عزام عز الدين
New member
- إنضم
- 22/02/2006
- المشاركات
- 65
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
لا يزال "عجل" ما، في قلوبهم
أحمد خيري العمري- جريدة العرب القطرية
عندما أشرِب "العجل" في قلوب بني إسرائيل، كان ذلك يعني أن "العجل" قد تماهى معهم – صار في قلوبهم، حتى لو لم يعد هناك تجسيم مادي للعجل بشكل فيزيائي ومباشر على واقعهم. العجل عندما أشرب في قلوبهم، كان ذلك يعني أنه سكن رؤيتهم للحياة، دخل في كل تفصيلاتها، سكن "فيهم" ولم يعد مهماً كثيراً هنا، إن كانوا يؤدون طقساً معيناً للعجل أو لا، فالرؤية الوثنية هي التي سيطرت عليهم ، تشربت فيهم ، و صار من غير الممكن "الفصل" حقاً بينها وبين غيرها.. لقد تسربت إلى كل شيء، وتشرب كل شيء فيها..
هذه الرؤية المادية – الممثلة بالعجل – ربما لم تعبر عن نفسها لاحقاً بسجود مباشر للعجل، لكنها تمظهرت في قراءة شديدة المادية، شديدة الحرفية، للنصوص الدينية وللشعائر الدينية، أي إنها كانت بمثابة التفسير التجسيمي المباشر لنصوص يفترض أن تكون أوسع من أفق العجل والمتعبدين للعجل..
أشرب العجل رؤية بني إسرائيل – وانعكس ذلك على رؤيتهم للحياة، وصاروا لا ينظرون للحياة إلا من خلال ذلك العجل – فصارت رؤيتهم رؤية مادية شديدة التجسيم.. في كل جزء من أجزائها ثمة عجل ما، رابض.. وإن لم يبدو ذلك واضحاً للوهلة الأولى..
* * *
لكن النص القرآني لم يورد قصة العجل ودخوله في قلوب بني إسرائيل – أي في جوهر رؤيتهم للحياة، من أجل السرد التاريخي المحض. فحكاية العجل تتكرر دوماً بخطوطها العامة دون تفاصيلها.. واليوم ثمة في حياتنا الثقافية و الفكرية و حتى الاجتماعة عجل كبير جدا..
وهو عجل، لنا معه حكاية، لم تنته فصولها بعد..
* * *
هذا العجل، كما عجل السامري، يمثل رؤية حضارية مختلفة، إنه في حالة بني إسرائيل أكثر من عجل، إنه نموذج مصغر لقيم مختلفة ولتجربة حضارية مختلفة، وهو كذلك في حالتنا يمثل منظومة قيم حضارية متكاملة، يمثل حزمة كاملة تضم تجربة حضارية أخرى، أشربت قلوب "بعضهم" بها.. (حتى لا أقول قلوب الجميع).
عن أي عجل معاصر أتحدث؟ عن العجل كرمز للحضارة الغربية – عن ذلك المرض بالغرب الذي تجاوز الانبهار إلى الاستلاب الكامل. عن ذلك الاستلاب الذي تجاوز تفضيل "نمط الحياة الغربي" وتصوره كنمط الحياة الوحيد الممكن تصوره، ونمط التفكير الغربي الذي صار نمط التفكير الوحيد الذي يمكن التفكير من خلاله..
لقد أشرب "الغرب" في قلوب البعض منهم، دخل كل تفصيل وكل جزء، تماهى معهم وصار لا يمكن الفصل بينه وبينهم. سار فيهم مسرى الدم منهم. بالضبط "أُشرب" هي الكلمة التي تعبر عن حالتهم..
وهذا العجل الغربي، السمين الشهي، يفسر بعض ما يدور، وبعض ما يطرح من تفسيرات ومن طروحات، بطريقة أرى أنها أكثر صواباً، من نظرية المؤامرة الجاهزة دوماً لتغير كل ما لا يروق لنا..
فلأسباب عديدة، لا تزال نظرية المؤامرة، هي الأكثر رواجاً والأكثر استخداماً في تفسير ما يطرحه بعض أدعياء التجديد من آراء تلبس النص رداءً دينياً لتقسره على تفسير يصعب في صالح رؤية العجل الغربي للأمور..
وللإنصاف، تبدو نظرية المؤامرة مبررة تماماً هنا، فجل جهود أدعياء التجديد هؤلاء، كان يكمن في لَيّ عنق المفردة القرآنية، وإقسارها داخل قالب معدّ سلفاً، هو قالب الرؤية الغربية للحياة.. ولذلك فمن الطبيعي جداً، أن تستدعى نظرية المؤامرة، وأن نفترض أن هؤلاء مدفوعين بدعم غربي معين.. مادي ومعنوي..
والحقيقة أن الدعم الغربي موجود فعلاً، على الأقل لبعض هؤلاء، وهو دعم قد يتمثل في تمويل مراكز الأبحاث التي يشرف عليها هؤلاء، واستضافتهم في الجامعات كأساتذة زائرين، و تضخيم إعلامي لحجم فاعليتهم وأعمالهم (المتواضعة أصلاً..).. وربما لا يخلو الأمر من فائدة مادية مباشرة أو غير مباشرة من خلال ذلك كله..
لكن المؤامرة، وإن كانت موجودة، إلا أنها لا تكفي لتفسير ما يحدث. فالأمر أكثر تعقيداً – وهؤلاء، وإن تلقوا الدعم من الغرب، إلا أنهم ليسوا جواسيس أو عملاء بالمعنى المباشر السطحي للكلمة، إنهم أصحاب قضية أيضاً، وهم مقتنعون بها حتى وإن لم يحصلوا على الدعم، وهم يتصورون أنهم يحسنون صنعاً.. لقد أشرب الغرب في قلوبهم – تمكن من الدخول إلى تلافيف أدمغتهم، بل لقد شكل عقولهم – وصار هو المرجع والمقياس والبوصلة.. كل الأمور صارت تمر من خلال عدسة الغرب – وبذلك صار الغرب هو مرشح (الفلتر) الذي تمر من خلاله أبصارهم.. وبالتالي رؤيتهم للحياة..
يجب أن لا يكون هناك إشكال كبير أو أزمة في ذلك.. فالمرض بالغرب صار وباءأ عالمياً، ومن حق كل شخص أن يعتنق ما يشاء من أفكار (وأن يتحمل نتيجة خياره لاحقاً).. المشكلة بالنسبة إلينا هي أنهم لا يكتفون بتبني الخيار الغربي، وإنما يقسرون النص القرآني على تبنيه أيضاً، من خلال تجديدهم المزعوم، وتفسيراتهم للقرآن، المحكومة سلفاً بالنتائج الغربية.. مشكلة هذه التفسيرات، أنها تضع النص القرآني (الذي يفترض أن يكون هو المنتج للقيم، إذا كانوا يعترفون به كنص ديني أصلاً) في قالب القيم الغربية التي تنتمي لتجربة حضارية مختلفة ولها نسيجها القيمي الخاص بها – وعندما يحدث هذا، فإنه سيؤدي غالباً إلى تناقضات حتمية ستؤدي لاحقاً إلى رفض مناعي، أي كما يرفض جسم الإنسان أحياناً، زراعة عضو غريب في داخله، أو كما يحدث عندما يزود إنسان ما من فصيلة دم مختلفة عن دمه..
الوضع الطبي لهذه الحالة، يتطلب "تقليل المناعة" من أجل تسهيل قبول الجسم العضو الغريب.. وهذا هو بالضبط ما يفعله أدعياء التجديد، إنهم يقللون "مناعة" الجسم، عن طريق تمرير العجل إياه، أي الرؤية الليبرالية الغربية مرتدية ثوب تفسيرهم للنص الديني..
ولو أنهم أنصفوا، وكانوا منسجمين مع طروحاتهم، ومع العجل الذي تشرب في قلوبهم، لقالوا: "إننا ليبراليون وكفى.."، ولما حاولوا أن يقسروا النص القرآني على رؤاهم..
سيكون ذلك أكثر مصداقية، وأقل زيفاً..
وسيكون "التجديد" بمنأى عن "العجل الغربي"..
8-2-2008
أحمد خيري العمري- جريدة العرب القطرية
عندما أشرِب "العجل" في قلوب بني إسرائيل، كان ذلك يعني أن "العجل" قد تماهى معهم – صار في قلوبهم، حتى لو لم يعد هناك تجسيم مادي للعجل بشكل فيزيائي ومباشر على واقعهم. العجل عندما أشرب في قلوبهم، كان ذلك يعني أنه سكن رؤيتهم للحياة، دخل في كل تفصيلاتها، سكن "فيهم" ولم يعد مهماً كثيراً هنا، إن كانوا يؤدون طقساً معيناً للعجل أو لا، فالرؤية الوثنية هي التي سيطرت عليهم ، تشربت فيهم ، و صار من غير الممكن "الفصل" حقاً بينها وبين غيرها.. لقد تسربت إلى كل شيء، وتشرب كل شيء فيها..
هذه الرؤية المادية – الممثلة بالعجل – ربما لم تعبر عن نفسها لاحقاً بسجود مباشر للعجل، لكنها تمظهرت في قراءة شديدة المادية، شديدة الحرفية، للنصوص الدينية وللشعائر الدينية، أي إنها كانت بمثابة التفسير التجسيمي المباشر لنصوص يفترض أن تكون أوسع من أفق العجل والمتعبدين للعجل..
أشرب العجل رؤية بني إسرائيل – وانعكس ذلك على رؤيتهم للحياة، وصاروا لا ينظرون للحياة إلا من خلال ذلك العجل – فصارت رؤيتهم رؤية مادية شديدة التجسيم.. في كل جزء من أجزائها ثمة عجل ما، رابض.. وإن لم يبدو ذلك واضحاً للوهلة الأولى..
* * *
لكن النص القرآني لم يورد قصة العجل ودخوله في قلوب بني إسرائيل – أي في جوهر رؤيتهم للحياة، من أجل السرد التاريخي المحض. فحكاية العجل تتكرر دوماً بخطوطها العامة دون تفاصيلها.. واليوم ثمة في حياتنا الثقافية و الفكرية و حتى الاجتماعة عجل كبير جدا..
وهو عجل، لنا معه حكاية، لم تنته فصولها بعد..
* * *
هذا العجل، كما عجل السامري، يمثل رؤية حضارية مختلفة، إنه في حالة بني إسرائيل أكثر من عجل، إنه نموذج مصغر لقيم مختلفة ولتجربة حضارية مختلفة، وهو كذلك في حالتنا يمثل منظومة قيم حضارية متكاملة، يمثل حزمة كاملة تضم تجربة حضارية أخرى، أشربت قلوب "بعضهم" بها.. (حتى لا أقول قلوب الجميع).
عن أي عجل معاصر أتحدث؟ عن العجل كرمز للحضارة الغربية – عن ذلك المرض بالغرب الذي تجاوز الانبهار إلى الاستلاب الكامل. عن ذلك الاستلاب الذي تجاوز تفضيل "نمط الحياة الغربي" وتصوره كنمط الحياة الوحيد الممكن تصوره، ونمط التفكير الغربي الذي صار نمط التفكير الوحيد الذي يمكن التفكير من خلاله..
لقد أشرب "الغرب" في قلوب البعض منهم، دخل كل تفصيل وكل جزء، تماهى معهم وصار لا يمكن الفصل بينه وبينهم. سار فيهم مسرى الدم منهم. بالضبط "أُشرب" هي الكلمة التي تعبر عن حالتهم..
وهذا العجل الغربي، السمين الشهي، يفسر بعض ما يدور، وبعض ما يطرح من تفسيرات ومن طروحات، بطريقة أرى أنها أكثر صواباً، من نظرية المؤامرة الجاهزة دوماً لتغير كل ما لا يروق لنا..
فلأسباب عديدة، لا تزال نظرية المؤامرة، هي الأكثر رواجاً والأكثر استخداماً في تفسير ما يطرحه بعض أدعياء التجديد من آراء تلبس النص رداءً دينياً لتقسره على تفسير يصعب في صالح رؤية العجل الغربي للأمور..
وللإنصاف، تبدو نظرية المؤامرة مبررة تماماً هنا، فجل جهود أدعياء التجديد هؤلاء، كان يكمن في لَيّ عنق المفردة القرآنية، وإقسارها داخل قالب معدّ سلفاً، هو قالب الرؤية الغربية للحياة.. ولذلك فمن الطبيعي جداً، أن تستدعى نظرية المؤامرة، وأن نفترض أن هؤلاء مدفوعين بدعم غربي معين.. مادي ومعنوي..
والحقيقة أن الدعم الغربي موجود فعلاً، على الأقل لبعض هؤلاء، وهو دعم قد يتمثل في تمويل مراكز الأبحاث التي يشرف عليها هؤلاء، واستضافتهم في الجامعات كأساتذة زائرين، و تضخيم إعلامي لحجم فاعليتهم وأعمالهم (المتواضعة أصلاً..).. وربما لا يخلو الأمر من فائدة مادية مباشرة أو غير مباشرة من خلال ذلك كله..
لكن المؤامرة، وإن كانت موجودة، إلا أنها لا تكفي لتفسير ما يحدث. فالأمر أكثر تعقيداً – وهؤلاء، وإن تلقوا الدعم من الغرب، إلا أنهم ليسوا جواسيس أو عملاء بالمعنى المباشر السطحي للكلمة، إنهم أصحاب قضية أيضاً، وهم مقتنعون بها حتى وإن لم يحصلوا على الدعم، وهم يتصورون أنهم يحسنون صنعاً.. لقد أشرب الغرب في قلوبهم – تمكن من الدخول إلى تلافيف أدمغتهم، بل لقد شكل عقولهم – وصار هو المرجع والمقياس والبوصلة.. كل الأمور صارت تمر من خلال عدسة الغرب – وبذلك صار الغرب هو مرشح (الفلتر) الذي تمر من خلاله أبصارهم.. وبالتالي رؤيتهم للحياة..
يجب أن لا يكون هناك إشكال كبير أو أزمة في ذلك.. فالمرض بالغرب صار وباءأ عالمياً، ومن حق كل شخص أن يعتنق ما يشاء من أفكار (وأن يتحمل نتيجة خياره لاحقاً).. المشكلة بالنسبة إلينا هي أنهم لا يكتفون بتبني الخيار الغربي، وإنما يقسرون النص القرآني على تبنيه أيضاً، من خلال تجديدهم المزعوم، وتفسيراتهم للقرآن، المحكومة سلفاً بالنتائج الغربية.. مشكلة هذه التفسيرات، أنها تضع النص القرآني (الذي يفترض أن يكون هو المنتج للقيم، إذا كانوا يعترفون به كنص ديني أصلاً) في قالب القيم الغربية التي تنتمي لتجربة حضارية مختلفة ولها نسيجها القيمي الخاص بها – وعندما يحدث هذا، فإنه سيؤدي غالباً إلى تناقضات حتمية ستؤدي لاحقاً إلى رفض مناعي، أي كما يرفض جسم الإنسان أحياناً، زراعة عضو غريب في داخله، أو كما يحدث عندما يزود إنسان ما من فصيلة دم مختلفة عن دمه..
الوضع الطبي لهذه الحالة، يتطلب "تقليل المناعة" من أجل تسهيل قبول الجسم العضو الغريب.. وهذا هو بالضبط ما يفعله أدعياء التجديد، إنهم يقللون "مناعة" الجسم، عن طريق تمرير العجل إياه، أي الرؤية الليبرالية الغربية مرتدية ثوب تفسيرهم للنص الديني..
ولو أنهم أنصفوا، وكانوا منسجمين مع طروحاتهم، ومع العجل الذي تشرب في قلوبهم، لقالوا: "إننا ليبراليون وكفى.."، ولما حاولوا أن يقسروا النص القرآني على رؤاهم..
سيكون ذلك أكثر مصداقية، وأقل زيفاً..
وسيكون "التجديد" بمنأى عن "العجل الغربي"..
8-2-2008