(لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) التوفيق بينها وبين الحديث

إنضم
12/01/2013
المشاركات
701
مستوى التفاعل
21
النقاط
18
العمر
53
الإقامة
مراكش-المغرب
كيف التوفيق بين قوله تعالى:

{إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكفرون}

وحديث الرجل الذي أسرف على نفسه وأمر إذا مات بحرقه؟


قال الله جل في علاه: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكفرون} [يوسف: 87].
ظاهر هذه الآية الكريمة أن الآيِسَ من رحمة الله تعالى كافرٌ، وأنه مَن يئس من رحمة أرحم الراحمين يكون في زمرة الكافرين.كما قال الإمام الرازي رحمه الله تعالى:"واعلَم أن اليأس من رحمة الله تعالى لا يحصلُ إلا إذا اعتَقَد الإنسان أن الإله غيرُ قادر على الكمال، أو غير عالِم بجميع المعلومات، أو ليس بكريم، بل هو بخيل، وكل واحد من هذه الثلاثة يُوجِب الكفر، فإذا كان اليأس لا يحصلُ إلا عند حصول أحدِ هذه الثلاثة - وكلُّ واحد منها كفرٌ - ثبَت أن اليأس لا يحصل إلا لمن كان كافرًا، والله أعلم"؛ اهـ.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره:
"فإنه لا يقطع الرجاء، ويقطع الإيَاس من الله إلا القوم الكافرون"؛ اهـ.
وقال العلامة السعدي رحمه الله تعالى: "فإنهم لكفرهم يستَبعِدون رحمته، ورحمتُه بعيدة منهم"؛ اهـ.
وقال الإمام الألوسي رحمه الله تعالى: "واستدل بعضُ أصحابنا بالآية على أن اليأس من رحمة الله تعالى كفرٌ"؛ اهـ.
وقد يُستَدل على هذا المعنى بقوله جل جلاله: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [العنكبوت: 23]، ففي الآية حصرُ اليأس في الكافرين؛ لأن تعريف طرَفَي الجملة من صيغ الحصر، كما هو معلوم.
لكن صح أن رجلاً بلغ به اليأس مبلغًا لا يُتصوَّر، ورغم ذلك فقد غفر الله له؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كان رجلٌ يُسرِف على نفسه، فلما حضره الموت قال لبَنِيه: إذا أنا متُّ فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثم ذُرُّوني في الريح، فوالله لئن قدر عليَّ ربي ليُعذِّبَنِّي عذابًا ما عذَّبه أحدًا، فلما مات فُعِل به ذلك، فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلت، فإذا هو قائمٌ، فقال: ما حمَلك على ما صنعتَ؟ قال: يا رب، خشيتُك، فغفر له))؛ رواه الإمام البخاري وغيره،فكون الله تعالى غفر له يدل على أنه لم يمت كافرًا؛ إذ الكفر لا يمكن أن يُغفَر.

فكيف نُوفِّق إذًا بين الآية وهذا الحديث؟
1- قال الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى في كتابه: "فتح الرحمن بكشف ما التبس من القرآن":"إنما ييئَسُ من رَوح الله الكافرُ لا المؤمن، عملاً بظاهر الآية، فكل من أيِس من رَوح الله، فهو كافر حتى يعود إلى الإيمان، ولا نسلم أن صاحب القصة مات آيسًا ولم يتيسر له الرجوع عن وصيته"؛ اهـ.
وهذا الكلام الأخير من الأنصاري رحمه الله مردودٌ؛ فقد صحَّ الحديث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأخبر بما سيحدث من حال ذلك الرجل يوم القيامة، فلا مناص من تصديقِه صلى الله عليه وسلم؛ فإنه كما قال ربنا جل جلاله: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4].
2- ومن وجوه الجمع - والله أعلم - أن اليأس الذي وقع من الرجل وكلامه - الذي ظاهره الكفر - حدث في حالة ذهول عظيم يصير الإنسانُ فيه فاقدًا للشعور.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري:"قال ذلك في حال دهشته وغلبة الخوف عليه حتى ذهب بعقله لما يقول، ولم يقله قاصدًا لحقيقة معناه، بل في حالة كان فيها كالغافل والذاهل والناسي، الذي لا يُؤاخَذ بما يصدر منه"؛ اهـ.
3- ومن وجوه الجمع أنه لا يسلم أن الآيسَ من رحمة الله كافر، واليأس أو الإياس، وإن كان من أكبر الكبائر، فلا يصل إلى درجة الكفر، وإنما خرجت الآية مخرجَ الترهيب والتحذير من هذا الذنب العظيم، ومما يدل على أن اليأس كبيرة وليس كفرًا: قولُ النبي صلى الله عليه وسلم - وقد سئل عن الكبائر -: ((الكبائر: الشرك بالله، والإياس من رَوح الله، والقنوط من رحمة الله))؛ السلسلة الصحيحة، ح 8732.
4- ومن وجوه الجمع أن الآية بيَّنت صفة من صفات الكفار، وهو الإياس من رحمة الله تعالى، وليس أن مَن وقع منه يكون كافرًا.
وفي هذا المعنى يقول الإمام الألوسي فيما نقله عن الشهاب: "...ومفادُ الآية أنه - أي اليأس - من صفات الكفار، لا أن مَن ارتكبه كان كافرًا بارتكابه"؛ اهـ.
5- ومن وجوه الجمع الممكنة أن الرجل لم يقُلْ ذلك ولم يقع منه هذا اليأس الكبير، وهو مُنكِر لصفات الله من الرحمة والقدرة وغيرها، وإنما استعظم ذنبَه استعظامًا جعله يستبعد هذه الرحمة والقدرة، ويعتقد أنه لا يستحقهما، وأنه ليس أهلاً لهما.

والله أعلم وأحكم.
 
1-الذي يظهر والله أعلم أن الآية ليست صريحة في تكفير من أيس من رحمة الله ،بل المقصود
أن الإياس من رحمة الله من شأن وخصال الكافرين،ولكن من أنكر سعة رحمة الله فلا شك في
كفره.

2-ذكر العطار في حاشيته على شرح جمع الجوامع أن المحلي استدل بالآية على أنه من الكبائر
بما ظاهره أنه كفر،وذكر أن في عقائد الحنفية أن الإياس من روح الله كفر،ثم قال:فإن أرادوا
الإياس لإنكار سعة الرحمة الذنوب فهو كفر،وإن أرادوا أن من استعظم ذنوبه فاستبعد العفو عنها
استبعادا يدخل في حد اليأس فالأقرب أنه كبيرة لاكفر.
3-إن سلمنا جدلا أن الآية دالة على كفر اليائس من رحمة الله فهناك فرق بين تكفير العمل وتكفير
العامل،فتكفير العامل لابد له من وجود الشروط وانتفاء الموانع،فالعامل قد يكون جاهلا أو متأولا
أو مكرها مما يمنعنا من تكفيره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى(3/231)بعد ذكره لحديث الرجل الذي
أمر أبناءه بحرقه ثم طحنه خوفا من عذاب الله:(فهذا رجل شك في قدرة الله،وفي إعادته إذا ذري،
بل اعتقد أنه لايعاد،وهذا كفر باتفاق المسلمين،ولكنه كان جاهلا لايعلم ذلك،وكان مؤمنا يخاف الله أن
يعاقبه،فغفر له بذلك).
 
عودة
أعلى