((لا يستطاع العلم براحة الجسم))

إنضم
08/02/2009
المشاركات
614
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
((لا يستطاع العلم براحة الجسم))

لما كان الإمام أبو الحجج مسلم بن الحجاج يصنف كتابه (الصحيح) الذي هو أحد مفاخر هذه الأمة،وبلغ رحمه الله أحاديث الصلاة، وبلغ منها تحديداً أحاديث مواقيت الصلاة، جاءلحديث عبد الله بن عمرو في تحديد أوقات الصلاة، وكان هذا الحديث جاءبروايات متفرعة متعددة، فرتبها ترتيباً حسناً استوعب اختلاف الطرق فيها عن قتادة عنأبي أيوب عن عبد الله بن عمرو، فلما رأى رحمه الله صنيعه هذا أراد أن يوصل رسالةلقارئ كتابه، أن هذه النتيجة الحديثية التي توصل إليها في حديث عبد الله بن عمرو لمتأت إلا بالعناء المضني، فأخرج بعدها أثراً عن الإمام الحافظ يحي بن أبي كثير(129هـ) يقول فيه: (حدثنا يحيى بن يحيى التميمي، قال أخبرنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير، قال: سمعت أبي يقول: "لا يستطاع العلم براحة الجسم" )[صحيح مسلم:ص612].

وموطن العجب هاهنا أن الإمام مسلم لا يخرج في كتابه إلا أحاديثمرفوعة عن النبي r ، هذا شرطه في الكتاب من حيث الأصل، فكيف روىهذا الأثر عن إمام من صغار التابعين، يتحدث فيه عن التعب في العلم، ووضعه بينأحاديث الصلاة؟
يقول القاضي عياض (544هـ) في كتابه إكمال المعلم:
(فكثيرٌمن يسأل عن ذكره هذا الخبر فى هذا الموضع وليس منه، ولا هو من حديث النبى r ولا من شرط الكتاب ، فقال لنا بعض شيوخنا: إن مسلماً رحمه الله أعجبه ماذكر فى الباب، وعرف مقدار ما تعب فى تحصيله وجمعه من ذلك، فأدخل بينها هذا الخبرتنبيهاً على هذا، وأنه لم يحصِّل ما ذكر إلا بعد مشقة وتعب فى الطلب، وهو بيِّن،والله أعلم). إكمال المعلم: 2/577.

واضح جداً أن هذه العبارةالتي قالها الإمام يحي بن أبي كثير (لا يستطاع العلم براحة الجسم) أنها كانت ذاتوقعٌ في نفس الإمام مسلم، وكأنه كان يستحضرها بشكل خاص، فالعبارات التي تهيج النفسعلى الجلد والدأب والمثابرة في العلم كثيرة، لكنه اختار من بين هذه النصوص عبارةالإمام يحيى بن أبي كثير هذه (لا يستطاع العلم براحة الجسم) لأن لها في نفسه أثراًأقرب إلى روحه.

ومن تأمل في ضخامة العلم، وقصر العمر، وكثرة متطلبات الحياة؛أدرك حقاً أن عبارة الإمام يحي بن كثير هذه (لا يستطاع العلم براحة الجسم) أنها: لمتخرج من طرف الذهن.. ولم تكتب بحبر الأدب.. وإنما حفرت حروفها بإزميلالتجارب..

ما أكثر ما رأيتُ عالماً شاباً بزّ أقرانه يتدفق بالأسانيدوالمسائل، أو رأيت عملاً علمياً رصيناً صار أصلاً في بابه .. إلا قلت في نفسي: رحمالله يحي بن أبي كثير حين قال (لا يستطاع العلم براحة الجسم.

من مقال: (جسر التعب) إبراهيم السكران، بتصرف يسير.
 
جزاكم الله خيرا نسأل الله من فضله العظيم
ذكرني موضوعكم بإمامنا العلامة بن الجزري -رحمه الله -كيف جد وتعب في طلب العلم وجمعه وقد ذكر في نظمه الدرة المضية
عن الظروف الصعبة التي مر بها قبل تأليفها من غربة وأسى؛إذ اعترضه قطاع الطرق وسلبوا منه كل شيء وكادوا يقتلونه ورغم ذلك وفقه الله
لنظم درته المضية مما علمه الله، وقد كلل الله مسيرته بالنجاح وكتب لها القبول لإخلاصه وصدقه في تعلم القرآن وتعليمه؛
حيث قال في خاتمة الدرة:
( غريبة أوطان بنجد نظمتها ... وعظم اشتغال البال واف وكيف لا )
( صددت عن البيت الحرام وزوري ... المقام الشريف المصطفى أشرف العلا )
( وطوقني الأعراب بالليل غفلة ... فما تركوا شيئا وكدت لأقتلا )
( فأدركني اللطف الخفي وردني ... عنيزة حتى جاءني من تكفلا )
( بحملي وإيصالي لطيبة آمنا ... فيا رب بلغني مرادي وسهلا )
( ومن بجمع الشمل واغفر ذنوبنا ... وصل على خير الأنام ومن تلا )
والله أعلم..

فيا ربنا بلغنا مرادنا وسهلا
 
عودة
أعلى