د محمد الجبالي
Well-known member
لفت النظر لبعض الزلات في كتاب [دراسات لأسلوب القرآن الكريم]
للشيخ عبد الخالق عضيمة
تذكرت هذا الكتاب [دراسات لأسلوب القرآن الكريم] حين نشر بعض الأخوة على صفحته تزكية له، حيث إني كان لي معه ذكريات لا تنسى، فقد كان الكتاب أحد أهم مراجعي في بحث الماجستير الذي موضوعه [القصر بالأدوات في القرآن الكريم] وحيث إن أسلوب القصر بطرقه جميعا أحد مباحث كتاب [دراسات لأسلوب القرآن الكريم] فكان عليَّ كباحث أن أفحص كل ما قدم الشيخ في أسلوب القصر مما هو موضع بحثي في الماجستير، ومن ذلك إحصاءاته لمواضع أسلوب القصر وطرقه في القرآن الكريم، فقد وقفت على أخطاء عجيبة لا أدري كيف وقع فيها الشيخ، حتى أنني جال بخاطري سوء ظن بالشيخ فظننت به كأن هذا الباب الذي أقوم بدراسته من كتابه كأنه مجموعة أبحاث لطلابه، وقد هممت أن أخبر أستاذنا الأستاذ الدكتور أحمد فرحات بهذا الخاطر وهذا الظن أثناء مناقشة بحث الماجستير في سمنار المناقشة الأخير الذي يسبق الطباعة لتسليم البحث، فقد مهدت في الكلام معه بذكر كتاب [دراسات لأسلوب القرآن الكريم] ومؤلفه، فقام الدكتور أحمد فرحات بالثناء على الرجل ثناء عظيما، فصرفت النظر عن مصاحته بما جال في خاطري.
لكني سجلت كل ملاحظاتي في بحث الماجستير، مع توثيق كلامي، فلم أنقد نقدا عبثا بل كل بالدليل وهاهي لعلها تنفع الباحثين الذي يرجعون لهذا الكتاب:
أولا: في إحصاءات الشيخ عبد الخالق لمواضع القصر بـ [النفي والاسثناء] في القرآن وقفت على ما يلي:
لم تقع يدي على إحصاء تام للقصر بالنفي والاستثناء في القرآن الكريم ، اللهم إلا محاولة للشيخ عبد الخالق عضيمة في كتابه [ دراسات لأسلوب القرآن الكريم ][1] ، وتلك المحاولة تَنُمُّ عن جهد كبير قد بذل فيها ، إلا أني وقفت فيها على ملاحظات شتى، كما أن بحثه يكاد يكون دراسة نحوية بحتة ، قامت على تقسيم أساليب القصر على أساس الموقع الإعرابي للاسم الذي يلي [إلا]، فجمع هذه الأساليب في مجموعات فما كان خبرا وضعه في مجموعة ، وما كان فاعلا خُصَّ بمجموعة ، وما كان مبتدأ أو مفعولا أو حالا أو ظرفا أو غير ذلك من المواقع الإعرابية جعل كلا منها في مجموعة قائمة بذاتها ، فكان تقسيمه وترتيبه على أساس نحوي.
وقد عرضت إحصاءاتي على بعض الإحصاءات التي أجراها ، وقارنتها بها ، فوقفت على كثير من الملاحظات والأخطاء ، وقبل أن أعرضها أود أن أؤكد أن تلك المراجعات ما أردت بها النيل من كتاب [دراسات لأسلوب القرآن الكريم]، أو التقليل من شأنه، أو من شأن صاحبه - جزاه الله خيرا وغفر الله لي وله - إنما الذي جعلني أقف على تلك الأخطاء أني كنت أراجع وأقارن إحصائي بإحصائه، فبدا لي العديد من الأخطاء والملاحظات، فسجلتها، ليس لأثبت أن إحصائي أدق، وإنما لألفت نظر الباحثين والدارسين لهذا الكتاب، وضرورة تحقيقه، وتصحيحه، فالكتاب قيم، وهو جهد ضخم في (أحد عشر مجلدا )[2]. وهذا بعض ما ظهر لي من خلال مقارنة إحصاءاتي بإحصاءات الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة:
1 .2- ذكر الآيات (14) من (المؤمنون)، و(43، و 59) من سورة (ص) أنها مما تحوي
القصر وما بعد [إلا] فيها [خبر مفرد] ، والحق أن هذه الآيات تخلو من [إلا]، وقد يذكر الآية دون أن يشير أن القصر ورد فيها أكثر من مرة ، فمن ذلك : ذكر الآية (43) من سورة سبأ ، ولم يشر إلى أن القصر ورد فيها ثلاث مرات ، والاسم بعد [إلا] في المرات الثلاث وقع [خبرا مفردا] .
1 . 3- ترك أربعة مواضع لـ [إلا] جاء فيها ما بعدها [خبرا مفردا] ، وتلك الآيات
هي : (85) من سورة البقرة ، و(7) من الأنعام ، و (59) من الزخرف ، و(31) من المدثر.
2 .2- ترك إحدى عشرة آية من شواهد القصر، ورد فيها ما بعد [إلا] [فاعلا]، وهي الآيات: (130، 213) من سورة البقرة ، و(135) من آل عمران، و(59) من الأنعام ، و(83) من يونس، و(27) من هود، و(56) من الحجر، و(102) من الإسراء، و(3) من النور، و(65) من النمل، و(47) من العنكبوت وبعض هذه الآيات السابقة وردت فيها [إلا] أكثر من مرة إحداها فاعل.
2 .3- أخطأ في إعراب ما بعد [ إلا ] في قوله تعالى : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ، إلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء 88-89) فَعَدَّ [مَنْ] [فاعلا] ، وقد رأى البعض أنه [مستثنى منصوب] [5]، ومن ثَمَّ فعلى إعرابه [مستثنى] لابد من تقدير [مستثنى منه] قبل [إلا] فيكون التقدير : ( يوم لا ينفع مال ولا بنون أحدا إلا من أتى الله بقلب سليم) وعلى هذا التقدير يجوز فيما بعد [إلا] النصب على وجهين ، الاستثناء أو البدلية . ويرى الزمخشري أن [مَنْ] [مفعول به] قال: " أي: لا ينفع مال ولا بنون ، إلا رجلاً سلم قلبه مع ماله حيث أنفقه في طاعة الله، ومع بنيه حيث أرشدهم إلى الدين وعلمهم الشرائع "[6]، وهذا الرأي هو الذي أميل إليه ، وأختاره.
2 . 4- ذكر أن الآية (54) من سورة التوبة ورد فيها ما بعد [إلا] فاعلا ، وبالنظر في هذه الآية وجدت أن [إلا] وردت فيها ثلاث مرات ، جاء بعد [إلا] في كل مرة جملة اسمية، الأولى منها تؤول فيها الجملة (إن واسمها وخبرها) بـ [فاعل]، وكان الأولى أن يوضح ذلك، وتلك هي الآية: ( وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إلا أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إلا وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إلا وَهُمْ كَارِهُونَ) ( التوبة 54).
والغريب أن هناك آيات أخرى جاء ما بعد [ إلا ] فيها جملة فعلية تؤول في محل رفع [فاعل] ولم يذكرها وهي قول الله تعالى : (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) (الإسراء 59)، ومثل ذلك في الآيتين:
(94) من الإسراء، و(55) من الكهف.
5 . 1- ذكر آيات تخلو تماما من [ إلا ] وتلك الآيات التي أشار إليها هي: (17) من
سورة النحل، و(13) المؤمنون، و(36) فاطر، والآيات (9 ، 21 ، 46) من سورة
الزخرف.
5 . 2- ذكر من سورة الرعد الآيات (47 ، 89 ، 99) في حين أن سورة الرعد كلها ثلاث وأربعون آية فقط. وقارنت تلك الأرقام بأرقام آيات سور أخرى وردت فيها [إلا] وما بعدها [مفعول به] - قلت لعله خلط في اسم السورة - فما وجدت .
5 . 3- ذكر من سورة فاطر الآية (49) في حين أن السورة كلها خمس وأربعون آية فقط
5 . 4- ترك أحد عشر موضعا لـ [إلا] جاء فيها ما بعدها [مفعولا به] وتلك الآيات هي: (84) من سورة النساء، و(160) الأنعام، و(23 ، 47) الإسراء، و(8) الفرقان، و(88) الشعراء، و(53) الروم، و(13) الأحزاب، و(49) يس، و(9 ، 21) الأحقاف.
5 . 5- أحصى المفعول به المفرد ، ولم يحص المفعول به الذي ورد بعد [إلا] مصدرا مؤولا أو شبه جملة جارا ومجرورا، فقد جاء المفعول به بعد [إلا] مصدرا مؤولا في الآيات: (210) من سورة البقرة، و(158) الأنعام، و(19) القصص، و(8) البروج . وجاء المفعول به بعد [إلا] في أسلوب القصر شبه جملة جارا ومجرورا في الآيات : (73) آل عمران ، و(123 ، 164) الأنعام، و(28) الأنبياء، و(31) النور، و(23) سبأ، و(43) فاطر.
6- أحصى الشيخ – رحمه الله – آيات كلمة التوحيد ، ووجدت جملتها في إحصائه أربعة وثلاثين موضعا[10]، في حين أني أحصيت لكلمة التوحيد أربعين موضعا ، فقد ترك هذه المواضع: (87) من سورة النساء، و(14) سورة طه، و(65) ص ، (62 ، 65) غافر، و(23) الحشر.
وأود أن أشير أني لم أعرض لكل إحصاءات الشيخ محمد عبد الخالق، وإنما أردت فقط أن أستوثق من إحصاءاتي، فبحثت وعارضت الشيخ فيما نوهت إليه، أما باقي إحصاءاته فلم أتعرض لها، ولن أشغل نفسي بالمقارنة، وإلا خرجنا عن مقصد البحث.
ثانيا: في إحصاء الشيخ لمواضع [ إنما ] التي للقصر في القرآن:
لم تقع يدي على إحصاء شامل دقيق لمواضع القصر بـ [ إنما ] في القرآن إلا محاولة للشيخ عبد الخالق عضيمة حيث أحصى سبعة وعشرين ومائة موضعا[11]، لكنني راجعت تلك المواضع التي وقف عليها الشيخ وأحصاها فوجدت عدم الدقة في الإحصاء من نواح عدة، هذا رغم أنه -جزاه الله خيرا- غاية في الصبر في البحث والنقل، وكتابه الضخم[12] مرجع عظيم للدارسين والباحثين في علوم القرآن، وظني أن ذلك يرجع إلى أنه ما قصد الإحصاء، وإنما قصد الجمع دون الإحصاء، ووجدت عدم الدقة فيما يلي:
1- ذكر أن [ إنما ] وردت في الآية (59) من التوبة والصحيح الآية (60) منها ، والآية (19) من يونس والصحيح (20) منها، والآية (43) من إبراهيم والصحيح (42) منها، والآية (45) من لقمان والصحيح (12) منها، والآية (21) من الملك والصحيح (26) منها.
2- ذكر أرقام آيات يقول أنها موضع لـ [ إنما ] والعجيب أنه لا يوجد أثر لـ [ إنما ] فيها ولا في الآية التي قبلها ولا في التي بعدها فذكر مثلا: ثلاثة مواضع في سورة الدخان (58 ، 47 ، 38 ) والصحيح أنها لا توجد في الدخان إلا في موضع واحد هو الآية (58).
3- لم يراع الشيخ خلال إحصائه الترتيب والمنهجية، سواء ترتيب السور أو ترتيب الآيات ؛ حيث ذكر آل عمران ثلاث مرات، الأولى أول الإحصاء ( آل عمران 175 ، 178 )، ثم عاد وذكرها وسط الإحصاء ( آل عمران 2 ، 47 )، ثم عاد وذكرها آخر الإحصاء ( آل عمران 185 )، وذكر سورة العنكبوت ثلاث مرات على هذا المنوال، وذكر البقرة، والنساء، ويونس، والرعد، والنحل، والإسراء، ومريم، والنور، ولقمان، وسبأ، وفاطر، والزمر، وغافر كلا منها مرتين.
4- بلغ عدد ما أحصاه الشيخ من مواضع [ إنما ] التي هي للقصر سبعة وعشرين ومائة موضعا فقط ، وقد أحصيت لها واحدا وستين ومائة موضعا، ولست أدري كيف غفل عن أربعة وثلاثين موضع قصر بـ [ إنما ]؟! لكني أَخْلُصُ من ذلك أن شيخنا لم يقصد إحصاء مواضع قصر [ إنما ] إحصاء تاما ، ولكن قصد أن يجمع ما تقع عينه عليه من مواضعها ويدل على ذلك ما يلي:
4 . 1- أنه لم يشر أنه أحصى مواضع [ إنما ] التي هي للقصر.
4 . 2- تركه لهذا العدد الكبير (أربعة وثلاثين موضعا) من مواضع القصر بـ [إنما] .
4 . 3- مقالته التي قالها قبل أن يذكر إحصاءه حيث قال بعد أن بَيّنَ أثر [ ما ] الكافة على [
إنَّ ، أنَّ ] : ( [ إنما ] التي هي عبارة عن [ إن ] المكفوفة بـ [ ما ] الزائدة جاءت في مواضع كثيرة من القرآن الكريم ([13] ثم ذكر سبعة وعشرين ومائة موضعا يذكر السورة وأرقام الآيات .
ثالثا: في إحصاء لشواهد [ بل ] في القرآن الكريم :
قد أجريت إحصاء لـ [ بل ] ووجدت أن [ بل ] وردت في القرآن الكريم سبعا وعشرين ومائة مرة خلال إحدى وعشرين ومائة آية ، حيث تكررت مرتين في آيتي [(ص 8) ، (الفتح 15)]، وتكررت ثلاث مرات في آيتي [(النمل 66) ، (الأنبياء 3)].
وهذه المواضع تشمل أحوال [ بل] سواء كونها للإضراب الإبطالي أو الإضراب الانتقالي، وقد عقد الشيخ عبد الخالق عضيمة دراسة شاملة لـ [ بل ] في القرآن الكريم، جمع فيها شواهدها، وجعلها في مجموعتين إحداها للإضراب الإبطالي، والأخرى للإضراب الانتقالي، وقد عَدَّ للإضراب الإبطالي ثلاثين موضعا، وللإضراب الانتقالي تسعين موضعا[14].
ولن أناقش الشيخ في تقسيمه للشواهد؛ حيث إني قد خالفته في بعض الشواهد التي ضمنها مجموعة الإضراب الانتقالي، ورأيت أنها تدخل تحت الإضراب الإبطالي، وكذا بعض الشواهد التي ضمنها مجموعة الإضراب الإبطالي ، ورأيت أن الأليق بها ضمن الإضراب الانتقالي.
د. محمد الجبالي
[1] هذا الكتاب عظيم قيم إلا أنه في حاجة إلى تحقيق ، وتحقيقه يحتاج إلى فريق عمل متكامل حيث إنه أحد عشر مجلدا كبيرا رحم الله مؤلفه رحمة واسعة.
[2] قدم له الأستاذ محمود محمد شاكر ، 1425هـ ، 2004م ، طبع في مصر : مطبعة دار الحديث القاهرة .
[3] محمد عبد الخالق عضيمة ، دراسات لأسلوب القرآن الكريم ، مج 1 ، ق1 ، ج1 ، ص249 .
[4] المصدر السابق ، مج1 ، ق1 ، ج1 ، ص252 .
[5] معجم إعراب ألفاظ القرآن الكريم ، 1995م ، راجعه الشيخ محمد فهيم أبو عبية ، قدم له سيد طنطاوي ، ط1 ، بيروت: مكتبة لبنان ناشرون ، ص485 / وعبد الله بن محمد بن أَجُرُّوم ، مشكل إعراب القرآن ، كتاب الكتروني ، موقع نداء الإيمان ، Al-Eman|نداء الإيمان ، 28/02/2008.
[6] الزمخشري ، الكشاف ، تحقيق : عبد الرازق المهدي ، ج3 ، ص326 .
[7] محمد عبد الخالق عضيمة ، دراسات لأسلوب القرآن ، مج1 ، ق1 ، ج1 ، ص250 .
[8] المصدر السابق ، مج1 ، ق1 ، ج1 ، ص250-251
[9] المصدر السابق ، مج1 ، ق1 ، ج1 ، ص253 .
[10] المصدر السابق ، مج1 ، ق1 ، ج1 ، ص227-229 .
[11] محمد عبد الخالق عضيمة ، دراسات لأسلوب القرآن الكريم ، مج1، ق1 ، ج1 ، ص 510 .
[12] دراسات لأسلوب القرآن الكريم ، أحد عشر مجلدا كبيرا ، أول دراسة تقوم على استقراء أسلوب القرآن في جميع رواياته ، وهو دراسة نحوية صرفية .
[13] المصدر السابق مج1 ، ق1 ، ج1 ، ص510
[14] تكرر فيها الشاهدان السابع والثامن كلاهما مرتين عن سهو - والله أعلم - فقد أعاد ذكرهما في الخامس عشر والسادس عشر
للشيخ عبد الخالق عضيمة
تذكرت هذا الكتاب [دراسات لأسلوب القرآن الكريم] حين نشر بعض الأخوة على صفحته تزكية له، حيث إني كان لي معه ذكريات لا تنسى، فقد كان الكتاب أحد أهم مراجعي في بحث الماجستير الذي موضوعه [القصر بالأدوات في القرآن الكريم] وحيث إن أسلوب القصر بطرقه جميعا أحد مباحث كتاب [دراسات لأسلوب القرآن الكريم] فكان عليَّ كباحث أن أفحص كل ما قدم الشيخ في أسلوب القصر مما هو موضع بحثي في الماجستير، ومن ذلك إحصاءاته لمواضع أسلوب القصر وطرقه في القرآن الكريم، فقد وقفت على أخطاء عجيبة لا أدري كيف وقع فيها الشيخ، حتى أنني جال بخاطري سوء ظن بالشيخ فظننت به كأن هذا الباب الذي أقوم بدراسته من كتابه كأنه مجموعة أبحاث لطلابه، وقد هممت أن أخبر أستاذنا الأستاذ الدكتور أحمد فرحات بهذا الخاطر وهذا الظن أثناء مناقشة بحث الماجستير في سمنار المناقشة الأخير الذي يسبق الطباعة لتسليم البحث، فقد مهدت في الكلام معه بذكر كتاب [دراسات لأسلوب القرآن الكريم] ومؤلفه، فقام الدكتور أحمد فرحات بالثناء على الرجل ثناء عظيما، فصرفت النظر عن مصاحته بما جال في خاطري.
لكني سجلت كل ملاحظاتي في بحث الماجستير، مع توثيق كلامي، فلم أنقد نقدا عبثا بل كل بالدليل وهاهي لعلها تنفع الباحثين الذي يرجعون لهذا الكتاب:
أولا: في إحصاءات الشيخ عبد الخالق لمواضع القصر بـ [النفي والاسثناء] في القرآن وقفت على ما يلي:
لم تقع يدي على إحصاء تام للقصر بالنفي والاستثناء في القرآن الكريم ، اللهم إلا محاولة للشيخ عبد الخالق عضيمة في كتابه [ دراسات لأسلوب القرآن الكريم ][1] ، وتلك المحاولة تَنُمُّ عن جهد كبير قد بذل فيها ، إلا أني وقفت فيها على ملاحظات شتى، كما أن بحثه يكاد يكون دراسة نحوية بحتة ، قامت على تقسيم أساليب القصر على أساس الموقع الإعرابي للاسم الذي يلي [إلا]، فجمع هذه الأساليب في مجموعات فما كان خبرا وضعه في مجموعة ، وما كان فاعلا خُصَّ بمجموعة ، وما كان مبتدأ أو مفعولا أو حالا أو ظرفا أو غير ذلك من المواقع الإعرابية جعل كلا منها في مجموعة قائمة بذاتها ، فكان تقسيمه وترتيبه على أساس نحوي.
وقد عرضت إحصاءاتي على بعض الإحصاءات التي أجراها ، وقارنتها بها ، فوقفت على كثير من الملاحظات والأخطاء ، وقبل أن أعرضها أود أن أؤكد أن تلك المراجعات ما أردت بها النيل من كتاب [دراسات لأسلوب القرآن الكريم]، أو التقليل من شأنه، أو من شأن صاحبه - جزاه الله خيرا وغفر الله لي وله - إنما الذي جعلني أقف على تلك الأخطاء أني كنت أراجع وأقارن إحصائي بإحصائه، فبدا لي العديد من الأخطاء والملاحظات، فسجلتها، ليس لأثبت أن إحصائي أدق، وإنما لألفت نظر الباحثين والدارسين لهذا الكتاب، وضرورة تحقيقه، وتصحيحه، فالكتاب قيم، وهو جهد ضخم في (أحد عشر مجلدا )[2]. وهذا بعض ما ظهر لي من خلال مقارنة إحصاءاتي بإحصاءات الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة:
- في المواضع التي ذكر أن ما بعد [ إلا ] وقع [ خبرا لمبتدأ ][3]، ذكر أرقام الآيات وأسماء السور فقط ، ووجدت في إحصائها ما يلي :
1 .2- ذكر الآيات (14) من (المؤمنون)، و(43، و 59) من سورة (ص) أنها مما تحوي
القصر وما بعد [إلا] فيها [خبر مفرد] ، والحق أن هذه الآيات تخلو من [إلا]، وقد يذكر الآية دون أن يشير أن القصر ورد فيها أكثر من مرة ، فمن ذلك : ذكر الآية (43) من سورة سبأ ، ولم يشر إلى أن القصر ورد فيها ثلاث مرات ، والاسم بعد [إلا] في المرات الثلاث وقع [خبرا مفردا] .
1 . 3- ترك أربعة مواضع لـ [إلا] جاء فيها ما بعدها [خبرا مفردا] ، وتلك الآيات
هي : (85) من سورة البقرة ، و(7) من الأنعام ، و (59) من الزخرف ، و(31) من المدثر.
- 4 في المواضع التي ذكر أن ما بعد [إلا] فيها وقع [فاعلا ][4]، ذكر أرقام الآيات وأسماء السور فقط ، ووجدت ما يلي:
2 .2- ترك إحدى عشرة آية من شواهد القصر، ورد فيها ما بعد [إلا] [فاعلا]، وهي الآيات: (130، 213) من سورة البقرة ، و(135) من آل عمران، و(59) من الأنعام ، و(83) من يونس، و(27) من هود، و(56) من الحجر، و(102) من الإسراء، و(3) من النور، و(65) من النمل، و(47) من العنكبوت وبعض هذه الآيات السابقة وردت فيها [إلا] أكثر من مرة إحداها فاعل.
2 .3- أخطأ في إعراب ما بعد [ إلا ] في قوله تعالى : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ، إلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء 88-89) فَعَدَّ [مَنْ] [فاعلا] ، وقد رأى البعض أنه [مستثنى منصوب] [5]، ومن ثَمَّ فعلى إعرابه [مستثنى] لابد من تقدير [مستثنى منه] قبل [إلا] فيكون التقدير : ( يوم لا ينفع مال ولا بنون أحدا إلا من أتى الله بقلب سليم) وعلى هذا التقدير يجوز فيما بعد [إلا] النصب على وجهين ، الاستثناء أو البدلية . ويرى الزمخشري أن [مَنْ] [مفعول به] قال: " أي: لا ينفع مال ولا بنون ، إلا رجلاً سلم قلبه مع ماله حيث أنفقه في طاعة الله، ومع بنيه حيث أرشدهم إلى الدين وعلمهم الشرائع "[6]، وهذا الرأي هو الذي أميل إليه ، وأختاره.
2 . 4- ذكر أن الآية (54) من سورة التوبة ورد فيها ما بعد [إلا] فاعلا ، وبالنظر في هذه الآية وجدت أن [إلا] وردت فيها ثلاث مرات ، جاء بعد [إلا] في كل مرة جملة اسمية، الأولى منها تؤول فيها الجملة (إن واسمها وخبرها) بـ [فاعل]، وكان الأولى أن يوضح ذلك، وتلك هي الآية: ( وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إلا أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إلا وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إلا وَهُمْ كَارِهُونَ) ( التوبة 54).
والغريب أن هناك آيات أخرى جاء ما بعد [ إلا ] فيها جملة فعلية تؤول في محل رفع [فاعل] ولم يذكرها وهي قول الله تعالى : (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) (الإسراء 59)، ومثل ذلك في الآيتين:
(94) من الإسراء، و(55) من الكهف.
- في المواضع التي ذكر أن ما بعد [إلا] وقع [خبرا جملة فعلية][7] ، ذكر نص الآيات مصحوبة برقم الآية واسم السورة ، ووجدت ما يلي : ترك الآيتين (15) من سورة يس ، و(20) من الزخرف ، وقد ورد فيهما القصر بـ [إلا] وما بعد [إلا] خبر جملة فعلية .
- في المواضع التي ذكر أن ما بعد [إلا] وقع [خبرا شبه جملة جارا ومجرورا][8]، وجدت أنه ترك الآيات: (126) من سورة آل عمران ، و(40 ، 67) من يوسف ، و(145، 180) من الشعراء ، و(47) من سبأ ، و(36) من الحاقة.
- مَيَّزَ الشيخ -جزاه الله خيرا- بين أنواع المفعولات التي وقعت بعد [ إلا ] ، فأحصى لكل نوع شواهده من القرآن ، وجعل كل نوع وشواهده في مجموعة واحدة، لكنّ المواضع التي ذكر أن ما بعد [إلا] جاء [مفعولا به][9] وجدت خلطا عظيما، وإليكم ما وقفت عليه:
5 . 1- ذكر آيات تخلو تماما من [ إلا ] وتلك الآيات التي أشار إليها هي: (17) من
سورة النحل، و(13) المؤمنون، و(36) فاطر، والآيات (9 ، 21 ، 46) من سورة
الزخرف.
5 . 2- ذكر من سورة الرعد الآيات (47 ، 89 ، 99) في حين أن سورة الرعد كلها ثلاث وأربعون آية فقط. وقارنت تلك الأرقام بأرقام آيات سور أخرى وردت فيها [إلا] وما بعدها [مفعول به] - قلت لعله خلط في اسم السورة - فما وجدت .
5 . 3- ذكر من سورة فاطر الآية (49) في حين أن السورة كلها خمس وأربعون آية فقط
5 . 4- ترك أحد عشر موضعا لـ [إلا] جاء فيها ما بعدها [مفعولا به] وتلك الآيات هي: (84) من سورة النساء، و(160) الأنعام، و(23 ، 47) الإسراء، و(8) الفرقان، و(88) الشعراء، و(53) الروم، و(13) الأحزاب، و(49) يس، و(9 ، 21) الأحقاف.
5 . 5- أحصى المفعول به المفرد ، ولم يحص المفعول به الذي ورد بعد [إلا] مصدرا مؤولا أو شبه جملة جارا ومجرورا، فقد جاء المفعول به بعد [إلا] مصدرا مؤولا في الآيات: (210) من سورة البقرة، و(158) الأنعام، و(19) القصص، و(8) البروج . وجاء المفعول به بعد [إلا] في أسلوب القصر شبه جملة جارا ومجرورا في الآيات : (73) آل عمران ، و(123 ، 164) الأنعام، و(28) الأنبياء، و(31) النور، و(23) سبأ، و(43) فاطر.
6- أحصى الشيخ – رحمه الله – آيات كلمة التوحيد ، ووجدت جملتها في إحصائه أربعة وثلاثين موضعا[10]، في حين أني أحصيت لكلمة التوحيد أربعين موضعا ، فقد ترك هذه المواضع: (87) من سورة النساء، و(14) سورة طه، و(65) ص ، (62 ، 65) غافر، و(23) الحشر.
وأود أن أشير أني لم أعرض لكل إحصاءات الشيخ محمد عبد الخالق، وإنما أردت فقط أن أستوثق من إحصاءاتي، فبحثت وعارضت الشيخ فيما نوهت إليه، أما باقي إحصاءاته فلم أتعرض لها، ولن أشغل نفسي بالمقارنة، وإلا خرجنا عن مقصد البحث.
ثانيا: في إحصاء الشيخ لمواضع [ إنما ] التي للقصر في القرآن:
لم تقع يدي على إحصاء شامل دقيق لمواضع القصر بـ [ إنما ] في القرآن إلا محاولة للشيخ عبد الخالق عضيمة حيث أحصى سبعة وعشرين ومائة موضعا[11]، لكنني راجعت تلك المواضع التي وقف عليها الشيخ وأحصاها فوجدت عدم الدقة في الإحصاء من نواح عدة، هذا رغم أنه -جزاه الله خيرا- غاية في الصبر في البحث والنقل، وكتابه الضخم[12] مرجع عظيم للدارسين والباحثين في علوم القرآن، وظني أن ذلك يرجع إلى أنه ما قصد الإحصاء، وإنما قصد الجمع دون الإحصاء، ووجدت عدم الدقة فيما يلي:
1- ذكر أن [ إنما ] وردت في الآية (59) من التوبة والصحيح الآية (60) منها ، والآية (19) من يونس والصحيح (20) منها، والآية (43) من إبراهيم والصحيح (42) منها، والآية (45) من لقمان والصحيح (12) منها، والآية (21) من الملك والصحيح (26) منها.
2- ذكر أرقام آيات يقول أنها موضع لـ [ إنما ] والعجيب أنه لا يوجد أثر لـ [ إنما ] فيها ولا في الآية التي قبلها ولا في التي بعدها فذكر مثلا: ثلاثة مواضع في سورة الدخان (58 ، 47 ، 38 ) والصحيح أنها لا توجد في الدخان إلا في موضع واحد هو الآية (58).
3- لم يراع الشيخ خلال إحصائه الترتيب والمنهجية، سواء ترتيب السور أو ترتيب الآيات ؛ حيث ذكر آل عمران ثلاث مرات، الأولى أول الإحصاء ( آل عمران 175 ، 178 )، ثم عاد وذكرها وسط الإحصاء ( آل عمران 2 ، 47 )، ثم عاد وذكرها آخر الإحصاء ( آل عمران 185 )، وذكر سورة العنكبوت ثلاث مرات على هذا المنوال، وذكر البقرة، والنساء، ويونس، والرعد، والنحل، والإسراء، ومريم، والنور، ولقمان، وسبأ، وفاطر، والزمر، وغافر كلا منها مرتين.
4- بلغ عدد ما أحصاه الشيخ من مواضع [ إنما ] التي هي للقصر سبعة وعشرين ومائة موضعا فقط ، وقد أحصيت لها واحدا وستين ومائة موضعا، ولست أدري كيف غفل عن أربعة وثلاثين موضع قصر بـ [ إنما ]؟! لكني أَخْلُصُ من ذلك أن شيخنا لم يقصد إحصاء مواضع قصر [ إنما ] إحصاء تاما ، ولكن قصد أن يجمع ما تقع عينه عليه من مواضعها ويدل على ذلك ما يلي:
4 . 1- أنه لم يشر أنه أحصى مواضع [ إنما ] التي هي للقصر.
4 . 2- تركه لهذا العدد الكبير (أربعة وثلاثين موضعا) من مواضع القصر بـ [إنما] .
4 . 3- مقالته التي قالها قبل أن يذكر إحصاءه حيث قال بعد أن بَيّنَ أثر [ ما ] الكافة على [
إنَّ ، أنَّ ] : ( [ إنما ] التي هي عبارة عن [ إن ] المكفوفة بـ [ ما ] الزائدة جاءت في مواضع كثيرة من القرآن الكريم ([13] ثم ذكر سبعة وعشرين ومائة موضعا يذكر السورة وأرقام الآيات .
ثالثا: في إحصاء لشواهد [ بل ] في القرآن الكريم :
قد أجريت إحصاء لـ [ بل ] ووجدت أن [ بل ] وردت في القرآن الكريم سبعا وعشرين ومائة مرة خلال إحدى وعشرين ومائة آية ، حيث تكررت مرتين في آيتي [(ص 8) ، (الفتح 15)]، وتكررت ثلاث مرات في آيتي [(النمل 66) ، (الأنبياء 3)].
وهذه المواضع تشمل أحوال [ بل] سواء كونها للإضراب الإبطالي أو الإضراب الانتقالي، وقد عقد الشيخ عبد الخالق عضيمة دراسة شاملة لـ [ بل ] في القرآن الكريم، جمع فيها شواهدها، وجعلها في مجموعتين إحداها للإضراب الإبطالي، والأخرى للإضراب الانتقالي، وقد عَدَّ للإضراب الإبطالي ثلاثين موضعا، وللإضراب الانتقالي تسعين موضعا[14].
ولن أناقش الشيخ في تقسيمه للشواهد؛ حيث إني قد خالفته في بعض الشواهد التي ضمنها مجموعة الإضراب الانتقالي، ورأيت أنها تدخل تحت الإضراب الإبطالي، وكذا بعض الشواهد التي ضمنها مجموعة الإضراب الإبطالي ، ورأيت أن الأليق بها ضمن الإضراب الانتقالي.
د. محمد الجبالي
[1] هذا الكتاب عظيم قيم إلا أنه في حاجة إلى تحقيق ، وتحقيقه يحتاج إلى فريق عمل متكامل حيث إنه أحد عشر مجلدا كبيرا رحم الله مؤلفه رحمة واسعة.
[2] قدم له الأستاذ محمود محمد شاكر ، 1425هـ ، 2004م ، طبع في مصر : مطبعة دار الحديث القاهرة .
[3] محمد عبد الخالق عضيمة ، دراسات لأسلوب القرآن الكريم ، مج 1 ، ق1 ، ج1 ، ص249 .
[4] المصدر السابق ، مج1 ، ق1 ، ج1 ، ص252 .
[5] معجم إعراب ألفاظ القرآن الكريم ، 1995م ، راجعه الشيخ محمد فهيم أبو عبية ، قدم له سيد طنطاوي ، ط1 ، بيروت: مكتبة لبنان ناشرون ، ص485 / وعبد الله بن محمد بن أَجُرُّوم ، مشكل إعراب القرآن ، كتاب الكتروني ، موقع نداء الإيمان ، Al-Eman|نداء الإيمان ، 28/02/2008.
[6] الزمخشري ، الكشاف ، تحقيق : عبد الرازق المهدي ، ج3 ، ص326 .
[7] محمد عبد الخالق عضيمة ، دراسات لأسلوب القرآن ، مج1 ، ق1 ، ج1 ، ص250 .
[8] المصدر السابق ، مج1 ، ق1 ، ج1 ، ص250-251
[9] المصدر السابق ، مج1 ، ق1 ، ج1 ، ص253 .
[10] المصدر السابق ، مج1 ، ق1 ، ج1 ، ص227-229 .
[11] محمد عبد الخالق عضيمة ، دراسات لأسلوب القرآن الكريم ، مج1، ق1 ، ج1 ، ص 510 .
[12] دراسات لأسلوب القرآن الكريم ، أحد عشر مجلدا كبيرا ، أول دراسة تقوم على استقراء أسلوب القرآن في جميع رواياته ، وهو دراسة نحوية صرفية .
[13] المصدر السابق مج1 ، ق1 ، ج1 ، ص510
[14] تكرر فيها الشاهدان السابع والثامن كلاهما مرتين عن سهو - والله أعلم - فقد أعاد ذكرهما في الخامس عشر والسادس عشر