أخي الكريم
ما يتعلق بموضوعكم مسطر ومبثوث في كتب الوقف والابتداء ؛ ككتاب ابن الأنباري والداني والسجاوندي والأشموني وغيرهم ، لكنا كما تعلم أمة لا نقرأ ، والله المستعان .
اما ما يتعلق بخطأ بعض الأئمة فهو واقع لأن تعلم هذا العلم مما لا يكاد يُذكر عند القراء فضلاً عن غيرهم ، فأفسر لك الحال ولا أبرر لك الواقع ، والله المستعان أيضًا .
وكم من إمام قد رام وقوفًا يظنها حسنة ، وهي في عداد القبيح ، بل لقد رأيت لبعض فضلاء العصر ممن يُعدون من القراء وقوفًا غريبة ، وقد تاملت حالهم ، فوجدتهم يتوهمون معنًى قبيحًا ، ثم يهربون منه إما بوقف و إما بوصل على حسب حال الجملة التي وقع فيها التوهم .
كما رأيت بعضهم يتذوق الوقوف ويتصيد المعاني منها ، وهذا مسلك غير سديد ، فالمعنى أولاً ، ثمَّ يترتب عليه الوقف .
ولولا طول هذا الموضوع لآفضت فيه بشيء من التفصيل ، لكن أذكر لك على سبيل التذكرة وقفًا مشهورًا يخالف ما عليه تفسير السلف ، وذلك في أول وقف تعانق في المصحف ، حيث يوجدعلى شبه الجملة ( فيه ) .
فلو وقفت على ( ذلك الكتاب لا ريب ) ثم قلت : ( فيه هدى للمتقين ) فيترتب على هذا الوقف أمران :
الأول : أن خبر لا النافية محذوف تقديره ( فيه ) ، ويكون تمام المعنى على هذا : ذلك الكتاب لا ريب فيه ، فيه هدى للمتقين .
الثاني : أن القرآن يشتمل على الهدى ، ولا يلزم أن يكون كله هدى ، فهو فيه هدى فقط .
وهذا الوقف يخالف تفسير السلف الذين أجمعوا على تفسير ( لا ريب فيه ) بــ( لا شك فيه ) ، ولم يرد عن واحد منهم أنه فصل شبه الجملة ( فيه ) عن سابقتها ، مما يدل على أنهم يرونها جملة مستقلة ، ولا تقدير فيها ، وإذا تعارض التقدير أو الإضمار مع الاستقلال قُدِّم الاستقلال ؛ أي : أن جملة ( لا ريب فيه ) جملة مستقة ليس فيها إضمار ولا تحتاج إلى تقدير .
كما أن تفسير السلف يدل على أن القرآن كله هدى ، حيث يجعلون جملة ( هدى للمتقين ) جملة مستقلة ، وهذا يعني أنه كله هدى ، وهذا أبلغ من الوجه المذكور في الوقف الأول .
كما يلاحظ أيضًا أن المدلول عليه في الوجه الأول جزء من مدلول الوجه الثاني ، والوجه الثاني أعم منه وأبلغ ، وعليه تفسير السلف ، فهو المقدم ، والله أعلم .
ومن هذا تعلم أنه لا حاجة إلى وقف التعانق في مثل هذا الموضع ، والله أعلم .
وقس على ذلك غيره من الوقوف ، فإنك ستجد كثيرًا منها إما بسبب التوهم ، وإما بسبب التذوق الخاص ، والله الموفق .