لفظ (الظن) في القرآن

ناصر_عزيز

New member
إنضم
05/09/2009
المشاركات
107
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
[align=center]لفظ (الظن) في القرآن[/align]

موقع الشبكة الإسلامية

(الظن) درجة من درجات العلم، فهو فوق الشك، ودون اليقين، وبعبارة أخرى: هو اعتقاد وقوع الشيء اعتقاداً راجحاً. أو: هو العلم المستند إلى دليل راجح، مع احتمال الخطأ احتمالاً ضعيفاً. وقد عرفه الجرجاني بأنه: "الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض". وعرفه الراغب بأنه: "اسم لما يحصل عن أمارة، ومتى قويت أدت إلى العلم، ومتى ضعفت جداً لم يتجاوز حد التوهم". وعرفه ابن عاشور بأنه: " علم لم يتحقق؛ إما لأن المعلوم به لم يقع بعد، ولم يخرج إلى عالم الحس؛ وإما لأن علم صاحبه مخلوط بشك". ولا تعارض بين هذه التعريفات، بل هي عند التحقيق والتدقيق متفقة على أن (الظن) غير اليقين وغير الشك .
وإذا يممنا وجهنا نحو اللغويين، وجدناهم انقسموا فريقين من حيث دلالة مادة (ظن): الأول: يرى أن إطلاق (الظن) على (اليقين) إطلاق حقيقي، بمعنى أن (الظن) قد يُطلق ويراد به اليقين من حيث الوضع اللغوي. ومن هذا الفريق: الأزهري . والفريق الثاني: يرى أن إطلاق (الظن) على (اليقين) إطلاق مجازي، بمعنى أن (الظن) من حيث الوضع اللغوي لا يفيد معنى (اليقين)، وإنما إفادته لذلك تحصل على سبيل المجاز لقرينة تدل عليه. ومن هذا الفريق: الجوهري ، و ابن سيده ، و الفيروزابادي .
ومعاجم العربية تعرف (الظن) بأنه: العلم بالشيء على غير وجه اليقين. ويقال: رجل ظنون: لا يوثق بخبره. ورجل فيه ظنة: أي: تهمة. وهو ظنتي: أي: موضع تهمتي. ويقال أيضاً: هو مظنة للخير. وظننت به الخير فكان عند ظني. وبئر ظنون: لا يوثق بمائها. وتذكر تلك المعاجم أن (الظن) قد يأتي بمعنى اليقين، ويستدلون لذلك بالقرآن وبالشعر .
وقد وردت مادة (ظن) في القرآن الكريم في نحو ستين موضعاً، نصفها ورد كـ (اسم)، نحو قوله تعالى: ﴿إن يتبعون إلا الظن ﴾ (الأنعام:116)، ونصفها الآخر ورد كـ (فعل)، مثل قوله سبحانه: ﴿ الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ﴾ (البقرة:46) .
ثم إن لفظ (الظن) في القرآن الكريم ورد على عدة معان:
الأول: بمعنى اليقين، ورد على هذا المعنى في مواضع عديدة، منها قوله تعالى: ﴿ الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم﴾، قال أبو حيان : "معناه: يوقنون، قاله الجمهور؛ لأن من وصف بالخشوع لا يشك أنه ملاق ربه، ويؤيده أن في مصحف عبد الله بن مسعود : الذين يعلمون". وقال ابن كثير في معنى الآية: "يعلمون أنهم محشورون إليه يوم القيامة، معروضون عليه، وأنهم إليه راجعون" .
ونحو هذا قوله تعالى: ﴿ وإنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ﴾ (الجن:12)، قال القرطبي : "الظن هنا بمعنى العلم واليقين ". وبحسب هذا المعنى يُفهم قوله تعالى: ﴿ إني ظننت أني ملاق حسابيه ﴾ (الحاقة:20)؛ وقوله سبحانه: ﴿ وظن أنه الفراق ﴾ (القيامة:28) .
قال الطبري ما معناه: العرب قد تسمي اليقين ظناً، والشك ظنًا، نظير تسميتهم المغيث صارخاً، والمستغيث صارخًا... قال: والشواهد من أشعار العرب وكلامها على أن الظن في معنى اليقين، أكثر من أن تحصر .
الثاني: بمعنى الشك، من ذلك قوله عز وجل: ﴿ وإن هم إلا يظنون ﴾ (البقرة:78)، قال أبو حيان بعد أن نقل أقوالاً في معنى (الظن) هنا: "وقال آخرون: يشكون" .
والمتأمل في الآيات التي ورد فيها (الظن) على معنى (اليقين)، أو الآيات التي ورد فيها (الظن) على معنى الشك، يجد أن الحمل على أحد المعنيين مستفاد من المعنى الكلي للآيات، وليس بمقتضى الوضع اللغوي؛ فقوله تعالى: ﴿ إني ظننت أني ملاق حسابيه ﴾، لا يستقيم أن يفسر (الظن) هنا بمعنى الشك، أو العلم الذي لا يفيد اليقين؛ وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قوله: ﴿ إني ظننت أني ملاق حسابيه ﴾، يقول: أيقنت. ويكون المعنى: أنه ما نجا إلا بخوفه من يوم الحساب، لأنه تيقن أن الله يحاسبه، فعمل للآخرة .
الثالث: بمعنى التهمة، ومنه قوله تعالى: ﴿ الظانين بالله ظن السوء عليهم ﴾ (الفتح:6)، قال ابن كثير : "أي: يتهمون الله في حكمه". وعلى هذا المعنى قرئ قوله تعالى: ﴿ وما هو على الغيب بظنين ﴾ (سورة التكوير:24)، بـ (الظاء)، وهي قراءة ابن كثير و أبي عمرو و الكسائي ؛ والمعنى: وما محمد صلى الله عليه وسلم على ما أنزله الله إليه بمتهم. وقد رجح الآلوسي هذه القراءة، من جهة أنها أنسب بالمقام؛ لاتهام الكفرة له صلى الله عليه وسلم، ونفي (التهمة) أولى من نفي (البخل). ومن قرأها بـ (الضاد)، وهم الجمهور، فمعناها: وما محمد صلى الله عليه وسلم ببخيل، بل يبذل ما أعطاه الله لكل أحد .
الرابع: بمعنى الوهم والتوهم، ومنه قوله سبحانه: ﴿ إن نظن إلا ظنا ﴾ (الجاثية:32)، قال ابن كثير : "أي: إن نتوهم وقوعها إلا توهماً، أي: مرجوحاً". وقال الخازن : " أي ما نعلم ذلك إلا حدساً وتوهماً"؛ وعلى هذا المعنى يُحمل قوله تعالى: ﴿ وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه ﴾ (الأنبياء:87)، قال الراغب : "الأولى: أن يكون من الظن الذي هو التوهم، أي: ظن أن لن نضيِّق عليه"، وهو قول كثير من العلماء في معنى الآية. ويكون معنى ﴿ نقدر ﴾، من (القَدْر) الذي هو المنع والتضيق، كقوله تعالى: ﴿ ومن قدر عليه رزقه ﴾ (الطلاق:7)، وليس من (القدرة)؛ لاختلال المعنى؛ إذ لا يليق بالأنبياء - فضلاً عن غيرهم من البشر - أن يظنوا أن الله غير قادر عليهم .
الخامس: بمعنى الحسبان، ومنه قوله تعالى: ﴿ وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا ﴾ (الجن:5)، قال الطبري : "قالوا: وأنا حسبنا أن لن تقول بنو آدم والجن على الله كذباً من القول ". وقال ابن كثير : "أي: ما حسبنا أن الإنس والجن يتمالؤون على الكذب على الله في نسبة الصاحبة والولد إليه" .
السادس: الاعتقاد الخاطئ، كما في قوله تعالى: ﴿ فما ظنكم برب العالمين ﴾ (الصافات:87)، قال ابن عاشور : "أريد بالظن: الاعتقاد الخطأ؛ والمعنى: أن اعتقادكم في جانب رب العالمين جهل منكر". ومن هذا القبيل قوله سبحانه: ﴿ إن بعض الظن إثم ﴾ (الحجرات:12)، وقوله تعالى: ﴿ إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ﴾ (الأنعام:116)، وقوله عز وجل: ﴿ إن الظن لا يغني من الحق شيئا ﴾ (يونس:36). وقد ذكر ابن عاشور أن "الظن كثر إطلاقه في القرآن والسنة على العلم المخطئ، أو الجهل المركب، والتخيلات الباطلة" .
ثم ها هنا قولان منقولان عن السلف بخصوص معنى (الظن) في القرآن؛ أحدهما: عن الضحاك قال: كل ظن في القرآن من المؤمن فهو يقين، ومن الكافر فهو شك. وثانيهما: عن مجاهد قال: كل ظن في القرآن فهو يقين. وقول الضحاك أقرب إلى ما تقرر بخصوص معنى (الظن)؛ أما قول مجاهد فهو يشكل بكثير من الآيات التي تفيد أن المقصود بالظن معناه الحقيقي، الذي هو غير اليقين، كما تبين قريباً. وقد يُحمل قول مجاهد على أن (الظن) الذي يفيد اليقين، هو ما كان متعلقاً بأمور الآخرة، أما ما كان متعلقاً بأمور الدنيا فيفيد الشك، وقد رويت رواية ثانية عن مجاهد تدل على هذا المعنى، وفيها: ظن الآخرة يقين، وظن الدنيا شك؛ ونحو هذا قول قتادة : ما كان من ظن الآخرة فهو علم .
وقد وضع الزركشي ضابطين للتفريق بين اليقين والشك؛ أحدهما: أن (الظن) حيث وُجد محموداً مثاباً عليه فهو (اليقين)، وحيث وُجد مذموماً متوعداً عليه بالعذاب فهو (الشك). وهذا الضابط يفيد أن السياق هو المعول عليه في تحديد معنى (الظن)، وليس اللفظ نفسه .
الضابط الثاني: أن كل (ظن) يتصل به (أن) المخففة فهو (شك)، كقوله سبحانه: ﴿ بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول ﴾ (الفتح:12)، وكل (ظن) يتصل به (أن) المشددة فهو (يقين)، كقوله تعالى: ﴿ إني ظننت أني ملاق حسابيه ﴾. والمعنى في ذلك: أن (أنَّ) المشددة للتأكيد، فدخلت في (اليقين)، و(أن) المخففة بخلافها، فدخلت في (الشك) .
ومما هو جدير بالذكر هنا، أن (الظن) في القرآن الكريم، ورد في مواطن عديدة مذموماً، كما في قوله تعالى: ﴿ وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا ﴾ (يونس:36)، وقوله سبحانه: ﴿ وأنهم ظنوا كما ظننتم ﴾ (الجن:7)، وقوله عز وجل: ﴿ وتظنون بالله الظنونا ﴾ (الأحزاب:10)، وأغلب ما جاء ذلك في سياق ما يتعلق بباب العقائد التي لا يعول فيها إلا على اليقين .
ويُشار هنا إلى فائدتين تتعلقان بلفظ (الظن):
أولهما: أن (الظن) في جميع القرآن جاء بـ (الظاء)، لكن اختلف القراء في قوله تعالى: ﴿ بضنين ﴾، فقرأها جمهورهم بـ (الضاد)، وقرأها ابن كثير و أبو عمرو و الكسائي بـ (الظاء)، والقراءتان متواترتان عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ثانيهما: أن فعل (الظن) إذا عُدي بحرف (الباء) أشعر غالباً بظن صادق، كما في قوله تعالى: ﴿ وتظنون بالله الظنونا ﴾ (الأحزاب:10)، وقال سبحانه: ﴿ وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم ﴾ (فصلت:23)، أفادها ابن عاشور .
وعلى ضوء ما تقدم من معانى الظن في القرآن الكريم، يتبين أن السياق العام للآيات هو الذي يقود إلى تحديد المعنى المراد من لفظ (الظن)، أهو اليقين؟ أم الشك؟ أم التوهم؟ أم غيرها من المعاني التي أتينا عليها



منقول
 
الأخ الكريم ناصر

جزاك الله خيراً.

اسمح لي أن أنقل وجهة نظر أخذتها عن شيخي خلاصتها:

لا يأتي الظن في القرآن الكريم بمعنى اليقين، وإنما دعاهم إلى ذلك توهمهم أن الله تعالى لا يقبل منا إلا اليقين الجازم، ومن هنا حملوا الآيات الكريمة على غير ظاهرها.
من سلم نفسه لله وأطاع أوامره نجى حتى ولو لم يبلغ إيمانه درجة اليقين، لأن اليقين يأتي كثمرة للعمل، فهو نتيجة وليس مقدمة.
 
السلام عليكم
نعم الظن لايأتى بمعنى اليقين
ولكن
من سلم نفسه لله وأطاع أوامره نجى حتى ولو لم يبلغ إيمانه درجة اليقين،
لابد أن يجاهد ليبلغ اليقين فى كل قضية على حدها
فالظن كعلم راجح يجب على الظان أن يعمل ويجاهد حتى يأتيه اليقين ؛وهو لامحالة آتيه ماكان جهاده صادقا
 
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
مداخلة أرجو أن يكون فيها شيء من الفائدة

مراحل تحقق العلم عند الإنسان
الإنكار ثم الشك ثم أغلب الشك ثم الظن ثم أغلب الظن ثم الاعتقاد ثم الإيمان ثم العلم ويقسم إلى قسمين حق يقين وهو ما جاء خبره من جهة معصومة من قرآن كريم أو إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو وجود الجنّة والحساب ، والاخر عين يقين وهو أن يدخل المؤمن الجنّة فيراها بأم عينيه ، نسأل الله أن لا يحرمنا وإياكم نعيم الدنيا والآخرة .
ومن المرحلة الأخيرة (قسمي العلم) قول سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأكمل التسليم

(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة:260) فسيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان يؤمن حق اليقين بأن الله يحيي الموتى وهذا ما ذكرته الآية ، لكن حصول الأمر يوصله إلى أكمل درجة من درجات العلم وهي عين اليقين.

ومنه سؤال العبد الصالح الذي مرّ على القرية الخاوية على عروشها ، فقد كان يؤمن بأن الله قادر على البعث لكنه سأل عن الكيفية فكان جوابه حينما تبيّن له أنه قال (( أعلم أن الله على كل شيء قدير))
قال تعالى:
(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة:259)

وهؤلاء العلماء هم الذين يخشون الله حق خشيته
قال تعالى:
(وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (فاطر:28)

وهم الذين أشهدهم الله ما شهد به لنفسه
قال تعالى : (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران:18) نسأل الله أن يلحقنا بهم وأن لا يحجبنا عنهم
 
الظن في القرآن الكريم يقابل العلم، وهو من أعمال العقل.
واليقين في القرآن الكريم يقابل الشك، وهو من أعمال القلب .
وكلها أفعال غير إرادية
أما الكفر الذي يقابل الإيمان فهو والإيمان فعلان إراديان.

هذا التقسيم القرآني يختلف عن التقسيم المعهود لدى علماء المنطق والكلام الذين يقسمون العلم إلى مراتب خمسة: الخطأ و الوهم والشك والظن والقطع، وعلى هذا التقسيم الظن يقابل الوهم.
أما أعمال القلب فتقسم عادة لدى العلماء إلى يقين وجحود
 
السلام عليكم
لقد أسهمت المداخلات فى اظهار مدى التباين فى فهم الأمر
وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن الاجابة الشافية لم تدرك بعد
فى قوله تعالى وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱلسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ " الجاثية 32 يظهر أن المعنى وكأنه مراحل للعلم فهم توقفوا عند الظن ولم يطلبوا اليقين ؛ وهذا خطأ إذ لابد من العمل والجد لبلوغ علم اليقين ولايصح التوقف عند مرحلة الظن
أما كون الظن والعلم من أعمال العقل ؛والشك واليقين من أعمال القلب ؛فأقول إن القلب هو مايعقل ويفقه وليس هناك عضو اسمه العقل
 
البيان الشافي من الإمام ابن القيم في مفتاح دار السعادة

البيان الشافي من الإمام ابن القيم في مفتاح دار السعادة

قال الإمام ابن القيم في كتبه الرائع مفتاح دار السعادة :" قال في الصحاح :اليقين العلم وزوال الشك يقال :منه يقنت الامر يقنا واستيقنت وايقنت وتيقنت كله بمعنى واحد وأنا على يقين منه وإنما صارت الياء واوا في موقن للضمة قبلها وإذا صغرتها رددته إلى الاصل فقلت: مييقن وربما عبروا عن الظن باليقين وبالظن عن اليقين قال :
تحسب هواس وأيقن اني ... بها مفتد من واحد لا أغامره ...
يقول :تشمم الاسد ناقتي يظن انني افتدي بها منه وأستحيي نفسي فأتركها له ولا اقتحم المهالك لمقاتلته
قلت: هذا موضع اختلف فيه اهل اللغة والتفسير هل يستعمل اليقين في موضع الظن والظن في موضع اليقين فرأى ذلك طائفة منهم الجوهري وغيره واحتجوا بسوى ما ذكر بقوله تعالى :{الذين يظنون انهم ملاقوا ربهم وأنهم اليه راجعون }ولو شكوا في ذلك لم يكونوا موقنين فضلا عن ان يمدحوا بهذا المدح ،وبقوله :{قال الذين يظنون انهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله} وبقوله تعالى:{ ورأى المجرمون النار فظنوا انهم مواقعوها }وبقول الشاعر :
فقلت لهم ظنوا بالفي مقاتل ... سراتهم في الفارسي المسرد
أي استيقنوا بهذا العدد
وأبى ذلك طائفة وقالوا: لا يكون اليقين الا للعلم واما الظن فمنهم من وافق على انه يكون الظن في موضع اليقين واجابوا عما احتج به من جوز ذلك بان قالوا هذه المواضع التي زعمتم ان الظن وقع فيها موقع اليقين كلها على بابها فإنا لم نجد ذلك الا في علم بمغيب ولم نجدهم يقولون لمن رأى الشيء اظنه ولمن ذاقه اظنه وإنما يقال لغائب قد عرف بالسمع والعلم فإذا صار الى المشاهدة امتنع الى اطلاق الظن عليه
قالوا: وبين العيان والخبر مرتبة متوسطة باعتبارها أوقع على العلم بالغائب الظن لفقد الحال التي تحصل المدركة بالمشاهدة وعلى هذا خرجت سائر الادلة التي ذكرتموها
ولا يرد على هذا قوله :{ورأى المجرمون النار فظنوا انهم مواقعوها}؛ لأن الظن انما وقع على مواقعتها وهي غيب حال الرؤية فإذا واقعوها لم يكن ذلك ظناً، بل حق يقين
قالوا :وأما قول الشاعر :وايقن انني بها مفتد :فعلى بابه لأنه ظن أن الاسد لتيقنه شجاعته وجراءته موقن بان الرجل يدع له ناقته يفتدى بها من نفسه قالوا وعلى هذا يخرج معنى الحديث :"نحن احق بالشك من إبراهيم "وفيه اجوبة ،لكن بين العيان والخير رتبة طلب إبراهيم زوالها بقوله:{ ولكن ليطمئن قلبي } فعبر عن تلك الرتبة بالشك والله اعلم"اهـ
 
ولعلي أقول في قوله تعالى:"ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها": لعلهم يرجون رحمة الله، ومن هنا لم يتيقنوا المواقعة للنار.
 
الرجاء أخي الكريم أن تقرأ ما قاله شيخ الإسلام ابن القيم حول هذه الأية فيما نقلته لك ، وأن تتوسع في ذلك فتقرأ كتب التفسير ، لأنه كلام الله تعالى، والزركشي في برهانه تكلم على معنى الظن ، وكذا نقل السيوطي عنه في الإتقان
 
عودة
أعلى