لطائف قرآنية من قصة موسى في سورة القصص (1)

إنضم
15/04/2003
المشاركات
1,698
مستوى التفاعل
5
النقاط
38
قوله تعالى (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ )
1 ـ إن من فطنة العدو أو الحاكم الظالم الجائر أن يجعل أهل الدولة التي يتسلط عليها شيعًا ، يستعين بإحداهن على الأخرى ، وذلك الديدن تجده اليوم في تسلط العدو على العراق ، وكيف استفاد من جعل أهلها شيعًا ، فاستضعفوا طائفة على حساب قوة طوائف أخرى .
2 ـ عبَّر عن الذبح بالفعل المضارع المضعَّف ، وفي ذلك فائدتان :
الأولى : أن المضارع يفيد حدوث هذا الذبح وتجدده مرة بعد مرة ، كلما جاء موجبه ، وهو ولادة المولود الذكر من بني إسرائيل .
الثانية : أن في التضعيف إفادة التكثير ، أو المبالغة في هذا الفعل .
3 ـ قابل الأبناء بالنساء ، وفي ذلك سرٌّ لطيف ، فإنه إنما يستفاد من إبقاء البنات إلى أن يكبرن ، ويصرن نساءً يستطعن الخدمة عند فرعون وقومه ، أما في حال صغرهن فلا يُستفاد منهن ، وقد تنبَّه إلى هذا المعنى ابن جريج المكي ( ت : 150 ) ففسَّر هذا المعنى فقال : ((قوله : { ويستحيون نساءكم } قال : يسترقون نساءكم )) ، فذهب إلى لازم إبقائهن احياء كما أشار إليه قوله تعالى ( نساءكم )
3 ـ إن الفساد في فرعون متأصل ومستمرٌّ ؛ لذا جاء التعبير عن إفساده بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والاستقرار ( إنه كان من المفسدين ) ، وأكِّدت هذه الجملة بحرف التأكيد ( إنَّ ) .
قوله تعالى ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُون )
1 ـ جاءت الأفعال : ( نريد ، نمن ، نجعلهم ، نمكن لهم ) على صيغة واحدة ، وهي الفعل المضارع المبدوء بنون العظمة ، والدال على الاستقبال ، وفيها إشارة إلى الاختيار الإلهي المحض لهؤلاء القوم في أن ينصرهم الله ويمكنهم ممن اضطهدهم وآذاهم ، لكن متى حصل لهم ؟
لقد عاشوا أول أمرهم مضطهدين من فرعون وقومه ، ثمَّ أنقذهم الله بموسى وهارون ، ولكن ذلك الجيل الذي عاش حياة الذل لمَّا يتأدب بأدب النبوة ، ويتربَّى بترتبية الرسالة الموسوية ؛ إذ لما طُلِب منهم ـ بعد خروجهم من مصر ـ أن يدخلوا الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم ترددوا ، وراجعوا موسى في ذلك ، حتى انتهى بهم الأمر إلى أن يقولوا : ( اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ) . يا للخزي والعار لقوم يقولون لنبيهم هذا القول .
إن هذا الجيل المهزوم لم يكن له شرف حمل الرسالة ، والحصول على الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم فترة من الزمن ، فضرب الله عليهم عقوبته بالتيه في صحراء سيناء أربعين سنة ، عاشوا فيها ، فمات من مات من جيل الهزيمة ، ووُلِد جيل عاش شظف العيش ، ومارس شدائد الحياة الصحراوية ، فكان الفتح على يديه بعد أن انتقل موسى وهارون إلى الرفيق الأعلى في زمن التيه ، فانظر ؛ كم الفرق بين الوعد وتحقيقه ؟ ولكن الناس يستعجلون النصر .
وإذا تأملت واقعنا اليوم وجدتنا نعيش شيئًا من واقع تلك الأمة المخذولة التي ضُرب عليها التيه ، واستكانت للراحة والدعة ، وكرهت معالي الأمور التي لا تأتي إلا بعد الكدِّ والجدِّ والتعب ، فلا ترانا نزاحم على القوة العظمى ، ونقنع بالدون والهوان ، فأخشى أن نكون ـ ونحن بهذا الحال ـ لسنا جيل النصر ، والله غالب على أمره ، والأمر كما قال تعالى: ( وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) ، ولن يأتي ذلك إلا بالتغيير ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ، فإذا حصل ذلك جاء الجيل الذي أشار اله إليه بقوله تعالى ( فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) ، فأسأل الله العظيم أن لا يحرمنا فضله ، وأن يجعلنا ممن يُؤتاه .
2 ـ في الفعل ( نُري ) من قوله تعالى ( ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) قراءتان : ( نُري ) ( يَرى ) ، ومؤدى المعنيين في القراءتين واحد ، فهو سبحانه يريهم فيرون ، فالفعل من الله ابتداء تقدير ، ومنهم تحقق وحدوث .
3 ـ في قضاء الله لطف وخفاء عجيب لا يمكن إدراكه إلا بعد وقوعه ، فانظر كيف توعَّد فرعون وهامان وجنودهما ، فقال : ( ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) ، فقدَّر الله ـ من حيث لا يشعرون ، ولا يستطيعون ردَّ قضائه مهما بلغوا من قوة أو علم ـ أن يكون بيت فرعون حاضنًا لعدوِّه الذي سينهي أمره ، فبالله عليك ، أترى قوة في الأرض تستطيع إدراك هذا القدر قبل وقوعه ، فتتقيه ، وتأمل ما يقال ـ بغض النظر عن دقته وصحته ـ من مساعدة أمريكا للأفغان في حربهم على الروس ، وكيف انتهى الأمر بأولئك أن حاربوا أمريكا التي كانت تمدهم بالسلاح ، ولله فيما يقدر أسرار ولطائف .
ولو قرأت في التاريخ ، ونظرت في قصص من حولك ، لوجدت مثل تلك الصورة ، فكم من امرئ أنعم على عبد من عباد الله ، وكان ذلك العبد سببًا في هلاكه وزوال أمره وموته ؟
قوله تعالى ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ )
1 ـ لقد جاء الولد المختار من بني إسرائيل الذي سيكون هلاك فرعون وقومه على يديه ، جاء وهم يقتلون الأبناء ، فانظر لطف الله ، ورعايته ، ودقيق قدره في تخليص موسى عليه السلام من القتل ؟
2 ـ أرأيت لو كنت متجرِّدًا من معرفة ذا الخبر ، وقيل لك : إن امرأة وضعت ابنها في تابوت ، وألقته في النهر ، تريد له الأمان ، أفكنت ترى ذلك من العقل والحكمة في شيء ؟!
إن هذا الموضوع لو كان عُرِض عليَّ وعليك ، لقلنا : إنه مجانب للعقل والحكمة .
لكن الذي أمر بذلك هو من يعلم السرَّ وأخفى ، ألقته في اليمِّ ، وسار التابوت برعاية الله له ، فهو الذي أمر ، فأنَّى لمخلوق أن يؤذي هذا الرضيع ، وتابوته يتهادى بين مياه النهر ؟!
3 ـ إن في إرضاعها لموسى أول الأمر سرًا لطيفًا ، وهو أن هذا الطفل سيتذكر ذلك الثدي الذي أرضعه الحليب أول مرة ، فإذا عُرض على المراضع لم يأنس بها ، وانتظر ما بقي في ذاكرته الطفولية من ذلك الثدي الأول ؛ إنه إلهام الله ، وتقديره الخفي الذي لَطُف فدقَّ ، ولَطَفَ فرفق .
4 ـ اشتملت الآية على لطائف من تنويع الخطاب ، ففيها أمران ( أرضعيه ، فألقيه ) ، وفيها نهيان ( لا تخافي ، ولا تحزني ) ، وفيها بشارتان ( رادُّه ، وجاعلوه ) .
5 ـ اشتمل النهيان على الماضي والمستقبل ، فقوله : ( لا تخافي ) أي عليه فيما يستقبله من قدر ، وقوله ( ولا تحزني ) على فقده .
6 ـ تأمَّل البشارتين كيف جاءتا مؤكَّدتين تأكيدًا بليغًا يتناسبان مع موقف تلك الأم المفطورة في ولدها ( إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) فإن للتوكيد ، ومجيء (رادوه ، وجاعلوه ) على اسم الفاعل بدلاً من الفعل لتكون الجملة اسمية ، فتدل على الثبوت .
يالَ قلب تلك الأم المسكينة ، ألقت ابنها في اليم ، وأصبح قلبها خاليًا من كل شيء سوى ذكر موسى ، فكادت ـ ولم تفعل ـ أن تخبر بأنه ابنها ، وليكن ما يكن ، لكنَّ لله أمرًا لابدَّ أن يمضي على تقديره ، فربط على قلب الأم ؛ ثبَّتها وصبَّرها حين لات صبر ، ثم بدأت تفعل الأسباب ، فقالت لأخته : اتبعي أثره ، وانظري أمره ، فكان ما كان من رجوعه ، وتحقق وعد الله لها ، فيالها من فرحة عاشتها أم موسى ، وهنيئًا لها البشارة الثانية بالرسالة .
 
التعديل الأخير:
بارك الله فيكم أبا عبدالملك على هذه اللطائف والفوائد. ومما ظهر لي أيضاً في هذه الآيات.
1- في قوله تعالى :(يستضعف طائفة منهم ..) إشارة إلى أن هناك من لم يقع عليه الاستضعاف ، ولم ينله تأثير هذا الإرهاب الذي مارسه فرعون على بني إسرائيل ، إما لقوة يقينهم وصبرهم ، وإما لأسباب أخرى ، وهؤلاء هم الذين يحفظ الله بهم توازن المجتمع من الانهيار ، والهزيمة النفسية. وهذا من رحمة الله بالمؤمنين ، وحفظه لهم ، فلو تمكن العدو والظالم من هزيمة الجميع نفسياً لما كان هناك بقية للقيام والنهوض والمقاومة ، ولله الحكمة البالغة ، ولعل تربية موسى عليه الصلاة والسلام في بيت فرعون قد أبعدت عنه ذلك الشعور بالضعف والهزيمة النفسية ، مما مهد لقيامه بأمر الله سبحانه وتعالى بعد ذلك.

2- في قوله تعالى :(ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) دلالة على أن نصر الله للمؤمنين ، ومكره بالكافرين ، لا يمنعه ما يدعيه الأعداء من اتخاذ التدابير اللازمة لردع العدوان ، والحذر الشديد ، وسد كل الثغرات التي قد ينفذ منها المؤمنون . فهم يتوقعون ويحذرون ويدرسون ويضعون الخطط المستقبلية لمنع وقوع أي اختراقات لصفوفهم ، ولكن الله يريهم فوق هذا كله من أوليائه المؤمنين ما كانوا يحذرونه منهم ، ويظنون أنهم لا يصلون إليه ، وقد وقع بالفعل ما كان يحذره فرعون ، فهلك ومن معه على يد من كانوا يتوقعون منه ذلك وهم بنو إسرائيل ، ونصر الله موسى ومن معه ، وكذلك ينصر الله أوليائه في كل زمان ومكان.

3- في قوله تعالى :(ونري فرعون وهامان وجنودهما...) دلالة على أن الظالم الطاغية لا يصنع شيئاً بمفرده ، وأنه لا يصل إلى ظلم الناس ، والتسلط عليهم إلا بمعونة ومظاهرة من بطانة تعينه على الظلم ، وتزين له الباطل ، كما فعل هامان وزيره ، وجنوده الذين يستجيبون له في ظلم الناس وقهرهم ، والتسلط عليهم. وهذا حال الطغاة في كل زمان ومكان ، فلو وجد الظالم من يمتنع عن الاستجابة لأمره بالباطل ، ومن ينصحه ويرده للصواب ، لما وصل لكثير مما يحصل له . وقديماً قالت العامة في أمثالها : قيل لفرعون : ما الذي فرعنك ؟ قال : لم أجد من يردعني !
 
جزاكما الله خير الجزاء وأثابكما على ذلك ونفعنا بعلمكما .. ولكن ..
أولا : ألا ترى يا شيخ / عبدالرحمن – حفظك الله – أن الطائفة المشار إليها، هم بنو إسرائيل، فإن الله سبحانه قد قال: (علا في الأرض وجعل أهلها شيعا)، فقد مايز فرعون بين أهل الأرض، فاستضعف بعضهم فقتّل أبناءهم، واستحيا نساءهم، وهم بنو إسرائيل، وطائفة أخرى – وهم قومه – لم يستضعفهم، ولم يصنع بهم مثل ما صنع بغيرهم، فلم يكن ذلك لقوتهم أو إيمانهم، وإنما نتيجة للسياسة التي اتخذها.
وتقسيم الحكام للشعوب إلى شيع وطوائف حاصل اليوم لدى كثير من الطغاة المعاصرين، فطائفة يرجى منها خدمة الطاغية، سواء كانوا من قرابته أو معاونيه، وهؤلاء لهم عناية ورعاية خاصة، وهم ممكنون مخدومون.. وطائفة أخرى يخشى منها على الطاغية فيلجأ الطاغية لاستضعافهم وجعلهم في الخدمة.

ثانيا : بدا لي بعض الفوائد من خلال النظر في الآيات :
1 - أن الطغاة يبذلون كل ما في وسعهم للحفاظ على كراسيهم، فلا يتورعون عن أي فعل، ولا يتحرجون من أي جريمة في سبيل ذلك، حتى ولو أدى ذلك إلى سفك دماء الأبرياء دون أي ذنب ارتكبوه، بل دون أي شبهة، ولا يوجد في قاموس الطغاة (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، بل إنهم يعاملون الإنسان على الظن، وإن كان هذا الظن بنسبة ضئيلة جدا، وهذا ما صنعه فرعون: (يقتل أبناءهم)، فهاهو فرعون يقتل الصبيان، خشية أن يكون في بني إسرائيل من يكون زوال ملكه على يديه، دون أن يميز بين شخص وآخر، فقتل أعدادا كبيرة، لخشيته من شخص واحد.
كما أنه لا يوجد في قاموس الحكم الذي لا يلتزم بالمنهج الإسلامي، لا يوجد في قاموسه أمور محرمة، فكل الوسائل مباحة ما دامت لحماية الحاكم، وقد قال فرعون: (ذروني أقتل موسى).

2 - إذا كان في مقابلة الأبناء بالنساء سر لطيف، ذكره الدكتور/ مساعد حفظه الله، فلعل في ذلك سر آخر، في ذكر لفظ الأبناء، ففرعون لم يقتّل ذكورهم، ولم يقتّل رجالهم، وإنما قتل وذبح أبناءهم، وفي ذلك زيادة تشنيع عليه، وتأكيد للجرم الذي ارتكبه بحق أبناء صغار مواليد، وليس بحق بني إسرائيل عموما.

3 - قوله سبحانه: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض) لم يذكر الله سبحانه مَن سيمن عليهم ويمكنهم في الأرض بأسمائهم، وإنما ذكرهم بوصفهم (الذين استضعفوا)، وفي هذا سر لطيف، فإنه من الطبيعي أن ينتقل الملك من قبيلة إلى أخرى، ومن شخص إلى شخص، ولكن أن ينتقل الملك إلى الطبقة المستضعفة المغلوب على أمرها فذلك أمر لا يتوقعه البشر بعلمهم القاصر، فالتمكين سيكون للمستضعفين في الأرض.
وفي هذا بيان حكمة الله سبحانه في نزع الملك من طائفة إلى طائفة، وعبرة في تحول الملك وزواله من قوم إلى قوم، ويشهد لذلك قوله سبحانه: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء)، وقوله سبحانه: (وتلك الأيام نداولها بين الناس).

4 - قوله سبحانه: (ونري فرعون وهامان وجنودهما) فيه دليل على أن الذل الذي يلحق بالحاكم الظالم، لا يسلم منه أعوانه وجنوده، فكل من كان عونا للظالم فهو زائل بزوال الظالم.
وجزاكم الله خيرا..
 
أصبت في استدراكك يا دكتور صالح ، ووفقت للصواب ، فالضمير في قوله :(يستضعف طائفة منهم) يعود على سكان مصر جميعاً ، والاستنباط بني على أنه يعود على بني إسرائيل فقط ، فأحسن الله إليك ، ووفقك لكل خير على حسن تعليمك. وظهر لي ..
- في قوله تعالى :(ونري فرعون وهامان...) إشارة إلى أن من الإهانة للطاغية الظالم وأعوانه ، أن يبقيهم الله حتى يروا بأعينهم نهايتهم وذلهم ، وتمكن أهل الحق من الأمر ، واستخلافهم في الأرض. وهذا أبلغ في إهانتهم وعذابهم من إهلاكهم قبل تمكين جنود الله من زمام الأمور ، وليس الخَبَرُ كالمعاينة.
 
{ لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب } : فلنف بالشرط ليتحقق الوعد

{ لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب } : فلنف بالشرط ليتحقق الوعد

و قد أجاد صاحب " في ظلال القرآن " الشهيد سيد قطب – رحمه الله و جزاه خير الجزاء - تنزيل آي الذكر الحكيم على واقع الأمة الإسلامية المعيش ، و استخلاص الدروس و العبر منها ، و يعد تفسيره هذا من أفضل ما كتنب في هذا الشأن ، و إلحاقا لما تقدم بيانه من الأكارم الأفاضل – أكرمهم الله – أنقل بعض ما كنت اقتطفته من تفسير " الظلال " مما له تعلق بالموضوع ، قال رحمه الله – بعد أن ذكر أن الله عز و جل قد حكى في القرآن الكريم عن بني إسرائيل - و ما وقع لهم و كذا ما وقع منهم - أكثر مما حكى عن غيرهم من الأمم الماضية - :

• ( ليحذر الأمة المسلمة من الوقوع في مثله ، حتى لا تسلب منهم الخلافة في الأرض ، و الأمانة التي ناطها بهم ، فلما فعلوا ما وقع فيه بنو إسرائيل ، و طرحوا منهج الله و شريعته ، و حكَموا أهواءهم و شهواتهم : ضربهم الله بما ضرب به بني إسرائيل من قبل من الفرقة و الضعف و الذلة و الهوان ، و الشقاء و التعاسة – إلا أن يستجيبوا لله و رسوله ، و إلا أن يخضعوا لشريعته و كتابه ، و إلا أن يفوا بعهد الله و يذكروا ما فيه لعلهم يهتدون ) .
• .
• و معذرة على الخلو من رقم الصفحة و الجزء ، فقد سهوت عن إثباته في حينه ، و لعلي أرجع إليه و أثبته ،
• و هذا الذي ذكره هو حال أمتنا اليوم في مشارق الأرض و مغاربها : فرقة و ضعف ، و ذلة و هوان ، حتي استبيحت أرضنا و بلادنا – و ما فلسطين و البوسنة و العراق و الشيشان و كشمير و غيرهم منا ببعيد – كما اسبيحت مقدساتنا ، بل أحد أعز مقدساتنا – المسجد الأقصى المبارك ، و غيره مما لايعد و لايحصى ، و كذا استبيحت و انتهكت أعراض نسائنا و أخواتنا و بناتنا ، بل و أمهاتنا بل جداتنا في البوسنة و في العراق وكشمير و غيرهم – و أصبح اليهود أذل خلق الله سادة علينا و يحتلون أرضنا و يغزون بلادنا متى شاءوا ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

و في مثل ذلك قال رحمه الله :

** ( حتى إذا انتفعت الأمة بالبلاء ، و جازت الابتلاء ، و خافت فطلبت الأمن، و ذلت فطلبت العزة ، و تخلفت فطلبت الاستخلاف - كل ذلك بالوسائل التي أرادها الله و بشروطه التي قررها - تحقق وعد الله الذي لا يتخلف ، و لا تقف في طريقه قوة من قوى الأرض جميعا ) . انتهى

- { و لينصرن الله من ينصره }

ألا إن الوعد قائم ، و الشرط واضح و قائم كذلك ،
فلنف بالشرط ليتحقق الوعد ، و إلا فلا
 
2 - إذا كان في مقابلة الأبناء بالنساء سر لطيف، ذكره الدكتور/ مساعد حفظه الله، فلعل في ذلك سر آخر، في ذكر لفظ الأبناء، ففرعون لم يقتّل ذكورهم، ولم يقتّل رجالهم، وإنما قتل وذبح أبناءهم، وفي ذلك زيادة تشنيع عليه، وتأكيد للجرم الذي ارتكبه بحق أبناء صغار مواليد، وليس بحق بني إسرائيل عموما.

ذكر السُّدِّي عن أبي صالح وأبي مالك عن ابن عباس وعن مُرَّةَ عن ابنِ مسعودٍ وعن أُناسٍ من الصحابة: أنَّ فرعونَ رأى في منامهِ كأنَّ نارًا قد أقبلتْ من نحو بيتِ المقدس، فأحرقت دورَ مِصْرَ وجَميع القبط، ولم تَضُر بني إسرائيل، فلما استيقظ هالَهُ ذلك فجمعَ الكهنةَ والحذَقَة والسحرةَ, وسألَهُم عن ذلك, فقالوا: هذا غلامٌ يُولَدُ من هؤلاء يكونُ سببُ هلاكِ أهلِ مصر على يديْه، فلهذا أمرَ بقتلِ الغلمانِ وتركِ النساءِ ..
 
ذكر السُّدِّي عن أبي صالح وأبي مالك عن ابن عباس وعن مُرَّةَ عن ابنِ مسعودٍ وعن أُناسٍ من الصحابة: أنَّ فرعونَ رأى في منامهِ كأنَّ نارًا قد أقبلتْ من نحو بيتِ المقدس، فأحرقت دورَ مِصْرَ وجَميع القبط، ولم تَضُر بني إسرائيل، فلما استيقظ هالَهُ ذلك فجمعَ الكهنةَ والحذَقَة والسحرةَ, وسألَهُم عن ذلك, فقالوا: هذا غلامٌ يُولَدُ من هؤلاء يكونُ سببُ هلاكِ أهلِ مصر على يديْه، فلهذا أمرَ بقتلِ الغلمانِ وتركِ النساءِ ..
لكن هذا الأثر لا يصح سنده، هل من سبب آخر لأمره بقتل الأطفال ؟
- لعل السبب هو شعوره بالخطر المحدق بملكه جراء تزايد أعداد بني إسرائيل فأمر بقتلهم.
- أو لعله كان بعد إرسال موسى صل1 واتباعهم له، فيكون هو المقصود عينه في قوله تعالى (((فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين ءامنوا معه واستحيوا نساءهم ))) في يونس، ومثله في الأعراف، وتكون هذه الآيات مقدمة لقصة فرعون معرفة بجرائمه، وليس بالضرورة أن يكون الترتيب مقصودا لمجرد أنها وردت قبل الآيات التي تقص علينا مولد موسى صل1، وهذا أسلوب قصصي بديع معروف.
- ولا يخفى أنا إذا قلنا بالأول، صار لدينا فترتان للذبح :
قبل مولد موسى صل1، وبعدها توقف الذبح كذلك، إما لزوال السبب الذي كان يخشاه، أو بتأثير من موسى صل1...
ثم تجدد بعد بعثته.
إشارات طيبة بارك الله فيكم أجمعين، وصدق من قال " لا تنقضي عجائبه "
 
أيضاً من هذه اللطائف أو اللفتات كلمة (علا) . والعلو فيه ذم إذا كان صفة للكافر. إلا أن يكون صفة لله أو لعبادة الصالحين .. أما للكافر العاصي فلا يعني إلا الكبر والغطرسة والظلم. انظر الى الآيات القرآنية التالية:

سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا
وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ
وَأَنْ لاَّ تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (19)
مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بعض
وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا
وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا
تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
 
لكن هذا الأثر لا يصح سنده، هل من سبب آخر لأمره بقتل الأطفال ؟
- لعل السبب هو شعوره بالخطر المحدق بملكه جراء تزايد أعداد بني إسرائيل فأمر بقتلهم.
أقول والله أعلم بالصواب:
أن فرعون لعنه الله هو أول من سن قانون تحديد نوع النسل بذكر واحد فقط.
أي أنه حكم بأن لا يزيد عدد المواليد الذكور في العائلة الواحدة عن ذكر واحد
ليحفظ بذلك نسل الأسرة ولا يسمح بوجود مولود ذكر أكثر من ذلك فإن وجد كان حكمه القتل ،،
لذا عندما جاء هارون -وهو أكبر من موسى - لم تخش عليه أمه،،،
ولكن مجيء موسى عليه السلام بعده جعلها تخشى عليه من القتل،،،
وأما المواليد الإناث فلا ضرر من كثرتهن في الأسرة.
وما تحديد النسل الموجود اليوم في بعض الدول إلا سيئة من سيئات ذاك الظالم
والله أعلم.
أمر آخر:
ألا ينطبق قوله تعالى( جعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم) على ما يسمى اليوم بنظام المواطن وغير المواطن (الأجنبي) الموجود في جميع دول العالم فهذا النظام فيه تقسيم لأهل البلد الواحد وأيضا فيه استضعاف لطائفة منهم،،،
أتحفونا بتعليقاتكم بارك الله فيكم.
 
أظن أن فرعون كان يقتل في سنة ويترك القتل في سنة. ولم يحدد النسل في ذكر واحد. هارون ولد في السنة التي لا يقتل فيها. بعكس موسى الذي ولد في سنة القتل.
والى ذلك ذهب أهل التفسير قال الطبراني: إن فرعونَ كان يقتلُ غِلْمَانَ بنِي إسرائيلَ ، ثُم خَشِيَ أن يَفْنَى نسلُ بني إسرائيلَ ، فكان يقتلُ بعد ذلك في سنةٍ ولا يقتلُ في سنةٍ ، فوُلِدَ موسى في السَّنة التي يقتلُ فيها الغلمانَ ، فنجَّاهُ الله من القتلِ بأن ألْهَمَ أُمَّهُ أن جعلته في التابوتِ
 
وأضيف أيضا أن فرعون لم يدر بخلده أن ملكه سيزول على يد فرد من أبناء بني إسرائيل
ولو كان ذلك لما أبقى منهم رئة تتنفس وهذه عادة الحكام على مر الأزمان
لذا هو لم يكن يقتل في سنة ويدع القتل في سنة أخرى.
والله أعلم
 
وأضيف أيضا أن فرعون لم يدر بخلده أن ملكه سيزول على يد فرد من أبناء بني إسرائيل
بل كان يعلم. ولأجل أنه يعلم قرر أن يقتل كل مولود في بني اسرائيل خوفاً على عرشه. يا حبذا لو تراجع التفاسير ولو من باب الإطلاع فقط. لأن التفسير يحتاج لأقوال الأولين. ولا يؤخذ بالظن والرأي أحياناً.
 
(يا حبذا لو تراجع التفاسير ولو من باب الإطلاع فقط)
جزاك الله خيرا قد عدت إلى كتب التفسير واطلعت على ما ذكرتْ في هذا الشأن
ولو كان يعلم فرعون بذلك لما أبقى منهم عينا تطرف
والله أعلم.
 
التعديل الأخير:
قد عدت إلى كتب التفسير واطلعت على ما ذكرتْ في هذا الشأن
ولو كان يعلم فرعون بذلك لما أبقى منهم عينا تطرف
والله أعلم.
وهل وجدت أيضاً أن فرعون كان يسمح بإنجاب ذكر واحد للأسرة ؟؟؟ ولماذا يقتلهم وهم عبيد اصلاً يقول سبحانه:(وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ) . فأين المصلحة في قتلهم؟؟؟ إلا أن يكون قد عرف أنه يظهر فيهم رسولاً يزيل عرشه .
 
وهل وجدت أيضاً أن فرعون كان يسمح بإنجاب ذكر واحد للأسرة ؟؟؟
لا لم أجد ذلك ولو كان يجب علي أن أقول ما ذكرته كتب التفسير فقط فلا حاجة إذن أن أبدي رأيي
وهل الحوار في الملتقى هو نقل ما سطره علماء التفسير فقط؟
فهذا ليس حوارا بل هو نسخ كلام الغير دون مشاركة من ناقله.
وأما عن سؤال المصلحة في قتلهم فهو لإضعاف شوكتهم وقوتهم وجعلهم تحت سلطته.
والله أعلم
 
السلام عليكم أتمنى منكم الافادة في موضوع تحقيقات ابن كثير فلدي بحث في ذلك ولم اجد مراجع كافية في ذلك
 
.
وأما عن سؤال المصلحة في قتلهم فهو لإضعاف شوكتهم وقوتهم وجعلهم تحت سلطته.
والله أعلم
أي شوكة هذه التي تتحدث عنها وقد قلنا أنهم كانوا عبيداً لا حول ولا قوة لهم ؟؟؟؟؟.
 
لا بأس إن لم تقنع بالسبب الذي ذكرتُه - مع أني لا أجد تعارضا بين قتل أبنائهم لذلك السبب وبين كونهم عبيدا - ولكن
أنه كان يقتلهم سنة ويدعهم سنة لأنه علم بأن فردا منهم سيزيل عرشه فهذا أمر لايعقل!!!
ألم يفكر بأن من سيزيل عرشه قد يولد في السنة التي لا يقتل فيها!!!؟؟
وما الذي معنه من إبادتهم جميعا؟؟؟؟
هل صحيح أنه تركهم سنة لئلا يفنَوا فلا يجد قوم فرعون مَن يخدمهم؟ أمر فيه شَكَكٌ،،،
هل يُبقي ذاك الطاغية أمةً يُوجد بينها مَن سيقض أركان عرشه ثم لا يحرك ساكنا!!!؟؟؟؟
في تصوري أن هذا ليس من سياسة الطغاة أبدا بل هو من سياسة الرعاع والغوغاء فعلا.
والله أعلم.
ملحوظة صغيرة:
لا أجد لأبي سعد أي مداخلة في هذا الحوار عسى المانع يكون خيرا
سلام الله يامطر عليه
وأنت عليك يا مطر السلام
 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى