بشير عبدالعال
Member
بسم الله الرحمن الرحيم ...................................
لفتةٌ تفسيريةٌ هادفة إن شاء الله ..............
اجتماعُ الفعل وضده أو الأمر ضده فيه دلالة عميقة على قوة المعنى وحتمية الترك .
قوله تعالى في سورة الشعراء :{ وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152)}
قال في البحر المحيط :
وَلَمَّا كَانُوا يُفْسِدُونَ دَلَالَتُهُ دَلَالَةُ الْمُطْلَقِ، أَتَى بِقَوْلِهِ: وَلا يُصْلِحُونَ، فَنَفَى عَنْهُمُ الصَّلَاحَ، وَهُوَ نَفْيٌ لِمُطْلَقِ الصَّلَاحِ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الصَّلَاحِ كَائِنًا مَا كَانَ، فَلَا يَحْصُلُ مِنْهُمْ صَلَاحٌ أَلْبَتَّةَ.
قال أبو السعود رحمه الله :
{ الذين يُفْسِدُونَ فِى الأرض } وصف موضِّحٌ لإسرافهم ولذلك عطف { وَلاَ يُصْلِحُونَ } على يُفسدون لبيان خلوصِ إفسادِهم عن مخالطةِ الإصلاحِ .
قال في فتح القدير :
وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْمُسْرِفِينَ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ أَيْ: ذَلِكَ دَأْبُهُمْ يَفْعَلُونَ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يَصْدُرُ مِنْهُمُ الصَّلَاحُ الْبَتَّةَ .
قال في التحرير والتنوير :
وَعَطْفُ وَلا يُصْلِحُونَ عَلَى جُمْلَةِ: يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ تَأْكِيدٌ لِوُقُوعِ الشَّيْءِ بِنَفْيِ ضِدِّهِ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى [طه: 79] وَقَوْلِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهْنَيِّ:النَّسَبُ الْمَعْرُوفُ غَيْرُ الْمُنْكَرِ .
يُفِيدُ أَنَّ فَسَادَهُمْ لَا يَشُوبُهُ صَلَاحٌ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: الَّذِينَ إِنَّمَا هُمْ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ، فَعُدِلَ عَنْ صِيغَةِ الْقَصْرِ لِئَلَّا يُحْتَمَلَ أَنَّهُ قَصْرُ مُبَالِغَةٍ لِأَنَّ نَفْيَ الْإِصْلَاحِ عَنْهُمْ يُؤَكِّدُ إِثْبَاتَ الْإِفْسَادِ لَهُمْ، فَيَتَقَرَّرُ ذَلِكَ فِي الذِّهْنِ، وَيَتَأَكَّدُ مَعْنَى إِفْسَادِهِمْ بِنَفْيِ ضِدّه كَقَوْل السموأل أَوِ الْحَارِثِيِّ:
تَسِيلُ عَلَى حَدِّ الظُّبَاتِ نُفُوسُنَا ... وَلَيْسَتْ عَلَى غَيْرِ الظُّبَاتِ تَسِيلُ
قال السعدي رحمه الله :
{ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ } أي الذين وصفهم ودأبهم الإفساد في الأرض بعمل المعاصي والدعوة إليها إفسادا لا إصلاح فيه وهذا أضر ما يكون لأنه شر محض .
قوله تعالى في سورة النمل :{ وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48)}
قال في البحر المحيط :
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يُفْسِدُونَ الْفَسَادَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ مِنَ الْإِصْلَاحِ، فَلِذَلِكَ قَالَ: وَلا يُصْلِحُونَ، لِأَنَّ بَعْضَ مَنْ يَقَعُ مِنْهُ إِفْسَادٌ قَدْ يَقَعُ مِنْهُ إِصْلَاحٌ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ.
قال أبوالسعود رحمه الله :
{ يُفْسِدُونَ فِى الأرض } لا في المدينةِ فقط إفساداً بحتاً لا يُخالطُه شيءٌ ما من الإصلاحِ كما ينطقُ به قولُه تعالى : { وَلاَ يُصْلِحُونَ } أي لا يفعلونَ شيئاً من الإصلاحِ أو لا يصلحون شيئاً من الأشياءِ .
قال في فتح القدير :
وُصِفَ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ: يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ أَيْ: شَأْنُهُمْ وَعَمَلُهُمُ الْفَسَادُ فِي الْأَرْضِ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ صَلَاحٌ.
قال في التحرير والتنوير :
وَعَطْفُ لَا يُصْلِحُونَ عَلَى يُفْسِدُونَ احْتِرَاسٌ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُمْ تَمَحَّضُوا لِلْإِفْسَادِ وَلَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ خَلَطُوا إِفْسَادًا بِإِصْلَاحٍ.
قال السعدي رحمه الله : قوله تعالى :{ وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ } التي فيها صالح الجامعة لمعظم قومه { تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ } أي: وصفهم الإفساد في الأرض، ولا لهم قصد ولا فعل بالإصلاح .
قوله تعالى في سورة طه :{ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79)}
قال القرطبي رحمه الله :أَيْ أَضَلَّهُمْ عَنِ الرُّشْدِ وَمَا هَدَاهُمْ إِلَى خَيْرٍ وَلَا نَجَاةٍ.
قال في البحر المحيط :
وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ أَيْ مِنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ إِلَى هَذِهِ النِّهَايَةِ وَيَعْنِي الضَّلَالَ فِي الدِّينِ.
قال أبوالسعود رحمه الله :
قوله تعالى : { وَمَا هدى } أي ما أرشدهم قطُّ إلى طريق موصلٍ إلى مطلب من المطالب الدينية والدنيوية ، تقريرٌ لإضلاله وتأكيدٌ له إذ رُبّ مضِلٍ قد يُرشد من يُضِلّه إلى بعض مطالبِه ، وفيه نوعُ تهكمٍ به في قوله : { وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد } فإن نفيَ الهدايةِ عن شخص مُشعرٌ بكونه ممن يُتصور منه الهدايةَ في الجملة وذلك إنما يُتصور في حقه بطريق التهكم ، وحملُ الإضلالِ والهداية على ما يختص بالديني منهما يأباه مقامُ بيانِ سَوْقه بجنوده إلى مساق الهلاكِ الدنيوي ، وجعلُهما عبارةً عن الإضلال في البحر والإنجاءِ منه مما لا يقبله العقل السليم .
قال في فتح القدير :
وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى أَيْ: أضلهم عن الرشد، وما هداهم إلى طريق النَّجَاةِ لِأَنَّهُ قَدَّرَ أَنْ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ لَا يَفُوتُونَهُ لِكَوْنِهِمْ بَيْنَ يَدَيْهِ يَمْشُونَ فِي طَرِيقٍ يَابِسَةٍ، وَبَيْنَ أَيْدِيهِمُ الْبَحْرُ، وَفِي قَوْلِهِ: وَما هَدى تَأْكِيدٌ لِإِضْلَالِهِ لِأَنَّ الْمُضِلَّ قَدْ يُرْشِدُ مَنْ يُضِلُّهُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ.
قال في التحرير والتنوير :
وَالْإِضْلَالُ: الْإِيقَاعُ فِي الضَّلَالِ، وَهُوَ خَطَأُ الطَّرِيقِ الْمُوَصِّلِ. وَيُسْتَعْمَلُ بِكَثْرَةٍ فِي مَعْنَى الْجَهَالَةِ وَعَمَلِ مَا فِيهِ ضُرٌّ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا. وَالْمَعْنَى: أَنَّ فِرْعَوْنَ أَوْقَعَ قَوْمَهُ فِي الْجَهَالَةِ وَسُوءِ الْعَاقِبَةِ بِمَا بَثَّ فِيهِمْ مِنْ قَلْبِ الْحَقَائِقِ وَالْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ، فَلَمْ يُصَادِفُوا السَّدَادَ فِي أَعْمَالِهِمْ حَتَّى كَانَتْ خَاتِمَتُهَا وُقُوعُهُمْ غَرْقَى فِي الْبَحْرِ بِعِنَادِهِ فِي تَكْذِيبِ دَعْوَةِ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ-.وَعَطْفُ وَما هَدى عَلَى أَضَلَّ: إِمَّا مِنْ عَطْفِ الْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ لِأَنَّ عَدَمَ الْهُدَى يَصْدُقُ بِتَرْكِ الْإِرْشَادِ مِنْ دُونِ إِضْلَالٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا لَفْظِيًّا بِالْمُرَادِفِ مُؤَكِّدًا لِنَفْيِ الْهُدَى عَنْ فِرْعَوْنَ لِقَوْمِهِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَما هَدى تَأْكِيدًا لِ أَضَلَّ بِالْمُرَادِفِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ [النَّحْل: 21] وَقَوْلِ الْأَعْشَى: حُفَاةً لَا نِعَالَ لَنَا».
قوله تعالى :{ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31)}
قال في التحرير والتنوير :
وَالْإِزْلَافُ: التَّقْرِيبُ مُشْتَقٌّ مِنَ الزَّلَفِ بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ الْقُرْبَةُ، وَقِيَاسُ فِعْلِهِ أَنَّهُ كَفَرِحَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَصْدَرُ وَلَمْ يُرْوَ فِي كَلَامِهِمْ، أَيْ جُعِلَتِ الْجَنَّةُ قَرِيبًا مِنَ الْمُتَّقِينَ، أَيِ ادْنُوَا مِنْهَا.
وَالْجَنَّةُ مَوْجُودَةٌ مِنْ قَبْلِ وُرُودِ الْمُتَّقِينَ إِلَيْهَا فَإِزْلَافُهَا قَدْ يَكُونُ بِحَشْرِهِمْ لِلْحِسَابِ بِمَقْرُبَةِ مِنْهَا كَرَامَةً لَهُمْ عَنْ كُلْفَةِ الْمَسِيرِ إِلَيْهَا، وَقَدْ يَكُونُ عِبَارَةً عَنْ تَيْسِيرِ وُصُولِهِمْ إِلَيْهَا بِوَسَائِلَ غَيْرِ مَعْرُوفَةٍ فِي عَادَةِ أَهْلِ الدُّنْيَا.
وَقَوْلُهُ: غَيْرَ بَعِيدٍ يُرَجِّحُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ، أَيْ غَيْرُ بَعِيدٍ مِنْهُمْ وَإِلَّا صَارَ تَأْكِيدًا لَفْظِيًّا لِ أُزْلِفَتِ كَمَا يُقَالُ: عَاجِلٌ غَيْرُ آجِلٍ، وَقَوْلُهُ: وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى [طه: 79] وَالتَّأْسِيسُ أَرْجَحُ مِنَ احْتِمَالِ التَّأْكِيدِ.
قوله تعالى :{ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51)}
قال في التحرير والتنوير : وَعَطْفُ وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ عَلَى فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ نَهْيٌ عَنْ نِسْبَةِ الْإِلَهِيَّةِ إِلَى أَحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ. فَجَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مُبَالَغَةً فِي التَّأْكِيدِ بِنَفْيِ الضِّدِّ لِإِثْبَاتِ ضِدِّهِ كَقَوْلِهِ: وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى [طه: 79] .
وَمِنْ لَطَائِفِ فَخْرِ الدِّينِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ جَمَعَ الرَّسُولَ وَالْمُرْسَلَ إِلَيْهِم والمرسل.
لفتةٌ تفسيريةٌ هادفة إن شاء الله ..............
اجتماعُ الفعل وضده أو الأمر ضده فيه دلالة عميقة على قوة المعنى وحتمية الترك .
قوله تعالى في سورة الشعراء :{ وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152)}
قال في البحر المحيط :
وَلَمَّا كَانُوا يُفْسِدُونَ دَلَالَتُهُ دَلَالَةُ الْمُطْلَقِ، أَتَى بِقَوْلِهِ: وَلا يُصْلِحُونَ، فَنَفَى عَنْهُمُ الصَّلَاحَ، وَهُوَ نَفْيٌ لِمُطْلَقِ الصَّلَاحِ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الصَّلَاحِ كَائِنًا مَا كَانَ، فَلَا يَحْصُلُ مِنْهُمْ صَلَاحٌ أَلْبَتَّةَ.
قال أبو السعود رحمه الله :
{ الذين يُفْسِدُونَ فِى الأرض } وصف موضِّحٌ لإسرافهم ولذلك عطف { وَلاَ يُصْلِحُونَ } على يُفسدون لبيان خلوصِ إفسادِهم عن مخالطةِ الإصلاحِ .
قال في فتح القدير :
وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْمُسْرِفِينَ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ أَيْ: ذَلِكَ دَأْبُهُمْ يَفْعَلُونَ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يَصْدُرُ مِنْهُمُ الصَّلَاحُ الْبَتَّةَ .
قال في التحرير والتنوير :
وَعَطْفُ وَلا يُصْلِحُونَ عَلَى جُمْلَةِ: يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ تَأْكِيدٌ لِوُقُوعِ الشَّيْءِ بِنَفْيِ ضِدِّهِ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى [طه: 79] وَقَوْلِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهْنَيِّ:النَّسَبُ الْمَعْرُوفُ غَيْرُ الْمُنْكَرِ .
يُفِيدُ أَنَّ فَسَادَهُمْ لَا يَشُوبُهُ صَلَاحٌ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: الَّذِينَ إِنَّمَا هُمْ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ، فَعُدِلَ عَنْ صِيغَةِ الْقَصْرِ لِئَلَّا يُحْتَمَلَ أَنَّهُ قَصْرُ مُبَالِغَةٍ لِأَنَّ نَفْيَ الْإِصْلَاحِ عَنْهُمْ يُؤَكِّدُ إِثْبَاتَ الْإِفْسَادِ لَهُمْ، فَيَتَقَرَّرُ ذَلِكَ فِي الذِّهْنِ، وَيَتَأَكَّدُ مَعْنَى إِفْسَادِهِمْ بِنَفْيِ ضِدّه كَقَوْل السموأل أَوِ الْحَارِثِيِّ:
تَسِيلُ عَلَى حَدِّ الظُّبَاتِ نُفُوسُنَا ... وَلَيْسَتْ عَلَى غَيْرِ الظُّبَاتِ تَسِيلُ
قال السعدي رحمه الله :
{ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ } أي الذين وصفهم ودأبهم الإفساد في الأرض بعمل المعاصي والدعوة إليها إفسادا لا إصلاح فيه وهذا أضر ما يكون لأنه شر محض .
قوله تعالى في سورة النمل :{ وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48)}
قال في البحر المحيط :
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يُفْسِدُونَ الْفَسَادَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ مِنَ الْإِصْلَاحِ، فَلِذَلِكَ قَالَ: وَلا يُصْلِحُونَ، لِأَنَّ بَعْضَ مَنْ يَقَعُ مِنْهُ إِفْسَادٌ قَدْ يَقَعُ مِنْهُ إِصْلَاحٌ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ.
قال أبوالسعود رحمه الله :
{ يُفْسِدُونَ فِى الأرض } لا في المدينةِ فقط إفساداً بحتاً لا يُخالطُه شيءٌ ما من الإصلاحِ كما ينطقُ به قولُه تعالى : { وَلاَ يُصْلِحُونَ } أي لا يفعلونَ شيئاً من الإصلاحِ أو لا يصلحون شيئاً من الأشياءِ .
قال في فتح القدير :
وُصِفَ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ: يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ أَيْ: شَأْنُهُمْ وَعَمَلُهُمُ الْفَسَادُ فِي الْأَرْضِ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ صَلَاحٌ.
قال في التحرير والتنوير :
وَعَطْفُ لَا يُصْلِحُونَ عَلَى يُفْسِدُونَ احْتِرَاسٌ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُمْ تَمَحَّضُوا لِلْإِفْسَادِ وَلَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ خَلَطُوا إِفْسَادًا بِإِصْلَاحٍ.
قال السعدي رحمه الله : قوله تعالى :{ وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ } التي فيها صالح الجامعة لمعظم قومه { تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ } أي: وصفهم الإفساد في الأرض، ولا لهم قصد ولا فعل بالإصلاح .
قوله تعالى في سورة طه :{ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79)}
قال القرطبي رحمه الله :أَيْ أَضَلَّهُمْ عَنِ الرُّشْدِ وَمَا هَدَاهُمْ إِلَى خَيْرٍ وَلَا نَجَاةٍ.
قال في البحر المحيط :
وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ أَيْ مِنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ إِلَى هَذِهِ النِّهَايَةِ وَيَعْنِي الضَّلَالَ فِي الدِّينِ.
قال أبوالسعود رحمه الله :
قوله تعالى : { وَمَا هدى } أي ما أرشدهم قطُّ إلى طريق موصلٍ إلى مطلب من المطالب الدينية والدنيوية ، تقريرٌ لإضلاله وتأكيدٌ له إذ رُبّ مضِلٍ قد يُرشد من يُضِلّه إلى بعض مطالبِه ، وفيه نوعُ تهكمٍ به في قوله : { وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد } فإن نفيَ الهدايةِ عن شخص مُشعرٌ بكونه ممن يُتصور منه الهدايةَ في الجملة وذلك إنما يُتصور في حقه بطريق التهكم ، وحملُ الإضلالِ والهداية على ما يختص بالديني منهما يأباه مقامُ بيانِ سَوْقه بجنوده إلى مساق الهلاكِ الدنيوي ، وجعلُهما عبارةً عن الإضلال في البحر والإنجاءِ منه مما لا يقبله العقل السليم .
قال في فتح القدير :
وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى أَيْ: أضلهم عن الرشد، وما هداهم إلى طريق النَّجَاةِ لِأَنَّهُ قَدَّرَ أَنْ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ لَا يَفُوتُونَهُ لِكَوْنِهِمْ بَيْنَ يَدَيْهِ يَمْشُونَ فِي طَرِيقٍ يَابِسَةٍ، وَبَيْنَ أَيْدِيهِمُ الْبَحْرُ، وَفِي قَوْلِهِ: وَما هَدى تَأْكِيدٌ لِإِضْلَالِهِ لِأَنَّ الْمُضِلَّ قَدْ يُرْشِدُ مَنْ يُضِلُّهُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ.
قال في التحرير والتنوير :
وَالْإِضْلَالُ: الْإِيقَاعُ فِي الضَّلَالِ، وَهُوَ خَطَأُ الطَّرِيقِ الْمُوَصِّلِ. وَيُسْتَعْمَلُ بِكَثْرَةٍ فِي مَعْنَى الْجَهَالَةِ وَعَمَلِ مَا فِيهِ ضُرٌّ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا. وَالْمَعْنَى: أَنَّ فِرْعَوْنَ أَوْقَعَ قَوْمَهُ فِي الْجَهَالَةِ وَسُوءِ الْعَاقِبَةِ بِمَا بَثَّ فِيهِمْ مِنْ قَلْبِ الْحَقَائِقِ وَالْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ، فَلَمْ يُصَادِفُوا السَّدَادَ فِي أَعْمَالِهِمْ حَتَّى كَانَتْ خَاتِمَتُهَا وُقُوعُهُمْ غَرْقَى فِي الْبَحْرِ بِعِنَادِهِ فِي تَكْذِيبِ دَعْوَةِ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ-.وَعَطْفُ وَما هَدى عَلَى أَضَلَّ: إِمَّا مِنْ عَطْفِ الْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ لِأَنَّ عَدَمَ الْهُدَى يَصْدُقُ بِتَرْكِ الْإِرْشَادِ مِنْ دُونِ إِضْلَالٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا لَفْظِيًّا بِالْمُرَادِفِ مُؤَكِّدًا لِنَفْيِ الْهُدَى عَنْ فِرْعَوْنَ لِقَوْمِهِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَما هَدى تَأْكِيدًا لِ أَضَلَّ بِالْمُرَادِفِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ [النَّحْل: 21] وَقَوْلِ الْأَعْشَى: حُفَاةً لَا نِعَالَ لَنَا».
قوله تعالى :{ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31)}
قال في التحرير والتنوير :
وَالْإِزْلَافُ: التَّقْرِيبُ مُشْتَقٌّ مِنَ الزَّلَفِ بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ الْقُرْبَةُ، وَقِيَاسُ فِعْلِهِ أَنَّهُ كَفَرِحَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَصْدَرُ وَلَمْ يُرْوَ فِي كَلَامِهِمْ، أَيْ جُعِلَتِ الْجَنَّةُ قَرِيبًا مِنَ الْمُتَّقِينَ، أَيِ ادْنُوَا مِنْهَا.
وَالْجَنَّةُ مَوْجُودَةٌ مِنْ قَبْلِ وُرُودِ الْمُتَّقِينَ إِلَيْهَا فَإِزْلَافُهَا قَدْ يَكُونُ بِحَشْرِهِمْ لِلْحِسَابِ بِمَقْرُبَةِ مِنْهَا كَرَامَةً لَهُمْ عَنْ كُلْفَةِ الْمَسِيرِ إِلَيْهَا، وَقَدْ يَكُونُ عِبَارَةً عَنْ تَيْسِيرِ وُصُولِهِمْ إِلَيْهَا بِوَسَائِلَ غَيْرِ مَعْرُوفَةٍ فِي عَادَةِ أَهْلِ الدُّنْيَا.
وَقَوْلُهُ: غَيْرَ بَعِيدٍ يُرَجِّحُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ، أَيْ غَيْرُ بَعِيدٍ مِنْهُمْ وَإِلَّا صَارَ تَأْكِيدًا لَفْظِيًّا لِ أُزْلِفَتِ كَمَا يُقَالُ: عَاجِلٌ غَيْرُ آجِلٍ، وَقَوْلُهُ: وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى [طه: 79] وَالتَّأْسِيسُ أَرْجَحُ مِنَ احْتِمَالِ التَّأْكِيدِ.
قوله تعالى :{ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51)}
قال في التحرير والتنوير : وَعَطْفُ وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ عَلَى فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ نَهْيٌ عَنْ نِسْبَةِ الْإِلَهِيَّةِ إِلَى أَحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ. فَجَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مُبَالَغَةً فِي التَّأْكِيدِ بِنَفْيِ الضِّدِّ لِإِثْبَاتِ ضِدِّهِ كَقَوْلِهِ: وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى [طه: 79] .
وَمِنْ لَطَائِفِ فَخْرِ الدِّينِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ جَمَعَ الرَّسُولَ وَالْمُرْسَلَ إِلَيْهِم والمرسل.