونوع حرف الجر. ولما كانت الباء من ملازمات الفعل مزج وتقدم ذكر المزاج في نفس الجملة لأن عينا حال والحال فضلة لجملة تسبقها صار من الممكن أن يكون المعنى كان مزاجها كافورا عينا يشربـ[ـونها ممزوجا] بها،فيكون المعنى أن الكافور ممزوج بالعين. وهذا المعنى تحتمله تركيبة المعنى المشار إليها من قبل الأئمة في الأقوال السابقة، وإن كنت أميل إلى معنى التضمين فقط لأنه أقرب إلى الظاهر والله أعلم
وأتمنى على الإخوة المتابعين للدراسات النحوية والصرفية أن يتحفونا هنا بما يعنّ لهم من دراسات عن الموضوعات الثلاثة
- تضمين فعل ما معنى فعل آخر
- تبادل حروف الجر معاني بعضها
- زيادة حروف الجر بعد أفعال مخصوصة
فإن هذه الثلاثة المواضيع ذات خطر في علم الدلالة وتحليل النصوص. والمصادر المطلوبة هي أرقام الصفحات والطبعات من الكتب الكبيرة ، ومظان الدراسات الحديثة.وشكر الله سعيكم مقدماً