بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين اما بعد. .في سورة المائدة قال الله تعالى على لسان المسيح عليه الصلاة والسلام (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم
فإنك أنت العزيز الحكيم) فختم اﻵية بالعزيز
الحكيم والمقام مقام مغفرة ورحمة...فما هي
الحكمة من هذا الختام.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين...أما بعد...جزاكم الله تعالى الأخ الفاضل عمر على مداخلتكم..
وسأستعرض بعض التفاسير ومنها تفسير التحرير لابن عاشور اذ قال رحمه الله تعالى-
( وَقَوْلُهُإِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُفَوَّضَ أَمْرَهُمْ إِلَى اللَّهِ فَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يُجَازِيهِمْ بِهِ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ إِمْسَاكٍ عَنْ إِبْدَاءِ رَغْبَةٍ لِشِدَّةِ هَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَغَايَةُ مَا عَرَّضَ بِهِعِيسَىأَنَّهُ جَوَّزَ الْمَغْفِرَةَ لَهُمْ رَحْمَةً مِنْهُ بِهِمْ . وَقَوْلُهُفَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُذِكْرُ الْعَزِيزِ كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِهِ يَغْفِرُ عَنْ مَقْدِرَةٍ ، وَذِكْرُ الْحَكِيمِ لِمُنَاسَبَتِهِ لِلتَّفْوِيضِ ، أَيِ الْمُحْكِمُ لِلْأُمُورِ الْعَالِمُ بِمَا يَلِيقُ بِهِمْ . )
وذكر الرازي مانصه - ( روىالواحدي رحمه الله أن في مصحف عبد الله ( وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم ) سمعت شيخي ووالدي رحمه الله يقول : (العزيز الحكيم ) هاهنا أولى من الغفور الرحيم ؛ لأن كونه غفورا رحيما يشبه الحالة الموجبة للمغفرة والرحمة لكل محتاج ، وأما العزة والحكمة فهما لا يوجبان المغفرة ، فإن كونه عزيزا يقتضي أنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، وأنه لا اعتراض عليه لأحد ، فإذا كان عزيزا متعاليا عن جميع جهات الاستحقاق ، ثم حكم بالمغفرة كان الكرم هاهنا أتم مما إذا كان كونه غفورا رحيما يوجب المغفرة والرحمة ، فكانت عبارته رحمه الله أن يقول : عز عن الكل ، ثم حكم بالرحمة فكان هذا أكمل . وقال قوم آخرون : إنه لو قال : فإنك أنت الغفور الرحيم ، أشعر ذلك بكونه شفيعا لهم ، فلما قال : ( فإنك أنت العزيز الحكيم ) دل ذلك على أن غرضه تفويض الأمر بالكلية إلى الله تعالى ، وترك التعرض لهذا الباب من جميع الوجوه . )
والله تعالى أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين....أما بعد....ومما سبق نلاحظ ما يلي-
1- لو نظرنا للآية التي بعدها وهي ( قَالَاللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِيمِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْوَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) )
قال القرطبي في تفسيره-(....وَقِيلَ : التَّقْدِيرُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَنْفَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )إنتهى، وهذا يعني ان الكلام لم يكن يوم القيامة انما قبلها وان الله سبحانه أراد
ان يسمع من عيسى عليه السلام ما يقول عن أولئك الذين جعلوا منه ومن أمه آلهين
وطبعا هذا الأمر لحكمة أرادها الله تعالى ففطن عيسى عليه السلام لهذا الأمر فختم
كلامه بقوله انك انت العزيز الحكيم.
2- ان من يقول ان المقام طلب مغفرة ورحمة لا ينظر لسياق الآيات بل ان المقام مقام
إدانة وتذكير بمعصية عظيمة وهي الشرك فإن الله تعالى أراد من عيسى ان يتبرىء
من أولئك الذين جعلوه وأمه آلهين لتكون إدانته إليهم وبالا عليهم يوم القيامة...لهذا
أشاد ربنا سبحانه بمن صدق بقوله فقال لا إله إلا الله ولم يشرك بالله سبحانه...
وان إنتقال الآية للكلام عن الآخرة يدل على حلم الله تعالى على من عصاه وانه
سبحانه لن يعجل لهم العقوبة القاصمة بل يؤخرهم ليوم آت لا محالة.
والله تعالى أعلم.
بسم الله العزيز الحكيم
ليس المقام مقام رحمة ومغفرة، القضاء بالحق يتطلب الحكمة، الحكمة هي التي تقضي بالرحمة لمن يستحق الرحمة، وبالعذاب لمن يستحق العذاب.
النصارى ليسوا سواء : منهم عتاة المجرمين الظالمين الذين اتخذوا أهواءهم آلهتهم، هذا شرك لا يغتفر، مثل موسوليني وهتلر، هؤلاء لا يمكن أن يكونوا معنيين بقول المسيح عليه السلام (وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم). المغفرة للظالم ليست عدلا، القاضي الذي يعفو عن مجرم قاتل لا يوصف قضاءه بالحكيم.
أما الراهب أو القسيس الذي نذر حياته لخدمة الرب ، فحرم نفسه من ملذات الحياة ،واعتزل في صومعة ، فحرم نفسه من الزواج ومن تكوين أسرة ، غايته من ذلك ابتغاه مرضاة الله، طبق تعاليم الكتاب ووصايا المسيح عليه السلام الذي أوصى أتباعه بالعفو عمن أساء إليهم لكي يغفر الله لهم،عملا بقوله : من لطمك على خدك الأيسر أدر له خدك الأيمن... فهم يعتبرون المسيء إليهم جاهلا يجب العفو عنه إكراما للرب وإرضاء له، وهذا هو حالهم هم أيضا : أساءوا إلى العقيدة بجهالة منهم، فالحكمة تفترض المعاملة بالمثل ، من غفر للناس إرضاء لله يغفر الله له، قال تعالى ((والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ))، وقال تعالى :
وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ .
إذن فهؤلاء هم الذين ينطبق عليهم قول عيسى عليه الصلاة والسلام (وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) لأن من الحكمة المعاملة بالمثل ، وأن يجازى الإحسان بالإحسان.
يقول تعالى : ﴿ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة:118].
يقول ابن جزي (ت:741هـ) في تفسيره : " ما مناسبة قوله :{ فإنك أنت العزيز الحكيم } ، لقوله :{ وإن تغفر لهم } والأليق مع ذكر المغفرة أن لو قيل : فإنك أنت الغفور الرحيم ؟ والجواب من ثلاثة أوجه : الأول : يظهر لي أنه لما قصد التسليم لله والتعظيم له ، كان قوله :{ فإنك أنت العزيز } أليق ، فإن الحكمة تقتضي التسليم له والعزة تقتضي التعظيم له ، فإن العزيز هو الذي يفعل ما يريد ؛ ولا يغلبه غيره ، ولا يمتنع عليه شيء أراده ، فاقتضى الكلام تفويض الأمر إلى الله في المغفرة لهم أو عدم المغفرة لأنه قادر على كلا الأمرين لعزته وأيهما فعل فهو جميل لحكمته .
الجواب الثاني : قاله شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير : إنما لم يقل الغفور الرحيم لئلا يكون في ذلك تعريض في طلب المغفرة لهم فاقتصر على التسليم والتفويض دون الطلب ، إذ لا تطلب المغفرة للكفار ، وهذا قريب من قولنا .
الثالث : حكى شيخنا الخطيب أبو عبد الله بن رشيد عن شيخه إمام البلغاء في وقته حازم بن حازم أنه كان يقف على قوله : { وإن تغفر لهم } ويجعل فإنك أنت العزيز استئنافا ، وجواب إِنْ في قوله { فإنهم عبادك } ، كأنه قال إن تعذبهم وإن تغفر لهم فإنهم عبادك على كل حال " .
خلاصة : عيسى عليه السلام لم يطلب المغفرة للمشركين من النصارى وإنما فوض الأمر لله سبحانه وتعالى ؛ فهو العزيز في نفسه الحكيم في أمره .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين اما بعد. .
جزاكم الله تعالى خيرا اﻷخ ابوعلي والشيخ عبدالكريم. ..ولي وققة مع الاخ العزيز ابوعلي فإن قوله-
المغفرة للظالم ليس عدﻻ
هذا الامر ليس على إطلاقه فربما عفى الله تعالى عن الظالم لسبب قدري ﻻ ندركه مثﻻ ان الله سبحانه
إستجاب ﻻبليس طلبه ان يؤجل عقابه ليوم القيامة على الرغم من
معصيته وحسده ﻻدم...وكذلك قد
يعمل الظالم عمﻻ يستوجب العفو
عنه...وهناك أسباب أخرى...
والله تعالى أعلم.
يقول تعالى : ﴿ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [المائدة:117] .
عيسى عليه السلام أدى مهمة الرسالة التي كلفه الله بها لا غير . وما عدا ذلك فصاحب الشأن هو الله الرقيب الذي هو على كل شيء شهيد ، فهو أعلم بعباده . لذلك فوض عيسى عليه السلام الأمر إلى الله العزيز الحكيم .
إن هذا الموقف العظيم والأدب الجم الذي أبان عنه عيسى عليه السلام في مناجاته مع ربه ، لكفيل أن نتعلم منه كيف نناقش الأمور الكبيرة والخارجة عن نطاقنا والتي هي من اختصاص الله سبحانه وتعالى . وهذا السلوك السامي هو الذي أخطأه كثير من المسلمين على امتداد تاريخ الفكر الإسلامي ، حيث خاضوا في أمور ليست من اختصاصهم مثل دخول الجنة والنار ، وتفرقوا في الخوض فيها مللا ونحلا حتى أدى ببعضهم إلى العداوة والاقتتال ، مبتعدين عن روح القرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة وسيرة الصحابة رضوان الله عليهم ، مما جعل الرجوع إلى الحقيقة القرآنية أمر حتمي حتى يتم إصلاح الانحرافات السابقة .
السلام عليكم
الكلام في هذه القضية لا يعتبر خوضا في ما لا يجب الخوض فيه، فما دام هذا الموضوع قد أتى في الكتاب العزيز فلا بد أن يكون معه بيانه لقوله تعالى : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ... العدالة التي فطر الله الناس عليها لا تعاقب المخطئ عن جهل مهما عظم خطأه، وأقصى ما يمكن أن يعامل به المخطئ هو دفع غرامة كفارة له عن خطئه، فقاتل النفس خطأ لا يعتبر مجرما عند كل أهل الأرض ، يدفع فقط دية القتيل كفارة عن خطإه الغير مقصود، كذلك عدالة الله، فالله لا يفطر الناس على عدالة مناقضة لعدالته، فالنصارى وحدهم الذين فرض الله عليهم على لسان المسيح عليه السلام أن يحبوا أعداءهم ويحسنوا إلي مبغضيهم ويباركوا لاعنيهم، أما في شريعتنا أو في شريعة اليهود فليس ذلك عدلا، بل العدل هو المعاملة بالمثل ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) .
فكيف يكون نفس الأمر ليس عدلا عندنا لكنه عدل من الله في النصرانية!!
الجواب : لا يكون عدلا إلا إذا كان عقابا مناسبا لاعتداء مماثل يقوم به النصارى، فالنصارى يعتدون على مقام الألوهية ، يسبون الله تعالى بغير علم بقولهم المسيح ابن الله، فكفارة المعتدي الجاهل هو أن يعفو ويحسن إلى من أساء إليه ويعتبره جاهلا يستحق العفو والإحسان. فالله تعالى علم مسبقا أن النصارى سيزلون بجهالة عن عقيدتهم في الله ففرض عليهم الكفارة لأنه ليس من العدل معاقبة مرتكب الذنب بجهالة ، إن أحسن العمل فيما يعلم يتجاوز عنه فيما لا يعلم، العدالة التي فطر الله الناس عليها تقضي بذلك.
إذا فالمذنب عن جهالة ملزم بدفع الكفارة ، والشفاعة لا تكون إلا له، فالمحامي لا يلتمس البراءة لمتعمد ارتكاب الجريمة عن إصرار وترصد، وإنما يطلبها لذي عذر يرى أنه من الصواب ومن الحكمة أن تأخذه المحكمة بعين الاعتبار لتحقيق العدالة.
فقول المسيح عليه السلام ( وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) يخص فريق من النصارى الذين اتبعوا الصراط المستقيم سلوكا وزلوا عقيدة عن جهل، فهو يرى أنه من الصواب ومن الحكمة أن يغفر للجاهل وقد دفع الكفارة عن خطئه،. وهذا ما تقضي به العدالة الإنساية التي فطر الله الإنسان عليها، ولا شك أن الله لا يفطر الناس على عدالة مناقضة لعدالته، فالله لا يأذن بالقول يوم القيامة إلا من كان كلامه صوابا ووجيها، ولا شك أن المسيح عليه السلام وجيه في الآخرة كما كان في الدنيا، وكل كلامه صواب ، سواء عن الذين قال عنهم (إن تعذبهم فإنهم عبادك) أو عن الفريق الآخر الذين قال عنهم (وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) ، فلو وضعنا كل النصارى في سلة واحدة وقلنا إن الحكم فيهم سيقضي بإحدى الفرضيتين دون الأخرى (إما العذاب وإما المغفرة) لكانت الفرضية التي قضى الله بها هي فقط الصواب ، والأخرى التي لم يقض بها ليست صوابا، وكيف تكون صوابا وهي لم يقض بها!!
قال تعالى : يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا ۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَقَالَ صَوَابًا، كلام المسيح عليه السلام كله صواب : فريق من النصارى يقضي فيهم بقول المسيح عليه السلام (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ)، والفريق الآخر سيقضى فيهم بقوله (وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ).
لقد كان المسيح عليه السلام كلمة من الله كآية في نفسه (كن فيكون)، وكلمة من الله في آيات نبوته، فلا أحد يقول للميت : قم يا فلان حيا فيقوم من موته إلا إذا كان قائل هذه الكلمة هو الله، لكن المسيح عليه السلام كان يقول هذه الكلمة فتعود الحياة إلى الميت، فكأن الله جعل الكلمة التي تخرج من فم المسيح كأنها كلمة منه تعالى. نفس الشيء حين خلق من الطين كهيئة الطير فنفخ فيها وقال كن طائرا فصار طائرا ، فكلمة (كن) لا تستجيب للأمر إلا إذا كان قائلها هو الله، فكأن المسيح ناطق بكلام الله. فإذا كان هذا في الدنيا ففي الآخرة أيضا يكون كلمة من الله، إن قال (إن تعذبهم فإنهم عبادك) سيكون هذا، وإن قال (وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) سيكون هذا أيضا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين....أما بعد....شكرا لك اخي أبا علي على مرورك... ومما سبق نلاحظ ما يلي-
1- لو نظرنا للآية التي بعدها وهي ( قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي منْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) )
قال القرطبي في تفسيره-(....وَقِيلَ : التَّقْدِيرُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَنْفَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)إنتهى، وهذا يعني ان الكلام لم يكن يوم القيامة انما قبلها وان الله سبحانه أراد
ان يسمع من عيسى عليه السلام ما يقول عن أولئك الذين جعلوا منه ومن أمه آلهين
وطبعا هذا الأمر لحكمة أرادها الله تعالى ففطن عيسى عليه السلام لهذا الأمر فختم
كلامه بقوله انك انت العزيز الحكيم.
2- ان من يقول ان المقام طلب مغفرة ورحمة لا ينظر لسياق الآيات بل ان المقام مقام
إدانة وتذكير بمعصية عظيمة وهي الشرك فإن الله تعالى أراد من عيسى ان يتبرىء
من أولئك الذين جعلوه وأمه آلهين لتكون إدانته إليهم وبالا عليهم يوم القيامة...لهذا
أشاد ربنا سبحانه بمن صدق بقوله فقال لا إله إلا الله ولم يشرك بالله سبحانه...
وان إنتقال الآية للكلام عن الآخرة يدل على حلم الله تعالى على من عصاه وانه
سبحانه لن يعجل لهم العقوبة القاصمة بل يؤخرهم ليوم آت لا محالة، وانه سبحانه عزيز
ولكن لا تمنعه عزته عن ان يغفر لمن تجاوز ولمن عصاه...وهذه لا تكون الا بحكمة
وتقدير حسن لهذا فهو العزيز الحكيم.....
والله تعالى أعلم.
لعل مقام (الشفاعة) يوم القيامة - بأقسامها المختلفة - محفوظ لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،
والأنبياء الكرام عليهم صلوات ربي يعرفون باختصاصه بهذا المقام..
فامتنعوا حتى عن مجرد التلميح بطلب المغفرة لأقوامهم، والله أعلم.