السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ......
مشرفي و أعضاء هذه الدوحة المباركة أعرض عيلكم نصاً مقتطعاً من المخطوط الذي اقوم بتحقيقه وهو كتاب نحوي ، و لدي بعض الأسئلة حوله لعلاقته بتفسير كتاب الله :
قال المصنف رحمه الله :
•[[ فإن قيل : فإذا فُسِّر "لعل" بالترجي ، و فُسِّر الترجي بارتقاب شيء لا وثوق بحصوله فكيف يصح وقوع "لعل" في كلام الله عز و علا فإنَّ هذا المعنى مستحيل عليه تقدس و تعالى؟
قلنا : قد اضطرب كلامهم ههنا إلى أقوال :
الأول : أن الواقع في كلامه ـ تعالى ـ معناه التعليل فمعنى { افعلوا الخير لعلكم تفلحون } ( ) افعلوا لتفلحوا ، و عليه الشيخ أبو علي الفارسي( ) و قطرب( ) و من تبعهما( ) .
الثاني : أن "لعل" ههنا للتحقيق أي : لتحقيق مضمون الجملة بعدها. ( )
الثالث : أن "لعل" للاستفهام فمعنى " لعل زيداً قائم " : هل هو كذلك ؟ هذه أجوبتهم والكل ليس بشيء .
أما الأول فمنقوض بقوله تعالى { و ما يدريك لعل الساعة قريب }( ) ؛ إذ لا معنى للتعليل ههنا .
و أما الثاني : فلأنه منقوض بقوله جل مكان طوله { لعله يتذكر أو يخشى } .
و أما الثالث : فلا معنى له أصلاً. ( )
فالحق ههنا ما ذهب إليه سيبويه( ) وهو أن الرجاء أو الإشفاق يعتبر في جانب المخاطبين ، فـ"لعل" منه تعالى تنبيه على أنهم يجب أن يتصفوا بالطمع والإشفاق كـ"أو" فإنه للشك و في كلامه تعالى للإبهام و التشكيك ، و إلى هذا أشار جار الله حيث قال( ) (( و قوله عزوجل { لعل الساعة }( ) {ولعلكم تفلحون } ( )ترج ٍ للعباد و كذلك قوله { لعله يتذكر أو يخشى } ( ) أي : اذهبا أنتما على رجائكما ذلك من فرعون )) ]] . انتهى .
و أسئلتي :
1 ـ أي الأقوال أرجح ؟
2 ـ هل القول الذي رجحه المصنف وهو رأي سيبويه فيه تأويل للصفات على غير المراد بها ؟و هل تشبيه"لعل" هنا بـ"أو" في محله ؟
3 ـ ما معنى قولهم " لعل من الله واجبة " ، و هل يتفق هذا مع القول الذي رجحه المصنف ؟
4 ـ رد المصنف القول الثالث وهو مجيئها بمعنى الاستفهام بأنه لا معنى له أصلاً ، ما مدى صحة هذه القول ، وهل وردت "لعل" في القرآن بمعنى الاستفهام ؟
أرجو منكم أن تكون إجاباتكم شافية مع الإحالة إلى المصادر ...
قال شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" وأمّا السؤال عن " تعليل أفعال الله " فالذي عليه جمهور المسلمين – مِن السَلَفِ والخَلَفْ – أنّ الله تعالى يَخْلُق لِحكْمَة ، ويأمر لِحكْمَة، وهذا مذهبُ أئمـة الفقـه والعلم ، ووافقهم على ذلك أكثر أهـلِ الكلام من المعتزلة والكرّامية( ) وغيرهم .
وذهبَ طائفة مِن أهل الكلام ، ونُفَاة القياس ، إلى نَفْي التعليل في خلْقه وأمْره وهو قول الأشعريّ( )، ومَنْ وافقه ،وقالوا : ليسَ في القرآنِ لامُ تَعليل في فعل الله وأمره ،ولا يَأمُر الله بشيءٍ لحصول مصلحة ، ولا دفع مفسدة ،بلْ ما يحصل مِنْ مصالحِ العبادِ ومفاسدهم بسببٍ من الأسباب ، فإنّما خَلق ذلك عندها ، لا أنّه هذا لهذا ، ولا هذا لهذا ، واعتقَدوا أنّ التعليل يستلزم الحاجة والاستكمال بالغير ،وأنّه يُفْضي إلى التسلسل . والمعتزلة: أثْبتت التعليل ، لكن على أصولهم الفاسدة في التعليلِ والتجويز ، وأمّا أهل الفقه والعلم ، وجمهور المسلمين الذين يُثْبتون التعليل فلا يُثْبتونه على قاعدة القدرية( ) ، ولا ينفونه نَفْيَ الجهمية ( )، وقد بسطتُ الكلامَ على هذه المسألة في مَواضِع ( )، لكن قولُ الجمهورِ : هو الذي يدلُّ عليه الكتاب والسنّة ، والمعقول الصريح ، وبه يثبت أنّ الله حكيمٌ ، فإنّه مَنْ لَمْ يفعـل شيئًا
لحكمة لَمْ يكن حَكِيمًا ".
وقال الشيخ ابن عثيمين :
كلَّ ما رأيت التعليل في كتاب الله ؛ فَهُوَ مُثْبتٌ للحكمةِ في أفعالِه تعالى ومشروعاتِه "
ومعنى واجبة : أي واقعة حتماً .والسبب في قولنا واقعة :لأن الرجاء في حقِّ الله تعالى غير وارد ؛ إذْ إنّه المتصرّف المدبّر ، والرجـاء إنّما يكون ممّن لا يملك الشيء فيرجـوه مِنْ غيره
قال الزركشيُّ :"والعرب قد تُخْرج الكلام المتيقّن في صورة المشكوك ؛لأغراض
جاء في بحثي للدكتوراه كلام حول معنى لعل في كلام الله تعليقاً على كلام لابن القيم في معناها في قول الله تعالى : ) لعلكم تتقون ( في سورة البقرة ، وهذا نص النتيجة التي توصلت إليها :
( تفصيل الكلام في لعل ومعانيها يطول ([1])، ويهمنا هنا ذكر أشهر أقوال أهل العلم في معنى لعل في كلام الله ، مع بيان معناها في هذا الموضع في آية البقرة .
والذي توصلت إليه بعد طول بحث في هذه المسألة يمكن تلخيصه في النقاط التالية :
· جمهور أئمة اللغة على أن لعل للترجي والإشفاق ، وأنها لا تصلح للتعليل . ([2])
· حملُ "لعل" في القرآن على معنى واحد لا يستقيم ؛ بل إن معناها يختلف من موضع إلى آخر حسب سياقها وموضعها.فهي في ابتداء الكلام تفيد معنى غير المعنى الذي تفيده إذا جاءت بعد طلب ، ومعناها في كلام الله U ليس كمعناها في كلام غيره . ([3])
· الجزم بالقول الراجح في هذه المسألة مما أشكل عليّ ، والذي ظهر لي أن إبقاء لعل على أصلها في الترجي والإطماع أولى الأقوال بالصواب للأسباب التالية :
1. أنه قول المحققين الحذاق من أئمة اللغة ، كما أنه قول جمهورهم ؛ وهذا من وجوه الترجيح .
2. أن الأصل في حروف المعاني حملها على المعنى الأصلي المشهور ، ولا يحسن حملها على غيره من المعاني إلا بقرينة واضحة تمنع من حملها على المعنى الأصلي ؛ ولا قرينة مقبولة هنا كما سيأتي إيضاحه في السبب التالي.
3. أن القرينة التي صرفوا لأجلها لعل عن معناها الأصلي ، وهي أن الترجي يستلزم الجهل بالعاقبة - وهذا لا يليق بالله U - قرينة ضعيفة بل مردودة ؛ لأنها مبنية على مساواة ما يوصف به الله U ، وما يضاف إليه بما يوصف به المخلوق ، وما يضاف إليه ؛ وهذا مما قرر أهل السنة بطلانه ، وأن القاعدة في مثل هذا أنه ) لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ( (الشورى: من الآية11).
وقد وقفت على تفسير محرر ل" لعل " قاله أحد المتأخرين راعى فيه هذا الجانب ،فقال مفسراً لها : ( ترجية من الله واقعة لكماله ،والترجية من غيره متوقعة لعجزه .) ([4]) وهذا هو معنى قول من قال: لعل من الله واجب .)
([1] ) انظر تفصيل ذلك في رصف المباني في شرح حروف المعاني للمالقي ص434-436 ، والجنى الداني في حروف المعاني للمرادي ص579-582 ، ومغني اللبيب لابن هشام 1/317 ، والبرهان في علوم القرآن للزركشي 4/336-339 ، والإتقان في علوم القرآن للسيوطي 1/549 ، ودراسات لأسلوب القرآن الكريم لمحمد عبد الخالق عضيمة القسم الأول 2/596-601 ، والأدوات النحوية في كتب التفسير للدكتور محمود الصغير ص499-500 ، 681-683 ، ورسالة : لعل وتوسعات العرب في ستعمالاتها للدكتورة فاطمة عبدالرحمن [من مطبوعات معهد البحوث العلمية بجامعة أم القرى 1419] ، وكتاب : لعل في القرآن الكريم للدكتور زين كامل الخويسكي [دار المعرفة الجامعية – الإسكندرية – الأولى 1989]
([2] ) انظر الكليات للكفوي ص 794 ، وممن صرح بأنها ليست للتعليل أبو حيان في البحر المحيط 1/155 ،و الصفاقسي في كتاب المجيد في إعراب القرآن المجيد ص149 ،و المرادي في توضيح المقاصد والمسالك في شرح ألفية ابن مالك 1/523
([3] ) انظر التحرير والتنوير لابن عاشور 1/330 ، ومعجم حروف المعاني في القرآن الكريم لمحمد حسن الشريف 2/928 .
([4] ) تفسير سورة الرعد للدكتور محمد مصطفى على مصطفى ص 51 .
اسمحوا لي بهذه المداخلة . ولعلي أرتبها على ترتيب أخي السائل .
1- أي الأقوال أرجح ؟
- الخلاف في دلالة (لعل) قديم بين النحويين ، ولكلٍ رأيه واختياره ، وليس لواحد منهم دليل قاطع يوجب المصير إلى قوله فحجج النحو هي اختيارات عقلية ، واستنباطات من سياق النصوص ، ولذلك فحجج النحو تتهم بالضعف والفتور كما قال ابن فارس الرازي :
[align=center]ترنو بطرف فاتن فاتر = كأنه حجة نحوي[/align]
أي في ضعفه ، ولذلك فلك أن تختار ما تراه مناسباً من هذه الأقوال ، وفي ظني أن قول سيبويه رحمه الله له وجاهته.
2 - هل القول الذي رجحه المصنف وهو رأي سيبويه فيه تأويل للصفات على غير المراد بها ؟و هل تشبيه"لعل" هنا بـ"أو" في محله ؟
ليس فيما اختاره المصنف تأويل للصفات ، وما ذكره الدكتور أبو مجاهد العبيدي كلام وجيه ، فمعناها في حقه تعالى غير معناها في حق المخلوق ، والأصل قوله (ليس كمثله شيء ... الآية)
وتشبيهه للعل بأو في جانب أنها تكون في حق الله سبحانه وتعالى لمعنى وفي حق البشر لمعنى آخر لا في أصل دلالتهما .
4 - رد المصنف القول الثالث وهو مجيئها بمعنى الاستفهام بأنه لا معنى له أصلاً ، ما مدى صحة هذه القول ، وهل وردت "لعل" في القرآن بمعنى الاستفهام ؟
نسب الهروي في كتابه الأزهية هذا المعنى للكوفيين وارتضاه هو وشاهده قوله ( قولك للرجل : لعلك تشتمني ؟
تريد : هل تشتمني فيقول : لا أو نعم) [الأزهية 227]
وأورد ابن هشام شاهداً للاستفهام وهو قوله تعالى :(لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) المغني 1/288
وفي الحق إن السياق هو الذي يحدد المعنى الدقيق للحرف والله أعلم . وأنصح بالعودة لكتاب :
الحروف العاملة في القرآن الكريم بين النحويين والبلاغيين لهادجي عطية الهلالي ص 168