لطائف قرآنية

لطائف قرآنية

  • نعم

    الأصوات: 4 30.8%
  • لا

    الأصوات: 0 0.0%
  • وسط

    الأصوات: 2 15.4%
  • ممتاز

    الأصوات: 7 53.8%

  • مجموع المصوتين
    13

محمد كالو

New member
إنضم
30/03/2004
المشاركات
297
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
الإقامة
تركيا
الموقع الالكتروني
www.facebook.com
0000FF

[زورزوا موقعنا على الشبكة
القرآن الكريم ظاهره أنيق وباطنه عميق ، يحتوي بين دفتيه على كنوز ضخمة من الإشارات واللفتات ، واللطائف والإيحاءات ، والمعاني والحقائق والدلالات.
وتدبر آيات القرآن الكريم بلفتاته ولطائفه ، نعمة عظيمة وغامرة لا يعرفها إلا من ذاقها ، وكل ما يتعلق بالقرآن الكريم من تلاوة ودعوة ، وحفظ وتدبر ، وتفسير وتوجيه ، ولطائف وإشارات ، وبحوث ودراسات ، كل ذلك عبادة لله تبارك وتعالى .
والقرآن الكريم لا يشبع منه العلماء ، ولا يَمَلُّه الأتقياء ، ولا تنقضي عجائبه ، ولا يتصف بهذه الصفات إلا كتاب الله عز وجل.

وبالنسبة لتفسير القرآن الكريم فلا يمكن أن نقتصر على دراسات السابقين ـ ولا نستغني عن تفاسيرهم ـ ونحبهم ونقدر علمهم الأصيل ، ومع ذلك نعتقد أن بعض المتأخرين ، وقفوا على لطائف ودلالات قرآنية لم يلحظها السابقون ، ومفهوم » ما ترك الأول للآخر ! « يجب أن يصحح إلى » كم ترك الأول للآخر «.
بعض العلوم نضجت ، ولا تقبل إضافة على قواعدها كالنحو والصرف ،وأصول الفقه، وأصول الحديث ، وبعض العلوم حية نامية ، وتقبل كل إبداع وجديد ، كعلم التفسير ، وعلم الحديث ،والبلاغة والأدب.

لا بدَّ من علماء يفسرون القرآن بلغة وأسلوب عصرهم ، وفائدتنا لمن ينقض لنا ـ من خلال تفسيره ـ مذاهب فكرية معاصرة كالماركسية والماسونية والوجودية ، أكبر بكثير من نقض الإمام الرازي مثلاً في تفسيره لأفكار المعتزلة.
إن لكل مفسِّرٍ أهدافه ،ومنهجه وأسلوبه ، بما يتفق مع قضايا ومشكلات عصره ، ضمن ضوابط التفسير وقواعده ، فباب التفسير باب لا يُغلَق ! والتفسير فتوحات وفيوضات ربانية .

وسأذكر في هذا البحث بعض الأمثلة والشواهد ، من اللطائف التي وقفت عند قراءتي لها، ورأيتها مفيدة جداً ، ويجب أن يطَّلع عليها كل الناس ، ومن الله تعالى أسأل الأجر والمثوبة.

1 ـ الحروف النورانية : الحروف المقطعة أوائل السور ، للتحدي والإعجاز ، وللإشارة إلى مصدر القرآن الكريم ، وأنه كلام الله تعالى ، حيث وضع بين أيدي الكافرين المادة الأولية ، لصياغة وتركيب الكلام العربي ، وهي حروف الهجاء ، وكأنه يقول لهم : الحروف التي افتتحت بها السور نصف أسامي حروف المعجم ( أربعة عشر حرفاً ) ، فمن زعم أن القرآن ليس بآية ، فليأخذ الشطر الباقي ، ويركب عليه لفظاً معارضة للقرآن.
والذي يرجح هذا الفهم للحروف النورانية ما يلي :

ـ عدد الحروف المقطعة بدون تكرار أربعة عشر حرفاً ، وهو نصف عدد حروف الهجاء العربية عند من قال : إن حروف المعجم ثمانية وعشرون حرفاً، فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته.
ـ يجمع هذه الحروف النورانية جملة لطيفة ذات دلالة ، وهي قولك » نص حكيم قاطع له سر « ولهذا قال أبو بكر الصديق t : في كل كتاب سر ، وسره في القرآن أوائل السور.
ـ عدد السور المفتتحة بهذه الأحرف تسع وعشرون سورة ، على عدد حروف الهجاء العربية ، والصحيح أنها تسعة وعشرون حرفاً ، وذلك لأن الواضع جعل كل حرف من حروف المعجم صدر اسمه إلا الألف ، فإنه لما لم يمكن أن يبتدأ به لكونه مطبوعاً على السكون فلا يقبل الحركة أصلاً ، تُوصِّل إليه باللام ، لأنها شابهته في الاعتداد والانتصاب ، ولذلك يكتب على صورة الألف إلا إذا اتصل بما بعده( ).


ـ والسور المفتتحة بالأحرف المقطعة مرتبة ترتيباً ملحوظاً مقصوداً :
أ ـ السور المفتتحة بأحرف » ألم « مرتبة ومسلسلة في المصحف في مجموعتين :
المجموعة الأولى : سورتا البقرة وآل عمران.
المجموعة الثانية : أربع سور متوالية : العنكبوت ، الروم ، لقمان ، السجدة.
ب ـ السور المفتتحة بأحرف » ألر « ست سور متوالية في المصحف وهي : يونس ، هود ، يوسف ، الرعد ، إبراهيم ، الحجر.
ج ـ مجموعة » الطواسين « وهي السور المفتتحة بأحرف » طس « أو » طسم « ثلاث سور متوالية أيضاً وهي : الشعراء ، النمل ، القصص.
د ـ مجموعة » الحواميم « وهي السور المفتتحة بحرفَيْ » حم « سبع سور متوالية في المصحف وهي : غافر ، فصلت ، الشورى ، الزخرف ، الدخان ، الجاثية ، الأحقاف.

ومن دقة القرآن الكريم تلك الخماسيات التي تشمل الفئات السبع التالية في افتتاحيات السور :
الفئة الأولى : خمس سور مفتتحة بالتحميد : الفاتحة ، الأنعام ، الكهف ، سبأ ، فاطر ، وكلها مكية.
الفئة الثانية : خمس سور مفتتحة بالتسبيح : الحديد ، الحشر ، الصف ، الجمعة ، التغابن، وكلها مدنية .
الفئة الثالثة : خمس سور مفتتحة بألف لام راء : يونس ، هود ، يوسف ، إبراهيم ، الحجر ، وكلها مكية .
الفئة الرابعة : خمس سور مفتتحة بالنداء : النساء ، المائدة ، الحج ، الحجرات ، الممتحنة، وكلها مدنية.
الفئة الخامسة : خمس سور مفتتحة بنداء الرسول : الأحزاب ، الطلاق ، التحريم ، المزمل، المدثر ، وكلها مكية.
الفئة السادسة : خمس سور مفتتحة بالاستفهام : الدهر ، الغاشية ، الشرح ، الفيل ، الماعون ، وكلها مكية.
الفئة السابعة : خمس سور مفتتحة بالأمر : الجن ، الكافرون ، الإخلاص ، الفلق ، الناس، وكلها مكية ( ).

2 ـ ترتيب السور المفتتحة بالتسبيح : السور القرآنية المفتتحة بالتسبيح ست وهي : الإسراء ، والحديد ، الحشر ، الصف ، الجمعة ، التغابن ، الأعلى .

وبالتأمل فيها نجدها مرتبة ترتيب اشتقاقات لا ترتيب تسلسل ، لأن بينها سوراً أخرى .
الأصل في اشتقاقات أي كلمة مشتقة من المصدر ، ثم الفعل الماضي ، ثم الفعل المضارع ، ثم فعل الأمر ..وهكذا : سبحان ، سبَّحَ ، يسبح ، سبِّحْ ، وحينما نمعن النظر في السور المفتتحة بالتسبيح فسنجدها مرتبة على هذا الأساس .

سورة الإسراء افتتحت بالمصدر : ] سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً [ ( )لأن المصدر هو الأساس في الاستعمال .
وسورة الحديد والحشر والصف افتتحت بالفعل الماضي : ] سبَّحَ لله [ ( ) .
وسورتا الجمعة والتغابن افتتحتا بالفعل المضارع : ] يسبِّحُ لله ما في السموات وما في الأرض [( ) .
وسورة الأعلى افتتحت بفعل الأمر: ] سبِّح اسم ربك الأعلى [ ( ).


3 ـ هاء الرفعة وهاء الخفض :
ـ هاء الرفعة : هي الهاء المضمومة في كلمة ( عليهُ ) في قوله تعالى : ] إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [ ( ) .
الأصل أن تكون الهاء في » عليهِ « مكسورة ، ولكن جاءت هنا مضمومة ، والضم علامة الرفع ، والمقام مقام رفعة ، فكأن الرفعة أصابت الهاء في » عليه « فكان من غير المناسب أن تبقى مكسورة ، لأن الكسرة لا تناسب هذا الجو ، لذلك تحولت الكسرة إلى الضمة علامة الرفع ، انعكس الجو على حركة الهاء ، والآية أيضاً تتحدث عن الوفاء بالعهد والبيعة ، ولما كان الوفاء بالبيعة دليل على صدق المبايع ، وعلوِّ همته ، ورفعة نفسه، وسمو خلقه ،لذا جاءت الهاء مضمومة ( ) ، وكأن علامة الرفع جاءت من قوله تعالى :
] يد الله فوق أيديهم [.
ـ هاء الخفض :وهناك هاء أخرى في القرآن الكريم ، تقابل هاء الرفعة ، وهي هاء الخفض، وهي الهاء التي دخل عليها حرف الجر » في « في قوله تبارك وتعالى: ] وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [ ( ) .
فقد نص علماء القراءات والتجويد على إشباع كسرة الهاء في قوله تعالى : ] ويخلد فيه مهاناً [ فتقرأ هكذا ( ويخلد فيهي مهاناً ) بالإشباع مع أن الهاء في مثيلاتها يكتفى بكسرتها ، فلماذا مدت الهاء هنا أكثر من حركتين ، إن وراء الهاء سراً دفيناً وعجيباً ، وهو أن الذي دعا إلى هذا هو السياق الذي وردت فيه ، فقد سبقها ذكر مجموعة من المعاصي والفواحش التي لا يفعلها عباد الرحمن ، ثم ذكرت الآيات ما يترتب على هذه الكبائر من عقوبة ، وهي العذاب المضاعف مهاناً ذليلاً خاسئاً ، ولما نقرأ الآية ونصل إلى قوله تبارك وتعالى : ] ويخلد فيه مهاناً [ يصور الله تعالى لنا المشهد المهيب وكأننا نلحظ بأبصارنا إلقاء صاحب تلك المعاصي وهو يهوي في قاع جهنم ، وحينما نمدُّ الهاء في
» فيه « أكثر من حركتين ، كأن نفس القارئ ينزل إلى أسفل نحو رئتيه ، وبذلك يساعد على الإنزال والخفض ، وكأننا بهذا المد الخاص هنا فقط نساعد على إنزال المجرم في هوة جهنم ، ومسارعة سقوطه فيها .

4 ـ ألف العزة وياء الذلة :
ـ ألف العزة : هي الألف في كلمة ( عباد ) التي وردت في القرآن الكريم حوالي مائة مرة ، في معظمها وصف بها المسلمون المطيعون لله ، لذلك لا نخطئ إذا قلنا : إن غالب كلمة ( عباد ) في القرآن يراد بها المسلمون المطيعون لله تبارك وتعالى .
كما قال تعالى : ] وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [ ( ) .
نمعن النظر في الألف الممدودة في وسط كلمة ( عباد ) نجدها توحي بالعزة والمنعة والرفعة والسمو ، وكأنها مرفوعة الرأس بطاعة الله تعالى ، منصوبة القامة باستمرار ، وهذه العزة والرفعة والسمو نلحظها في حياة عباد الرحمن المطيعين لله تبارك وتعالى ، وفي أخلاقهم ومعاملاتهم ، يعيشون بعزة قوله تعالى : ] أعزة على الكافرين [( ) .
وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t : نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله ، وقال بجير بن زهير بن أبي سلمى في يوم حنين( ) :
والله أكـرمنا وأظهر ديننا و أعزنـا بعـبادة الرحمن
والله أهلكهم وفرق جمعهم و أذلـهم بعبادة الشيطان
وما أجمل قول القائل :
ومـما زادنـي شرفاً وتيــهاً وكـدتُّ بأخمصـي أطأ الثريا
دخولـي تحت قولك يا عبادي وأن صَـيَّرْتَ أحـمد لي نبياً

ـ ياء الذلة : إذا كانت ألف » العباد « ألف عزة ، فإن ياء » العبيد « هي ياء الذلة ! وإذا كان غالب استعمال » عباد « في القرآن للمؤمنين ، فإن كلمة » عبيد « في القرآن وردت وصفاً للكفار والعصاة ،وردت كلمة » عبيد « خمس مرات في القرآن الكريم فقال الله تبارك وتعالى عن كفر اليهود : ] لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ . ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ [ ( ) .
ونمعن النظر في المواضع الخمس نجد أن الله تعالى ذكر في ثلاث مواطن في : ] وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ [ ( ) وهي تتحدث عن اليهود والكفار في الدنيا وأن الله ليس بظلام لهم يوم القيامة .
بينما ذكر في » سورة فصلت « بقوله : ] وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ [( ) فكلمة ربك فيه خطاب لرسول الله r والآية تتحدث عن عدل الله في منح الثواب للمحسن ، وإيقاع العذاب بالكافر .
وذكر في » سورة ق « قوله تبارك وتعالى : ] وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ [ ( ) بضمير المتكلم لأن الآية تتحدث عن موقف بين يدي الله تعالى مباشرة يوم القيامة .
وكلمة ( ظلاَّم ) المبالغة في ( ظلاَّم ) باعتبار الكمية لا الكيفية، وقيل ( ظلاَّم ) للنسب كعطَّار أي : لا ينسب إليه الظلم أصلاً ،و ليس ربك بذي ظلم ، وقيل : ذكر الظلاَّم بلفظ المبالغة لاقترانه بلفظ الجمع وهو » العبيد «، فذلك لرعاية جمعية العبيد ، من قولهم : ظالم لعبده وظلاَّم لعبيده( ) ، وفيه تنبيه إلى أنه لا يظلم من يختص بعبادته ،


ولا من انتسب إلى غيره من الذين تسموا بعبد الشمس وعبد العزى ونحو ذلك ( ).
عود على بدء ، ننظر في الآيات التي ذكرت ياء الذلة في » العبيد « فنجد أن التعبير عن الكفار بالعبيد يوحي بالذلة والصَّغَار ، لأن الياء جاءت وسط الكلمة منبطحة ملقاة بذلة ، فالكفار أذلاء جبناء ضعفاء مهانون ، في حياتهم وأشخاصهم ومواقفهم ، لا يريدون العزة والرفعة ، ولا يشعرون بالكرامة والأنفة ، تجدهم أحرص الناس على حياة ، وتراهم يذلون أمام المتسلطين الظالمين ، لذلك لازمتهم ياء الذلة( ).

5 ـ ميِّت ...و ... ميْت : كلمتان متقاربتان ، الأولى بالتشديد والثانية بالتسكين ، فما هو السر الدفين في هذا التفاوت في التعبير ؟ وما الفرق بين الكلمتين ؟
أولاً لا ترادف في كلمات القرآن الكريم ، أي لا توجد كلمتان في القرآن بمعنى واحد ، بل لا بدَّ من فروق دقيقة بينهما .
وربما عدل القرآن عن صورة إلى أخرى تختلف عن الأولى في عدد الحروف أو الترتيب أو الحركات ، وهذا التغيير يكون مقصوداً ، لذلك لا بدَّ من حكم ولطائف من هذا التعبير والتغيير.
الميِّت ـ بالتشديد ـ: هو غالباً ما يعبَّر به عن الحي الذي فيه الروح.
الميْت ـ بالتسكين ـ : هو الذي خرجت روحه منه.
فالميِّت : مخلوق حي ، ما زال يعيش حياته ، وينتظر أجله ، فهو ميَّت مع وقف التنفيذ ، ونرى هذا المعنى واضحاً في قوله تعالى وهو يخاطب رسوله الكريم r : ] إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ. ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُون [ ( ) .
الآية الكريمة تخاطب النبي r وتخبره بأنه سيموت ، وأن خصومه الكفار سيموتون ، فكل حي » ميِّت « حال حياته ينتظر حلول الأجل .
والميْت : هو المخلوق الذي مات فعلاً وخرجت روحه وأصبح جثة هامدة ،وأطلق القرآن هذا اللفظ على :
البلد الميْت ، فقال الله تعالى : ] وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ [ ( ) .

والبهيمة الميْتة ، قال الله تعالى : ] إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِه [ ( ).

والميْت : هو الإنسان الذي مات وخرجت روحه ، وقد شبه الله تعالى الذي يغتاب أخاه بمن يأكل لحم ذلك الإنسان الميت فقال تعالى : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [ ( ) .

والكافر : قلبه ميْت ، فهو ميْت موتاً معنوياً ، رغم أنه يتحرك ويتنفس ، ميْت لخلو قلبه من الإيمان ، وحياته من الاستقامة ، ولا يحيي قلبه إلا الإيمان : ] أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [ ( ).

ولعلنا نستشف هذه المعاني من حركات الكلمتين ، فالـميِّت: ياؤه مشددة ، ويشير إلى إقبال الإنسان الحي على حياته الدنيا ، وانهماكه فيها ، وحرصه عليها بكل ما أوتي من قوة وشدّة .
أما الميْت : الذي خرجت روحه ، فياؤه ساكنة غير متحركة ، ولعلها إشارة إلى سكون هذا الإنسان وهدوئه بعد خروج روحه ، وتوقفه عن الحركة، وقد قال الشاعر مفرِّقاً بينهما :
وَتَسْأَلُـني تَفْسيرَ مَيـْتٍ وَمَيِّتٍ فَدونَكَ ذا التفسـيرُ إنْ كنتَ تَعْقِلُ
فَمَنْ كانَ ذا روحٍ فَذلِكَ مَـيِّتٌ وَما الـمَيْتُ إلاَّ مَنْ إلى القَبْرِ يُحْمَلُ

6 ـ الكُره ...و ... الكَره : كلمتان متقاربتان في البناء والتركيب والحركات ، ومتقاربتان أيضاً في المعنى .
فالكُره : المشقة المرغوبة ، كتكليف القتال الشاق على النفس ، ولكن النفس المؤمنة ترغبه وتطلبه رغم مشقته وصعوبته ، لذلك وصف بأنه ( كُره ) بضم الكاف ، أي ثقيل وشاق، ولكنه مرغوب ومطلوب مراد للمجاهدين الصادقين ، وذلك لثماره الإيجابية في الدنيا والآخرة .
قال الله تعالى : ] كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [ ( ) .
ولما كان حمل المرأة شاق صعب متعب مرهق ، يضعف جسمها ، ويؤثر في أعصابها ونفسيَّتِها ، وقد يصيبها بالأمراض أو تودي بحياتها.
علاوة على ذلك آلام المخاض ، وأوجاع الطلق ، ومشقة الولادة ، ولكن رغم كل هذا فالمرأة ترغب في الحمل والإنجاب ، وتستعذب هذه المشاق ، وتطلب الحمل وتريده !!
ولهذا عبَّر القرآن الكريم عن حملها ووضعها بأنه » كُره « أي مشقة وصعوبة وثقل ، فيه آلام وأوجاع وأخطار، لكنه مرغوب ومطلوب لدى المرأة، مقرونة باللذة والشوق ، قال الله تعالى : ] وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا [( ).
فسبحان من جعل الحمل والإنجاب حاجة فطرية ، في كل امرأة سليمة سوية ، لتستمرَّ الحياة !!
والكَره : وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم خمس مرات، بمعنى : الإكراه والإجبار والقسر ، قال الله تبارك وتعالى : ] ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين [ ( ) .
وقال عز وجل : ] وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ [ ( ) .
فالكافر أسلم لله رغم أنفه ، وهو كاره رافض ، لذلك اعتبر استسلامه » كرهاً « بفتح الكاف.
ويسجد لله مكرهاً مجبراً ، وليس هكذا استسلام المؤمن لله ، ولهذا وصفه القرآن الكريم بأنه » طوعاً « وجعله مقابلاً ومضاداً لاستسلام الكافر وخضوعه الجبري لله تبارك وتعالى.
حتى إنفاق المنافقين لأموالهم رغم أنوفهم ، إنفاق بسبب القسر والإكراه ، وذلك لأنهم يريدون به التمويه على المسلمين ، ولهذا وصف الله إنفاقهم بأنه » كَره « وأمرنا أن نقول لهم : ] قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ [ ( ) .
ونهى القرآن الكريم عن وراثة المرأة كالمتاع والأثاث فقال تعالى : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا [ ( ) .
فقد كان الجاهلي إذا مات أبوه ، ورث أمواله ومتاعه ، ومن جملة ما يرث زوجة أبيه ، فنهى الله تعالى عن هذا التصرف الجاهلي البشع وحرَّمه عليهم ، والمرأة ترفض هذا التصرف وتكرهه ، لأنه إجبار وقسر لها ولذا سماه الله تعالى في القرآن الكريم » كَرهاً « بفتح الكاف .
وقال الإمام الراغب الأصفهاني : الكَرْه: المشقة التي تنال الإنسان من خارج ، فيما يُحمَلُ عليه بإكراه، والكُرْهُ: ما يناله من ذاته ، وهو يعافه ( ) .

7 ـ الجسم .. و.. الجسد : كلمتان متقاربتان في الحروف والمعنى ، ولكن ما الفرق بينهما ، يقال : الجسم : إذا كان فيه حياة وروح وحركة ، والجسد : التمثال الجامد أو البدن بعد وفاته وخروج روحه.
قال الله تبارك وتعالى عن » طالوت « مبيناً مؤهلاته ليكون ملكاً على بني إسرائيل:
] قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [( ) .
وقال تعالى عن اهتمام المنافقين بأجسامهم على حساب قلوبهم : ] وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَة [ ( ).
الآيتان تتحدثان عن الأحياء ، فطالوت ملك حي ، والمنافقون أحياء يتكلمون.
أما كلمة » جسد « فإنها تعني : البدن جثة هامدة ، قال تعالى عن ابن نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام ، الذي ولد ميتاً مشوهاً : ] وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَاب [ ( ) .
كما وصف القرآن العجل » التمثال « الذي صنعه » السامري « من الذهب لبني إسرائيل ، ودعاهم إلى عبادته ، مستغلاً غيبة موسى عليه السلام ، فقال الله تبارك وتعالى : ] وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَار [ ( ) .

وبهذا نكون قد علمنا الفرق بين الجسم والجسد.

8 ـ همت به وهمَّ بـها : أثبت القرآن الكريم لامرأة العزيز مراودتها ليوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال الله تعالى : ] وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ . وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [ ( ) .
ولكن هل همَّ يوسف بها كما همت به ، بعض المفسرين نسب الهمَّ ليوسف عليه السلام بامرأة العزيز ،وذهب إلى أن همه كان هم الفاحشة ، ومعلوم أن الأنبياء معصومون عن الخطأ .
ومنهم من نفى عن يوسف همَّ الفاحشة ، واعتبره همَّ الضرب ، أي همَّ بضربها ورفع يده عليها ، ولكنه لم يضربها لأنه رأى برهان ربه ، وهو شعوره بالخجل من ضربها ، لأنه لا يليق برجل أن يضرب امرأة ، فكيف إذا كانت سيدته !
ولا أرى الهمَّ بالفاحشة لأنه منـزه عن ذلك ، ولا همَّ بالضرب لعدم توفر الأدلة على ذلك ، ولكن تركيب الآية توحي بأنه لم يهمَّ بها ، وتنفي عنه الهمَّ قال الله تعالى : ] وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ . وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ [ فحرف » الواو « هنا استئنافية وليست عاطفة ، ويجب الوقوف على الضمير في » به « ثم يستأنف القارئ : ] وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ [ ، وجملة » هَمَّ بـها « جواب الشرط ، لحرف الشرط » لولا « مقدَّم عليها ، فتصبح الجملة هكذا : » لولا أن رأى برهان ربه لَهَمَّ بـها «.
ومعلوم أن ( لولا ) حرف امتناع لوجود ، فيمتنع تحقق جواب الشرط وهو » همَّ بها«لوجود فعل الشرط وهو » أن رأى برهان ربه «.
وبرهان ربه عز وجل هو : إيمانه القوي بالله تعالى ، وشعوره بمراقبته ، وحرصه على عدم مخالفته ، واجتنابه للمعاصي والذنوب.

9 ـ معجزات عددية في سورة القدر : تتحدث سورة القدر عن فضل ليلة القدر ، وتخبر أن إنزال القرآن كان في ليلة القدر ، وتبيِّن أنها خير من ألف شهر ، وحثنا النبي r على إحياء تلك الليلة فقال عليه الصلاة والسلام : (( من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )) ( ) .
سورة القدر هذه تحتوي على إشارات عظيمة وعميقة منها :
ـ كلمة » القدر « مؤلفة من خمسة أحرف ، وكأنها تشير إلى أركان الإسلام الخمسة.
ـ تحتوي هذه السورة على خمس آيات ، وكأنها تحث الأمة على المحافظة على الصلوات الخمس جماعة في بيت من بيوت الله تبارك وتعالى.
حافظ على صـلواتك الخمسِ فكم من مصبح وعساه لا يمسي
واستقبل يومـك بذكـر الإله تمحـو بـه مـا كان بالأمسِ
ـ كما أن هذه السورة تحتوي على ثلاثين كلمة ، بعدد أيام شهر رمضان الكريم وهي تحث الأمة على محافظة صيام هذا الشهر الكريم.
أتـى رمضـان مزرعة العبـاد لتطهـير القلـوب من الفساد
فأدِّ حـقـه قــولاً وفـعلاً وزادك فاتـخذه للمـــعاد
فمن زرع الحبـوب وما سقاها تأوَّهَ نادمـاً عنـد الحصـاد
ـ وتحتوي هذه السورة على مائة وأربعة عشر حرفاً ، بعدد سور القرآن الكريم ، وكأنها تحث الأمة على تلاوة هذا الكتاب المجيد ، الذي أنزل في هذا الشهر الكريم.

كـلام قـديم لا يـمل سـماعه تنـزه عـن قـول وفـعل ونية
به أشتـفي من كـل داء ونـوره دليل لعقلي عند جهلي وحيرتـي
فياربِّ متـعني بسـرِّ حـروفـه ونـوِّر به سـمعي وقلبي ومقلتي

ـ وفيها إشارة إلى أن ليلة القدر هي ليلة السابع والعشرين ، وذلك لأن جملة » ليلة القدر « مكونة من تسعة أحرف ، ومكررة ثلاث مرات ، ولعل الحكمة من ورودها ثلاث مرات هي الإشارة إلى تعيين الليلة ، فحاصل ضرب عدد الحروف بعدد المرات ، نستنتج تعيين الليلة : 9 × 3 = 27 وهي ليلة القدر.
ـ وذكرنا أن عدد كلمات هذه السورة ثلاثون كلمة ، على عدد أيام الشهر الكريم ، ورقم كلمة » هي « الضمير المنفصل الذي يعود على ليلة القدر ، هو السابع والعشرون في عدِّ الكلمات ، وكأن الآية تنطق بأن ليلة القدر هي ليلة السابع والعشرين ، والله تعالى أعلم .

10 ـ فأردتُّ.. فأردنا .. فأراد ربك : في سورة الكهف ذكرت هذه الكلمات الثلاث قال تعالى في الآية الأولى عن السفينة : ] أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا [ ( ) .
حيث أضاف عيب السفينة إلى نفسه رعاية للأدب ، لأنها لفظة عيب فتأدب ، بأن لم يسند الإرادة فيها إلا إلى نفسه ، كما تأدب إبراهيم عليه السلام في قوله : ] وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين [ ( ) فأسند الفعل قبل وبعد إلى الله تبارك وتعالى ، وأسند إلى نفسه المرض ، إذ هو معنى نقص ومصيبة ، فلا يضاف إليه سبحانه وتعالى من الألفاظ إلا ما يستحسن منها دون ما يستقبح ، وهذا كما قال تعالى : ] بيدك الخير [( ) فاقتصر عليه، ولم ينسب الشر إليه ، وإن كان بيده الخير والشر ، والنفع والضر ، إذ هو على كل شيء قدير .
ولله تعالى أن يسند إلى نفسه ما يشاء ، ويطلق عليا ما يريد ، ولا نطلق نحن إلا ما أذن لنا فيه من الأوصاف الجميلة ، والأفعال الشريفة ، جل وتعالى عن النقائص والآفات علواً كبيراً.
الآية الثانية قال الله تعالى فيها عن الغلام : ] وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا . فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا [ ( ) .
( فأردنا ) وكأنه أضاف القتل إلى نفسه ، والتبديل إلى الله تبارك وتعالى ، والأشد كمال العقل والخلق ، فأبدلهما الله تعالى ابنة ، فتزوجها نبي ، فولدت له اثنا عشر غلاماً كلهم أنبياء .
والآية الثالثة تتحدث عن الجدار قال الله تعالى : ] وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا [ ( ) .
حيث أسند الإرادة في الجدار إلى الله تبارك وتعالى ، لأنها في أمر مستأنف في زمن طويل ، وغيب من الغيوب ، فحسن إفراد هذا الموضع بذكر الله تعالى ، وإن كان الخضر ـ عليه السلام ـ أراد ذلك ، فالذي أعلمه هو الله تبارك وتعالى أن يريده .
وقيل : لما كان ذلك خيراً كله أضافه إلى الله تعالى .
وقيل : أسند الإرادة إلى الله تعالى ههنا لأن بلوغهما الحلم لا يقدر عليه إلا الله عز وجل ] فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا [ والله أعلم( ).

11 ـ خشية إملاق نحن نرزقهم .. من إملاق نحن نرزقكم : الفرق شاسع وواسع بين الكلمتين ، لذلك نجد أن القرآن الكريم عبَّرَ مرة هكذا ومرة هكذا .
فقال الله تعالى :] وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [ ( ) .
وقال في آية أخرى : ] وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم [ ( ).
ففي الآية الأولى قدم رزق المخاطبين وهم الآباء ، على رزق أولادهم ، لأن الفقر موجود بالفعل ، وهو السبب المباشر لقتل الأولاد ، وما دام الفقر موجود بالفعل ، فالإنسان يكون مشغولاً برزق نفسه قبل أن يشغل برزق ولده ، وهنا يطمئنه الله تعالى على رزقه فيقول : ] نحن نرزقكم [ يا أصحاب الإملاق وإياهم ، فنأتي برزقهم أيضاً.
أما الآية الثانية ، فالفقر غير موجود بالفعل ، وإنما هو متوقع ، فهم يخافون إن جاء لهم أولاد أن يأتي الفقر معهم ، فيقول تعالى : ] نحن نرزقهم [ نحضرهم ونحضر معهم رزقهم، ونرزقكم أنتم أيضاً ( ).

12 ـ السارق والسارقة .. الزانية والزاني : قدم السارق على السارقة ،لأن السرقة وقوعها من الرجل أغلب ،لأنه أجرأ عليها ،وأجلد وأخطر ،فقدم عليها لذلك .
قال الله تعالى : ] وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيم [ ( ).
وقدم الزانية على الزاني ،لأن الزنى من المرأة أقبح ، وجرمه أشنع ، لما يترتب عليه من تلطيخ فراش الرجل ، وفساد الأنساب ، وإلحاق العار بالعشيرة ، ثم بعد كل هذا ، الفضيحة بالنسبة للمرأة ( بالحمل ) تكون أظهر وأدوم ،لذا قدمت على الرجل .
قال الله تعالى : ] الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ [ ( ) .

قال القرطبي في تفسيره : قدمت الزانية في هذه الآية ،من حيث كان في ذلك الزمان زنى النساء فاشٍ ، وكان لإماء العرب وبغايا الوقت رايات ،وكن مجاهرات بذلك ،
وقيل : لأن الزنى في النساء أَعَر( ) ،وهو لأجل الحَبَلِ أَضَر ،وقيل : لأن الشهوة في المرأة أكثر ،وعليها أغلب ،فصَدَّرَها تغليظاً لتُرْدِعَ شهوتَها ،وإن كان قد ركب فيها حياء ، ولكنها إذا زنت ذهب الحياء كله.
وأيضاً فإن العار بالنساء ألحق ، إذ موضوعهن الحجب والصيانة، فقَدَّمَ ذكرَهنَّ تغليظاً واهتماماً ( ) .
فإن قلتَ : فلِمَ قدم الرجل في قوله تعالى : ] الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [ ( ) ؟؟
قلتُ : لأن تلك الآية في الحد والزنى ، وهي في المرأة أقوى ، وهذه الآية في حكم النكاح، والرجل هو الأصل فيه ، لأنه الراغب والمبادر في الطلب ، بخلاف الزاني فإن الأمر فيه بالعكس غالباً ( ) .

13 ـ القاسط .. و...المقسط : كلمتان متقاربتان في الحروف ، ولكن الفرق بينهما في المعنى واسع وشاسع ، قال الله تعالى : ] وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [ ( ) .
فالقاسط : هو الجائر ، والظالم الذي عدل عن القسط ، وانحرف عن العدل .

والمقسط : هو العادل ، والله تعالى يحب المقسطين ، ويبغض القاسطين ،قال الله تعالى :
] وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين [ ( ).
كلمة قاسط : من الفعل الثلاثي قسط ، بينما كلمة مقسط : من الفعل الرباعي أقسط ، فكأن الهمزة في » أقْسَط « للَّسلْب، كما يقال: شَكا إليه فأشْكاه، فالهمزة جعلت بين الفعلين فرقاً كبيراً في المعنى ، فرق تضاد.
هذه تأملات في كتاب الله تبارك وتعالى ، أردتُّ أن أوضح من ورائها بعض ما ينطوي عليه هذا الكتاب المعجز من روعة البيان ، والذي قصدت إليه هو أن أنال رشفة من بحر هذا البيان الإلهي ، أمتع بذلك الخاطر والنفس ، وأسعد الفكر والخيال ، وحسبي ، وحسب القارئ أن نقف من وراء ذلك ، وقفة المتأمل الخاشع عند شاطئ هذا اليم العظيم، نمتع البصر ونرهف السمع لهذا الذي سجد لبيانه البيان.
حكى الأصمعي قال : سمعت جارية أعرابية تنشد وتقول :
أسـتغفر الله لذنبـي كـله قبـلت إنسـاناً بغير حـله
مـثل الغـزال ناعماً في دله فانـتصـف الليل ولم أصله
فقلت : قاتلك الله ما أفصحكِ ؟!
فقالت : أَوَيُعَدُّ هذا فصاحة مع قوله تعالى : ] وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه [ الآية فجمع في آية واحدة بين أمرَيْن (أرضعيه وألقيه ) ونـهيَيْن ( لا تخافي ولا تحزني ) وخبريْن ( وأوحينا ـ فإذا خفت عليه ) وبشارتَيْن ( رادُّوه وجاعلوه ) ( ) .
فكم من حقيقة جاثمة وراء حدود دلالة النطق والكلام ، وكم من جمال وجلال يظهر من ثنايا الكلمة الصادقة التي تتناول من المعنى سطحه وأعماقه وسائر صوره وخصائصه .
وهذا الوليد بن المغيرة ـ عدو الإسلام والقرآن ، والحق ما شهدت به الأعداء ، يقول عن هذا الكتاب المنير لما سمعه من النبي r : والله لقد سمعت منه كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وما يقول هذا بشر .

لذا أحببت أن يتذوق القارئ هذا السمو الرائع في كلام الله رب العالمين.[/font][/size][/size][/size]
 
هوامش الموضوع :

هوامش الموضوع :

1 ـ انظر البرهان في علوم القرآن ، للزركشي ، تعليق مصطفى عبد القادر عطا ، دار الفكر بيروت 1408 هـ 1988 م ، الطبعة الأولى : 1 / 226 .
2 ـ مجلة كلية الدعوة الإسلامية الليبية ، العدد الثامن 1991م » الإعجاز في الأسلوب القرآني « فرج علي حسين : 343 ومجلة العلم والإيمان التونسية العدد 61 يناير 1991 م : 81.
3 ـ الإسراء : 1.
4 ـ الحديد والحشر والصف :1 .
5 ـ التغابن : 1 .
6 ـ الأعلى : 1.
7 ـ الفتح : 10 .
8 ـ لطائف قرآنية ، د. صلاح عبد الفتاح الخالدي ، الطبعة الثانية ، دار القلم 1419 هـ 1998 م : 47 .
9 ـ الفرقان : 68 ـ 69 .
10 ـ الفرقان : 63 .
11 ـ المائدة : 54 .
12 ـ انظر » السيرة النبوية « لابن هشام ، دار الجيل ، بيروت 1411هـ.
13 ـ آل عمران : 181 ـ 182 .
14 ـ اتظر آل عمران : 182 والأنفال : 51 ، والحج : 10 .
15 ـ فصلت : 46 .
16 ـ ق : 29 .
17 ـ انظر تفسير النسفي » مدارك التنزيل وحقائق التأويل « لأبي البركات عبد الله النسفي : 3 / 97 ، وروح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني لمحمود الألوسي ، دار إحياء التراث العربي بيروت :
14 / 215 ، وفتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير ، للشوكاني ، دار الفكر بيروت : 5 / 77 .
18ـ انظر المفردات في غريب القرآن ، للراغب الأصفهاني تحقيق : محمد خليل عيتاني ، دار المعرفة بيروت ، الطبعة الأولى 1418 هـ 1998 م : 323.
19 ـ انظر لطائف قرآنية ، د. صلاح عبد الفتاح الخالدي ، الطبعة الثانية، دار القلم 1419 هـ 1998 م : 60 .
20ـ الزمر : 30 ـ 31.
21 ـ يس : 33 .
22 ـ المائدة : 3 .
23ـ الحجرات : 12 .
24 ـ الأنعام : 122 .
25 ـ البقرة : 216 .
26 ـ الأحقاف : 15 .
27 ـ فصلت : 11 .
28 ـ الرعد : 15 .
29 ـ التوبة : 53 .
30 ـ النساء : 19 .
31ـ انظر المفردات في غريب القرآن ، للراغب الأصفهاني تحقيق : محمد خليل عيتاني ، دار المعرفة بيروت ، الطبعة الأولى 1418 هـ 1998 م : 429.
32 ـ البقرة : 247 .
33ـ المنافقون : 4 .
34ـ ص : 34.
35 ـ الأعراف : 148 .
36 ـ يوسف : 23 ـ 24 .
37 ـ رواه البخاري في كتاب الإيمان باب قيام ليلة القدر من الإيمان برقم : / 34 / ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح برقم : / 1268 / والترمذي في كتاب الصوم عن رسول الله باب ما جاء في فضل شهر رمضان برقم : / 619 / والنسائي في كتاب الصيام باب ثواب من قام رمضان وصامه إيماناً واحتساباً برقم : / 2164 / وأبو داود في كتاب الصلاة باب في قيام شهر رمضان برقم : / 1165 / وأحمد في باقي مسند المكثرين برقم : / 6873 / والدارمي في كتاب الصوم باب في قيام رمضان برقم : / 1711 / .
38 ـ الكهف : 79 .
39 ـ الشعراء : 80 .
40 ـ آل عمران : 26 .
41 ـ الكهف : 80 ـ 81 .
42 ـ الكهف : 82 .
43 ـ انظر : الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي ، دار الشعب ، القاهرة ، 1372هـ الطبعة الثانية ، تحقيق : أحمد عبد العليم البردوني : 11 / 39.
44 ـ الأنعام : 151 .
45 ـ الإسراء : 31 .
46 ـ التحرير والتنوير للشيخ الطاهر بن عاشور ، الدار التونسية للنشر : 15 / 88 وإعجاز القرآن ، للشيخ محمد متولي الشعراوي ، دار الشروق : 125 .
47ـ المائدة : 38 .
48 ـ النور : 2 .
49ـ أعر : أي أكثر إثماً ، قال في لسان العرب : والمَعَرَّةُ: الإِثم، وفي التنزيل: ] فتُصِيبَكم منهم مَعَرَّة بغير عِلْم [ قال ثعلب: هو من الجرب، أَي يصيبكم منهم أَمر تَكْرَهُونه في الدِّيات، وقيل: المَعَرَّة الجنايةُ أَي جِنايَتُه كجناية العَرِّ وهو الجرب.
50ـ الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ، دار الشعب ، القاهرة 1372 هـ ، تحقيق : أحمد عبد العليم البردوني :
12 / 160.
51 ـ النور : 3 .
52 ـ انظر : فتح الرحمن لما التبس من القرآن ، للشيخ زكريا الأنصاري .
53 ـ الجن : 15 .
54 ـ الحجرات : 9 .
55 ـ الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ، دار الشعب ، القاهرة 1372 هـ ، تحقيق : أحمد عبد العليم البردوني :
13 / 252.
 
جزاك الله خيراً أخي محمد كالو على هذه التأملات الجيدة ، وأسأل الله لك التوفيق .
وما ذكرته جيد في أكثره ، وقد نختلف في بعض ما ذهبتم إليه ، غير أنني قد أعجبني تفريقكم بين ميت بالتخفيف والتشديد. أسأل الله لكم السداد ، والبصيرة بكلامه سبحانه وتعالى .
ولعل الأخ الكريم الأستاذ محمد إسماعيل عتوك ، يشاركنا في التعليق على هذه التأملات إن اتسع وقته لذلك ، ولا سيما القول بأن الواو في قوله تعالى :(وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) للاستئناف.
وقد صوتت لموضوعكم بدرجة (ممتاز) تقديراً لكثير من وقفاتكم العلمية ، وأعجبتني فكرة التصويت على الموضوع ، ولم يسبق لنا أن قمنا بمثل هذه الفكرة في ملتقى أهل التفسير ، فجزاك الله خيراً على هذه الفكرة ، التي قد تروق لبعضنا.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله في أخينا على ما جمعه لنا من لطائف قرآنية..
ولي تعليق على موضوعي (هاء الرفعة والخفض ) و (الفرق بين ميت وميّت) ...
فالعالم بالقراءات يرفض مثل هذا الاستنتاج المبني على وجه واحد من القراءة ، قرأ بخلافه النبي صلى الله عليه وسلم ، وغالب القراء !!
فهل ينتفي الاستنتاج باختلاف وجه القراءة ، وكله قرآن؟؟
 
أشكرك أخي على هذا الموضوع ، وحقًا لكل شيء من اسمه نصيب
 
تعليق على مقال

تعليق على مقال

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل عبد الرحمن الشهري حفظه الله!
نزولاً عند رغبتك يا أخي، أشارك في التعليق على بعض ما ورد في لطائف بيانية للأخ محمد كالوا 0 وجزاه الله تعالى عنا كل خير على ما بذله من جهد ملحوظ، في جمع هذه اللطائف الدقيقة00 وابتداء أتوجه إلى الأخ محمد كالو بالسؤال الآتي:
ما الفرق بين ( بلد ميِّت )- بتشديد الياء- وبين ( بلدة ميْتًا )- بتخفيف الياء- في قوله تعالى:
{ وهو الذي يرسل الرياح بشرًا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابًا ثقالاً سقناه لبلد ميِّت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون }[ الأعراف:57 ]0

وقوله تعالى:{ وهو الذي أرسل الرياح بشرًا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورًا* لنحيي به بلدة ميْتًا ونسقيه مما خلقنا أنعامًا وأناسي كثيرًا }[ الفرقان:48- 49 ] ؟

أما عن الواو في ( وهم بها ) من قوله تعالى:{ ولقد همت به وههم بها لولا أن رأى برهان ربه }فالظاهر أنها واو العطف00 ولعلماء النحو والتفسير في هذه الآية أقوال، أحدها ما ذكره الأخ محمد؛ وهو قولهم: ولقد همت به0 ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها0
وإلى هذا المعنى ذهب قطرب ( وهو أحد تلامذة سيبويه )، وكذلك الشيخ محمد بن عطية0 وأنكر قوم هذا المعنى؛ منهم ابن الأنباري، وقالوا: تقديم جواب ( لولا ) عليها شاذ ومستكره، لا يوجد في فصيح كلام العرب، خلافًا لعلماء الكوفة00 ولهذا قالوا: جواب ( لولا ) محذوف0 قدره الزجاج بقوله: لولا أن رأى برهان ربه، لأمضى ما هم به00 وقدره ابن الأنباري بقوله: لولا أن رأى برهان ربه، لزنا0

وفي الحقيقة أن هذين القولين لا وزن لهما، ولا قيمة في علم العربية والتفسير0 ولعل الصواب من القول فيما نذكره من المعنى0 إن شاء الله تعالى00 وبيانه: أن الهمَّ في اللغة - كما ذهب إليه المحققون - هو نوعان:
همٌّ ثابتٌ؛ وهو ما كان معه عزم، وعقد، ورضا، مثل هم امرأة العزيز بيوسف عليه السلام00 وهم عارضٌ؛ وهو الخطرة، وحديث النفس، من غير اختيار، ولا عزم، مثل هم يوسف عليه السلام0 والأول معصية، وليس كذلك الثاني0 قال تعالى:{ إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون }00 ولأن هم يوسف- عليه السلام- ليس بمعصية، وحاشاه من ذلك- مدحه الله تعالى بقوله في آخر الآية:{ إنه من عبادنا المخلصين }0 ومما يدل على صحة هذا المعتى: أن هم زليخة بيوسف هم مطلق0 أما هم يوسف- عليه السلام- فهو هم مقيَّد ب ( لولا ) الشرطية0 وبيانه: أن قوله تعالى:{ وهم بها } جملة قائمة بنفسها، مستقلة بذاتها؛ ولكنها مقيَّدة بالعبارة الشرطية التي تتقدمها أداة الشرط ( لولا )؛ وهي قوله تعالى:{ أن رأى برهان ربه }0 وهذا ما يجعل الهم من يوسف- على حقيقته- ممتنعًا؛ وذلك بتقييده بـ( لولا ) دون غيرها من أدوات الشرط0 ولهذا جاء في البحر المحيط لأبي حيان:( أنه لم يقع منه- عليه السلام- همٌّ ألبتة، بل هو منفيٌّ، لوجود رؤية البرهان؛ كما تقول: قارفتَ الذنب لولا أن عصمك الله تعالى0 ولا تقول: إن جواب( لولا ) متقدم عليها، وإن كان لا يقوم دليل على امتناع ذلك)0
ومن قبله قال ثعلب- وهو تلميذ للفراء:( همت زليخة بالمعصية، وكانت مصرة، وهم يوسف، ولم يوقِع ما هم به0 فبين الهمين فرقٌ )0

وفي هذا القدر كفاية لمن أراد الهداية، وبالله المستعان، والحمد لله رب العالمين0

محمد إسماعيل عتوك
 
الأخ محمد إسماعيل عتوك المحترم
أشكرك على هذا التعليق ، وخاصة تفصيل أقوال العلماء حول الواو في قوله تعالى:{ ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه } وحتى تتلاقح الآراء وتتناكح الأفكار ، عسى أن تتولد بشيء جديد ومفيد أقول :
سؤالك يا أخي : ما الفرق بين ( بلد ميِّت )- بتشديد الياء- وبين ( بلدة ميْتًا )- بتخفيف الياء- في قوله تعالى:
{ وهو الذي يرسل الرياح بشرًا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابًا ثقالاً سقناه لبلد ميِّت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون }[ الأعراف:57 ]0

وقوله تعالى:{ وهو الذي أرسل الرياح بشرًا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورًا* لنحيي به بلدة ميْتًا ونسقيه مما خلقنا أنعامًا وأناسي كثيرًا }[ الفرقان:48- 49 ] ؟

جوابه :
أن الله سبحانه وتعالى تحدث في الآية الأولى عن ( بلد ميِّت ) بتشديد الياء : وهو غالباً ما يعبر به عن الحي الذي فيه الروح ، ولكنه سوف يموت ، وقد شبه الله تعالى هذا البلد بالإنسان الذي أشرف على الموت فأدركته رحمة الله تعالى فلن تخرج روحه بعد ، وهو ينتظر حلول الأجل ، وما أقرب هذا المعنى من ( الأرض الخاشعة ) في قوله تعالى : ] وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير [ ( فصلت : 39 ).
والأرض الخاشعة هي الأرض الذليلة التي فيها حياة ونبات ولكنها تلفظ أنفاسها الأخيرة ، وتترنح على شفا جرف هار ، تستغيث بخشوع وتذلل وانكسار وذبول لما أصابها من جفاف وقلة ماء.
والآية الثانية : (بلدة ميْتًا )- بتخفيف الياء- شبه الله تعالى هذه البلدة بالإنسان الذي مات فعلاً وخرجت روحه منه ، وأصبح جثة هامدة ، لذلك قال (لنحيي به بلدة ميْتًا).
وما أقرب هذا المعنى من ( الأرض الهامدة ) التي لا حياة فيها ، قال الله تعالى : ] وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيج [ ( الحج : 5 ) فالأرض الهامدة : هي التي لا يكون فيها حياة ولا نبت ولا عود ولم يصبها مطر.
والله تعالى أعلم .
ـــــــــــــــــ
[align=center]محمد محمود كالو ـ ماجستير في التفسير وعلوم القرآن
www.muhmmdkalo.jeeran.com/images/
[email protected]-mail 1 :
[email protected]-mail 2 :
[/align]
 
أخي الكريم محمد كالو!

أخي الكريم محمد كالو!

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته00 أما بعد0
جوابك عن سؤالي مقنع 0 هذا ما أراه أنا00 وقد يرى غيري خلاف ذلك00 وأحب أن أضيف إليه: أن في قوله تعالى:{ سقناه إلى بلد ميت }- من آية الأعراف السابقة- قراءتان : الأولى بتشديد الياء؛ وهي قراءة الجمهور0 والقراءة الثانية بتخفيف الياء؛ وهي التي يسمونها بالقراءة الشاذة، وما هي بشاذة ؛ إلا من حيث أنه لا تجوز القراءة بها0 وبهذه القراءة تستوي الآيتان في المعنى0 وأقصد آية الأعراف/57، وآية الفرقان/49 0
وليس في هذا ما يضير، كما يفهم من تعليق الأخ الدكتور خالد عبد الرحمن؛ لأنه لا يؤدي إلى تصادم في المعاني، أو تضاد فيها00 وبالمناسبة فإني أحيي الدكتور خالد بتحية الإسلام، وأشكره على جهوده الطيبة0
وأضيف أخيرًا أن الميْتة من الحيوان- بتسكين الياء- ما زالت روحه بغير تذكية؛ ولهذا حرم الله تعالى أكلها بقوله:{ حرِّمت عليكم الميتة00 إلخ الآية }0
محمد إسماعيل عتوك
 
طلب تصحيح خطأ

طلب تصحيح خطأ

بسم الله الرحمن الرحيم
أرجو تصحيح الخطأ الذي وقع سهوًا مني ومن الأخ محمد كالو في آية الفرقان/48 وهو قوله تعالى:{ وهو الذي يرسل الرياح }0 والصواب:{ وهو الذي أرسل الرياح }00 مع جزيل الشكر0
محمد إسماعيل عتوك
 
بسم الله الرحمن الرحيم ...
أخي في الله محمد اسماعيل ، و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ... وبعد ؛
شكر الله لك ثناءك ، وحسن ظنك .
أنا لم أقل بالتضاد بين المعاني ، والمعنى جميل واضح ...لكن ،
يجدر بنا ان نسأل انفسنا حين نلحظ مثل هذه اللطيفة القرآنية في رواية حفص ، عن انسجامها مع جميع أوجه قراءة النبي صلى الله عليه وسلم !
ففي ذلك تثبيت للمعنى أو صرف له عن فهمنا .
فماذا سيكون موقفنا لو سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ : (أو من كان ميتا فأحييناه)بتشديد الياء ..ثم اذا ما جاء على (حرمت عليكم الميتة ) لم يشدد الياء ؟؟؟
و كله قرآن متواتر .
أظن أن المعنى سيكون حقا لو لم يكن لهذه القراءة ، وجه آخر والله أعلم
وجزى الله الجميع خيرا
 
سلام من الله

سلام من الله

بسم الله الرحمن الرحيم
سلام من الله عليك أخي خالد، ورحمته وبركاته.
أما بعد.. فيا أخي الكريم أنا لم أتقول عليك بشيء.
أنت قلت:( فالعالم بالقراءات يرفض مثل هذا الاستنتاج المبني على وجه واحد من القراءة ، قرأ بخلافه النبي صلى الله عليه وسلم ، وغالب القراء!! فهل ينتفي الاستنتاج باختلاف وجه القراءة ، وكله قرآن؟؟ )
وأنا أجبت عن تساؤلك بقولي:( وليس في هذا ما يضير )، ثم عللت لإجابتي- بخصوص اختلاف القراءتين- بقولي:( لأنه لا يؤدي إلى تصادم في المعاني، أو تضاد فيها ).
وعلى كل حال إذا كنت قد فهمت من كلامي ما ذكرت، فأنا أعتذر إليك.. وأحب أن تعلم يا أخي أن الموت- كما ذكر علماء اللغة- أربعة أنواع:
الأول: عبارة عن زوال القوة الحيوانية، وإبانة الروح عن الجسد. ومنه قوله تعالى:{ كل نفس ذائقة الموت } - { وأحيينا به بلدة ميْتًا }، بتخفيف الياء.
والثاني: عبارة عن زوال القوة الحاسة. ومنه قوله تعالى:{ يا ليتني مت قبل هذا }.
والثالث: عبارة عن زوال القوة العاقلة. ومنه قوله تعالى:{ أومن كان ميتًا فأحييناه }- { إنك لا تسمع الموتى }.
والرابع: عبارة عن الحزن المكدِّر للحياة؛ وإياه قصد بقوله تعالى:{ ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميِّت }.
والخامس: عبارة عن المنام.. فقد قيل: النوم موت خفيف، والموت نوم ثقيل. وعلى هذا النحو سماهما الله تعالى توفيًا، فقال:{ وهو الذي يتوفاكم بالليل } - { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها }.
فقوله تعالى:{ أومن كان ميتًا فأحييناه } قرىء بتخفيف الياء، وبتشديدها. فمن قرأه بالتخفيف، فقراءته تحمل على النوع الأول من أنواع الموت. ومن قرأه بالتشديد، فقراءته تحمل على النوع الثالث. ويمكن حملها على الوجه الخامس.. ولا ضير في ذلك إن شاء الله؛ لتقارب هذه المعاني.
هذا ما عنيته يا أخي بقولي المذكور أعلاه.. أسأل الله تعالى لي ولك ولجميع المؤمنين العفو والعافية. والحمد لله رب العالمين.


أخوكم
محمد إسماعيل عتوك
 
السلام عليكم ورحمة الله
جزى الله خيرا الأخ محمد كالوا على هذه اللطائف، ولي وجهة نظر في مسالة هم يوسف عليه السلام، إذ أننا نسعى لفهم الآية على أن مجرد الهم لم يحصل من يوسف عليه السلام لاعتبار أنه نبي، فما المانع أن نقول بحصول الهم من يوسف أصلا؟ اي أنه هم بنفسه لكن رؤية برهان ربه حالت بينه وبين وقوع ما هم به، إذ المحاسب عليه هو الفعل وليس الهم، لأن الهم حديث النفس كما بين الإخوة آنفا؟ وهل يحاسب المرء على هم النفس أصلا؟ ومن جهة أخرى: القول بوقوع الهم من غير فعل من يوسف عليه السلام أقرب في نظري إلى الهدف من ذكر هذا الموقف في حياة هذا النبي الكريم، وذلك أن نقول: إنه قد حصل معه ما يحصل مع سائر البشر عند اتقاد الشهوة بداخله، ومع هذا لم يقدم على الفعل لأنه استشعر الخوف من الله، وهذه هي العبرة، أن المؤمن هو من إذا عرض له مثل هذا الموقف تراه يفزع إلى الله ولا يتابع ما همت به نفسه، ويشهد بذلك كلام سيد المرسلينصل1 في حديث من يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله:( رجل دعته امراة ذات مال وجمال فقال إني أخاف الله) فهل يقال أن مجرد الهم لم يقع من هذا الرجل؟! كذلك إذا نفينا مجرد الهم عن يوسف عليه السلام فأين مشهد البطولة التي يريد النص القرآني أن يصوره لنا في سيرة يوسف عليه السلام؟ رجل ليس عنده مجرد الهم بالنساء، من الطبيعي أن لا يقترب منها، ولن يكون عندها في عدم وقوع الفاحشة منه أي عبرة إذ لا يوجد الدافع البشري أصلا، ولكن ما أراه هو أن الهم وقع من يوسف ولم يقع الفعل، والمانع هو برهان الله الذي رآه - ايا كان المراد بمعنى (برهان ربه) - ومن المؤكد أنني اعني بالهم الاستعداد البشري الغريزي الحاصل للرجل في مثل هذه المواقف، ولا أعني بالهم نيته المبيتتة للعصيان كما هو حال امرأة العزيز.
هذا ما استخلصته بعد دراسة طويلة لكتب التفسير، فإن أصبت فمن الله وحده وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان وكتاب الله منه براء.
وجزى الله كل من شارك هنا خير الجزاء على ما بذوله من أوقاتهم وفكرهم في سبيل ان يدرك التالي لهذا الكتاب العزيز بعض ما يحويه من أسرار وعجائب لا تقود إلا للهداية والخير.
 
ولي تعليق على موضوعي (هاء الرفعة والخفض ) و (الفرق بين ميت وميّت) ...
فالعالم بالقراءات يرفض مثل هذا الاستنتاج المبني على وجه واحد من القراءة ، قرأ بخلافه النبي صلى الله عليه وسلم ، وغالب القراء !!
فهل ينتفي الاستنتاج باختلاف وجه القراءة ، وكله قرآن؟؟


ثَم كتاب جميل بعنوان التوجيه البلاغي للدراسات القرآنية للدكتور : أحمد أبو سعد ، اطلعت عليه مرة وأتمنى الاطلاع عليه أخرى لكن عزّ علي الحصول عليه..! وأتمنى أن ييسره الله لي ولكم.
 
سؤال للإخوة :
ترتيب سور القران منه ما هو توقيفي ومنه ماهو اجتهادي .
تأمل معي : سورة يونس عليه السلام
سورة هود عليه السلام
سورة يوسف عليه السلام
سورة الرعد
سورة إبراهيم عليه السلام
وجود سورة الرعد بين سور الانبياء. هل له دلالة ؟ أو هل هناك لطيفة ؟
 
السلام عليكم ورحمة الله
أشكر اخي الاستاذ محمد كالو على هذا الاهتمام بهذا الجانب الذي يعنى بتذوق القرآن العظيم وتثويره في النفوس.
ولي بعض الملحوظات
1- في رأيي المتواضع: حبذا الاطلاع -لمن يريد البحث في مثل هذه اللطائف وعلم التفسير بشكل عام- على ما قاله السابقون واللاحقون، وقد أغفل أخي الاستاذ محمد مثلا كتاب الرازي رحمه الله وهو من الذين يكثرون من الحديث عن مثل هذه اللطائف وربما كثير من الذين أتوا بعده نقلوا عنه.
2- بالنسبة للقراءات المتواترة لا بد من النظر اليها جميعا أنها قرآن يتلى وحبذا لو ذكر اخي الاستاذ جميع القراءات التي وردت في الآيات التي ذكرها ثم ذكر التوجيه بعد ذلك، فربما تسلم بعض اللطائف من الملاحظات عليها وربما تكون غير مقنعة اذا جاءت قراءة أخرى -كما ذكر بعض الأخوة- فمثلا حينما أورد اللطيفة الخاصة ب"هاء الرفعة : هي الهاء المضمومة في كلمة ( عليهُ ) في قوله تعالى : ] إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [ ( ) .
الأصل أن تكون الهاء في » عليهِ « مكسورة ، ولكن جاءت هنا مضمومة ، والضم علامة الرفع ، والمقام مقام رفعة ، فكأن الرفعة أصابت الهاء في » عليه « فكان من غير المناسب أن تبقى مكسورة ، لأن الكسرة لا تناسب هذا الجو ، لذلك تحولت الكسرة إلى الضمة علامة الرفع ، انعكس الجو على حركة الهاء ، والآية أيضاً تتحدث عن الوفاء بالعهد والبيعة ، ولما كان الوفاء بالبيعة دليل على صدق المبايع ، وعلوِّ همته ، ورفعة نفسه، وسمو خلقه ،لذا جاءت الهاء مضمومة ( ) ، وكأن علامة الرفع جاءت من قوله تعالى :
] يد الله فوق أيديهم [. " فماذا تقول أخي محمد بالنسبة للقراءة الأخرى قال الألوسي رحمه الله:
"وقرأ الجمهور «عليه» بكسر الهاء كما هو الشائع وضمها حفص هنا"، تفسير الألوسي = روح المعاني (13/ 252)، وينظر،النشر في القراءات العشر (1/ 305)، فالسؤال ما هي هذه الهاء؟
3- هناك مسودة للعلامة الدكتور فضل حسن عباس رحمه الله في موضوع متشابه النظم وقد رد في جزء منه على من يغفلون القراءات في اللطائف، ونسأل الله العلي العظيم أن يعجل بظهوره لتعم به الفائدة.
وأكرر شكري لأخي محمد فمثل هذه الملحوظات لا تنقص من قيمة ما أتى به.
 
عودة
أعلى