(لا يَمَسُّهُ إلا المُطَهَّرُونَ﴾ [على قراءة العشرة] لا يؤخذ من صريحها حرمة مسّ المصحف

غازي أحمد

New member
إنضم
15/10/2013
المشاركات
97
مستوى التفاعل
1
النقاط
6
الإقامة
عمان ، الأردن
بسم1​
قوله تعالى (لا يَمَسُّهُ إلا المُطَهَّرُونَ﴾ [على قراءة العشرة] لا يؤخذ من صريحها حرمة مسّ المصحف وإنما تؤخذ بالاستنباط من تنبيه الآية وإشارتها، والدليل على ذلك أمور:
1) أنّ السلفَ قاطبة (فيما صحّ عنهم) حملوا "المطهَّرون" على الملائكة والمراد بالطهارة "الطهارة من الذنوب" وفيهم أنس بن مالك وأبو عالية الرياحي ومجاهد بن جبر وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم (وأضاف الأنبياء) وليس لهم مخالف ، وقد حكم ابن القيم على قول أنس بالرفع.*

2) أنّ الاستدلال بقول سلمان "لما تلا الآية" على وجوب الوضوء فيه نظر، وذلك أنّ سلمان لم يقرأها "المطهَّرون" كما عند العشرة ، قال أبو حيان: وقرأ سلمان الفارسيّ: المطهِّرون، بخفّ الطّاء وشدّ الهاء وكسرها اسم فاعلٍ من طهر، أي المطهِّرين أنفسهم؛ وعنه أيضًا المطَّهَّرون بشدّهما، أصله المتطهّرون، فأدغم التّاء في الطّاء (البحر المحيط، وانظر: الدر المصون) وعليه فتفسير المتواتر بقول سلمان هو تفسيرٌ للآية على غير قراءتها ، ولا يخفى فساده وما روي عنه في الأثر محتمل لفتح الهاء ولكسرها. ولذلك قال أبو حيان: وليس في الآية دليلٌ على منع ذلك، أي: مس المصحف (البحر المحيط)
فمن أراد أن يحتج بالشاذ -إذا صح إسناده- ، فله ذلك لكن لا على قراءة العشرة.

3) أنّ ظاهر قوله ﴿لا يَمَسُّهُ إلا المُطَهَّرُونَ﴾ بالرفع خبرٌ لفظًا ومعنًى، ولو كان نهيًا لكان مفتوحًا.
ومن حمل الآية على النهي احتاج إلى صرف الخبر عن ظاهره إلى معنى النهي والأصل في الخبر والنهي حمل كل منهما على حقيقته، وليس هاهنا موجب يوجب صرف الكلام عن الخبر إلى النهي. (ابن تيمية وتبعه ابن القيّم)

4) قال ابن عطيّة: والقول بأنّ لا يمسّه نهيٌ، قولٌ فيه ضعفٌ، وذلك أنّه إذا كان خبرًا، فهو في موضع الصّفة وقوله بعد ذلك (تنزيلٌ) صفةٌ، فإذا جعلناه نهيًا، جاء معناه أجنبيًّا معترضًا بين الصّفات، وذلك لا يحسن في وصف الكلام فتدبّره.

5) أنه قال "إلا المطهَّرون" ولم يقل "إلا المتَطِّهرُون"، ولو أراد به منع المحدِث من مسه لقال إلا المتطهِّرون كما قال تعالى ﴿إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ ويُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ﴾. وفي الحديث "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين"، فالمُتَطَهِّر فاعلُ التَّطهيرِ والمطَهَّرُ الذي طَهَّره غيرُهُ فالمتوضئ مُتَطَهِّر والملائكة مطهَّرون. (ابن تيمية وتبعه ابن القيم)

6) أن الآية سيقت تنزيهًا للقرآن من أن تنزل به الشياطين أو أن يصلوا إلى محلّه في اللوح المحفوظ ، فلا يمسونه ولا يغيّرون ما فيه كما في قوله: وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) [الشعراء].
وكما في قوله: فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (155) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16) [عبس: 12-16]. (ابن تيمية وتبعه ابن القيّم).
وفي هذا ردّ على الدميري القائل: » ولا يجوز أن يراد بالمطهرين: الملائكة؛ لأنه نفى وأثبت فكأنه قال: يمسه المطهرون لا غيرهم، والسماء ليس فيها غير المطهرين، فعلم أنه أراد الآدميين« .

7) أنَّ السورة مكيةٌ والاعتناء في السور المكية إنما هو بأصول الدين من تقرير التوحيد والمعاد والنبوة وأما تقرير الأحكام والشرائع فمظنة السور المدنية (ابن تيمية وتبعه ابن القيم)

8) أنّه قال في السّباق: (في كتابٍ مكنونٍ) والمكنون المصون المستور عن الأعين الذي لا تناله أيدي البشر كما قال تعالى ﴿كَأنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ﴾ وهذا بخلاف الذي بين أيدينا إذ يمكن أن تناله أيديهم. (ابن تيمية وتبعه ابن القيّم)
وقد أجاب الرازي بأنّ المراد ب"مكنون" المحفوظ غاية الحفظ، قال: فإذا كان (أي: الشيء) شريفًا عزيزًا لا يكتفى بالصّون والحفظ بالعين بل يستر عن العيون، ثمّ كلّما تزداد عزّته يزداد ستره فتارةً يكون مخزونًا ثمّ يجعل مدفونًا، فالسّتر صار كاللّازم للصّون البالغ. . . فذكر اللّازم وأراد الملزوم وهو بابٌ من الكلام الفصيح تقول مثلًا: فلانٌ كبريتٌ أحمر، أي قليل الوجود.
قلت: وهو خلاف الظاهر أيضا.

9) أنّه لو أريد به الكتاب الّذي بأيدي النّاس: لم يكن في الإقسام على ذلك بهذا القسم العظيم كثير فائدةٍ. إذ من المعلوم: أنّ كلّ كلامٍ فهو قابلٌ لأنّ يكون في كتابٍ حقًّا أو باطلًا. بخلاف ما إذا وقع القسم على أنّه في كتابٍ مصونٍ، مستورٍ عن العيون عند اللّه، لا يصل إليه شيطانٌ، ولا ينال منه، ولا يمسّه إلّا الأرواح الطّاهرة الزّكيّة. فهذا المعنى أليق وأجلّ وأخلق بالآية وأولى بلا شكٍّ. (ابن تيمية)
-------------------------

وقد تؤخذ حرمة مس المصحف من تنبيه الآية وإشارتها :
فيحتمل أن الإمام الشافعي أخذ الحكم من دلالة التنبيه لا من صريح الآية كما أشار إليه الرازي.
قال الرازي: إنّ المسّ بطهرٍ صفةٌ من الصّفات الدّالّة على التّعظيم والمسّ بغير طهورٍ نوع إهانةٍ في المعنى، وذلك لأنّ الأضداد ينبغي أن تقابل بالأضداد، فالمسّ بالمطهّر في مقابلة المسّ على غير طهرٍ، وترك المسّ خروجٌ عن كلّ واحدةٍ منهما فكذلك الإكرام في مقابلة الإهانة وهناك شيءٌ لا إكرام ولا إهانة فنقول: إنّ من لا يمسّ المصحف لا يكون مكرّمًا ولا مهينًا وبترك المسّ خرج عن الضّدّين ففي المسّ على الطّهر التّعظيم، وفي المسّ على الحدث الإهانة فلا تجوز وهو معنًى دقيقٌ يليق بالشّافعيّ رحمه اللّه ومن يقرب منه في الدّرجة.(تفسير الرازي)

وقال ابن القيّم: وسمعت شيخ الإسلام يقرر الاستدلال بالآية على أن المصحف لا يمسه المحدث بوجه آخر فقال هذا من باب التنبيه والإشارة إذا كانت الصحف التي في السماء لا يمسها إلا المطهرون، فكذلك الصحف التي بأيدينا من القرآن لا ينبغي أن يمسها إلا طاهر.
---------------------------

*أقوال السلف:
1) قول أنس: أحكام القرآن للطحاوي برقم 140 وإسناده صحيح
2) قول مجاهد وقول أبي العالية وقول قتادة وقول ابن زيد (الطبري بأسانيد ثابتة)
قال أبو العالية الرياحي (ثقة من كبار التابعين): "ليس أنتم ، أنتم أصحاب الذنوب"۔
وقال قتادة : "لا يمسه عند الله إلا المطهرون ، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس ، والمنافق الرجس"۔
وقال ابن زيد:"الملائكة والأنبياء والرسل التي تنزل به من عند الله مطهرة ، والأنبياء مطهرة ، فجبريل ينزل به مطهر ، والرسل الذين تجيئهم به مطهرون ، فذلك قوله : { لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } والملائكة والأنبياء والرسل من الملائكة ، والرسل من بني آدم ، فهؤلاء ينزلون به مطهرون ، وهؤلاء يتلونه على الناس مطهرون ، وقرأ قول الله { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16) } [عبس] قال : بأيدي الملائكة الذين يحصون على الناس أعمالهم"۔
وقال الطبري مرجحا قول ابن زيد: "فعم بخبره المطهرين ، ولم يخصص بعضا دون بعض ؛ فالملائكة من المطهرين ، والرسل والأنبياء من المطهرين وكل من كان مطهرا من الذنوب ، فهو ممن استثني"۔
 
عودة
أعلى