لفظ (القرآن ) هل هو مشتق أم لا؟

الغامدي

New member
إنضم
28/05/2003
المشاركات
3
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
لفظ ( القرآن ) هل هو مشتق من قرأ أم لا ؟
 
أخي الكريم الغامدي وفقه الله

العلماء من قديم اختلفوا على قولين في هذه المسألة :

الأول : يرى أن لفظ (القرآن) غير مشتق ، وعلى رأسهم الإمام الشافعي رحمه الله.
ولذلك فهو لا يهمز (القرآن) ، ويقرأ بقراءة أهل مكة وهي قراءة ابن كثير المكي رحمه الله وهو يقرأ بغير همز. ولذلك كان الشافعي يهمز الفعل (قرأ) ولا يهمز القران. كما نقل عنه البيهقي. لأنه يرى أنه علم غير مهموز.
ويرى أهل هذا الرأي أن القران عَلَمٌ على الكتاب الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، كما أن التوارة علم على الكتاب الذي أنزل على موسى ، والإنجيل على عيسى.

الثاني : أنه مشتق ، وعلى هذا الجمهور من العلماء من اللغويين وأهل التفسير. لكنهم اختلفوا في المشتق منه على أقوال :
1- أنه مشتق من (قَرَنَ) ، بمعنى ضم ، كما تقول قرنت الشيء بالشيء إذا ضممته إليه ، وسمي القرآن بذلك لقرنه السور والآيات والحروف فيه. وهذا قول الأشعري .

2- أنه مشتق من القرائن ، جمع قرينة ؛ لأن الآيات منه يصدق بعضها بعضاً ، ويشابه بعضها بعضاً ، وهذا قول الفراء اللغوي رحمه الله.
وعلى هذين الرأيين فالقران غير مهموز ، ونونه أصلية ، لأنه من (قرن). وهذان الرأيان فيهما ضعف.

3- أنه مشتق من (قرأ) كما سألت يا أخي الكريم ، وهذا رأي جمهور كبير من العلماء رحمهم الله. منهم ابن فارس صاحب (مقاييس اللغة) ، بل هو يرى أن (قرى) و (قرأ) بمعنى واحد ، وهو يدل على جمع واجتماع ، ومن ذلك القرية ، سميت بذلك لا جتماع الناس فيها ، ويقولون : قريت الماء في المقراة ، جمعته... ويقولون : ما قرأت هذه الناقة سلىً كأنه يراد (أنها ما حملت قط... قال ومنه القرآن ، كأنه سمي به لجمعه ما فيه من الأحكام والقصص وغير ذلك. مقاييس اللغة 5/78-79

ويرى الراغب الأصفهاني في المفردات أن القرآن في الأصل مصدر ، مثل الكفران والرجحان ، وهو بمعنى القراءة.
ويرى بعض العلماء أن القرآن مشتق من قرأ بمعنى أظهر وألقى ، لا بمعنى جمع.

ولذلك يقول الزركشي : وقال بعض المتأخرين : لا يكون القرآن وقرأ بمعنى جمع ، لقوله تعالى :(إن علينا جمعه وقرآنه) فغاير بينهما ، وإنما مادته (قرأ) بمعنى (أظهر أو بين).
والقارئ : يظهر القرآن ويخرجه. والقرء : الدم ، لظهوره وخروجه.
والقرء : الوقت ، فإن التوقيت لا يكون إلا بما يظهر.
ومثل هذا القول حكي عن قطرب قال : إنما سمي القرآن لأن القارئ يظهره ويبينه من فيه ، أخذاً من قول العرب : ما قرأت الناقة سلى قط ، أي ما رمت بولد ، أي ما أسقطت ولداً ، أي ما حملت قط.
والقرآن يلفظه القارئ من فيه ويلقيه فسمي قرآناً.

ومما تقدم يظهر أن بعض العلماء يرجح كون لفظ القرآن مشتقاً من قرأ بمعنى جمع.
في حين يرجح البعض الآخر كونه مشتقاً من قرأ بمعنى ألقى وأظهر وتلا.

والذي عليه الأكثر أن مادة (قرأ) في اللغة إنما تفيد الجمع الذي يعقبه إلقاء أو ظهور ، كما في قول عمرو بن كلثوم :
هجان اللون لم تقرأ جنينا
وهذا الشاهد الشعري لا يخلو منه كتاب في التفسير!
أي لم تحمل جنينا ، ولم تلق ، أي لم تجمع رحمها على ملقوح ولم تلد. وراجع كلام الراغب الأصفهاني في معنى القرء تجد تفصيلاً جيداً.
وبناء على ما تقدم تكون القراءة من الجمع الذي يتلوه الإلقاء أو الظهور ، أو التلاوة ، وذلك لأن التلاوة مرحلة تالية للجمع. سواء كانت هذه القراءة بعد الجمع في الصدر أو في الكتاب.
ولعل هذا هو مراد الأصفهاني بقوله:(والقراءة ضم الحروف بعضها إلى بعض في الترتيل ، وليس يقال ذلك لكل جمع.

الخلاصة يا أخي الكريم : أن كلمة (القرآن) من حيث الاشتقاق وعدمه مسألة خلافية ، وإن كنت أرى أنها مشتقة من (قرأ) بمعنى جمع وأظهر وتلا معاً. لأن طبيعة القرآن كذلك ، فبداية نزوله :(اقرأ باسم ربك الذي خلق). وللأمر بتلاوته وترتيله في أكثر من موضع ، ولمساعدة كلام العرب على هذا الاشتقاق. ولكن يبقى في الأمر سعة ولله الحمد.

وأختم بمسألة : وهي أن الشيخ الكريم صبحي الصالح رحمه الله ذهب إلى أن مادة (قرأ) في العربية مأخوذة من أصل آرامي ، وأن العرب في الجاهلية لما سمعوا هذه اللفظة استخدموها بمعنى غير معنى التلاوة ، فكانوا يقولون : هذه الناقة لم تقرأ سلىً قط . يقصدون أنها لم تحمل ملقوحاً ولم تلد ولدا.

بينما الكلمة عربية أصيلة ، لا شبهة فيها إن شاء الله. ولكن تأثر كثير من العلماء الأجلاء ببحوث ودراسات المستشرقين الذي يرون أن اللغات الآرامية والحبشية والفارسية تركت في اللغة العربية آثاراً لا تنكر ، لأنها كانت لغات أقوام أهل مدنية بخلاف العرب ، هذا هو السبب في القول بهذا القول.
ويمكن مراجعة كلامه في كتابه في علوم القرآن.

وفق الله الجميع لما يحب ويرض ى ، وأرجو أن يكون الجواب وافياً بالغرض.
 
لابن القيم كلام جيد في معنى مادة قرأ ، ذكره في زاد المعاد أثناء تفصيله لخلاف السلف في معنى القرء .

قال ما نصه : ( وقولكم : إن القرء مشتق من الجمع ، وإنما يجمع الحيض في زمن الطهر . عنه ثلاثة أجوبة .
أحدها : أن هذا ممنوع ، والذي هو مشتق من الجمع إنما هو من باب الياء من المعتل ، من قرى يقري ، كقضى يقضي ، والقرء من المهموز بنات الهمز ، من قرأ يقرأ ، كنحر ينحر ،
وهما أصلان مختلفان فإنهم يقولون : قريت الماء في الحوض أقريه ، أي : جمعته ، ومنه سميت القرية ، ومنه قرية النمل : للبيت الذي تجتمع فيه ، لأنه يقريها ، أي : يضمها ويجمعها .
وأما المهموز ، فإنه من الظهور والخروج على وجه التوقيت والتحديد ، ومنه قراءة القرآن ، لأن قارئه يظهره ويخرجه مقداراً محدوداً لا يزيد ولا ينقص ، ويدل عليه قوله : " إن علينا جمعه وقرآنه " [ القيامة : 17 ]، ففرق بين الجمع والقرآن . ولو كانا واحداً ، لكان تكريراً محضاً ، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما : " فإذا قرأناه فاتبع قرآنه " [ القيامة : 18 ] ، فإذا بيناه ، فجعل قراءته نفس إظهاره وبيانه ، لا كما زعم أبو عبيدة أن القرآن مشتق من الجمع .
ومنه قولهم : ما قرأت هذه الناقة سلى قط ، وما قرأت جنيناً هو من هذا الباب ، أي ما ولدته وأخرجته وأظهرته ، ومنه : فلان يقرؤك السلام ، ويقرأ عليك السلام ، هو من الظهور والبيان ، ومنه قولهم : قرأت المرأة حيضة أو حيضتين ، أي : حاضتهما ، لأن الحيض ظهور ما كان كامناً ، كظهور الجنين ، ومنه : قروء الثريا ، وقروء الريح : وهو الوقت الذي يظهر المطر والريح ، فإنهما يظهران في وقت مخصوص ، وقد ذكر هذا الإشتقاق المصنفون في كتب الإشتقاق ، وذكره أبو عمرو وغيره ، ولا ريب أن هذا المعنى فى الحيض أظهر منه في الطهر .


 
الشهري والعبيدي ..

جزاكما الله خيرا على الإيضاح ..
 
من باب الفائدة :
إن القول بأن القرآن غير مشتق هو قول شيخ الشافعي إسماعيل بن قسطنطين ، وقد ذكرذلك عنه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ( 2 : 62 ) الطبعة القديمة ، قال الشافعي : (( ... وقرأت على إسماعيل ، وكان يقول : القرآن اسم ، وليس بمهموز ، ولم يؤخذ من قرأت ، ولو أُخِذ من قرأت ؛ لكان كل ما قرئ قرآنًا ، ولكنه اسم للقرآن مثل التوراة والإنجيل .
يهمز قرأت ، ولا يهمز القرآن ( وإذا قرأت القرآن ) يهمز قرأت ، ولا يهمز القرآن )) . انتهى ,
قلت : الصحيح أن لفظ القرآن مشتقٌ ، وأنَّ ما استدلَّ به من أنهم لا يهمزون القرآن ويهمزون قرأت ، فهذا راجع إلى التسهيل في لغة العرب في لفظ القرآن دون قرأت .
وشبهة هذا القول أن المكيين لا يهمزون القرآن ، وعدم الهمز لا يدلُّ على أنَّ هذه الكلمة ليس لها أصلٌ تُشتقُّ منه ، ولو أُجريت هذه العلَّة على كلِّ ما قرأه المكيون بتسهيل الهمز لكانت غير مشتقَّه كذلك ، ومن الألفاظ التي يسهلها المكيون لفظ (يومنون ) ، فهل يقال إنها غير مشتقة ، فهم يهمزون آمن ولا يهمزون يومنون ، وقس على ذلك غيرها .
وكون القرآن اسم للكتاب المنَزل لا خلاف فيه ، لكن استدلاله الآخر بأنه لو كان من قرأت لكان كل ما قرئ قرءانًا ، غير لازمٍ ، لأن ما قرئَ يسمى قرءانًا من جهة اللغة ، لكن غلب هذا المصدر على اسم الكتاب المنَزَّل ، فصار لا يطلق إلا عليه ، وصار علمًا بالغلبة عليه ، وهذا كثير في الأسماء الشرعية الواردة من جهة الشرع ، حيث يكون الاسم العربي مختصًّا بمصطلحٍ شرعيٍّ بقدر زائد على المعنى اللغوي ؛ كمسمَّى الإيمان والزكاة والجهاد وغيرها ، والله أعلم .
 
عودة
أعلى