لطائف في معاني أيام التشريق للشيخ إبراهيم الدحيم رحمه الله

عمر المقبل

New member
إنضم
06/07/2003
المشاركات
805
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الشيخ إبراهيم الدحيم رحمه الله .. أحد أصدقاء الصبا ، وأحد الدعاة الصادقين ـ ولا نزكيه على الله ـ رحل في 15/9/1429هـ ، وقد كتبتُ شيئاً من المشاعر التي خالجتني إبان مصابي بوفاته في هذا الموضوع : أبو حذيفة لم يمت!! كلمة وفاء في حق فارس من فرسان الدعوة


ووفاء بحقه .. فهذه كلمات نثرها في إحدى خطبه ، لم تخل من لطائف تتعلق بالأضحى وأيام التشريق .. أضعها بين يدي الإخوة ، خاصة وأن فيهم خطباء ..

اللهم اغفر لأبي حذيفة ، وارفع درجته في المهديين ..
ــــــــــــــــــ
قال رحمه الله:


الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا وتبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا ً وقمرا منيرا وهو الذي جعل الليل والنهار خلقة لمن أراد أن يذكر أو أرآد شكورا أحمده وأشكره وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأستغفره وأشهد أن محمد عبده ورسوله وخيرته من خلقه --وآله وصحابته وسلم تسليماً كثيرا
أما بعد:
عباد الله اتقوا الله تعالى وراقبوه وأشكروا نعمه وأطيعوه "ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديد"
أخرج الإمام مسلم عن نبيشة الهذلي -- قال : قال: رسول الله :" أيام التشريق أيآم أكل وشرب وذكر لله عز وجل"
وأيآم التشريق هي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجه وسميت بذالك! لإن الناس يشرقون فيها لحوم الأضاحي والهدي أي:( يقدرونها وينشرونها للشمس)
" أيآم التشريق أيآم أكل وشرب وذكر لله عز وجل"
في الحديث سرٌ عجيب وملخص جميل وهو أن الإنسان مرتبط بعبوديته لربه في كل حال من أحواله وفي كل زمان من الأزمنه فليس هناك وقت ينفك فيه المسلم عن عبوديته لربه ،فكما أن يتعبد لله تعالى في الإمتناع عن الأكل والشرب حال الصيام ، فإنه في هذا الأيام يتعبد له تعالى في الأكل والشرب لإمر الشارع له بذالك ، إذ لو صام هذه الأيآم لكان مأزورا غير مأجورا الا اللهم من كان متمتعاً ولم يجد الهدي ففي صيامه هذه الأيام خلاف مشهور بين أهل العلم ..
أيها المسلمون: وفي الحديث إشارة أخرى إلى أن الأكل والشرب في أيآم الأعياد ويستعان به على طاعة الله تعالى لا على معصيته ، لأن المأكول والمشروب من نعم الله.
ونعم الله تحتاج إلى شكر المنعم وشكر الله يتنافى مع معصيته ، بل يلزم في الشكر طاعة المنعم ،قال إبن رجب-رحمه الله-:"وفي قول النبي-- :"أنها أيام أكلٍ وشربٍ وذكرٍ لله عز وجل"إشارةٌ إلى أن الأكل في أيام الأعياد والشرب ,إنما يستعان به على الطاعات وقد أمر الله تعالى في كتابه بالأكل من الطيبات والشكر له,فمن إستعان بنعم الله على معاصيه فقد كفر نعمة الله,وبدلها كفراً وهو جدير أن يُسلبها,كما قيل:
إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
وداوم عليها بشكر الإله فشكر الإله يـزيل النقم "أهـ.
أيها المسلمون:إن هذه البهيمة التي يأكلها الإنسان قد سخرها الله له,وهي مطيعة لله تعالى لا تعصيه,وهي مسبحةٌ له قانتةٌ "وإن من شيء إلا يسبح بحمده "، وأنها أيضاً تسجد لله كما قال تعالى:"ألم تر أن الله يسجد له من في السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثيرٌ من الناس"بل ربما كانت البهيمة التي في يده أكثر منه ذكرا لله تعالى,وفي المسند عن الرسول-ص قال:رٌب بهيمةٌ خيرٌ من راكبها,وأكثر منه ذكراً".
إنه لمشهدٌ عظيم ,وشئ عجيب أن ترى الكون كله بسمواته وأراضينه وكواكبه ونجومه وجباله وأشجاره وحيواناته ونباته,أن تراه كله يسير في نسق واحد,وخطٍ مستقيم,وكلها تسبيحٌ لله وتحميدٌ وتمجيد وسجودٍ وتعظيم ,وإذا بالإنسان تجاه هذا الطريق على قسمين :قسم يسير على الفطره,يسير مع هذه الكواكب تسبيحاً وتمجيداً وتحميداً.وقسمٌ آخرمن الناس,إرتضى لنفسه العناء والعذاب ,فهو يسير في خطٍ معاكسٍ لجميع هذه المخلوقات ,فهو الشاذ النشّاز في هذا الكون,وغيره ممن أطاع الله هو الأصل."وكثيرٌ حق عليه العذاب"أي:ممن سار في الخط المعاكس ,وعصى الرب-جل وعلا- ولذالك حقت عليه الذلة والمهانه"ومن يُهن الله فما له من مكرم"إذاً لاكرامة إلا بإكرام الله ولا عزةَ إلا بعزة الله ,وقد ذل وهان من دان لغي الدّيان.قال الحسن البصري-رحمه الله-"إنهم وإن طفطقت بهم البغال,وهملجت بهم البراذين إلا أن ذل المعصية لايفارق جباههم إنه الله أبى إلا أن يذل من عصاه ".قال بعض العلماء:قسم الله تعالى الخلائق ثلاثة أقسام:فسمٌ خُلِقوا بعقلٍ بغير شهوةٍ وهم:الملائكة,وقسمٌ خلقوا بشهوةٍ بغير عقل:وهم الدواب,وقسمٌ خلقوا بشهوة وعقل وهم:بنو آدم,فمن غلب عقله على شهوته,كان مع الملائكة ,ومن غلب شهوته على عقله كان مع الدواب"أهـ. بل نقول من تَغَلّبْ على شهوته ,وأطاع ربه فإنه قد يرتقي إلى درجة تغبطه فيه الملائكة,ومن إتبع الشهوة وضل وأضل نفسه وغوى فقد يصل به الحال إلى أن يكون أضل من الأنعام"أولائك كالأنعام بل هم أضل.."
أيها المسلمون:أيام التشريق أيام أكلِ وشربٍ وذكر لله عز وجل...
إعلموا أيها المسلمون أن نهاية وقت الذبح للأضاحي هو غروب شمس اليوم الثالث عشر على القول الأرجح,ولا مانع من التوسع في الأكل والشرب ولا سيما اللحم لأن الرسول-- وصفها بأنها أيام أكلٍ وشربٍ,مالم يصل ذالك إلى حد الإسراف والتبذيرأو التهاون بنعم الله تعالى ,فينتقل الإنسان بهذا العمل من العبودية لله فيه إلى أخوة الشياطين"إن المسرفين كانوا إخوان الشياطين".
أيام التشريق" أيام أكلٍ وشربٍ وذكرٍ لله عز وجل"قال الأشرفي-رحمه االله-"وعقب الأكل والشرب بذكر الله,لئلا يستغرق العبد في حظوظ نفسه وينسى في هذه الأيام حقوق الله ".
أيها المسلمون:إنهذه الأيام أيام ذكرٍ لله تعالى وذكر الله تعالى المأمور به في هذه الأيام أنواعٌ متعددةٌ منها:
أولاً: ذكر الله عز وجل عقب الصلوات المكتوبه في التكبير في دُبرها وهو مشروع إلى آخر أيام التشريقْ عند جمهور العلماء,ومن العلماء من يرى أن التكبير أيام التشريق ليس مقيداً بأدبار الصلوات بل هو مطلق في سائر الأحوال,لأن الله عز وجل خص هذه الأيام بالذكر فقال"وأذكروا الله في أيامٍ معدودات"وهذا الأمر للحاج وغير الحاج ,كما ذكر ذالك القرطبي-رحمه الله-,وكذالك وصفها رسول الله-- بأنها أيام أكلٍ وشربٍ وذكرٍ لله تعالى,ويتحقق ذالك واضحاً لإذا كان التكبير في هذه الأيام تكبيراً مطلقاً في كل الأوقات والأحوال الصالحة للذكر ,:أدبار الصلوات وفي المساجد والمنازل والطريق وغير ذالك.قال الشيخ عبدالله الصالح الفوزان:وهذا قولٌ وجيه.
الله أكبــــــر الله اكبر الله أكبر لا إلــه إلا الله الله أكبر الله أكبــــــر ولله الحمـــد..
أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين,فأستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله المحمود بكل لسان ,المعبود في كل زمان ,المقصود من كل مكان,يسأله من في السموات والأرض كل يومٍ هو في شأن,أحمده وأشكره وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأستغفره وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه --وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين ,أما بعد:
أيها المسلمون:أتقوا الله تعالى حق التقوى وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى وأعلموا أن أجسادكم على النارِ لاتقوى "فأتقوا النار ولو بشق تمره..."
ومن ذكر الله المأمور به في هذه الأيام ,غير ماذكر:
ثانيا:ذكره تعالى بالتسمة والتكبير عند ذبح الهدايا والأضاحي.
ثالثا:ذكر الله عز وجل على الأكل والشرب فإن المشروع في الأكل والشرب أن يسمي الله في أوله ويحمده في آخره ,وفي الحديث"أن الله عز وجل يرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ,ويشرب الشربة فيحمده عليها.."
رابعا:ذكر الله تعالى عند رمي الجمار,وهذا يختص به أهل الموسم.
خامساً:ذكر الله مطلقاً,فإنه يستحب الإكثار منه في أيام التشريق ,كما يستحب في غيره,وقد إستحب كثيرٌ من السلف كثرة الدعاء فيها,قال إبن رجب-رحمه الله-"وفي الأمر بالذكر عند إنقضاء النسك معنى,وهو أن سائر العبادات تنقضي ويفرغ منها وذكر الله باقٍ ,ولاينقضي منه ولا يفرغ منه بل هو مستمرٌ للمؤمنين في الدنيا والآخره.أ هـ. وفي الحديث:"لايزال لسانك رطباً بذكر الله..".
أيها المسلمون:الذاكر لله تعالى منشرح الصدر,مستنير القلب,مطمئن النفس,له شهودٌ في الدنيا يشهدون بذكره,ويعرف صوته في الملأ الأعلى لذكره.قال إبن مسعود--"إن الجبل ينادي الجبل هل مر بك رجلٌ يذكر الله,فإن قال:نعم إستبشر".
الله أكبر!!حتى الجبال تفرح بذكر الله تعالى؟!.وقال بعض السلف:"إن المسلم إذا مات بكى عليه مصلاه وموضع سجوده".ولم لايبكي عليه؟!وقد فقد ذكراً ودعائاً وصلاةً وسجوداً...
ويكفيك للذكر شرفاً قوله تعالى كما في الحديث القدسي"من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ,ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خيراً منه..."فالله سبحانه في علاه يذكر الذاكر له في الأرض...
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
 
أحسن الله إليكم ووفقكم يا أبا عبدالله ، ورحم الله أبا حذيفة وغفر له وجمعنا به في جنات النعيم ، وأنا لم ألقه ولم أعرفه ولكنني قرأتُ له بعض مقالاته التي كان ينشرها في البيان ، وزادت محبتنا له بعد فراقه وكثرة ثناءكم عليه رحمه الله .
 
جزاك الله خيراً أبا عبدالله ، وغفر لك ..

والله لو رأيته لأحببته ، ولرأيت فيه نموذجاً للداعية الصادق الصامت القدوة ..
 
غفر الله له ورفع مزلته في علييين

وجزاكم الله خير على النقل الكريم
 
عودة
أعلى