مساعد الطيار
مستشار
- إنضم
- 15/04/2003
- المشاركات
- 1,698
- مستوى التفاعل
- 5
- النقاط
- 38
قوله تعالى (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ )
1 ـ إن من فطنة العدو أو الحاكم الظالم الجائر أن يجعل أهل الدولة التي يتسلط عليها شيعًا ، يستعين بإحداهن على الأخرى ، وذلك الديدن تجده اليوم في تسلط العدو على العراق ، وكيف استفاد من جعل أهلها شيعًا ، فاستضعفوا طائفة على حساب قوة طوائف أخرى .
2 ـ عبَّر عن الذبح بالفعل المضارع المضعَّف ، وفي ذلك فائدتان :
الأولى : أن المضارع يفيد حدوث هذا الذبح وتجدده مرة بعد مرة ، كلما جاء موجبه ، وهو ولادة المولود الذكر من بني إسرائيل .
الثانية : أن في التضعيف إفادة التكثير ، أو المبالغة في هذا الفعل .
3 ـ قابل الأبناء بالنساء ، وفي ذلك سرٌّ لطيف ، فإنه إنما يستفاد من إبقاء البنات إلى أن يكبرن ، ويصرن نساءً يستطعن الخدمة عند فرعون وقومه ، أما في حال صغرهن فلا يُستفاد منهن ، وقد تنبَّه إلى هذا المعنى ابن جريج المكي ( ت : 150 ) ففسَّر هذا المعنى فقال : ((قوله : { ويستحيون نساءكم } قال : يسترقون نساءكم )) ، فذهب إلى لازم إبقائهن احياء كما أشار إليه قوله تعالى ( نساءكم )
3 ـ إن الفساد في فرعون متأصل ومستمرٌّ ؛ لذا جاء التعبير عن إفساده بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والاستقرار ( إنه كان من المفسدين ) ، وأكِّدت هذه الجملة بحرف التأكيد ( إنَّ ) .
قوله تعالى ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُون )
1 ـ جاءت الأفعال : ( نريد ، نمن ، نجعلهم ، نمكن لهم ) على صيغة واحدة ، وهي الفعل المضارع المبدوء بنون العظمة ، والدال على الاستقبال ، وفيها إشارة إلى الاختيار الإلهي المحض لهؤلاء القوم في أن ينصرهم الله ويمكنهم ممن اضطهدهم وآذاهم ، لكن متى حصل لهم ؟
لقد عاشوا أول أمرهم مضطهدين من فرعون وقومه ، ثمَّ أنقذهم الله بموسى وهارون ، ولكن ذلك الجيل الذي عاش حياة الذل لمَّا يتأدب بأدب النبوة ، ويتربَّى بترتبية الرسالة الموسوية ؛ إذ لما طُلِب منهم ـ بعد خروجهم من مصر ـ أن يدخلوا الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم ترددوا ، وراجعوا موسى في ذلك ، حتى انتهى بهم الأمر إلى أن يقولوا : ( اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ) . يا للخزي والعار لقوم يقولون لنبيهم هذا القول .
إن هذا الجيل المهزوم لم يكن له شرف حمل الرسالة ، والحصول على الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم فترة من الزمن ، فضرب الله عليهم عقوبته بالتيه في صحراء سيناء أربعين سنة ، عاشوا فيها ، فمات من مات من جيل الهزيمة ، ووُلِد جيل عاش شظف العيش ، ومارس شدائد الحياة الصحراوية ، فكان الفتح على يديه بعد أن انتقل موسى وهارون إلى الرفيق الأعلى في زمن التيه ، فانظر ؛ كم الفرق بين الوعد وتحقيقه ؟ ولكن الناس يستعجلون النصر .
وإذا تأملت واقعنا اليوم وجدتنا نعيش شيئًا من واقع تلك الأمة المخذولة التي ضُرب عليها التيه ، واستكانت للراحة والدعة ، وكرهت معالي الأمور التي لا تأتي إلا بعد الكدِّ والجدِّ والتعب ، فلا ترانا نزاحم على القوة العظمى ، ونقنع بالدون والهوان ، فأخشى أن نكون ـ ونحن بهذا الحال ـ لسنا جيل النصر ، والله غالب على أمره ، والأمر كما قال تعالى: ( وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) ، ولن يأتي ذلك إلا بالتغيير ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ، فإذا حصل ذلك جاء الجيل الذي أشار اله إليه بقوله تعالى ( فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) ، فأسأل الله العظيم أن لا يحرمنا فضله ، وأن يجعلنا ممن يُؤتاه .
2 ـ في الفعل ( نُري ) من قوله تعالى ( ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) قراءتان : ( نُري ) ( يَرى ) ، ومؤدى المعنيين في القراءتين واحد ، فهو سبحانه يريهم فيرون ، فالفعل من الله ابتداء تقدير ، ومنهم تحقق وحدوث .
3 ـ في قضاء الله لطف وخفاء عجيب لا يمكن إدراكه إلا بعد وقوعه ، فانظر كيف توعَّد فرعون وهامان وجنودهما ، فقال : ( ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) ، فقدَّر الله ـ من حيث لا يشعرون ، ولا يستطيعون ردَّ قضائه مهما بلغوا من قوة أو علم ـ أن يكون بيت فرعون حاضنًا لعدوِّه الذي سينهي أمره ، فبالله عليك ، أترى قوة في الأرض تستطيع إدراك هذا القدر قبل وقوعه ، فتتقيه ، وتأمل ما يقال ـ بغض النظر عن دقته وصحته ـ من مساعدة أمريكا للأفغان في حربهم على الروس ، وكيف انتهى الأمر بأولئك أن حاربوا أمريكا التي كانت تمدهم بالسلاح ، ولله فيما يقدر أسرار ولطائف .
ولو قرأت في التاريخ ، ونظرت في قصص من حولك ، لوجدت مثل تلك الصورة ، فكم من امرئ أنعم على عبد من عباد الله ، وكان ذلك العبد سببًا في هلاكه وزوال أمره وموته ؟
قوله تعالى ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ )
1 ـ لقد جاء الولد المختار من بني إسرائيل الذي سيكون هلاك فرعون وقومه على يديه ، جاء وهم يقتلون الأبناء ، فانظر لطف الله ، ورعايته ، ودقيق قدره في تخليص موسى عليه السلام من القتل ؟
2 ـ أرأيت لو كنت متجرِّدًا من معرفة ذا الخبر ، وقيل لك : إن امرأة وضعت ابنها في تابوت ، وألقته في النهر ، تريد له الأمان ، أفكنت ترى ذلك من العقل والحكمة في شيء ؟!
إن هذا الموضوع لو كان عُرِض عليَّ وعليك ، لقلنا : إنه مجانب للعقل والحكمة .
لكن الذي أمر بذلك هو من يعلم السرَّ وأخفى ، ألقته في اليمِّ ، وسار التابوت برعاية الله له ، فهو الذي أمر ، فأنَّى لمخلوق أن يؤذي هذا الرضيع ، وتابوته يتهادى بين مياه النهر ؟!
3 ـ إن في إرضاعها لموسى أول الأمر سرًا لطيفًا ، وهو أن هذا الطفل سيتذكر ذلك الثدي الذي أرضعه الحليب أول مرة ، فإذا عُرض على المراضع لم يأنس بها ، وانتظر ما بقي في ذاكرته الطفولية من ذلك الثدي الأول ؛ إنه إلهام الله ، وتقديره الخفي الذي لَطُف فدقَّ ، ولَطَفَ فرفق .
4 ـ اشتملت الآية على لطائف من تنويع الخطاب ، ففيها أمران ( أرضعيه ، فألقيه ) ، وفيها نهيان ( لا تخافي ، ولا تحزني ) ، وفيها بشارتان ( رادُّه ، وجاعلوه ) .
5 ـ اشتمل النهيان على الماضي والمستقبل ، فقوله : ( لا تخافي ) أي عليه فيما يستقبله من قدر ، وقوله ( ولا تحزني ) على فقده .
6 ـ تأمَّل البشارتين كيف جاءتا مؤكَّدتين تأكيدًا بليغًا يتناسبان مع موقف تلك الأم المفطورة في ولدها ( إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) فإن للتوكيد ، ومجيء (رادوه ، وجاعلوه ) على اسم الفاعل بدلاً من الفعل لتكون الجملة اسمية ، فتدل على الثبوت .
يالَ قلب تلك الأم المسكينة ، ألقت ابنها في اليم ، وأصبح قلبها خاليًا من كل شيء سوى ذكر موسى ، فكادت ـ ولم تفعل ـ أن تخبر بأنه ابنها ، وليكن ما يكن ، لكنَّ لله أمرًا لابدَّ أن يمضي على تقديره ، فربط على قلب الأم ؛ ثبَّتها وصبَّرها حين لات صبر ، ثم بدأت تفعل الأسباب ، فقالت لأخته : اتبعي أثره ، وانظري أمره ، فكان ما كان من رجوعه ، وتحقق وعد الله لها ، فيالها من فرحة عاشتها أم موسى ، وهنيئًا لها البشارة الثانية بالرسالة .
1 ـ إن من فطنة العدو أو الحاكم الظالم الجائر أن يجعل أهل الدولة التي يتسلط عليها شيعًا ، يستعين بإحداهن على الأخرى ، وذلك الديدن تجده اليوم في تسلط العدو على العراق ، وكيف استفاد من جعل أهلها شيعًا ، فاستضعفوا طائفة على حساب قوة طوائف أخرى .
2 ـ عبَّر عن الذبح بالفعل المضارع المضعَّف ، وفي ذلك فائدتان :
الأولى : أن المضارع يفيد حدوث هذا الذبح وتجدده مرة بعد مرة ، كلما جاء موجبه ، وهو ولادة المولود الذكر من بني إسرائيل .
الثانية : أن في التضعيف إفادة التكثير ، أو المبالغة في هذا الفعل .
3 ـ قابل الأبناء بالنساء ، وفي ذلك سرٌّ لطيف ، فإنه إنما يستفاد من إبقاء البنات إلى أن يكبرن ، ويصرن نساءً يستطعن الخدمة عند فرعون وقومه ، أما في حال صغرهن فلا يُستفاد منهن ، وقد تنبَّه إلى هذا المعنى ابن جريج المكي ( ت : 150 ) ففسَّر هذا المعنى فقال : ((قوله : { ويستحيون نساءكم } قال : يسترقون نساءكم )) ، فذهب إلى لازم إبقائهن احياء كما أشار إليه قوله تعالى ( نساءكم )
3 ـ إن الفساد في فرعون متأصل ومستمرٌّ ؛ لذا جاء التعبير عن إفساده بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والاستقرار ( إنه كان من المفسدين ) ، وأكِّدت هذه الجملة بحرف التأكيد ( إنَّ ) .
قوله تعالى ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُون )
1 ـ جاءت الأفعال : ( نريد ، نمن ، نجعلهم ، نمكن لهم ) على صيغة واحدة ، وهي الفعل المضارع المبدوء بنون العظمة ، والدال على الاستقبال ، وفيها إشارة إلى الاختيار الإلهي المحض لهؤلاء القوم في أن ينصرهم الله ويمكنهم ممن اضطهدهم وآذاهم ، لكن متى حصل لهم ؟
لقد عاشوا أول أمرهم مضطهدين من فرعون وقومه ، ثمَّ أنقذهم الله بموسى وهارون ، ولكن ذلك الجيل الذي عاش حياة الذل لمَّا يتأدب بأدب النبوة ، ويتربَّى بترتبية الرسالة الموسوية ؛ إذ لما طُلِب منهم ـ بعد خروجهم من مصر ـ أن يدخلوا الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم ترددوا ، وراجعوا موسى في ذلك ، حتى انتهى بهم الأمر إلى أن يقولوا : ( اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ) . يا للخزي والعار لقوم يقولون لنبيهم هذا القول .
إن هذا الجيل المهزوم لم يكن له شرف حمل الرسالة ، والحصول على الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم فترة من الزمن ، فضرب الله عليهم عقوبته بالتيه في صحراء سيناء أربعين سنة ، عاشوا فيها ، فمات من مات من جيل الهزيمة ، ووُلِد جيل عاش شظف العيش ، ومارس شدائد الحياة الصحراوية ، فكان الفتح على يديه بعد أن انتقل موسى وهارون إلى الرفيق الأعلى في زمن التيه ، فانظر ؛ كم الفرق بين الوعد وتحقيقه ؟ ولكن الناس يستعجلون النصر .
وإذا تأملت واقعنا اليوم وجدتنا نعيش شيئًا من واقع تلك الأمة المخذولة التي ضُرب عليها التيه ، واستكانت للراحة والدعة ، وكرهت معالي الأمور التي لا تأتي إلا بعد الكدِّ والجدِّ والتعب ، فلا ترانا نزاحم على القوة العظمى ، ونقنع بالدون والهوان ، فأخشى أن نكون ـ ونحن بهذا الحال ـ لسنا جيل النصر ، والله غالب على أمره ، والأمر كما قال تعالى: ( وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) ، ولن يأتي ذلك إلا بالتغيير ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ، فإذا حصل ذلك جاء الجيل الذي أشار اله إليه بقوله تعالى ( فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) ، فأسأل الله العظيم أن لا يحرمنا فضله ، وأن يجعلنا ممن يُؤتاه .
2 ـ في الفعل ( نُري ) من قوله تعالى ( ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) قراءتان : ( نُري ) ( يَرى ) ، ومؤدى المعنيين في القراءتين واحد ، فهو سبحانه يريهم فيرون ، فالفعل من الله ابتداء تقدير ، ومنهم تحقق وحدوث .
3 ـ في قضاء الله لطف وخفاء عجيب لا يمكن إدراكه إلا بعد وقوعه ، فانظر كيف توعَّد فرعون وهامان وجنودهما ، فقال : ( ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) ، فقدَّر الله ـ من حيث لا يشعرون ، ولا يستطيعون ردَّ قضائه مهما بلغوا من قوة أو علم ـ أن يكون بيت فرعون حاضنًا لعدوِّه الذي سينهي أمره ، فبالله عليك ، أترى قوة في الأرض تستطيع إدراك هذا القدر قبل وقوعه ، فتتقيه ، وتأمل ما يقال ـ بغض النظر عن دقته وصحته ـ من مساعدة أمريكا للأفغان في حربهم على الروس ، وكيف انتهى الأمر بأولئك أن حاربوا أمريكا التي كانت تمدهم بالسلاح ، ولله فيما يقدر أسرار ولطائف .
ولو قرأت في التاريخ ، ونظرت في قصص من حولك ، لوجدت مثل تلك الصورة ، فكم من امرئ أنعم على عبد من عباد الله ، وكان ذلك العبد سببًا في هلاكه وزوال أمره وموته ؟
قوله تعالى ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ )
1 ـ لقد جاء الولد المختار من بني إسرائيل الذي سيكون هلاك فرعون وقومه على يديه ، جاء وهم يقتلون الأبناء ، فانظر لطف الله ، ورعايته ، ودقيق قدره في تخليص موسى عليه السلام من القتل ؟
2 ـ أرأيت لو كنت متجرِّدًا من معرفة ذا الخبر ، وقيل لك : إن امرأة وضعت ابنها في تابوت ، وألقته في النهر ، تريد له الأمان ، أفكنت ترى ذلك من العقل والحكمة في شيء ؟!
إن هذا الموضوع لو كان عُرِض عليَّ وعليك ، لقلنا : إنه مجانب للعقل والحكمة .
لكن الذي أمر بذلك هو من يعلم السرَّ وأخفى ، ألقته في اليمِّ ، وسار التابوت برعاية الله له ، فهو الذي أمر ، فأنَّى لمخلوق أن يؤذي هذا الرضيع ، وتابوته يتهادى بين مياه النهر ؟!
3 ـ إن في إرضاعها لموسى أول الأمر سرًا لطيفًا ، وهو أن هذا الطفل سيتذكر ذلك الثدي الذي أرضعه الحليب أول مرة ، فإذا عُرض على المراضع لم يأنس بها ، وانتظر ما بقي في ذاكرته الطفولية من ذلك الثدي الأول ؛ إنه إلهام الله ، وتقديره الخفي الذي لَطُف فدقَّ ، ولَطَفَ فرفق .
4 ـ اشتملت الآية على لطائف من تنويع الخطاب ، ففيها أمران ( أرضعيه ، فألقيه ) ، وفيها نهيان ( لا تخافي ، ولا تحزني ) ، وفيها بشارتان ( رادُّه ، وجاعلوه ) .
5 ـ اشتمل النهيان على الماضي والمستقبل ، فقوله : ( لا تخافي ) أي عليه فيما يستقبله من قدر ، وقوله ( ولا تحزني ) على فقده .
6 ـ تأمَّل البشارتين كيف جاءتا مؤكَّدتين تأكيدًا بليغًا يتناسبان مع موقف تلك الأم المفطورة في ولدها ( إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) فإن للتوكيد ، ومجيء (رادوه ، وجاعلوه ) على اسم الفاعل بدلاً من الفعل لتكون الجملة اسمية ، فتدل على الثبوت .
يالَ قلب تلك الأم المسكينة ، ألقت ابنها في اليم ، وأصبح قلبها خاليًا من كل شيء سوى ذكر موسى ، فكادت ـ ولم تفعل ـ أن تخبر بأنه ابنها ، وليكن ما يكن ، لكنَّ لله أمرًا لابدَّ أن يمضي على تقديره ، فربط على قلب الأم ؛ ثبَّتها وصبَّرها حين لات صبر ، ثم بدأت تفعل الأسباب ، فقالت لأخته : اتبعي أثره ، وانظري أمره ، فكان ما كان من رجوعه ، وتحقق وعد الله لها ، فيالها من فرحة عاشتها أم موسى ، وهنيئًا لها البشارة الثانية بالرسالة .
التعديل الأخير: