حياك الله أخي عبدالله
سوف أقوم بالرد على ما أراه يستلزم الرد حسب المتاح من الوقت، وأرى أن الموضوع طال، وأخشى أن يكون ذلك من الجدال المذموم
أولاً: قولك: (لَكِنْ أَُعَاتبُكَ عَلى إِيرَاَدِكَ قَوْلَ: تفسير مُقاتِل و إِبْنُ عَبَّاسَ دُونَ سَنَدٍ ( عِتَابَ الأَخِ لِأَخِيهِ ) )
أنا نقلت ما ذكره الواحدي وجعلته بين قوسي تنصيص فلم أحذف سند ولن أضيف سند من عندي.
وأشار الشيخ د. عبدالرحمن الشهري في رده عليك حول الأسانيد في التفسير وأن العلماء يتعاملون معها على خلاف تعاملهم مع الأسانيد في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وان المسألة مبحوثة في الملتقى فلترجع إلى تلك المواضيع.
ثانياً: قولك: (و أَتَسَاءَلُ لِمَاذَا إِقْتَصَرْتَ فِي كَلَامِكَ عَلى ذِكْرِ القَوْلِ الوَحِيدِ الذِّي يَخُصُّ المُؤْمِنينَ بِالدَّرَجَات فِي الآيَةِ ؟
و لمْ تُورِدْ كُلَّ الأََقْوَال التِّي تَذْكُر أَنَّهَا لِلْمُؤمِنينَ و للْكَفُّارِ ؟
هل هَذَا بَيَانُ صِحَّةِ قَوْلٍ و إِخْفَاءُ عِلَّتِهِ ؟)
قولك هذا دليل على عدم وضوح كلامي أو عدم فهمك له، وسوف أوضح لك:
في ردك الأول وضعت احتمالين للآية فقط، وقلت إما أنها في أصحاب النار فقط أو لكلا الفريقين
وأنا هنا أوضحت لك أن هناك قول واحتمال ثالث وذكرته وأحلت على من قاله من العلماء، وليس هذا دليل بأني أقول بهذا القول.
وغريب قولك أني لم أورد كل الأقوال التي تذكر أنها لكلا الفرقين؟؟؟ والنقول التي أوردتها عن الزمخشري ومن بعده كلها تنصر أنها لكلا الفريقين وهو ما أراه راجحاً والله أعلم.
ثالثاً: قولك: (ثُمَّ إنَّكَ يا أَخِي صَالِحُ ,أَصْلَحَنَا اللَّهُ و إِيَّاكَ, أَوْرَدْتَ بَعْضَ الأَقْوَالِ التِّي تُبَيِّنُ عَكْسَ قَوْلِكَ و يَقُوُلُ فِيهَا مُفَسِّرُوهَا أّنَّ الكُّلَّ هنَا لأَصْحَابِ الجّنَّةِ و النَّارٍ
(أُنْظُرْ حُجَّتَكَ في قَوْلِ النَّسْفِي و البَيْضَاوِي و أَبُو حَيَّانَ...إلخ))
وقولك هذا دليل على الاستعجال وعدم فهم كلامي، وهذا أوقعك في التناقض، قلت فيما سبق (و لمْ تُورِدْ كُلَّ الأََقْوَال التِّي تَذْكُر أَنَّهَا لِلْمُؤمِنينَ و للْكَفُّارِ ؟) ثم تقول (أَوْرَدْتَ بَعْضَ الأَقْوَالِ التِّي تُبَيِّنُ عَكْسَ قَوْلِكَ و يَقُوُلُ فِيهَا مُفَسِّرُوهَا أّنَّ الكُّلَّ هنَا لأَصْحَابِ الجّنَّةِ و النَّارٍ). فهل أنا أوردت أو لم أورد؟؟
وأيضاً قولك: (أَوْرَدْتَ بَعْضَ الأَقْوَالِ التِّي تُبَيِّنُ عَكْسَ قَوْلِكَ) بل الأقوال التي أوردتها هي القول الراجح عندي. والقول أنها خاصة بالمؤمنين سبق توجيه سبب إيراده، و لا يعني ذلك أني أتبناه، بل إثبات أن هناك من قال به من العلماء.
رابعاً: قولك: (و الغَرِيبُ أَنَّ اانَّاسَ عَامَّةً كَانُوا أَوْ فُقَهَاءَ عِنْدَمَا يُريدُونَ أَنْ يُورِدُوا أَقْوَالَ المُفَسٍِّرينَ يَبْدَأُوا بالطَّبَريِّ ثُمَّ القُرْطُبِيِّ
و تَسَاءَلْتُ عنْ غِيَابِهِ عَنْ حُجَجِكَ قُلْتُ عَلَّى سَهْوًا
فَأَرَدْتُ أَنْ أُورِدَ قَوْلَهُ و هُوَ يَقُولُ أَنَّ الدَّرَجَاتِ لِلْفَريقَيْنِ.)
ملحظ غريب جداً، ومن أين أتيت بأنه يلزم البدأ بقول الطبري ثم القرطبي!!!
ولو لاحظت لعلمت أني في ترتيب الأقوال التزمت بتاريخ الوفاة.
فلو كنت أريد الاستشهاد بقول الطبري والقرطبي؛ لذكرت الطبري فالزمخشري فالرازي فالقرطبي
ولكن من باب الإيضاح سوف أذكر لك سبب عدم ذكري لقول الطبري والقرطبي مع أنهم قالوا بما أراه راجحاً، وهو سبب بسيط جداً: لأنهم لم يذكروا الفرق بين الدرجات والدركات، ولم يذكروا سبب ذكر الدرجات مع أن الراجح أنها لكلا الفريقين، كما ذكرها من ذكرت أقوالهم من المفسرين.
خامساً: وأخيراً.
سوف أذكر كلام ابن عاشور في توجيه الآيات التي أوردتها أنت كدليل لعدم التفريق
1- قال تعالى: ﴿وَلِكُلࣲّ دَرَجَـٰتࣱ مِّمَّا عَمِلُوا۟ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا یَعۡمَلُونَ﴾ [الأنعام ١٣٢]
قال ابن عاشور: " ﴿ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون﴾ احتراس على قوله: ﴿ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم﴾ [الأنعام: ١٣١] للتنبيه على أن الصالحين من أهل القرى الغالب على أهلها الشرك والظلم لا يحرمون جزاء صلاحهم....... والدرجات هي ما يرتقى عليه من أسفل إلى أعلى، في سلم أو بناء، وإن قصد بها النزول إلى محل منخفض من جب أو نحوه فهي دركات، ولذلك قال تعالى: ﴿يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات﴾ [المجادلة: ١١]، وقال: ﴿إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار﴾ [النساء: ١٤٥] ولما كان لفظ (كل) مرادا به جميع أهل القرية، وأتى بلفظ (الدرجات) كان إيماء إلى تغليب حال المؤمنين لتطمئن نفوس المسلمين من أهل مكة بأنهم لا بأس عليهم من عذاب مشركيها، ففيه إيماء إلى أن الله منجيهم من العذاب في الدنيا بالهجرة، وفي الآخرة بحشرهم على أعمالهم ونياتهم؛ لأنهم لم يقصروا في الإنكار على المشركين، ففي هذه الآية إيذان بأنهم سيخرجون من القرية التي حق على أهلها العذاب، فإن الله أصاب أهل مكة بالجوع والخوف ثم بالغزو بعد أن أنجى رسوله ﷺ والمؤمنين، وقد علم من الدرجات أن أسافلها دركات فغلب (درجات) لنكتة الإشعار ببشارة المؤمنين بعد نذارة المشركين".
فهذا توجيه الإمام ابن عاشور وإثباته الفرق.
2- ﴿أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَ ٰنَ ٱللَّهِ كَمَنۢ بَاۤءَ بِسَخَطࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأۡوَىٰهُ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِیرُ ١٦٢ هُمۡ دَرَجَـٰتٌ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِمَا یَعۡمَلُونَ ١٦٣﴾ [آل عمران ١٦٢-١٦٣]
قال ابن عاشور: "وقوله هم درجات عند الله عاد الضمير لـ (من اتبع رضوان الله) لأنهم المقصود من الكلام، ولقرينة قوله درجات لأن الدرجات منازل رفعة.
وقوله عند الله تشريف لمنازلهم".
وانظر كيف وجه ابن عاشور الآية وأن الضمير في (هم درجات) عائد لخلاف ما ذهبت أنت إليه، بل هو خاص ل(من اتبع رضوان الله)، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بأن استدل بكون الضمير في (هم درجات) للمؤمنين خاصة بقرينة لفظة (درجات) للفرق بينها وبين دركات، ومن وضوح ذلك المعنى والفرق عند ابن عاشور أصبح قرينة لديه.
وفقني الله وإياك أخي عبدالله للحق والهدى
وأخشى أن الزيادة على ذلك من الجدال المذموم
بوركت